الطعن رقم 665 سنة 48 ق – جلسة 22 /02 /1931
مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة
النقض والإبرام فى المواد الجنائية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثانى (عن المدة بين 6 مارس سنة 1930 وبين 31 أكتوبر سنة 1932) – صـ 249
جلسة 22 فبراير سنة 1931
تحت رياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة.
القضية رقم 665 سنة 48 القضائية (الطعن المرفوع من على على البنا ضدّ النيابة العامة)
غش البضاعة:
( أ ) العلاقة بين المرسل إليه وبين الوكلاء بالعمولة وأمناء النقل.
(المادة 99 من قانون التجارة)
(ب) سوء نية البائع. ركن العلم بالغش الحاصل بالبضاعة. وجوب التدليل عليه.
(المادة 302 ع)
1 – عدم اتباع المرسل إليه للقواعد الواردة بالمادة 99 وما بعدها من قانون التجارة
بشأن إثبات حالة البضائع الواردة إليه لا يسقط حقوقه قبل المرسل بل ولا قبل وكلاء النقل
وأمنائه فى أحوال الغش والتدليس الواقع من أيهم كالحالة المنصوص عليها بالمادة 302
عقوبات.
2 – إذا استلم تاجر بضائع بالجمرك واستبقاها بمخازن الاستيداع بالجمرك إلى أن باعها
للغير وأذن تلك المخازن بتصديرها بطريق السكة الحديد إلى المشترى فصدّرتها فعلا ثم
ظهر عند استلام المشترى إياها من السكة الحديد أن بها تلفا ناشئا من الرطوبة فلا يجوز
– لاعتبار المرسل سيئ النية ولمعاقبته بالمادة 302 عقوبات – أن تقرّر المحكمة بطريق
الاستنتاج العقلى أن هذا المرسل عند ورود البضاعة إليه من الخارج واستلامه إياها كان
لابدّ عالما بما هو معتريها من التلف لمجرّد أنه تاجر متمرّن لا تفوته ملاحظة ذلك وأنه
إذن عند بيعه إياها يكون عالما بتلفها – لا يجوز ذلك ما دامت البضاعة بقيت بمخازن الجمرك
زمنا لا يراها المرسل ويحتمل أن الرطوبة التى سببت تلفها قد أصابتها وهى بهذه المخازن
وأنه يكون قد باعها وأذن بتصديرها للمشترى غير عالم بتلفها، بل يجب فى هذه الحالة أن
تحقق المحكمة زمن طروء التلف على البضاعة لتعلم هل طرأ وهى فى مخازن الجمرك فلا يكون
المرسل مسئولا إلا إذا كان علم بالتلف وقت التصدير أم كان ذلك التلف موجودا عند ورود
البضاعة من الخارج واستلامه إياها فيكون هناك وجه لإمكان القول بمسئوليته. وقصور الحكم
عن تحقيق ذلك وإثباته يعيبه ويبطله.
الطعن المقدّم من على على البنا ضد النيابة العامة.
الوقائع
اتهمت النيابة الطاعن بأنه فى يوم 7 يونيه سنة 1929 بدائرة قسم
اللبان باع أرزا مغشوشا لزكى البديوى بأن أرسل إليه أربعين شوالا على اعتبار أنها أرز
رنجون فى حين أن نصفها الأسفل مملوء بأرز متعفن وغير صالح للأكل والجزء الأعلى منها
به أرز رنجون مع علمه بذلك وطلبت معاقبته بالمادة 302 عقوبات.
وادعى المجنى عليه (زكى البديوى) مدنيا وطلب الحكم له بمبلغ 25 جنيها تعويضا.
ومحكمة جنح اللبان الجزئية سمعت هذه الدعوى وقضت فيها حضوريا بتاريخ 16 ديسمبر سنة
1929 عملا بالمادة 172 من قانون تحقيق الجنايات ببراءة المتهم ورفض الدعوى المدنية
وإلزام رافعها بمصاريفها.
فاستأنفت النيابة هذا الحكم بتاريخ 19 ديسمبر سنة 1929.
ومحكمة اسكندرية الابتدائية نظرت هذه القضية استئنافيا وقضت فيها حضوريا بتاريخ 27
مارس سنة 1930 عملا بمادة الاتهام بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف
وتغريم المتهم عشرة جنيهات.
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام بتاريخ 13 أبريل سنة 1930 وقدّم
حضرة المحامى عنه تقريرا بالأسباب فى اليوم التالى.
المحكمة
حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن واقعة هذه المادة بحسب ما أثبته الحكم المطعون فيه هى: "أن المجنى عليه اشترى
من المتهم بواسطة آخرين مائة شوال أرزا رانجون نمرة 3" "استيل بمقتضى فاتورة مؤرّخة
4 يونيه سنة 1929 وشحنت هذه البضاعة بمعرفة" "المتهم إلى طنطا حيث محل تجارة المجنى
عليه واستلمها هذا الأخير فى مساء يوم" "7 يونيه سنة 1929 وعند استلامها مباشرة لاحظ
أن بثلاثة شوالات منها" "رطوبة وبفحص محتوياتها تبين له أن الجزء الأعلى من الأرز بها
سليم والجزء" "الأسفل به أرز متعفن به رائحة كريهة ومكسر ولونه أصفر فبادر المجنى عليه"
"فى نفس اليوم وأرسل للمتهم خطابا فى 7 يونيه سنة 1929 وهو يوم استلام" "البضاعة التى
وصلت فى المساء يعاتبه فيه على ما لاحظه فى البضاعة فلما كان" "اليوم التالى بدأ المجنى
عليه بفحص البضاعة وحرر للمتهم خطابا آخر فى ذلك اليوم" "وكان عيد رأس السنة الهجرية
يخبره فيه بأنه بعد البدء فى فحص البضاعة ظهر" "له أيضا وجود شوالات أخرى مغشوشة وفى
يوم 9 يونيه سنة 1929 تمم المجنى" "عليه فرز جميع البضاعة فظهر له أن بها أربعين شوالا
نصفها الأعلى سليم" "والنصف الأسفل أرزه بحالة تعفن وتالف فأرسل فى 10 منه خطابا مسجلا"
"إلى المتهم يسجل فيه ما لاحظه فرفض المتهم استلامه وهو مرفق بمحضر البوليس" "ولما
عجز المجنى عليه عن التفاهم الودى حرر محضرا عرفيا ووقع عليه من تجار" "بطنطا أثبتوا
فيه حالة البضاعة وقام بتبليغ البوليس فى 15 يونيه سنة 1929" "وفى 16 منه أجرى المحقق
معاينة البضاعة بمخزن المجنى عليه وأثبت أنه وجد" "أربعين شوالا على حدة فحص منها عشرة
تبين له أن حالتها تطابق الحالة التى" "وصفها بها المجنى عليه". وقد اعتمدت المحكمة
الاستئنافية ما كان من إثبات حالة الأرز بالصفة المتقدّمة ثم انتهت بعد بحث الموضوع
وبيان أن الطاعن قد شحن البضاعة بالسكة الحديد وهو يعلم ما بها من الغش – انتهت بأن
ألغت حكم البراءة المستأنف وقضت على الطاعن بالعقوبة فقدّم هو طعنه الحالى.
وحيث إن محصل الوجهين الأوّل والثانى أن إجراءات إثبات حالة الأرز التى أخذت بها المحكمة
هى إجراءات غير قانونية لمخالفتها لما تقضى به المواد 99 وما بعدها من القانون التجارى
إذ هى إجراءات شخصية عرفية لم تراقب عليها جهة قضائية ومعاينة البوليس لم تحصل عقب
استلام الأرز فورا كما هو الواجب بل حصلت بعد استلامه بثمانية أيام بينما مواد قانون
التجارة المذكورة تبطل كل دعوى على أمين النقل أو المرسل إذا لم ترفع فى ظرف ثمانى
وأربعين ساعة من وقت الاستلام. ويقول الطاعن إن هذا من الأوجه المهمة لبطلان الحكم
خصوصا وأن هذا الحكم لم ينقل عن خطابات المجنى عليه الخاصة بالموضوع نقلا صحيحا.
وحيث إن المواد 99 وما بعدها من قانون التجارة التى يشير إليها الطاعن خاصة بالعلاقة
بين المرسل إليه والوكلاء بالعمولة للنقل وأمناء النقل والإجراءات والدعاوى المنصوص
عليها فيها خاصة بتسوية هذه العلاقة ومهما يكن للمرسل من حق الانتفاع بها احتياطا للصور
التى يحتمل أن يكون فيها التلف ناشئا من فعل أولئك الوكلاء والأمناء فان عدم اتباعها
لا يسقط حقوق المرسل إليه قبل المرسل بل ولا قبل وكلاء النقل وأمنائه فى أحوال الغش
والتدليس الواقع من أيهم. وبما أن الحكم المطعون فيه ذكر أن الطاعن قد شحن الأرز بالسكة
الحديد وهو يعلم ما به من الغش فلا وجه له إذن فى التمسك بعدم حصول إجراءات إثبات الحالة
طبقا للمواد المذكورة؛ كما لا أهمية لقوله إن الحكم لم ينقل عن خطابات المجنى عليه
نقلا صحيحا، فان اعتراض الطاعن فى هذا الصدد إنما يرجع إلى المناقشة فى تاريخ بعض هذه
الخطابات وإلى استنتاج أن محضر إثبات الحالة الذى وضعه التجار فى 9 يونيه سنة 1929
لا يتفق وهذه الخطابات. وهى مناقشة غير مجدية لأنها ترجع لأمور لا تمس جوهر استدلال
المحكمة.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث أنه حتى مع التسليم بأن البضاعة مغشوشة فان ركن سوء النية
وهو العلم بالغش قد فرضته المحكمة فرضا بدون أى تحقيق إذ أن الطاعن قدّم للمحكمة المستند
الدال على أن الأرز المبيع منه للمجنى عليه قد اشتراه الطاعن وهو فى الجمرك ثم باع
منه المائة الشوال التى باعها للمجنى عليه بمقتضى إذن تصدير من مخازن الاستيداع إلى
السكة الحديد التى على رصيف الجمرك مباشرة وأن مثل هذه البيوع متبعة فى الأعمال التجارية
التى بالجملة، وأن العرف التجارى يؤيدها، وأن التاجر يشترى ويبيع وهو فى مكتبه بدون
أن يرى البضائع بل بدون أن تكون البضائع وصلت فعلا من خارج القطر، فاذا ظهر بها شىء
من العيوب فلا يكون مسئولا عنه إلا إذا ثبت بصفة قاطعة أنه باع وهو يعلم أن البضاعة
الواردة إليه مغشوشة. والمحكمة افترضت هذا العلم فرضا بدون دليل يثبته عليه.
وحيث إن المحكمة الاستئنافية لم تنف صدق دفاع المتهم بأن البضاعة لم ترد لمخازنه بل
وردت للجمرك وبقيت به وباعها هو وأصدر لمخازن الجمرك إذنا بشحنها بالسكة الحديد بعنوان
المشترى.
وحيث إنها ذكرت فى صدد بيان ركن العلم بالغش ما يأتى: "وحيث إنه يشترط لتوفر أركان
التهمة المسندة إلى المتهم أن يكون عالما بالغش فى البضاعة التى باعها للمجنى عليه.
وهذا العلم مستفاد فى هذه الدعوى من أنه تاجر كبير يفترض فيه الدراية الواسعة بالصنف
الذى يتجر فيه. ويبعد عن التصوّر أن يكون قد استلم البضاعة التى باع منها للمجنى عليه
ما باعه بدون فحص يحتمه أقل تبصر بين التجار. وقد فحص المجنى عليه ما اشتراه بمجرّد
استلامه وقد ثبت أن الغش الذى فى البضاعة المبيعة فادح لا يفوت ملاحظة التاجر مثل المتهم".
وحيث إن المحكمة فى حكمها قد غيرت كنه الواقعة المنسوبة للمتهم. إذ الغش المنسوب له
هو أن أسفل الأشولة به أرز متعفن. فالواقعة فى الحقيقة ليست غشا بإضافة شىء آخر إلى
المادة المبيعة وإنما هى فساد وتعفن فى الصنف يأتى من الرطوبة كما قد يفهم من بعض عبارات
حكم محكمة أوّل درجة الصادر بالبراءة.
وحيث إنه سواء أكانت البضاعة مغشوشة بإضافة شىء آخر إليها أو ليست مغشوشة بل هى متعفنة
فقط فإن المحكمة الاستئنافية سارت فى بياناتها واستنتاجها من نقطة فرضتها ثابتة وهى
أن الطاعن اشترى البضاعة وهى مغشوشة (أو متعفنة) واستلمها وهى مغشوشة (أو متعفنة) ثم
باع منها بعد ذلك. وقد رتبت علمه على مجرّد كونه تاجرا كبيرا لا يستلم إلا ما يتحقق
هو من صلاحيته وعدم غشه (أو عفونته).
وحيث إن استدلال المحكمة قاصر البيان إذ ما دامت هى أسندت العلم إلى وقت استلام الطاعن
للبضاعة فكان عليها أن تبين هل كانت تلك البضاعة حقيقة مغشوشة (أو متعفنة) فى الوقت
الذى استلمها هو فيه أم لا. وهذا البيان يستلزم معرفة متى استلمها وكيف استلمها وهل
كان الغش أو (التعفن) موجودين بها وقت استلامها. فقصور الحكم عن هذا البيان الخاص بركن
من أهم أركان الجريمة مفسد له.
وحيث إن أهمية ذلك البيان واضحة فى الدعوى الحالية لأن الغش إذا لم يكن شيئا آخر سوى
التعفن الناشئ عن الرطوبة فالرطوبة قد تحدث للأشولة فى أى زمان وفى أى مكان حتى بمخازن
الجمرك بلا علم من صاحبها الذى يكون أمر بشحنها غير عالم بما أصابها. بل لو كان الغش
هو بإضافة شىء آخر إليها فلا مانع عقليا يمنع من أن يكون قد حصل بنفس مخازن الجمرك
ويكون من الخطر الشديد افتراض أن التاجر استلمها وهى مغشوشة (أو متعفنة) وتركها بهذه
الحال بمخازن الجمرك وباع منها وهى متعفنة أو مغشوشة.
وحيث إنه إن لم يقم الدليل على أن البضاعة قد كان بها الغش (أو التعفن) وقت استلام
الطاعن إياها وعلى أن الطاعن وقت هذا الاستلام كان يعلم علما صحيحا بعيبها فإنه بمقتضى
القانون يجب على كل حال إثبات أنه إذ أمر بشحنها بالسكة الحديدية للمجنى عليه قد شاهدها
بنفسه أو بواسطة مندوبيه ووصل إلى علمه قبل شحنها أنها مغشوشة (أو متعفنة) وأنه مع
ذلك استمرّ فى شحنها وإرسالها تنفيذا للبيع.
وحيث إنه لذلك القصور فى بيان الواقعة يتعين نقض الحكم وإعادة نظر الدعوى.
