الطعن رقم 2240 سنة 47 ق – جلسة 11 /12 /1930
مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة
النقض والإبرام فى المواد الجنائية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثانى (عن المدة بين 6 مارس سنة 1930 وبين 31 أكتوبر سنة 1932) – صـ 155
جلسة 11 ديسمبر سنة 1930
تحت رياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة.
القضية رقم 2240 سنة 47 القضائية
( أ ) زنا. أدلته. الصورة الفوتوغرافية لا تصلح دليلا.
(المادة 238 ع)
(ب) مطلقة. ارتكابها الزنا فى المدّة التى كانت فيها بائنة قبل تجديد العقد. لا عقاب.
(المادتان 235 و236 ع)
(جـ) تعويض. مطلقة. متى تجوز مطالبتها بتعويض للمطلق عن سوء سلوكها؟
1 – لا يمكن أن تصلح الصورة الفوتوغرافية ليستفاد منها دليل على ارتكاب جريمة الزنا،
لأن القانون تشدّد بحق – كما تتشدّد الشريعة الغرّاء وغيرها من الشرائع – فى أدلة الزنا،
فلم يقبل من الحجج سوى القبض على المتهم متلبسا بالفعل أو اعترافه أو وجود مكاتيب أو
أوراق أخرى منه. ولا يمكن قياس الصورة الفوتوغرافية على المكاتيب والأوراق لأن المشترط
فى هذه المكاتيب والأوراق مع دلالتها على الفعل أن تكون محرّرة من المتهم نفسه.
2 – المقرّر شرعا أن التطليقة الرجعية الثانية تصبح بائنة بينونة صغرى متى انقضت العدّة
قبل أن يراجع الزوج زوجته وأن حكم البينونة الصغرى أنها تزيل الملك وإن لم تزل الحل
بمعنى أن للزوج – وقد فقد ملك عصمة زوجته – أن يستحل مقاربتها بعقد ومهر جديدين فقط
بدون أن يكون هذا الاستحلال موقوفا على تزوّجها بزوج آخر كما هو الحال فى البينونة
الكبرى. وإذا جدّد المطلق العقد على المطلقة كان فى ذلك ما يفيد أن مطلقته قد انقضت
عدّتها وبانت منه بينونة صغرى سقط بها ملكه لعصمتها وأصبحت طليقة تتزوّج ممن شاءت.
فاذا ما اتهمت المطلقة بارتكاب الزنا فى المدّة التى كانت فيها بائنة قبل تجديد العقد
فانه لا عقاب عليها قانونا. وليس من الجائز فى مثل هذه المواد المخلة بالعرض والشرف
أن يقبل القاضى مطلق دليل ولا أن يؤوّل الوقائع تأويلا فى مصلحة الاتهام، بل يجب عليه
الاعتراف مع القانون بأنها مما يجب التحرّج الشديد فى قبول أدلتها وفى استنتاج النتائج
من وقائعها وظروفها أخذا بتلك القاعدة الحكيمة قاعدة درء الحدود بالشبهات.
3 – إذا ثبتت مماشاة أحد الأشخاص لمطلقة شخص آخر فى وقت كانت هى فيه مقيمة بمنزل المطلق
فله مطالبتها بالتعويض المدنى متضامنة مع هذا الشخص. لأن للمطلق فى هذه الحالة الحق
فى أن تكون مطلقته المقيمة بمنزله حسنة السلوك كما له على هذا الشخص أن يرعى حقه هذا
ولا يؤذيه فيه.
الطعن رقم 2240 سنة 47 قضائية المقدّم من حسن خليل إبراهيم الجارحى ضد النيابة العامة
وآخر.
الوقائع
اتهمت النيابة الطاعن المذكور ووجيده محمود بأنهما فى المدّة ما
بين 11 يونيه سنة 1928 و11 يونيه سنة 1929 ببولاق زنيا ببعضهما حالة أن وجيده محمود
متزوجة بمحمد إسماعيل جاد وطلبت عقابهما بالمادتين 236 و238 من قانون العقوبات.
وادعى محمد إسماعيل جاد مدنيا بمبلغ عشرين جنيها تعويضا قبل المتهمين بالتضامن.
ومحكمة جنح بولاق الجزئية سمعت هذه الدعوى وحكمت فيها حضوريا بتاريخ 2 ديسمبر سنة 1929
عملا بالمواد 236 و237 و238 من قانون العقوبات بحبس كل من المتهمين سنة مع الشغل وألزمتهما
متضامنين بأن يدفعا للمدعى بالحق المدنى مبلغ عشرين جنيها مع المصاريف المدنية ومائتى
قرش أتعابا للمحاماة.
فاستأنف الطاعن هذا الحكم فى يوم صدوره.
ومحكمة مصر الابتدائية نظرت هذه الدعوى استئنافيا وقضت فيها حضوريا بتاريخ 24 يوليه
سنة 1930 بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بتعديل الحكم المستأنف وحبس الطاعن ستة
شهور مع الشغل وتأييده فيما يختص بالتعويض المدنى مع إلزامه ووجيده محمود بالمصاريف
المدنية الاستئنافية.
فطعن حضرة المحامى الوكيل عن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام بتاريخ
26 يوليه سنة 1930 وقدّم تقريرا بالأسباب فى 11 أغسطس سنة 1930.
المحكمة
…………..
حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن وقائع هذه الدعوى التى قام عليها الدليل بحسب الثابت بالحكم الاستئنافى المطعون
فيه أن محمد إسماعيل المدعى بالحق المدنى طلق زوجته وجيدة محمود طلقة رجعية ثانية فى
15 يوليه سنة 1927 وأنه أعادها إلى عصمته بعقد ومهر جديدين فى 2 أغسطس سنة 1928 وأن
زوجته هذه لم تترك منزله بل بقيت عائشة فيه من وقت تطليقها إلى وقت تجديد العقد عليها
وأن زوجها (أو مطلقها) محمد إسماعيل مرض فدخل مستشفى القصر العينى ولبث به من 27 مارس
سنة 1928 إلى 17 أبريل سنة 1928 وأنه فى فترة وجوده بالاسبتالية كان الطاعن حسن خليل
إبراهيم يتردّد على منزله ويدخل فى غرفة النوم مع وجيدة المذكورة ويغلقان الباب عليهما
وأن ذلك ثابت من شهادة نعيمة بنتها (المرزوقة لها من المدعى المدنى) ومن صورة فوتوغرافية
وجدها المدعى بدولابها بعد خروجه من المستشفى دالة على علاقتها بالمتهم علاقة مريبة.
وثابت أيضا بالحكم المطعون فيه أن الدفاع عن الطاعن أنكر زوجية وجيدة للمدعى المدنى
فى الفترة الماضية من وقت التطليق الرجعى الحاصل فى 15 يوليه سنة 1927 إلى تاريخ تجديد
العقد فى 2 أغسطس سنة 1928 وهى الفترة التى تدخل ضمنها مدّة وجود المدعى بالمستشفى
تلك المدّة التى قدّمت الأدلة على ارتكاب الجريمة فيها ولكن المحكمة الاستئنافية قالت
إن تطليق المدعى لزوجته تطليقة رجعية ثانية لا يزيل الملك ولا الحل إذ هذه التطليق
لا تكون بائنة إلا بحسب قد الزوج وما دامت الزوجة كانت باقية بمنزله فهذا يفيد عدم
قصده البينونة وأنه لم يكن فى حاجة إلى عمل عقد 2 أغسطس سنة 1928 لإرجاعها إلى ملكه
وحله. ذلك هو الثابت من وقائع الدعوى بحسب ما بالحكم المطعون فيه وقد قبل هذا الحكم
فى حق الطاعن الدليل المستفاد من الصورة الفوتوغرافية والدليل الآخر المستفاد من شهادة
البنت نعيمة وأيد الحكم الابتدائى من جهة الإدانة وخفف العقوبة وأبقى التعويض المدنى
على حاله.
وحيث إن الطاعن تظلم من هذا الحكم وينحصر المهم من ظلامته فى أن المحكمة قبلت فى حقه
من الأدلة ما لا تجيزه المادة 238 من قانون العقوبات كما أنها أخطأت فى اعتبار الزوجية
قائمة فى الفترة التى مضت من وقت التطليق إلى وقت العقد الجديد تلك الفترة التى تدخل
ضمنها المدّة المقول بقيام الأدلة على مقارفته للجريمة فيها.
وحيث إنه يجب قبل كل شىء استبعاد الدليل المستفاد من الصورة الفوتوغرافية؛ فإن هذه
الصورة (الموجودة بملف الدعوى) مرسوم فيها الطاعن قائما إلى جنب كرسى تجلس عليه وجيدة
محمود وكلاهما يلبس الملابس المعتادة وكل ما يلوح عليهما أن بينهما شيئا من الودّ لا
أزيد. على أنه حتى لو كان فى مثل هذه الصورة أى وضع آخر مريب فلا يمكن أن تصلح دليلا
على المتهم فى دعوى الزنا لأن القانون تشدّد بحق – كما تتشدّد الشريعة الغرّاء وغيرها
من الشرائع فى أدلة الزنا – فلم يقبل من الحجج على هذا المتهم سوى القبض عليه متلبسا
بالفعل أو اعترافه أو جود مكاتيب أو أوراق أخرى منه أو وجوده فى منزل مسلم فى المحل
المخصص للحريم وليست الصورة الفوتوغرافية شيئا من ذلك (على فرض أن وضعها كان مريبا
دالا على الفعل الممنوع)؛ ولا يمكن قطعا قياسها على المكاتيب والأوراق لأن المشترط
فى هذه المكاتيب والأوراق مع دلالتها على الفعل أن تكون كتابية محرّرة من المتهم نفسه.
أما الدليل المستفاد من أقوال البنت نعيمة فهو دليل قانونى ممكن الأخذ به إذا توفرت
الشروط الأخرى للجريمة وأهمها قيام الزوجية عند ارتكابها.
وحيث إن المقرّر شرعا أن التطليقة الرجعية الثانية تصبح بائنة بينونة صغرى متى انقضت
العدّة قبل أن يراجع الزوج زوجته وأن حكم البينونة الصغرى أنها تزيل الملك وإن لم تزل
الحل بمعنى أن للزوج وقد فقد ملك عصمة مطلقته أن يستحل مقاربتها بعقد ومهر جديدين فقط
بدون أن يكون هذا الاستحلال موقوفا على تزوّجها بزوج آخر كما هو الحال فى البينونة
الكبرى.
وحيث إن تجديد المدّعى للعقد على المدّعى عليها فى 2 أغسطس سنة 1928 فيه ما يفيد أن
مطلقته قد انقضت عدّتها وبانت منه بينونة صغرى سقط بها ملكه لعصمتها وأصبحت طليقة تتزوّج
من شاءت فاحتاج فى امتلاك عصمتها ثانية إلى هذا العقد الجديد. وبما أن الظاهر من سن
الزوجة المدلول عليها بمحاضر الجلسات والأحكام التى بالقضية أنها ثمانى وعشرون سنة
فهى من ذوات الحيض وقد انقضت عدّتها من قبل يوم 27 مارس سنة 1928 بكثير وكانت من تاريخ
27 مارس سنة 1928 إلى تاريخ 17 أبريل سنة 1928 – وهى الفترة التى لبثها المدّعى بالمستشفى
والثابت بحسب الحكم أن الجريمة وقعت فى خلالها – حرة من ربقة الزوجية.
وحيث إن ما يعتمد عليه الحكم المستأنف من دلالة وجودها بمنزل المدّعى فى تلك الفترة
على أن الزوج كان قد راجعها – هو اعتماد ينفيه ما تقدّم من دلالة عقد 2 أغسطس سنة 1928
ولا مانع من أن يكون لوجودها سبب آخر.
وحيث إنه ليس من الجائز فى مثل هذه المواد المخلة بالعرض والشرف أن يقبل القاضى مطلق
دليل ولا أن يؤول الوقائع تأويلا فى مصلحة الاتهام بل يجب عليه الاعتراف مع القانون
بأنها مما يجب التحرّج الشديد فى قبول أدلتها وفى استنتاج النتائج من وقائعها وظروفها
أخذا بتلك القاعدة الحكيمة قاعدة درء الحدود بالشبهات.
وحيث إنه مما تقدّم يبين أن الفترة الوحيدة التى هى محل الاشتباه بحسب الحكم المطعون
فيه هى الفترة الواقعة بين 27 مارس سنة 1928 و17 أبريل سنة 1928 وهذه الفترة كان فيها
ملك الزوج لعصمة زوجته غير قائم فالحادثة إن صحت فلا عقاب عليها.
وحيث إن صيغة الاتهام ورد فيها أن الجريمة وقعت فى الفترة من 11 يونيه سنة 1928 إلى
11 يونيه سنة 1929 وهذه الفترة لم يتكلم عنها الحكم المطعون فيه بل الذى قال عنه هو
جريمة وقعت فى فترة تنتهى قبل ذلك فى 17 أبريل سنة 1928 وأما تلك المدّة اللاحقة فلم
يقل الحكم بأن أى جريمة وقعت فيها.
وحيث إنه لذلك يتعين نقض الحكم وبراءة الطاعن مما أسند إليه فى الدعوى العمومية. أما
التعويض المدنى فهو إن لم يكن مستحقا عن الجريمة فإنه مستحق عما ثبت فى الحكم أيضا
من مماشاة الطاعن لوجيدة محمود فى وقت كانت هى فيه مقيمة بمنزل المدّعى بالحق المدنى
وله عليها الحق فى أن تكون حسنة السلوك كما له على الطاعن أن يرعى هذا الحق ولا يؤذيه
فيه.