الطعن رقم 2249 سنة 47 ق – جلسة 25 /12 /1930
مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة
النقض والإبرام فى المواد الجنائية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثانى (عن المدة بين 6 مارس سنة 1930 وبين 31 أكتوبر سنة 1932) – صـ 170
جلسة 25 ديسمبر سنة 1930
تحت رياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة.
القضية رقم 2249 سنة 47 القضائية
قتل خطأ. اشتراك الجانى والمجنى عليه فى الخطأ. أثره فى المسئولية
الجنائية. أثره فى المسئولية المدنية.
(المادتان 202 ع و151 مدنى)
إذا وقعت حادثة قتل خطأ وثبت أن المسئولية عن وقوعها مشتركة بين المجنى عليه والجانى
فان ذلك لا يخلى الجانى من المسئولية المدنية حتى لو كان قسط المجنى عليه من المسئولية
أعظم من قسطه وإنما يكون قسط الجانى من المسئولية المدنية مناسبا لقسطه من الخطأ الذى
ترتبت عليه الجريمة.
الطعن رقم 2249 سنة 47 قضائية المقدّم من زكى روبين باروخ عبودى عن نفسه وبصفته وأخرى
ضدّ محمود على أبو العلا وآخر.
الوقائع
أقامت النيابة هذه الدعوى أمام محكمة جنح العطارين الجزئية ضدّ
المتهم محمود على أبو العلا واتهمته بأنه فى يوم 23 نوفمبر سنة 1928 بدائرة قسم العطارين
تسبب بغير عمد فى قتل روبين باروخ عبودى وكان ذلك ناشئا عن إهماله وعدم احتياطه فى
قيادة سيارة حتى صدم المجنى عليه المذكور. وطلبت معاقبته بالمادة 202 من قانون العقوبات.
وفى أثناء نظر هذه الدعوى أمام تلك المحكمة طلب المدعون بالحق المدنى بصفتهم ورثة المجنى
عليه المذكور إدخال صاحبى السيارة: الحاج على الشربينى وإبراهيم الشربينى فى الدعوى
بصفتهما مسئولين عن حقوق مدنية وطلبوا الحكم لهم بمبلغ ألف جنيه تعويضا قبلهما بالتضامن
مع المتهم محمود على أبو العلا. فحكمت المحكمة غيابيا بتاريخ 19 مارس سنة 1929 عملا
بالمادة السابقة بحبس المتهم ستة شهور مع الشغل وإلزامه هو والحاج على الشربينى وإبراهيم
الشربينى بأن يدفعوا متضامنين للمدعين بالحق المدنى مبلغ ثلاثمائة جنيه والمصاريف المدنية
وخمسمائة قرش أتعابا للمحاماة. فاستأنفته النيابة فى 31 مارس سنة 1929 وعارض فيه كل
من المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية وحكم بتاريخ 30 يوليه سنة 1929 بقبول المعارضة
شكلا وفى الموضوع باخراج الحاج على الشربينى من الدعوى بلا مصاريف وبتأييد الحكم المعارض
فيه فيما عدا ذلك بجميع أجزائه. فاستأنفه كل من المتهم والمسئول مدنيا بتاريخ أوّل
و8 أغسطس سنة 1929، ومحكمة الإسكندرية الابتدائية نظرت هذه الدعوى استئنافيا وقضت فيها
حضوريا بتاريخ 27 أكتوبر سنة 1929 عملا بالمادة 172 من قانون تحقيق الجنايات بقبول
الاستئنافات شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم ورفض الدعوى المدنية
وإلزام رافعيها بمصاريفها.
وبتاريخ 13 نوفمبر سنة 1929 طعن حضرة المحامى الوكيل عن ورثة المجنى عليه وهم المدعون
بالحق المدنى على هذا الحكم بطريق النقض والإبرام وقدّم تقريرا بالأسباب فى التاريخ
المذكور.
المحكمة
…………….
حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن مبنى الوجه الأوّل أن المحكمة اعتمدت فى أسباب حكمها ببراءة المتهم محمود على
أبو العلا ورفض التعويض المدنى قبله وقبل الشيخ إبراهيم الشربينى المسئول عن الحقوق
المدنية على واقعتين لا أساس لهما فى التحقيقات: الأولى ما قالته من أن المجنى عليه
نزل فجأة من الرصيف والثانية ما قالته من أنه اجتاز الشارع من رصيف إلى آخر على بعد
ثلاثة أمتار من السيارة. وبما أن هاتين الواقعتين جوهريتان فى بناء الحكم وهما غير
صحيحتين فالحكم غير صحيح.
وحيث إن ما أوردته المحكمة فى الأمرين اللذين يشير إليهما الطاعنون إنما هو استنتاج
استنتجته من عبارات الشاهد محمد السيد محمد المزين التى أوردتها فى حكمها وهى عبارات
تبيح مثل هذا الاستنتاج فنقد الطاعنين فى هذا الصدد غير وجيه.
وحيث إن باقى أوجه الطعن تشعيب وإثارة لمسائل كثيرة، وهى فى مجموعها يمكن القول بأنها
تقتضى البحث فى الأمور الثلاثة الآتية: الأوّل – هل ما أثبته الحكم من الوقائع يوصل
إلى أن المخطئ هو المجنى عليه أم المتهم محمود على أبو العلا؟. الثانى – إذا كان الحكم
دالا على خطأ المجنى عليه فهل العبارات الثابتة فيه تجعله وحده المخطئ أم أن الخطأ
مشترك بينه وبين المتهم؟. الثالث – إذا كان الخطأ مشتركا بين الاثنين فأيهما الأكثر
خطأ؟
وحيث إن مما لا شبهة فيه أن الحكم إذ بين بطريق الاستنتاج من أقوال الشاهد الوحيد الذى
شهد الحادثة وهو محمد السيد محمد المزين ثم من أقوال المجنى عليه نفسه أن هذا المجنى
عليه نزل فجأة من الرصيف ليعبر الشارع إلى رصيفه الآخر من غير أن يلتفت إلى أن هناك
سيارة قادمة على مقربة منه مع أن الشارع كان خاليا ولم يكن به ما يحجب نظره، وأنه لم
يكد يخطو ثلاث خطوات أو أربعا حتى أدركته السيارة فصدمته، وأن السائق عندما كان قادما
كانت سرعته عادية، وأنه بمجرّد ما شاهد المجنى عليه عمل الواجب فى الحال بأن ربط السيارة
على بعد ثلاثة أمتار منه ولكن الصدمة وقعت – إذ يبين الحكم كل ذلك فقد دل به دلالة
صريحة على أن هذا المجنى عليه مخطئ فى حق نفسه خطأ جسيما.
وحيث إن الحكم مع إثباته خطأ المجنى عليه بالصفة المتقدّمة قد ورد فيه أيضا أن الطريق
كان خاليا وأن السائق لم يزمر وإن كان سائرا بسرعة عادية.
وحيث إن من واجب السائق وخصوصا مع خلو الطريق أن تنصرف عنايته إلى ملاحظة من يريدون
اجتيازه عرضا فينبههم بزمارته إلى الخطر. وبما أنه ليس فى الحكم ما ينفى ما ذكره نقلا
عن أقوال المجنى عليه من أنه بعد ما نزل من الرصيف "سار ثلاثة أو أربعة خطوات فصدمته
السيارة". فاذا لوحظ هذا الثابت فى الحكم لكان على السائق بمجرّد رؤيته له عقب النزول
من الرصيف أو بعد الخطوة الأولى أو الثانية أن يزمر حتى يتنبه الرجل فيقف مكانه أو
يعود إلى الرصيف. ولا يقبل من المحكمة مع إثباتها ما تقدّم أن تقول ما قالته من "أن
السائق ليس مطلوبا منه" "الزمر بالاستمرار وأنه حتى لو كان زمر بمجرّد نزول المجنى
عليه من الرصيف فما" "كان التزمير مفيدا لقرب المسافة".
وحيث إنه يعلم من ذلك أن السائق مخطئ أيضا.
وحيث إنه مع ثبوت خطأ المجنى عليه والسائق معا فمن اللازم معرفة أيهما الأكثر خطأ.
وحيث إن الثابت بالحكم أن المجنى عليه كان يريد اجتياز الشارع بالعرض. والطبع البشرى
يجرى بأن من يحاول هذا الاجتياز يجب أن يكون شديد الاحتياط لنفسه. وهذا الاحتياط الطبيعى
من حق قادة المركبات والسيارات أن يعتمدوا عليه وإلا لتعطلت حركة مرور عرباتهم وسياراتهم
وكانوا مضطرّين للسير الهوينا على مثال ما يسير الراجلون حتى لا يصدموا من يجتاز عرض
الطريق غير محتاط، ولكن هذا السير الهين لا يتفق والأحوال الاجتماعية والاقتصادية الحاضرة.
وحيث إن المجنى عليه وهو أوّل من يجب عليه بطبعه الاحتياط لنفسه قد أهمل فى حق نفسه
حقيقة، ويؤكد حصول إهماله هذا ما ثبت بالحكم من أنه كبير السن وما ثبت بباقى أقواله
فى تحقيق البوليس من أنه كان عائدا بزجاجة دواء أخذها من إحدى الصيدليات لزوجته المريضة
الأمر الدال على أنه وهو شيخ يبلغ الستين (كالكشف الطبى الموجود بالأوراق) قد اجتاز
الشارع وهو مفكر فى مرض أهل بيته مشغول البال عن واجبه نحو نفسه من الاحتياط لها. وهذه
الحال النفسية تجعل خطأه فى حق نفسه أوضح من خطأ السائق فى حقه كما تجعل عذر السائق
أوضح من عذره.
وحيث إن خطأ السائق مهما قل لا يخليه من المسئولية المدنية التى هى وحدها المنظور فيها
الآن.
وحيث إنه يتعين على هذه المحكمة مع ثبوت اشتراك الخطأ بين المجنى عليه والسائق أخذا
مما أثبت بذات الحكم المطعون فيه أن تقدّر التعويض الواجب الحكم به على السائق متخذة
مبلغ الثلاثمائة الجنيه التى قدّرها الطاعنون فى طعنهم أساسا (وهو نفس المبلغ الذى
حكمت به لهم المحكمة الجزئية).
وحيث إن الذى تراه المحكمة هو أن خطأ المجنى عليه يمكن بغير مجازفة تقديره بضعفى خطأ
السائق فيكون السائق إذن ملزما بمبلغ 100 جنيه يدفعها هو ومخدومه إبراهيم الشربينى
صاحب السيارة متضامنين عملا بمادتى 150 و152 من القانون المدنى.
