الطعنان رقما 878 و 1521 لسنة 26 ق – جلسة 27 /11 /1982
مجلس الدولة – المكتب الفنى – المبادئ التى
قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة والعشرون (من أول أكتوبر سنة 1982 إلى آخر سبتمبر سنة 1983) صـ149
جلسة 27 من نوفمبر سنة 1982
برئاسة السيد الأستاذ المستشار يوسف ابراهيم الشناوى رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد محمد عبد المجيد والدكتور حسين توفيق رضا وحسن حسنين على وفاروق عبد الرحيم غنيم المستشارين.
الطعنان رقما 878 و 1521 لسنة 26 القضائية
منازعة ادارية – عمل مادى – اختصاص مجلس الدولة.
ولاية محاكم مجلس الدولة فى نظر طلب التعويض عن امتناع سكرتارية الحكومة عن اتخاذ إجراءات
سفر أحد المواطنين لاستكمال علاجه فى الخارج – دعوى التعويض منشؤها مسلك أخذته جهة
الادارة (السكرتارية العامة للحكومة) فى نطاق القانون العام وتبدى فيه واضحا وجه السلطة
العامة ومظهرها وهى بهذه المثابة عين المنازعة الادارية التى يختص بالفصل فيها محاكم
مجلس الدولة طبقا للمادة 172 من الدستور والمادة بند رابع عشر من القانون رقم
47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة – الحكم بالتعويض على أساس خطأ السكرتارية العامة للحكومة
لقعودها عن اتخاذ اللازم بشأن كتاب الادارة العامة للقومسيونات الطبية – القضاء بالتعويض
عن مجرد تفويت فرصة استكمال العلاج فى الخارج فى الوقت المناسب أخذا فى الاعتبار احتمالات
الفشل والنجاح للعلاج فى الخارج وان كل الضرر لا يمكن القطع بأن مرجعه العلاج فى الداخل.
اجراءات الطعن
فى يوم الخميس الموافق 24 من ابريل 1980 أودعت ادارة قضايا الحكومة
نيابة عن السيد رئيس مجلس الوزراء بصفته الرئيس الأعلى للامانة العامة لمجلس الوزراء
قلم كتاب المحكمة الادارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 878 لسنة 26 القضائية
ضد السيد/ جمال الدين محمد عيسى عن الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى (دائرة منازعات
الأفراد والهيئات) بجلسة 26 من فبراير سنة 1980 فى الدعوى رقم 252 لسنة 29 القضائية
المرفوعة من المطعون ضده ضد وزير الصحة بصفته الرئيس الاعلى لهيئة القومسيون الطبى
العام والطاعن الذى قضى أولا بقبول الدعوى شكلا، ثانيا – برفض طلب الغاء القرار المطعون
فيه مع الزام المدعى بمصروفات هذا الطلب ثالثا – بالزام المدعى عليه الثانى (الطاعن)
بأن يؤدى للمدعى تعويضا قرده ألفى جنيه مع المصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب المبينة فى تقرير الطعن الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه فى
الشق الخاص بالزام الطاعن بأن يؤدى للمدعى تعويضا قدره ألفى جنيه من المصروفات وبقبول
الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه فى شقه محل الطعن وبعدم اختصاص مجلس
الدولة بهيئة قضاء ادارى بنظر طلب التعويض عن واقعة امتناع سكرتارية الحكومة عن اتخاذ
اجراءات سفر المطعون ضده والا فبرفضه موضوعا مع الزام المطعون ضده بمصروفات هذا الطلب
عن الدرجتين.
وفى يوم الأربعاء الموافق 30 من يوليه 1980 أودع الاستاذ السعيد مصطفى الشايب المحامى
بصفته وكيلا عن السيد/ جمال الدين محمد عيسى قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها
برقم 521 لسنة 26 القضائية ضد وزير الصحة ورئيس مجلس الوزراء بصفتها عن ذات الحكم المطعون
فيه بمقتضى الطعن المتقدم وذلك بعد تقديم طلب الاعفاء رقم 98 لسنة 26 معافاة عليا القيد
بتاريخ 20 من ابريل سنة 1980 والذى تقرر قبوله فى 25 من يونية سنة 1980 وطلب الطاعن
للأسباب المبينة فى تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون
فيه فيما تضمنه من رفض طلب الغاء القرار المطعون فيه والقضاء بالغاء هذا القرار وباثبات
خطأ وزارة الصحة السكرتارية العامة للحكومة وبالزامهما بان يدفعا متضامنين للطاعن مبلغ
عشرون ألف جنيه تعويضا لصالحه عن اضرار بالغة مالية وأدبية ونفسية.
وأعلن كل من الطعنيين قانونا وعقبت هيئة مفوضى الدولة على الطعنين بتقرير بالرأى القانونى
مسببا ارتأت فيه الحكم.
أولا: بقبول الطعنين شكلا.
ثانيا: برفض طلب وقف التنفيذ والزام الجهة الادارية المصروفات الخاصة به.
ثالثا: وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض طلب الغاء القرار
المطعون فيه وبالغاء هذا القرار.
رابعا: بتعديل الحكم المطعون فيه فيما قضى به من الزام الجهة الادارية الطاعنة بان
تؤدى للمدعى تعويضا قدره ألفى جنيه والحكم له بتعويض قدره عشرة آلاف جنيه.
خامسا: بالزام الجهة الادارية الطاعنة بمصروفات الطعنين ومصروفات الدعوى الأصلية.
وعين لنظر الطعنين أمام الدائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 15 من مارس سنة 1982
حيث قررت الدائرة ضم الطعن رقم 1521 لسنة 26 القضائية الى الطعن رقم 878 لسنة 26 القضائية
واحالتهما الى المحكمة الادارية العليا (الدائرة الأولى) لتنظرهما بجلسة 17 من ابريل
سنة 1982 وتداول نظرهما امام المحكمة على الوجه المبين بمحاضرها وبعد ان سمعت المحكمة
ما رأت لزوما لسماعه من ايضاحات قررت بجلسة 23 من اكتوبر سنة 1982 اصدار الحكم بجلسة
اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث ان كلا من الطعنين استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان وقائع هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق
الطعن فى أنه بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الادارى بتاريخ 27 من نوفمبر سنة
1974 أقام السيد/ جمال الدين محمد عيسى الدعوى رقم 252 لسنة 29 القضائية ابتداء ضد
السيد وزير الصحة بصفته الرئيس الأعلى لهيئة القومسيون الطبى العام بعد ان تقدم بطلب
الاعفاء رقم 323 لسنة 28 معافاة بتاريخ 17/ 7/ 1974 الذى تقرر قبوله بتاريخ 2/ 10/
1982 وطلب الحكم أولا بالغاء قرار القومسيون الطبى العام الصادر برفض طلبه السفر للخارج
لاستكمال العلاج بعد توقيع الكشف عليه فى 12/ 5/ 1974 مع الزام المدعى عليه بالمصروفات
وأتعاب المحاماة.
ثانيا: الحكم بالزام المدعى عليه بصفته بأن يدفع له مبلغ عشرين ألف جنيه والمصروفات
وبموجب عريضة معلنة الى ادارة قضايا الحكومة بتاريخ 5/ 1/ 1980 اختصم المدعى السيد
رئيس مجلس الوزراء بصفته الرئيس الأعلى للأمانة العامة لمجلس الوزراء (السكرتارية العامة
للحكومة) طالبا الحكم بأن يدفع له متضامنا مع المدعى عليه الأول مبلغ عشرين ألف جنيه
تعويضا عما أصابه من اضرار وجاء فى بيان الدعوى ان المدعى أصيب فى عينه أثناء عمله
بمصنع إسكندرية التابع لشركة اسطوانات صوت القاهرة وصدر قرار رئيس الوزراء رقم 4256
لسنة 1966 بعلاجه فى الخارج على نفقة الدولة على بند علاج المواطنين وهناك فى أسبانيا
اتضح للطبيب المعالج أن الأمر يستلزم طبيبا متخصصا فى هذا النوع فى إيطاليا فسافر اليها
واجريت له عدة عمليات لانقاذ العين اليسرى بعد أن فقدت العين اليمنى البصر تماما وقد
كانت العملية الرئيسية فيها والأولى من نوعها فى عالم طب العيون وكللت بالنجاح واصبحت
درجة الابصار بعدها 6/ 6 ثم عاد الى القاهرة فى غضون شهر فبراير 1969 حاملا معه تقريرا
من الطبيب المعالج أفاد بعد شرح الحالة بانه من المتعين ان يعود المدعى خلال موعد أقصاه
أول مارس 1970 وذلك لاجراء المرحلة الختامية والنهائية غير ان القومسيون الطبى العام
قرر ادخاله مستشفى القوات المسلحة بالمعادى لمدة شهر بينما قررت ادارة المستشفى ضرورة
سفره الى الخارج ليتم علاجه لدى الطبيب الذى أجرى العملية وكتبت تقريرا بذلك الى القومسيون
الطبى تحت رقم 11822 بتاريخ 13/ 10/ 1969 وقد استمر يتردد على القومسيون الطبى ويرفع
شكواه الى الجهات المسئولة بينما قوة ابصاره تضعف يوما بعد يوم حتى قرر القومسيون الطبى
بجلسة 30/ 5/ 1973 ان حالة العين نهائية ولا جدوى من علاجها بالداخل أو الخارج وقد
تظلم من ذلك الى وزير الصحة وتحدد له جلسة 18/ 9/ 1973 أمام القومسيون الطبى الذى ايد
قراره الاول مما دعاه الى الاتجاه الى هيئة التأمين الصحى فقرر طبيبها الاستشارى ضرورة
سفره لاستكمال العلاج على يد الطبيب الذى أجرى العملية بعد عرض الأمر على القومسيون
الطبى حيث عرض عليه بتاريخ 12/ 5/ 1974 دون أن يخطر بالنتيجة حتى عام مؤخرا أن النتيجة
هى ضمور فى العين اليمنى واستقرار الحالة بالنسبة للعين اليسرى وعدم جدوى العلاج بالداخل
والخارج ونعى المدعى على مسلك القومسيون الطبى العام اساءة استعماله الحق الأمر الذى
فوت عليه فرصة العلاج فى الخارج على أسس علمية وفنية سليمة كما نعى على مسلك السكرتارية
العامة للحكومة لعدم اتخاذها أى اجراء بشأن كتاب مدير عام القومسيونات الطبية المؤرخ
1/ 1/ 1970 المرسل اليها والمرفق به تقرير اللجنة الطبية لمركز التخصص بقسم الرمد بمستشفى
المعادى الذى أشار بأن حالة المدعى تستدعى السفر للعلاج فى الخارج وعقبت ادارة قضايا
الحكومة على الدعوى بالدفع أصليا بعدم قبولها شكلا لرفعها بعد الميعاد واحتياطيا طلبت
الحكم برفضها تأسيسا على ان قرار القومسيون الطبى العام الصادر فى 31/ 5/ 1973 هو قرار
نهائى قطعى ليس فى وسع الجهة التى أصدرته أو الجهة الرئاسية لها أن تعدله ومن ثم فلا
يجدى التظلم فى شأنه كما ان القرار الصادر بتاريخ 12/ 5/ 1974 لا يعدو ان يكون تأكيدا
للقرار الصادر فى 31/ 5/ 1973 ولا يتضمن مغايرة من شأنها التغيير فى المركز القانونى
للمدعى فضلا عن أن تقدير مدى جدوى علاج المدعى بالخارج من عدمه يدخل فى نطاق السلطة
التقديرية للقومسيون الطبى العام بلا معقب عليه طالما خلا قراره من اساءة استعمال السلطة
وبجلسة 26 من فبراير سنة 1980 أصدرت المحكمة حكمها فى موضوع الطعن الماثل على الوجه
السالف بيانه وأقامت قضاءها بالنسبة الى طلب الالغاء بعد أن فندت الدفع الشكلى بعدم
قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد على ان الثابت من الاطلاع على أحكام نظام علاج العاملين
والمواطنين بالخارج الصادر بقرار رئيس الجمهورية رقم 3083 لسنة 1966 أن المجالس الطبية
المختصة تترخص بحسب طبيعة تكوينها الفنى التخصصى بتقرير مدى حاجة المريض للعلاج فى
الخارج فتوصى بسفره اذا ما اقتضت حالته المرضية ذلك وكانت امكانيات علاجه غير متوافرة
بالداخل وترفض السفر اذا كانت امكانيات العلاج بالداخل متوافرة أو كانت حالة المريض
قد بلغت حدا من السوء لا يجدى معها علاج فى الداخل أو الخارج وان هذه المجالس تتمتع
فى ذلك بسلطة مطلقة تستند فيها الى تقديرها الفنى الكامل للحالات المعروضة عليها ومن
ثم فلا تثريب عليها ان رأت بعد الكشف الطبى الفنى على المدعى بجلسة 12/ 5/ 1974 ان
حالته المرضية قد بلغت حدا لا يجدى معه العلاج فى الداخل أو الخارج طالما ان قرارها
هذا لم يداخله هوى أو شابه انحراف أو اساءة لاستعمال الرخصة المخولة لها وهو ما لم
يقل به المدعى كما لم تكشف عنه أوراق الدعوى ولا وجه لما يذهب اليه المدعى من ان القرار
المطعون فيه قد صدر بالرغم من وجود تقرير من الطبيب المعالج له أوصى فيه بضرورة عودته
لاستكمال هذا العلاج وانهاء مرحلته الختامية والنهائية ذلك ان هذا التقرير قد حدد موعدا
للسفر الى الخارج هو أول مارس 1970 وهو شرط زمنى جوهرى اذا ما انقضى ومضى أصبح التقرير
كأن لم يكن بحيث يكون للجنة الطبية كامل سلطتها فى تقدير مدى الحاجة للعلاج فى الخارج
فى ضوء الظروف والملابسات المرضية التى أصبح عليها المدعى وقت الجلسة التى صدر فيها
القرار المطعون فيه ومن البديهى انه لا يجوز مطالبة اللجنة بالالتزام بتقرير فنى انقضى
عليه ما يزيد على خمس سنوات منذ تاريخ تحريره فى 29/ 2/ 1969 طرأ فيها على المدعى ما
أدى الى تدهور حالة عينه بحيث قررت اللجنة انها اصبحت غير قابلة لعلاج كما ان المدعى
لم يقدم من الطبيب الايطالى المعالج ما يدحض قرار اللجنة بعدم جدوى العلاج علاوة على
أن تقرير الطبيب المعالج ليس بشرط يتضمنه نظام العلاج فى الخارج يتعين معه على اللجنة
الطبية المختصة الالتزام به وعلى ذلك يكون طلب الالغاء على غير أساس من القانون جديرا
بالرفض ثم تطرق الحكم المطعون فيه الى طلب التعويض عما لحق المدعى من أضرار مادية وأدبية
ونفسية فذهب الى أنه وقد اتضح أن القرار المطعون فيه قد صدر سليما مبرءا من العيوب
ومن ثم ينتفى ركن الخطأ الموجب للتعويض عنه أما ما يذكره المدعى من تأخر حالته المرضية
نتيجة لعدم سفره لاستكمال العلاج فى أول مارس 1970 فان هذا القول حق بيد أن الأثر الضار
لم يسببه القرار المطعون فيه ومن ثم لا تسأل عنه وزارة الصحة ذلك أن الثابت من الأوراق
أن اللجنة الطبية المختصة بوزارة الصحة قد ناظرت المدعى بناء على تقرير الطبيب الايطالى
المعالج بجلسة 17/ 6/ 1969 وقررت تحويله لمركز التخصص بقسم الرمد بمستشفى المعادى وقد
رأى هذا المركز ان حالته تستدعى السفر الى ايطاليا لعلاجه لدى ذات الطبيب الذى أجرى
العملية الأولى ومن ثم طلب مدير عام القومسيونات الطبية بكتابه رقم 21 بتاريخ 1/ 1/
1970 من سكرتارية الحكومة اتخاذ اللازم على أن يكون مدة العلاج شهرين وبنفقات ألف جنيه
الا أن تلك الجهة لم تتخذ أى اجراء فى هذا الشأن ومن ثم فان هذا الامتناع غير المشروع
من جانب سكرتارية الحكومة يكون هو المسئول عما لحق المدعى من أضرار فى بصره سجلتها
اللجنة الفنية فى تقاريرها اللاحقة الأمر الذى يتعين معه اجابة المدعى الى طلبه والحكم
له على المدعى عليه الثانى بمبلغ 2000 جنيه تعويضا جزافيا عما لحقه من اضرار مادية
وأدبية ونفسية.
ومن حيث ان الطعن رقم 878 لسنة 26 القضائية المقدم من الحكومة يقتصر على ما قضى به
الحكم المطعون فيه من الزام الطاعن بان يؤدى للمطعون ضده تعويضا قدره ألفى جنيه من
المصروفات وذلك للأسباب الواردة فى تقرير الطعن ومبناها مخالفة الحكم المطعون فيه القانون
والخطأ فى تطبيقه وتأويله بالنسبة الى هذا الشق من قضائه اذ لا ولاية للمحكمة فى القضاء
بالتعويض عن العمل المادى المتمثل فى امتناع سكرتارية الحكومة عن اتخاذ اجراءات سفر
المطعون ضده للخارج وذلك أخذا بقضاء المحكمة الدستورية العليا بتاريخ 3/ 6/ 1972 فى
الدعوى رقم 27 ق عليا تنازع بان اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بالفصل فى طلبات
التعويض عن الاضرار منوط بأن يكون الضرر مترتبا على قرار ادارى مما يختص المجلس بالفصل
فى طلب الغائه أما ما عدا ذلك من طلبات التعويض فانه يدخل فى اختصاص القضاء العادى
الا ما استثنى بنص خاص ومن ناحية أخرى لم يبين الحكم المطعون فيه السند القانونى الذى
شيد عليه قضاءه بالتعويض خاصة وقد قضى بصحة القرار المطعون فيه بطلبى الالغاء والتعويض
معا ولم يناقش عناصر المسئولية ومدى ثبوتها فى جانب الطاعن وبصفة خاصة السببية المباشرة
بين خطأ سكرتارية الحكومة وما أصاب المطعون ضده من اضرار ومن ثم فقد نسب الحكم الى
سكرتارية الحكومة خطأ لم ترتكبه وقدر التعويض جزافا دون الاستعانة بأهل الخبرة فى الوقت
الذى أناط فيه القانون بالقومسيون الطبى العام كما ذهب الحكم ذاته تقرير مدى جواز علاج
المواطنين فى الخارج من عدم واختصاصه فى هذا الشأن مطلق لا تعقب عليه يضاف الى ذلك
ان الثابت من الأوراق ان المركز التخصصى بمستشفى القوات المسلحة بالمعادى هو الذى أشار
بسفر المطعون ضده ولا يعتبر قراره فى ذلك قرار طبيا نهائيا واذ خلت الأوراق مما يفيد
ان اللجنة الطبية المختصة والمقومسيون الطبى هى التى قررت ذلك ومن ثم فلم يكن بوسع
سكرتارية الحكومة أن تتخذ أى اجراء لسفر المطعون ضده للعلاج فى الخراج بعد ان تخلف
الشرط الجوهرى لذلك وهو جود تقرير من تلك اللجنة يقرر وجوب العلاج فى الخارج علاوة
على أن سكرتارية الحكومة لم تتوان فى الاتصال بالقومسيون الطبى العام أو ابداء رأيها
فى هذا الشأن حسبما هو ثابت من الأوراق.
ومن حيث ان الطعن رقم 1521 لسنة 26 القضائية المقدم من المدعى يأخذ على الحكم المطعون
فيه الخطأ فى تطبيق القانون لسببين حاصل أولهما انه ولئن كانت الادارة العامة للقومسيونات
الطبية تترخص بحسب طبيعة تكوينها الفنى المتخصص فى تقرير مدى حاجة المريض للعلاج فى
الخارج الا انه فى الحالة الماثلة جاء قرار القومسيون الطبى المطعون فيه مشوبا بالانحراف
واساءة استعمال السلطة وتجلى ذلك فيما قرره القومسيون الطبى العام عند عرض حالة الطاعن
عليه بجلسة 17/ 6/ 1969 من احالته الى المركز المتخصص بقسم الرمد بمستشفى القوات المسلحة
بالمعادى على الرغم من وجود تقرير طبى من الطبيب المعالج فى الخارج بضرورة عودة الطاعن
لاستكمال علاجه فى موعد أقصاه أول مارس 1970 ثم اصرار القومسيون الطبى بجلسة 31/ 7/
1971 على هذا المسلك بتقرير احالته الى مستشفى المعادى الذى سبق وأن قررت لجنته الفنية
بسفره الى ايطاليا لعلاجه لدى ذات الطبيب الذى أجرى العملية وهو ما يستفاد منه الدليل
على مسئولية القومسيون الطبى عن ضياع الوقت وانقضاء الموعد الذى حدده الطبيب المعالج
فى الخارج دون اتخاذ الاجراءات اللازمة لسفره ومن ثم كان يتعين القضاء بالغاء القرار
المطعون فيه والتعويض عن الأضرار التى لحقت الطاعن من جرائه دون أن يحاج بعدم جدوى
الغاء القرار المطعون فيه لعدم جدوى العلاج ذلك أن التقدم العلمى والطبى المستمر لا
يعجز عن علاجه ومبنى السبب الثانى للطعن أن الحكم المطعون فيه قدر تعويضا حزافيا للطاعن
قدره ألفى جنيه عن الأضرار المادية والأدبية والنفسية التى لحقته عن فقد بصره ومن ثم
جاء هذا التعويض غير متناسب البته مع ما لحقه من ضرر جسيم وآلام نفسية وأدبية فقد حرم
من رؤية أولاده وأصبح يحتاج الى مرافق له فى الطريق وهو فى مقتبل العمر وكل ذلك لم
يأخذه الحكم فى اعتباره لا سيما وانه احيل الى المعاش وأصبح يتقاضى معاشا أدنى من مرتباته
وهى مصدر رزقه.
ومن حيث انه لا محل لما يثيره طعن الحكومة رقم 878 لسنة 26 القضائية عن ولاية محاكم
مجلس الدولة فى القضاء بالتعويض للمطعون ضده عن امتناع سكرتارية الحكومة عن اتخاذ اجراءات
سفره لاستكمال علاجه فى الخارج وبمقولة ان هذه الولاية لا تتناول طلب التعويض عن العمال
المادى ذلك ان دعوى التعويض الصادر فيها الحكم المطعون فيه منشؤها مسلك أخذته جهة الادارة
(السكرتارية العامة للحكومة) فى نطاق القانون العام وتبدى فيه واضحا وجه السلطة العامة
ومظهرها وهى بهذه المثابة عين المنازعة الادارية التى يختص بالفصل فيها محاكم مجلس
الدولة طبقا للمادة 172 من الدستور والمادة فقرة (رابع عشر) من القانون رقم 47
لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة وعلى ذلك فلا أساس للدفع بعدم الاختصاص الولائى بنظر طلب
التعويض عن موقف سكرتارية الحكومة ازاء اجراءات سفر المطعون ضده لاستكمال علاجه فى
الخارج ويتعين من ثم اطراحه.
ومن حيث أن وقائع المنازعة لا خلاف عليها وهى تتحصل حسبما يبين من الأوراق فى أن المدعى
أصيب بحروق شديدة بالقرنية بالعينين أثناء العمل وتقرر سفره الى أسبانيا للعلاج لمدة
ثلاثة شهور وصدر بذلك قرار رئيس الوزراء رقم 4286 لسنة 1966 فى 3/ 11/ 1966 الا أن
الطبيب المعالج أسبانيا رأى تحويله الى الطبيب المختص فى روما ووافقت اللجنة الطبية
على سفره إلى روما للعلاج لمدة شهريان وصدر بذلك قرار رئيس الوزراء رقم 969 لسنة 1967
بتاريخ 8/ 3/ 1967 ثم تواليت بعد ذلك قرارات رئيس الوزراء بمد فترة علاجه فى الخارج
وبعد عودته عرض على اللجنة الطبية المختصة بجلسة 17/ 6/ 1969 فرأت تحويله لمركز التخصص
بمستشفى القوات المسلحة بالمعادى لمدة شهر بنفقات مائة جنيه وبتاريخ 25/ 12/ 1969 كشف
عليه بمعرفة اللجنة الخاصة بمستشفى القوات المسلحة بالعادى وتبين لها ان العين اليمنى
ضامرة واليسرى مجرى لها عملية استبدال جزء من القرنية بعدسة بلاستيك وضغط العين مرتفع
وأنه نظرا لعدم توافر الخبرة الكافية لمثل هذه العملية رأت اللجنة سفر المريض (المدعى)
الى ايطاليا لاستكمال علاجه لدى الطبيب الايطالى الذى أجرى له العملية الأولى وبتاريخ
31/ 12/ 1969 رفعت الادارة العامة للقومسيونات الطبية مذكرة بهذا الشأن الى سكرتير
عام الحكومة الا ان سكرتارية الحكومة لم تفد الادارة المذكورة بقرار رئيس الوزراء الخاص
بسفر المذكور ولم ترد على المذكرة المرسلة إليها سالفة الذكر وبتاريخ 31/ 7/ 1971 أعيد
عرض حالته على اللجنة فحولته على المركز التخصصى بمستشفى القوات المسلحة بالمعادى لمدة
شهر وبنفقات مائة جنيه وبتاريخ 12/ 10/ 1/ 1972 طلب السيد أمين عام مجلس الوزراء احالة
المذكور على اللجنة الطبية المختصة من جديد ثم احالة النتيجة على الشركة التى يعمل
بها لتتحمل كافة التكاليف المقترحة وبجلسة 31/ 5/ 1973 عرض المذكور على اللجنة الطبية
وتبين لها ان العين اليمنى ضامرة والعين اليسرى مجرى لها عملية زرع لعدسة بلاستيك مع
جلوكوما ثانوية ومجال الضوء ردئ فى جميع الاتجاهات وصدر القرار بأن حالة العين اليسرى
نهائية ولا جدوى من علاجها بالداخل والخارج وقد تظلم المدعى من هذا القرار وأعيد عرضه
على اللجنة الطبية بتاريخ 18/ 9/ 1973 فأيدت قرارها السابق وأخطر المذكور به بكتاب
القومسيون الطبى المؤرخ 23/ 9/ 1973 ثم عرض أخيرا على اللجنة الطبية بجلسة 12/ 5/ 1974
بناء على طلب جهة عمله – فأصدرت قرارها بعدم جدوى العلاج فى الداخل أو الخارج.
ومن حيث انه بالنسبة لما تضمنه طعن الحكومة من أسباب مدارها ان الحكم المطعون فيه لم
يبين السند القانونى لالزام السكرتارية العامة للحكومة بالتعويض، ورغم تسليمه بسلامة
القرار الادارى المطعون فيه ورفضه طلب التعويض عنه فان الثابت مما تقدم ان المدعى كان
يطعن على قرار القومسيون الطبى العام الصادر بجلسة 12/ 5/ 1974 بعدم جدوى علاجه فى
الداخل أو الخارج ثم اختصم رئيس الوزراء بصفته الرئيس الأعلى للأمانة العامة لمجلس
الوزراء (السكرتارية العامة للحكومة) لما تبين ان اللجنة الطبية المختصة بوزارة الصحة
قد ناظرته بجلسة 17/ 6/ 1969 وقررت تحويله للمركز التخصصى بقسم الرمد بمستشفى القوات
المسلحة بالمعادى الذى رأى أن حالته تستدعى السفر لعلاجه لدى الطبيب الايطالى الذى
أجرى له العملية الاولى وان الادارة العامة للقومسيونات الطبية رفعت مذكرة بهذا الشأن
الى السكرتارية العامة للحكومة بكتابها رقم 21 المؤرخ 1/ 1/ 1970 لاتخاذ اللازم الا
أن تلك الجهة لم تتخذ أى إجراء فى هذا الامر، ولما كان هذا المسلك من جانب، السكرتارية
العامة للحكومة مثارا لمنازعة المدعى على ما تقدم فضلا عن طعنه على قرار القومسيون
الطبى سالف الذكر فانه لا يكون ثمة ارتباط أو تلازم بين قضاء الحكم المطعون فيه فى
طلب الالغاء أو التعويض عن القرار المطعون فيه وذلك المتعلق بمسلك السكرتارية العامة
للحكومة سالف الذكر واذ استظهر الحكم المطعون فيه عدم مشروعية هذا المسلك وجعله أساسا
لقضائه فى طلب التعويض فانه لا يكون قد اغفل بيان سنده الذى عول عليه فى قضائه بحسبان
ان الأمر كان يقتض من هذه الجهة اما ان تتخذ الاجراءات اللازمة لسفر المطعون ضده لاستكمال
علاجه فى الخارج بناء على الاوراق المرسلة اليها من الادارة العامة للقومسيونات الطبية
بتاريخ 1/ 1/ 1970 واما أن ترد على ما طلب منها بالإفصاح عن وجهة نظرها ان كان لها
وجهة نظر مغايرة اما قعودها عن اتخاذ اى إجراء فى الوقت الذى كانت فيه الفرصة سانحة
للمطعون ضده لاستكمال علاجه فى الخارج فى الوقت المناسب فانه ولا شك مأخذ عليها يشكل
ركن الخطأ فى المسئولية، ويساهم بلا ريب فيما لحق المذكور من اضرار تمثلت فى تفويت
هذه الفرصة عليه بغير مقتض وجدير بالبيان أن ما يدأ بعد فوات الأوان من السكرتارية
العامة للحكومة ازاء موضوع استكمال علاج المطعون ضده لا يؤثر على الخطأ الثابت فى حقها
على الوجه سالف الذكر ويضحى الطعن بهذه المثابة على غير اساس سليم من القانون حقيقا
بالرفض.
ومن حيث انه عن طعن المدعى رقم 1521 لسنة 26 القضائية فهو يقوم على تعييب قرارات القومسيون
الطبى العام المتوالية بدءا من قراره الصادر فى 17/ 6/ 1969 بتحويله الى المركز التخصصى
بمستشفى القوات المسلحة بالمعادى حتى قراره الصادر فى 12/ 5/ 1974 بان حالته المرضية
نهائيا ولا جدوى من علاجها فى الداخل أو الخارج، كما ينعى الطعن ايضا على الحكم المطعون
فيه الاجحاف بحق الطاعن فى التعويض المناسب، ولما كانت دعوى المدعى قد استهدفت فيما
استهدفت الغاء قرار القومسيون الطبى العام الصادر فى 12/ 5/ 1974 دون غيره من قرارات
سبق ان اصدارها ومن ثم لا ينصرف أثر الدعوى وكذلك الحكم الصادر فيها الا الى القرار
المطعون فيه دون سواه ما دام لم يطعن فى قرارات القومسيون الطبى العام الأخرى على مقتضى
الأوضاع والاجراءات المنصوص عليها فى قانون مجلس الدولة.
ومن حيث ان الثابت من الوقائع المتقدمة ان القرار المطعون فيه قد صدر فى 12/ 5/ 1974
أى بعد مدة تربو على خمس سنوات من تاريخ عودة الطاعن من رحلة علاجه فى الخارج فى غضون
شهر فبراير 1969 كما ذكر فى دعواه وقد استند هذا القرار الى الحالة المرضية التى اصبح
عليها الطاعن فى تاريخ الجلسة التى صدر فيها وفقا للتقرير الفنى للجنة الذى لم يداخل
انحراف أو اساءة لاستعمال السلطة ومن ثم فلا مجال للنعى على الحكم المطعون فيه بشيء
فى خصوص قضائه برفض طلب الغاء هذا القرار واستنادا الى أسبابه التى تأخذ بها هذه المحكمة
وتعتبرها أسبابا لقضائها أما عن التعويض المقضى به فان المستظهر من أسباب الحكم المطعون
فيه فى هذا المجال انه قام على اساس خطأ السكرتارية العامة للحكومة فى قعودها عن اتخاذ
اللازم بشأن كتاب الادارة العامة للقومسيونات الطبية المؤرخ 1/ 1/ 1970 على التفصيل
المتقدم بيانه وبهذه المثابة كان القضاء بالتعويض عن مجرد تفويت فرصة استكمال علاج
الطاعن فى الخارج فى الوقت المناسب اخذا فى الاعتبار احتمالات الفشل والنجاح للعلاج
فى الخارج وان كان كل الضرر لا يمكن القطع بأن مرجعه العلاج فى الداخل وفى هذا النطاق
يكون الحكم المطعون فيه قد التزم التقدير السليم لعناصر الدعوى وبالتالى يغدو الطعن
عليه بالنسبة لما قضى به من تعويض فى غير محله.
ومن حيث أنه لما تقدم من اسباب يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب وجه الحق فيما قضى به
ويتعين من ثم القضاء برفض الطعنين رقمى 878 و 1521 لسنة 26 القضائية والزام كل طاعن
بمصروفات طعنه.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلا ورفضهما موضوعا والزمت كل من الطاعنين بمصروفات طعنه.