الطعن رقم 1201 سنة 2 ق – جلسة 1/ 2/ 1932
مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة
النقض والإبرام فى المواد الجنائية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثانى (عن المدة بين 6 مارس سنة 1930 وبين 31 أكتوبر سنة 1932) – صـ 447
جلسة الاثنين أوّل فبراير سنة 1932
تحت رياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا.
القضية رقم 1201 سنة 2 القضائية
دعوى عمومية. سقوط الدعوى والعقوبة بمضى المدّة. الإجراءات القاطعة
للمدّة. الأحكام الصادرة غيابيا من محكمة الجنايات. مفعولها. الجرائم التى تنطبق عليها
المادة 50 ع هى جرائم قلقة النوع قد تكون جنايات أو جنحا تبعا للعقوبة المحكوم بها
فيها.
(المواد 224 و276 و277 و279 تحقيق جنايات)
1 – إن الخطة التى رسمها قانون تحقيق الجنايات لمحاكمة الغائب لدى محكمة الجنايات ولإعادة
محاكمته عند حضوره أو القبض عليه هى خطة واحدة لا تفريق فيها بين المحكوم عليهم لجنح
وبين المحكوم عليهم لجنايات. ولئن كانت هذه الخطة فيما يتعلق بمرتكبى جرائم الجنح تخالف
أصول المحاكمة لدى محاكم الجنح إذ لا إعلان فيها للحكم بالطرق العادية ولا معارضة فيها
ولا استئناف فان علة هذه المخالفة هى مجرّد كون المحاكمة حاصلة لدى محكمة الجنايات
ونظامها لا يحتمل التفريق وفيه من الضمان لمرتكبى الجنح ما رآه الشارع كافيا لمرتكبى
الجنايات.
2 – ومقتضى نص المادة 224 من القانون المذكور هو: أوّلا أن الحكم الغيابى الصادر على
المتهم الغائب يظل قائما لا يبطل إلا إذا حضر المحكوم عليه أو قبض عليه قبل نهاية المدّة
المقرّرة قانونا لسقوط العقوبة. ومفهوم هذا أنه إذا انقضت تلك المدّة ولم يحضر أصبح
ذلك الحكم نهائيا له ما بقى لمثله من الآثار؛ وثانيا أنه إذا حضر هذا المحكوم عليه
أو قبض عليه قبل انقضاء تلك المدّة فان الحكم يبطل والدعوى العمومية ترفع من جديد أمام
المحكمة الصادر منها الحكم الغيابى. والمفهوم الواضح من هذا أن القانون فيما يتعلق
بالمحكوم عليه فى غيبته من محكمة الجنايات قد حفظ الدعوى العمومية من السقوط بالمدّة
المقرّرة أصلا لسقوطها بحسب المادة 279 تحقيق جنايات وجعل مدة سقوطها مقيسة بمدّة سقوط
العقوبة ومقدّرة بقدرها تماما أى أنها خمس سنوات هجرية فى مواد الجنح وعشرون أو ثلاثون
بحسب الأحوال فى الجنايات.
ولما كانت الجرائم المنطبق عليها حكم المادة 50 ع هى جرائم قلقة النوع – قد تكون جنحة
أو جناية تبعا لنوع العقوبة المقضى بها – فالحكم الغيابى الذى قضى بإرسال المتهم للإصلاحية
ليسجن بها قد اعتبر أن جريمته جناية لأن هذه العقوبة هى عقوبة جناية. وإذن فالدعوى
العمومية لإعادة المحاكمة تمتدّ إلى عشرين سنة هلالية وهى المدّة المقرّرة لسقوط عقوبة
مثل الجناية المذكورة.
الطعن المقدّم من النيابة العامة فى دعواها رقم 358 سنة 1931 – 1932 المقيدة بجدول
المحكمة رقم 1201 سنة 2 قضائية ضدّ بركات عبد المحسن.
الوقائع
اتهمت النيابة العمومية بركات عبد المحسن بأنه فى ليلة 16 مارس
سنة 1926 الموافق 2 رمضان سنة 1344 بجهة أبا الوقف مركز مغاغه مديرية المنيا سرق ملابس
مبينة بالمحضر ووابور غاز لعبد العزيز حسين أحمد من منزله حالة كونه خادما عنده بالأجرة
وحالة كونه مجرما اعتاد الإجرام إذ سبق الحكم عليه بسبع عقوبات مقيدة للحرّية فى سرقات
الأخيرة منها بحبسه سنة بتاريخ 19 أبريل سنة 1925 الموافق 25 رمضان سنة 1343 وطلبت
من حضرة قاضى الإحالة إحالته إلى محكمة جنايات بنى سويف لمحاكمته بالمواد 274 فقرة
أولى وسابعة و48 فقرة ثانية و50 من قانون العقوبات والمادة الأولى من دكريتو الإجرام
الصادر فى 11 يوليه سنة 1908؛ فقرّر حضرته إحالته إلى محكمة الجنايات بتاريخ 16 أكتوبر
سنة 1926 لمحاكمته بالمواد السابقة.
ومحكمة جنايات بنى سويف سمعت هذه الدعوى وحكمت فيها غيابيا فى 6 فبراير سنة 1927 عملا
بالمواد 274 و48 و50 من قانون العقوبات والمادة الأولى من دكريتو الإجرام الصادر فى
11 يوليه سنة 1908 باعتبار المتهم بركات عبد المحسن مجرما اعتاد الإجرام وإرساله إلى
الإصلاحية ليسجن بها إلى أن يأمر وزير الحقانية بالإفراج عنه.
بعد ذلك قبض على المتهم واستجوب بمعرفة النيابة فى 19 يوليه سنة 1931 وقدّمته ثانية
لحضرة قاضى الإحالة وطلبت إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد السالفة الذكر
على التهمة المبينة آنفا. فقرّر حضرته فى أوّل سبتمبر سنة 1931 إحالته إلى محكمة الجنايات
لمحاكمته بالمواد المذكورة.
وعند نظر الدعوى أمام محكمة جنايات المنيا دفع الحاضر عن المتهم بسقوط الدعوى العمومية
لمضى المدّة القانونية على تاريخ آخر الإجراءات التى اتخذت وفوّضت النيابة الرأى للمحكمة
فى هذا الدفع. وبعد أن سمعت المحكمة الدعوى قضت فيها حضوريا فى 25 نوفمبر سنة 1931
عملا بالمادة 279 من قانون تحقيق الجنايات بسقوط الحق فى الدعوى العمومية فى هذه القضية
لمضى أكثر من ثلاث سنوات هلالية على تاريخ آخر الإجراءات التى اتخذت فيها ضدّ المتهم
وهو الحكم الغيابى الصادر فى 6 فبراير سنة 1927.
فطعن حضرة رئيس نيابة المنيا فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام فى 13 ديسمبر سنة 1931
وقدّم تقريرا بأسباب الطعن فى اليوم عينه.
المحكمة
بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن واقعة هذه المادة تتحصل فى أن قاضى الإحالة أحال المتهم على محكمة الجنايات
لمحاكمته بالمواد 274 فقرة أولى وسابعة و48 فقرة ثانية و50 من قانون العقوبات والمادة
الأولى من قانون 11 يوليه سنة 1908 لأنه سارق ومجرم اعتاد الإجرام، وقد حكمت عليه محكمة
الجنايات فى غيبته بتاريخ 6 فبراير سنة 1927 بإرساله إلى الإصلاحية ليسجن تطبيقا للمادة
الأولى من قانون معتادى الإجرام المذكور، فلما قبض عليه فى 19 يوليه سنة 1931 واستجوبته
النيابة وقدّم لمحكمة الجنايات لإعادة محاكمته رأت – كما يؤخذ من حكمها المطعون فيه
الصادر فى 25 نوفمبر سنة 1931 – أن الجريمة المسندة إليه هى جنحة وأن الدعوى العمومية
فيها قد سقطت لمضى أكثر من ثلاث سنوات هجرية من تاريخ الحكم الغيابى الصادر فى 6 فبراير
سنة 1927 إلى تاريخ مبدأ الإجراءات الجديدة وهو 19 يوليه سنة 1931، ولذلك حكمت بهذا
السقوط عملا بالمادة 279 من قانون تحقيق الجنايات. فطعنت النيابة العامة فى هذا الحكم
قائلة إن المحكمة أخطأت إذ اعتبرت أن الدعوى العمومية فيها سقطت بمضى المدة. ذلك بأن
المعتبر قانونا فيمن يحاكم أمام محكمة الجنايات أن يبقى الحكم الغيابى الصادر عليه
قائما لا يبطل إلا إذا حضر أو قبض عليه قبل نهاية المدة المقرّرة قانونا لسقوط العقوبة،
فمدة سقوط العقوبة هى الواجب اتخاذها أساسا فى متابعة المحكوم عليه غيابيا من محكمة
الجنايات لا المدة المقرّرة لسقوط الدعوى. وتقول النيابة ما يستفاد منه أنه مع التسليم
بما رأته المحكمة من اعتبار الجريمة جنحة ومع التسليم بأن هذا الاعتبار يسند إلى يوم
صدور الحكم الغيابى فانه لم يمض من يوم 6 فبراير سنة 1927 إلى 19 يوليه سنة 1931 إلا
زمن أقل من خمس السنوات الهجرية المقرّرة لسقوط العقوبة فى مواد الجنح ولذلك تطلب نقض
الحكم وإعادة الدعوى للمحكمة للسير فى موضوعها.
وحيث إن المادة 53 من قانون تشكيل محاكم الجنايات نصت على أن "المتهم الغائب تحكم فى
غيبته محكمة الجنايات حسب أحكام قانون تحقيق الجنايات" وهذا النص يشمل كل متهم يحيله
قاضى الإحالة إلى محكمة الجنايات سواء أكانت جريمته جناية بحسب قرار الإحالة وحكم فيها
باعتبارها جناية كذلك أو باعتبارها جنحة أم كانت جنحة بحسب ذلك القرار وحكم فيها باعتبارها
جنحة أيضا.
وحيث إن قانون تحقيق الجنايات عقد فصلا خاصا بمحاكمة الغائبين لدى محكمة الجنايات بيّن
فيه بالمواد 216 و217 و218 الإجراء الذى يقوم مقام إعلانهم بالحضور والإجراءات التى
تتبع فى الجلسة إلى أن يحكم عليهم، وبيّن فى المواد 219 و220 و222 و223 أحكاما خاصة
بالتضمينات المدنية التى يقضى بها عليهم، وبيّن فى المادتين 221 و224 ماذا يجب اتباعه
من الإجراءات فى الدعويين المدنية والعمومية عند حضور المحكوم عليه أو القبض عليه فقرّر
فى أولاهما ما يفيد (بمقارنته بالمادة 223) أن الحكم فيما يتعلق بالتضمينات المدنية
يصبح نهائيا لا يجوز إعادة النظر فيه إذا كان حضور الغائب أو القبض عليه لم يقع إلا
بعد انقضاء خمس سنوات من تاريخ صدوره، أما إذا وقع أيهما قبل تمام هذه المدة فيعاد
النظر فيه من هذه الجهة – وقرّر فى ثانيتهما أنه إذا حضر المحكوم عليه أو قبض
عليه قبل سقوط العقوبة بمضى المدة يبطل حتما الحكم السابق صدوره وتعاد محاكمته أمام
محكمة الجنايات بتقديمه مباشرة إليها إن كان سبق حضوره أمام قاضى الإحالة أو بتقديمه
إلى هذا القاضى إن لم يكن سبق حضوره أمامه.
وحيث إن تلك الخطة التى رسمها القانون لمحاكمة الغائب لدى محكمة الجنايات ولإعادة محاكمته
عند حضوره أو القبض عليه هى خطة واحدة لا تفريق فيها بين المحكوم عليهم لجنح وبين المحكوم
عليهم لجنايات؛ واذا كانت فيما يتعلق بمرتكبى جرائم الجنح تخالف أصول المحاكمة لدى
محاكم الجنح إذ لا إعلان فيها للحكم بالطرق العادية ولا معارضة فيها ولا استئناف فان
علة هذه المخالفة مجرّد كون المحاكمة حاصلة لدى محكمة الجنايات ونظامها لا يحتمل التفريق
وفيه من الضمان لمرتكبى الجنح ما رآه الشارع كافيا لمرتكبى الجنايات.
وحيث إن مقتضى نص المادة 224 سالفة الذكر أوّلا أن الحكم الغيابى الصادر على المتهم
الغائب يظل قائما لا يبطل إلا اذا حضر المحكوم عليه أو قبض عليه قبل نهاية المدّة المقرّرة
قانونا لسقوط العقوبة، ومفهوم هذا أنه اذا انقضت تلك المدّة ولم يحضر أصبح ذلك الحكم
نهائيا له ما بقى لمثله من الآثار. وثانيا أنه إذا حضر هذا المحكوم عليه أو قبض عليه
قبل انقضاء تلك المدّة فان الحكم يبطل والدعوى العمومية ترفع من جديد أمام المحكمة
الصادر منها الحكم الغيابى. والمفهوم الواضح من هذا أن القانون فيما يتعلق بالمحكوم
عليه فى غيبته من محكمة الجنايات قد حفظ الدعوى العمومية من السقوط بالمدة المقرّرة
أصلا لسقوطها بحسب المادة 279 تحقيق جنايات وجعل مدة سقوطها مقيسة بمدة سقوط العقوبة
ومقدّرة بقدرها تماما أى أنها خمس سنوات هجرية فى مواد الجنح وعشرون أو ثلاثون بحسب
الأحوال فى الجنايات (مادتى 276 و277).
وحيث إنه لذلك يكون الحكم المطعون فيه أخطأ إذ اعتبر المدّة العادية لسقوط الدعوى العمومية
أساسا لقضائه غير ملاحظ أن هذه المدّة تزيد بمقتضى عبارة المادة إلى أن تصل إلى
حدّ المدّة المقرّرة لسقوط العقوبة وتتحد بذلك معها فى المقدار.
وحيث إن الجريمة المنسوبة للمتهم هى جريمة قلقة النوع إذ هى تكون جنحة أو جناية تبعا
لنوع العقوبة التى تقضى بها المحكمة فيها.
وحيث إن الحكم الغيابى إذ قضى بارسال المتهم للإصلاحية ليسجن بها فقد اعتبر أن جريمته
جناية لأن هذه العقوبة هى عقوبة جناية بنص القانون ما دام فيها سجن وهى كذلك بنص العبارة
الأخيرة من المادة الأولى من قانون المعتادى الإجرام الصادر فى 11 يوليه سنة 1908،
وإذن فالدعوى العمومية لإعادة المحاكمة كانت تمتد إلى عشرين سنة هلالية وهى المدة المقرّرة
لسقوط عقوبة مثل الجناية المذكورة وهذه المدة لمّا تمض بعد.
وحيث إنه حتى مع التسليم لمحكمة الجنايات بما أرادته فى حكمها المطعون فيه من اعتبار
هذه الجريمة جنحة فقط – إذ هى صرحت بذلك وإن كانت لم تقض فى موضوعها – مع التسليم بذلك
فان مدة سقوط العقوبة فى مواد الجنح هى خمس سنوات هجرية وهى لم تمض من وقت الحكم الغيابى
إلى حين إعادة الإجراءات إذ الحكم صدر فى 6 فبراير سنة 1927 والإجراءات الجديدة بدئ
بها فى 19 يوليه سنة 1931 كما سبق البيان.
وحيث إنه لذلك يتعين نقض الحكم وإعادة القضية لمحكمة الجنايات للسير فى موضوعها على
اعتبار أن ليس هناك مضى مدة يمنع من إعادة النظر فى هذا الموضوع.
