الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 1583 سنة 46 ق – جلسة 20 /11 /1930 

مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثانى (عن المدة بين 6 مارس سنة 1930 وبين 31 أكتوبر سنة 1932) – صـ 102

جلسة 20 نوفمبر سنة 1930

تحت رياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة.


القضية رقم 1583 سنة 46 القضائية

شهادة زور. أداؤها فى تحقيق وفاة أو وراثة. لا عقاب.
(المادة 257 عقوبات)
لا عقاب على من شهد زورا لدى القاضى الشرعى فى إشهاد شرعى بتحقيق وفاة أو وراثة.
الطعن المقدّم من محمد بركات وآخرين ضدّ النيابة العامة.


الوقائع

رفعت المدعية بالحق المدنى خضرة حسن على هذه الدعوى مباشرة ضدّ المذكورين وآخرين معهم بطلب الحكم لها عليهم متضامنين بمبلغ 25 جنيها على سبيل التعويض واتهمتهم بأنهم فى يوم 13 أغسطس سنة 1926 أمام محكمة كرموز الشرعية الاثنين الأوّلين زوّرا فى الإشهاد الشرعى نمرة 87 بأن شهدا أن سيدة حسن الرملى هى بنت السيدة بنت حسن دندش المتوفاة وأنها وارثة مع والدها حسن الرملى وذلك بقصد حرمانها (المدعية) من ميراثها فى المتوفاة بصفتها بنت عمتها وأن الثالث شهد زورا أمام نيابة كرموز فى محضر التحقيق بأن أخته السيدة حسن الرملى هى بنت المتوفاة السيدة حسن دندش زوجة أبيه. وطلبت النيابة معاقبتهم بالمواد 257 و40 و41 من قانون العقوبات.
وبتاريخ 10 نوفمبر سنة 1926 حكمت محكمة جنح كرموز الجزئية غيابيا عملا بالمواد المذكورة بحبس كل من المتهمين ثلاثة شهور مع الشغل وكفالة مائتى قرش وإلزامهم مع آخرين متضامنين بأن يدفعوا للمدعية بالحق المدنى مبلغ خمسة وعشرين جنيها والمصاريف المدنية.
عارض المتهمون فى هذا الحكم. وعند نظر المعارضة دفع الحاضر معهم بدفعين فرعيين: أوّلهما عدم قبول الدعوى المدنية لتحريكها من المدعية بالحق المدنى بعد حفظها. وثانيهما عدم وجود صفة للمدعية. فرد وكيل المدعية على هذين الدفعين بأن قال عن الدفع الأوّل: إن حفظ الأوراق لا يمنع لأى شخص يكون له صفة من تحريك الدعوى وعن الدفع الثانى فقد ثبت رسميا وراثة المدعية وذلك بمقتضى إعلام شرعى مقدّم بالقضية، وعلى ذلك طلب رفضهما وفى الموضوع القضاء له بمبلغ التعويض المطلوب. فقرّرت محكمة الجنح المذكورة ضم هذين الدفعين للموضوع ثم قضت حضوريا بتاريخ 25 مايو سنة 1927 برفضهما وبرفض المعارضة وتأييد الحكم المعارض فيه بجميع أجزائه.
فاستأنف المتهمون هذا الحكم فى ثانى يوم صدوره وتمسكوا أمام محكمة إسكندرية الابتدائية الاستئنافية بما دفعوا به أمام محكمة أوّل درجة وقد توفيت خضرة بنت حسن على وحل محلها ورثتها مسعودة وسعدية.
وبتاريخ 9 مارس سنة 1929 قضت المحكمة الاستئنافية المذكورة حضوريا بقبول الاستئناف شكلا ورفض الدفوع الفرعية وفى الموضوع: (أوّلا) بإلغاء الحكم المستأنف بالنسبة للثالث وبراءته من العقوبة الجنائية. (ثانيا) تأييده بالنسبة للباقين. (ثالثا) تأييده أيضا بالنسبة للتعويض المحكوم به على المتهمين بما فيهم السيد حسن الرملى وألزمتهم بمصاريف الدعوى المدنية.
فقرّر حضرة المحامى الوكيل عن الطاعنين بالطعن فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام فى 21 مارس سنة 1929 وقدّم تقريرا بالأسباب فى 27 منه.


المحكمة

……………
حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن من أوجه الطعن أن الحكم المطعون فيه أخطأ فى اعتبار ما شهد به الطاعنان الأوّلان لدى القاضى الشرعى أثناء تحقيق الوفاة والوراثة جريمة مما تنطبق عليه المادة 257 من قانون العقوبات. وذلك لأن شهادة الزور يجب بحسب هذه المادة أن تكون أدّيت فى دعوى مدنية أى فى نزاع بين خصمين يطرحانه لدى القاضى ليفصل فيه بينهما فصلا يكون له قوّة الأحكام وحّجيتها، وتحقيق الوفاة والوراثة ليس دعوى قضائية فأهم ركن من أركان الجريمة معدوم.
وحيث إن الواقع أن من أركان جريمة شهادة الزور أن تكون مؤدّاة فى دعوى منظورة لدى محكمة قضائية بين خصمين يتنازعان موضوعها ويكون الشاهد قد استدعى فيها بطلب أحد الخصمين أو من تلقاء نفس المحكمة أو فى دعوى مقصورة على خصم واحد ولكن مطلوب بها استصدار حكم قضائى.
وحيث إن تحقيق الوفاة والوراثة بحسب ما هو مدوّن فى الباب الأوّل من الكتاب السادس من لائحة المحاكم الشرعية بالمواد من 351 إلى 357 تنحصر فى طلب يقدّم للمحكمة فيحققه رئيسها أو نائبها أو القاضى الجزئى بحسب الأحوال وذلك بالتحرّى من جهة الإدارة عن معلوماتها فيه ثم يتولى التحقيق والتحرّى بنفسه إذا لم يكتف بتحرّيات جهة الإدارة أو إذا رأى فيها مخالفة للحقيقة ثم بتكليف الطالب بإعلان الورثة الذين دلت عليهم التحرّيات فإن صادقوا صراحة أو ضمنا على صحة الطلب هنالك يسمع شهودا ومتى كانت أقوال الشهود مطابقة للتحرّيات أعلن نتيجة تحقيقه وحرر بها صكا يكون حجة فى خصوص ما تدوّن فيه من الوفاة والوراثة ما لم يصدر حكم شرعى بإدخال بعض الورثة وإخراج آخرين.
وحيث إن تلك الإجراءات دالة بكل وضوح على أن تحقيق الوفاة ليس بدعوى مردّدة بين خصمين لدى محكمة قضائية ولا بدعوى مقصورة على خصم واحد مطلوب بها الحصول على حكم قضائى (كدعوى تصحيح القيد بدفاتر المواليد والوفيات طبقا للمادة 21 من القانون نمرة 23 لسنة 1912 مثلا) وإنما هو تحقيق إدارى محض يختص به رئيس المحكمة أو نائبها أو القاضى الجزئى كما يختص رئيس المحكمة الكلية أو أحد قضاتها أو أحد كتابها أو القاضى الجزئى أو أحد كتابه بمقتضى المادة 360 بتحرير الإشهادات. ثم إن هذا التحقيق لا ينتهى بحكم يصدره أيهم بل باعلان النتيجة وتدوينها فقط. ومما يوضح صفة هذا التحقيق الإدارية أيضا: (أولا) أنه هو والإشهادات والتسجيل وردت جميعها عنوانا للكتاب السادس من اللائحة الذى جاء وضعه بعد تمام كل ما يتعلق بالدعاوى من جهة الاختصاص والأدلة والأحكام والطعون والتنفيذ. فهو إذًا إضافة من الإضافات المحالة على المحاكم الشرعية لا من جهة كونها قضاء يفصل فى الخصومات بل من جهة كونها أداة حكومية إدارية صالحة لاختصاص رجالها بمثل هذه التكاليف. (ثانيا) أنه بحسب المادة 355 يكفى أن أحد الورثة ينكر على الطالب طلبه – سواء أحضر وأنكر أم غاب وأرسل للقاضى خطابا يعلمه فيه بإنكاره – يكفى ذلك حتى يمسك القاضى عن المضى فى التحقيق وحتى "يجب على الطالب أن يرفع دعواه" "بالطريق الشرعى" – هكذا تنص الفقرة الأخيرة من المادة وهى صريحة الصراحة كلها فى أن هذا التحقيق ليس بدعوى وإنما هو عمل خارج عن الدعاوى القضائية (Extrajudiciaire). (ثالثا) أن حلف اليمين شرط فى العقاب على شهادة الزور؛ ولئن كان لفظ الشهادة بحسب أصل الأوضاع الشرعية يتضمن معنى الحلف إلا أن هذه النظرية قد عدل عنها فأوجبت المادة 171 المعدّلة بالمرسوم بقانون 30 مايو سنة 1926 تحليف الشهود اليمين الشرعية فيما عدا شهادة الاستكشاف (التى يقضى بها فى النفقات وأجرة الحضانة والرضاع والمسكن بحسب المادة 177) والمادة 171 التى أتت بهذا الإيجاب خاصة بشهود الدعاوى المرفوعة بالطريق الشرعى أما الشهادة الخاصة بتحقيق الوفاة والوراثة فبقيت كما هى لم يؤمر بتحليف اليمين فيها فأصبح لمطبق القانون الجنائى أن يمسك أيضا عن اعتبارها من قبيل شهادة الزور لعدم وجوب اليمين فيها. (رابعا) أن المادة 193 من اللائحة وهى التى تنص على أن القاضى إذا ثبت لديه أن الشاهد شهد زورا فله تحرير محضر وإرساله لقلم النائب العمومى المختص ويكون حجة أمام القضاء الأهلى – هذه المادة خاصة بشهود الدعاوى فقط لورودها فى الفصل الخاص بهم وهى دالة بإشارتها إلى أن غير هؤلاء لا يعتبرون من شهود الزور الذين يحق عليهم العقاب القانونى.
وحيث إنه مع ملاحظة كافة الاعتبارات المتقدّمة وملاحظة أن النص العربى للمادة 257 عقوبات لا يعاقب إلا من شهد زورا فى دعوى مدنية وأن مواد العقوبات من المواد الغير الجائر التوسع فى تفسير الأحكام الخاصة بها وجعلها شاملة لما لا يدل عليه نصها الصريح ترى هذه المحكمة أن الواقعة المنسوبة للمتهمين لا عقاب عليها وتتعين إذن تبرئتهم بلا حاجة لبحث الأوجه الأخرى.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات