الطعن رقم 930 سنة 46 ق – جلسة 28 /03 /1929
مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة
النقض والإبرام فى المواد الجنائية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة بين 8 نوفمبر سنة 1928 وبين 27 فبراير سنة 1930) – صـ 246
جلسة يوم الخميس 28 مارس سنة 1929
برياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة. وحضور حضرات مسيو سودان وأصحاب العزة محمد لبيب عطيه بك وزكى برزى بك وحامد فهمى بك المستشارين.
القضية رقم 930 سنة 46 قضائية (طعن النيابة العامة ضدّ محمد محمد الجنبيهى أفندى)
اختصاص محكمة النقض فيما يتعلق بجرائم النشر. نقد مباح. سب محرم.
سفير دولة مسلمة. نسبة الحط من كرامة دولته إليه. عقاب.
(المواد 229 و232 تحقيق. و148 و161ع) [(1)].
1 – إن من اختصاص محكمة النقض – فيما يتعلق بجريمة النشر – أن تبحث المقالات التى هى
موضوع الجريمة وأن تتفهم معانى عباراتها ومراميها حتى تستطيع أن تعطيها وصفها القانونى
هل هى نقد مباح أو سب محرّم. إذ هى بغير ذلك يستحيل عليها أن تؤدّى واجبها فى تعرف
ما إذا كانت واقعة النشر كما أثبتها الحكم يعاقب عليها القانون أم لا يعاقب.
2 – الكاتب الذى ينسب لسفير دولة مسلمة الحط من كرامة دولته وعدم مراعاة حرمة الدين
بتعاطيه الخمر فى الحفلات الرسمية يكون مرتكبا لجريمة السب المتعمد الذى يحمل فى ذاته
سوء القصد.
الوقائع
اتهمت النيابة المتهم المذكور بأنه فى يومى 25 ديسمبر سنة 1927
و29 يناير سنة 1928 بدائرة قسم الخليفة بمدينة مصر، تصدّى الى سب سعادة سفير دولة إيران
بأن نسب لسعادته عدم مراعاته حرمة الدين بتعاطيه الخمر علنا فى حفلة رسمية. وكان ذلك
بأن نشر مقالتين فى جريدة الوجدان التى يصدرها فى القاهرة وصار بيع هذه الجريدة وتوزيعها
فى القاهرة والجهات الأخرى. وطلبت محاكمته بالمواد 161 و158 و148 من قانون العقوبات.
وبتاريخ 18 ديسمبر سنة 1928 قضت محكمة جنايات مصر بعد أن سمعت الدعوى حضوريا وعملا
بالمادة 50 من قانون تشكيل محاكم الجنايات ببراءة المتهم.
فطعن حضرة رئيس نيابة مصر فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام بتقرير فى 29 ديسمبر سنة
1928 تلاه تقرير ببيان الأسباب فى 3 يناير سنة 1929.
المحكمة
بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على أوراق الدعوى والمداولة
قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وتلاه بيان الأسباب فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن الطعن مبنى على أن محكمة الجنايات إذ اعتبرت أن ما وقع من المتهم هو من النقد
المباح المصحوب بحسن القصد قد أخطأت فى تطبيق القانون لأن العبارات التى حوتها المقالات
التى نشرها المتهم فى أعداد الجريدة ليست نقدا مباحا.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أثبت نشر مقالات بعينها وأن الناشر لها هو المتهم فواقعة
نشر المتهم لهذه المقالات بعينها هى الواقعة الثابتة بالحكم ومعرفة ما إذا كانت تلك
الواقعة كما أثبتها الحكم يعاقب عليها القانون كما تقول النيابة العمومية أو لا يعاقب
كما ذهبت إليه محكمة الجنايات هى من اختصاص محكمة النقض لدخولها فى مدلول الحالة الثانية
من الأحوال الثلاث المنصوص عليها فى المادة 229 من قانون تحقيق الجنايات. ومن البدهى
أن محكمة النقض يستحيل أن تؤدّى واجبها من تعرف ذلك إلا ببحث تلك المقالات التى هى
من ضمن الواقعة الثابتة بالحكم وبتفهم معانى عباراتها ومراميها ثم وصفها بما تستحق
قانونا من نقد مباح أو سب محرم.
وحيث إنه بالاطلاع على المقالة المنشورة بالعدد رقم 62 الصادر فى 25 ديسمبر سنة 1927
وجد أنها معنونة هكذا "سفيران يحطان بكرامة دولتيهما". وقد بدأها الكاتب برواية خبر
منقول عن جريدة المقطم يتضمن أن وزير إيران المفوّض بمصر أقام مأدبة لوزير مصر المفوّض
بإيران وأن كلا الوزيرين شرب فى نخب الآخر. ثم علق الكاتب على هذا الخبر بالاستفهام
عما شرباه. وقال "إن الشرب فى هذا" "الزمن لا ينصرف إلا إلى الوسكى والكنياك والشمبانيا
وما أشبه مما حرم الله ورسوله" "وأنه كان من الواجب على الوزيرين مراعاة حرمة الدين
فى الحفلات الرسمية". ثم استطرد فى النعى على شاربى الخمر الى أن قال "فليتق الله السفيران
فى كرامة" "دولتيهما".
وحيث إن الخبر على ما نقله كاتب المقال عن جريدة المقطم لا يتضمن سوى أن كلا الوزيرين
شرب فى نخب الآخر ولم يرد به نوع المشروب إن كان خمرا أو ماء قراحا أو شرابا آخر غير
محرّم ديانة. فالكاتب الذى يدعى الدفاع عن الدين ومكارم الأخلاق تناسى ما يأمر به الدين
الحنيف من الكف عن التجسس وتتبع عورات الناس ومن درء الحدود بالشبهات وعمد الى الاستفهام
التوبيخى عن نوع المشروب ثم رد على نفسه بأنه لا يكون إلا خمرا وتخلص من هذا التعمل
والتمخض الذهنى إلى النعى على السفير بأنه لم يراع حرمة الدين فى الحفلات الرسمية ولم
يتق الله فى كرامة دولته. ثم نشر المقال تحت ذلك العنوان المقول فيه إن السفير يحط
بكرامة دولته. ولا شك أن كل ذلك يشمل سبا صريحا متعمدا لا أنه مجرّد انتقاد مباح على
شاربى الخمر كما تقول محكمة الجنايات.
وحيث إن تعمد السب على هذا الوجه يحمل فى ذاته سوء القصد.
وحيث إن محكمة الجنايات – وقد قررت أن عمل المتهم لا جريمة فيه بل هو من النقد المباح
– لزمها منطقيا وبطبيعة الحال اطراح البحث فى القصد الجنائى لجريمة السب الموجهة على
المتهم أموجود هو أم غير موجود. وكل ما قالته أن هذا النقد المباح إذا كان به شىء من
المبالغة فبحسن قصد دفعت إليه البيئة والوسط اللذان نشأ المتهم وعاش فيهما أى بيئة
الأزهر (على ما يعلم من محضر الجلسة). وقول المحكمة هذا مسلم به لو أن المقال غير محتو
إلا مجرّد انتقاد على شاربى الخمر كما ذهبت هى إليه. أما على الفهم الذى فهمته محكمة
النقض من هذا المقال فإن الأمر فى ذلك ينعكس. إذ الواقع أن أهل الأزهر وخلطاءهم فى
البيئة وعشراءهم فى الوسط هم من أحرص الناس على الائتمار بما يتلى عليهم من قول القرآن
العظيم: ﴿يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا﴾.
وقول الرسول الكريم: "إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا". فالبيئة
والوسط اللذان تستنتج منهما المحكمة دليل حسن القصد فيما كان من المتهم من المبالغة
فى مباح النقد لا ينضحان إلا بنقيض ذلك فيما كان من المتهم على الوجه الذى فهمت محكمة
النقض مقاله عليه.
وحيث إنه يبين مما تقدّم أن الطعن فى محله موضوعا وأن الحادثة مما تنطبق عليها المواد
161 و158 و148 من قانون العقوبات وأن المتعين على هذه المحكمة نقض الحكم المطعون فيه
وتطبيق القانون عملا بالمادة 232 من قانون تحقيق الجنايات ولا محل لبحث المقالة الأخرى.
فبناء عليه
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وبمعاقبة المتهم بغرامة قدرها خمسة وعشرون قرشا مع إعفائه من المصاريف.
[(1)] عدلت هذه المادة بالقانون رقم 97 لسنة 1931 فصارت المادة المنطبقة هى المادة 157 المكررة.
