الطعن رقم 1455 سنة 46 ق – جلسة 12 /12 /1929
مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة
النقض والإبرام فى المواد الجنائية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة بين 8 نوفمبر سنة 1928 وبين 27 فبراير سنة 1930) – صـ 396
جلسة يوم الخميس 12 ديسمبر سنة 1929
برياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة.
القضية رقم 1455 سنة 46 قضائية
دعوى مدنية. استئناف المتهم المحكوم عليه بتعويض فقط فى مادة جنحة
لا يتقيد بالنصاب القانونى. استئناف المدّعى بالحق المدنى أو المسئول عنه. تقيده بالنصاب.
(المادتان 175 و176 تحقيق)
للمتهم دائما حق استئناف الحكم الصادر عليه بتعويض فقط فى مادة جنحة مهما كان مقدار
المدّعى به من طالب الحق المدنى سواء أكان هذا المقدار يزيد على النصاب الذى يجوز للقاضى
الجزئى الحكم فيه نهائيا أم لا يزيد عليه. لأن المادة 175 تحقيق جنايات جاءت باطلاق
قبول استئناف المتهم عن الأحكام الصادرة فى مواد الجنح غير مفرّقة بين ما إذا كان الاستئناف
مرفوعا عن حكم صادر بمسئوليته فى الدعويين العمومية والمدنية معا أو فى الدعوى المدنية
دون الدعوى العمومية، ولا بين ما إذا كانت قيمة الدعوى المدنية تزيد على النصاب الذى
يجوز للقاضى الجزئى الحكم فيه نهائيا أو كانت لا تزيد عليه. وذلك على خلاف ما جاءت
به المادة 176 تحقيق جنايات الخاصة باستئناف المسئول عن حقوق مدنية وباستئناف المدّعى
بالحق المدنى من وجوب اشتراط زيادة المبلغ المدّعى به على النصاب الذى يجوز للقاضى
الجزئى الحكم فيه نهائيا [(1)].
الوقائع
رفع المدّعى بالحق المدنى هذه الدعوى مباشرة أمام محكمة جنح المنشية
ضدّ الطاعن. واتهمه بأنه فى المدة بين 21 مايو سنة 1923 و29 نوفمبر سنة 1925 بالمنشية
باسكندرية بدّد خاتما من ألماس إضرارا به سلم إليه على وجه الوكالة لأجل بيعه لمنفعة
المدّعى المذكور. وطلب معاقبته بالمادة 296 من قانون العقوبات مع الحكم له بمبلغ 25
جنيها تعويضا.
وبجلسة المرافعة قال المدّعى إن المتهم رهن له الخاتم المدّعى بتبديده نظير مبلغ 25
جنيها واسترده منه ثانيا بمقتضى كتابة لبيعه بمعرفته وسداد قيمة الرهن ولم يسدّد. فقال
المتهم إنه سدّد للمدّعى مبلغ الرهن ومبالغ أخرى بغير كتابة وإنه يداينه فى مبلغ عشرين
جنيها ولذلك رفع دعوى فرعية يطالبه بهذا المبلغ.
وبعد أن سمعت تلك المحكمة الدعويين حكمت فيهما حضوريا بتاريخ 27 يناير سنة 1926 ببراءة
المتهم من التهمة المسندة اليه وإلزامه بأن يدفع للمدّعى بالحق المدنى مبلغ 25 جنيها
على سبيل التعويض والمصاريف المدنية ومائة وخمسين قرشا أتعابا للمحاماة ورفض الدعوى
الفرعية وإلزام رافعها بمصاريفها.
استأنف المتهم هذا الحكم فى 6 فبراير سنة 1926. وعند نظر الاستئناف أمام محكمة اسكندرية
الابتدائية دفع المدّعى بالحق المدنى فرعيا بعدم قبوله لأن نصاب الدعوى مما لا يجوز
استئنافه فقضت المحكمة حضوريا بتاريخ 10 أكتوبر سنة 1926 بقبول الدفع الفرعى وعدم قبول
الاستئناف شكلا وألزمت المتهم بالمصاريف. فطعن المتهم على هذا الحكم بطريق النقض والإبرام
فى 23 أكتوبر سنة 1926 وقدّم حضرة المحامى عنه تقريرا بالأسباب فى 27 منه.
المحكمة
بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
ومن حيث إن واقعة هذه المادة تتحصل فى أن المدّعى بالحق المدنى اتهم الطاعن بتبديده
خاتما وكله فى بيعه وطلب من محكمة المنشية الحكم بالزامه بأن يدفع له خمسة وعشرين جنيها
مع الحكم عليه بالعقوبة تطبيقا للمادة 296 عقوبات فحكمت تلك المحكمة ببراءة الطاعن
وبالزامه بأن يدفع هذا التعويض فاستأنف وحده هذا الحكم. ومحكمة الاسكندرية الاستئنافية
حكمت بتاريخ 10 أكتوبر سنة 1926 بعدم قبول استئنافه شكلا بعلة أن هذا الاستئناف مرفوع
عن الحكم الصادر فى الدعوى المدنية فقط وأن قيمتها لا تتجاوز النصاب الذى حكم القاضى
الجزئى فيه حكما نهائيا. فطعن هو على هذا الحكم بمخالفته لقانون تحقيق الجنايات فيما
يفهم منه من قبول استئناف المتهم للأحكام الصادرة فى مواد الجنح إطلاقا بلا شرط ولا
قيد سواء أكان صدورها فى الدعويين العمومية والمدنية أم فى الدعوى المدنية فقط ومهما
تكن قيمة الدعوى المدنية.
ومن حيث إن المادة 175 من قانون تحقيق الجنايات جاءت باطلاق قبول الاستئناف المرفوع
من المتهم عن الأحكام الصادرة فى مواد الجنح غير مفرّقة بين ما إذا كان الاستئناف مرفوعا
عن حكم صادر بمسئوليته فى الدعويين العمومية والمدنية معا أو فى الدعوى المدنية دون
الدعوى العمومية ولا بين ما إذا كانت قيمة الدعوى المدنية تزيد عن النصاب الذى يجوز
للقاضى الجزئى الحكم فيه نهائيا أو كانت لا تزيد عنه. جاءت هذه المادة باطلاقها على
خلاف ما جاءت به المادة 176 من قانون تحقيق الجنايات – الخاصة باستئناف المسئول عن
حقوق مدنية وباستئناف المدّعى بحق مدنى – من وجوب اشتراط زيادة المبلغ المدّعى به عن
النصاب الذى يجوز للقاضى الجزئى الحكم فيه نهائيا. فحق الاستئناف فى المادة 176 مقيد
بنص القانون وفى المادة 175 مطلق بنص القانون. وتقييد المطلق بغير ورود نص يفيد هذا
التقييد تحكم فى التفسير غير جائز. على أنه إن كان هناك أى شبهة فى عموم نص المادة
175 وإطلاقه فان قواعد التفسير توجب الأخذ بالأحوط لمصلحة المتهم أو المدين. والأحوط
لمصلحته قبول استئنافه. ولقد جرى القضاء من عهد بعيد على قبول استئناف المتهم المقضى
عليه فى الدعوى المدنية فقط مهما تكن قيمتها بانيا أحكامه على أن عبارة "فى مواد الجنح"
الواردة بالمادة 175 معناها "من محاكم الجنح" ومستدلا على هذا الفهم بأن الأمر لو كان
على خلافه وكان معنى تلك العبارة لا ينصرف إلا الى الأحكام الصادرة فى جريمة هى جنحة
لما استطاع من تحكم عليه محكمة الجنح باعتبار جريمته مخالفة فقط لا جنحة أن يستأنف
حكمها مع أن الإجماع على أن له حق الاستئناف. ومذهب القضاء هذا ظاهر السداد. على أن
مما يزيد فى تأكيد هذا الفهم ويوجب العمل به أن الشارع – عند إعادة النظر فى قانون
تحقيق الجنايات بمناسبة تعديل قواعد الاستئناف فى مواد المخالفات – قد قيد فيما قيده
الاستئناف المرفوع من المتهم عن الحكم الصادر عليه بالتعويضات فاشترط لقبوله فى المادة
153 – التى عدّلها بقانون 21 مايو سنة 1926 – أن تزيد التعويضات المحكوم بها عن النصاب
الذى يحكم فيه القاضى الجزئى نهائيا. ولكنه أبقى المادة 175 على أصلها فدل بتعديله
هذا فى مواد المخالفات وبترك الحال على ما هى عليه فى مواد الجنح على أنه أراد إبقاء
الإطلاق فى هذه دون تلك. والعلة فى هذا ظاهرة. فان حكم قاضى الجنح بالتعويض على المتهم
مع تبرئته من الجريمة يقتضى حتما وبطبيعة الحال أن يكون مؤسسا على ثبوت جنحة عليه سقطت
فيها الدعوى العمومية بمضى المدة أو بالعفو مثلا أو لم تتوفر كل أركانها القانونية
فأصبحت لا عقاب عليها. وللمتهم المصلحة الكلية الظاهرة فى ألا يصدر عليه حكم بتعويض
مدنى مؤسس على جنحة سقطت بالمدة أو على جنحة نقص بعض أركانها وليس له مثل هذه المصلحة
إن كانت تهمته مجرّد مخالفة إذ المخالفات لا تشين.
وحيث إنه ينتج من كل ما تقدّم أن استئناف الطاعن للحكم الصادر عليه بالتعويضات المدنية
مقبول شكلا ولو لم يزد المدّعى به منها عن النصاب الذى يجوز للقاضى الجزئى الحكم فيه
نهائيا. ولهذا يتعين قبول الطعن ونقض الحكم المطعون فيه والحكم بقبول استئناف الطاعن
شكلا وإحالة القضية على محكمة اسكندرية الاستئنافية للفصل فى الدعوى المدنية من دائرة
أخرى.
فبناء عليه
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وبجواز استئناف المتهم الطاعن وإعادة الدعوى لمحكمة اسكندرية الابتدائية للفصل فيها مجدّدا من دائرة استئنافية أخرى.
[(1)] انظر المبدأ رقم 269 والتعليق عليه.
