الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 400 لسنة 7 ق – جلسة 06 /05 /1962 

مجلس الدولة – المكتب الفنى – مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة – العدد الثالث (من أول مايو سنة 1962 الى آخر سبتمبر سنة 1962) – صـ 846


جلسة 6 من مايو سنة 1962

المشكلة برياسة السيد عبد العزيز الببلاوى نائب رئيس المجلس وعضوية السادة الدكتور محمود سعد الدين الشريف وعبد الفتاح نصار وعزت عبد المحسن وأبو الوفا زهدى: المستشارين.

القضية رقم 400 لسنة 7 القضائية

موظف – تقرير سرى سنوى – تقرير لجنة شئون الموظفين لكفاية الموظف – العناصر التى يجب أن يقوم عليها – خضوعه لرقابة القضاء الادارى – أساس ذلك وأثره – اقامة اللجنة تقديرها على عناصر استقتها من معلومات خارجية غير محددة قادحة فى حسن سمعة الموظف أو استوحتها من مطاعن رددتها شكوى مقدمة من مجهول – يجعل قرارها غير محمول على واقع من الاسباب – اثبات سوء السمعة يكون بالاحالة الى المحاكمة التأديبية – أساس ذلك.
لا حجة فيما تمسك به طعن الحكومة من ان تقدير لجنة شئون الموظفين لكفاية الموظف لا يخضع لمراقبة القضاء الادارى باعتباره داخلا فى صميم عمل الادارة لانه ما دام هذا التقدير يتمخض فى الواقع عن قرار ادارى بالحرمان مآلا من الترقية أو العلاوة، فان مثله يكون مؤثرا حتما فى مركز الموظف القانونى مما يستتبع ان يكون أمر المنازعة فيه خاضعا لرقابة القضاء الادارى.
وانه ولئن صح ان يكون صدر المادة 31 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة قد جرى نصه، وفق التعديل الاخير، بأن يقدم التقرير السنوى عن الموظف من رئيسه المباشر ثم يعرض على المدير المحلى للادارة فرئيس المصلحة لابداء ملاحظاته ثم يعرض بعد ذلك على لجنة شئون الموظفين لتقدير درجة الكفاية التى تراها، مما قد يوهم باطلاق يد لجنة شئون الموظفين فى التقدير وجواز استمداده من أى مصدر شاءت الا أنه لا جدال فى ان تقدير اللجنة المذكورة وان لم يتقيد برأى الرؤساء المباشرين للموظف الا أنه يتعين أن يبنى على عناصر ثابتة ومستخلصة استخلاصا سائغا من ملف خدمته، ومتعلقة بعمل الموظف خلال السنة التى يقدم عنها التقرير، ولا بأس من ان يلم بنتائج ما عسى ان يكون قد استند اليه من مآخذ ما دامت هذه النتائج قد حصلت تحصيلا وافيا من أحكام أو قرارات قضائية، فاذا وجب على هؤلاء الرؤساء أن يقيموا تقديراتهم على حقيقة كفاية مقرونة بعناصرها المفرقة على عدة صفات من انتاج ومواظبة وطباع واستعداد ذهنى وقدرة على تحمل المسئولية مع توخى حسن التنظيم فان لجنة شئون الموظفين ينبغى عند التعقيب أن تقيس الكفاية بهذه المعايير ذاتها وان تزنها بموازين العناصر التى تتألف منها فاذا أقامت اللجنة تقديرها على عناصر أخرى استقتها من معلومات خارجية غير محددة قادحة فى حسن السمعة أو استوحتها فى الواقع من مطاعن رددتها احدى الشكاوى المقدمة من مجهول. وكانت هذه الظلامة موضوع تحقيق من النيابة الادارية كشف عن عدم صحتها فى تاريخ تال لوضع التقدير المطعون فيه كان ذلك من اللجنة قرارا غير محمول على واقع من الاسباب لانها انما بنته على ظنون لم تتأيد وشبهات لم تتأكد، وليس أرد للشبهة ولا أقطع فى ارتفاع الريبة من ان يسفر تحقيق النيابة الادارية ويكشف جهاز الرقابة عن تنزيه المطعون عليه مما يثلم سمعته ويزرى بنقاء صحيفته، ولو صح ان لحسن السمعة موضوعا بين عناصر الكفاية فان التجرد منها مدعاة لفقد صلاحية الموظف للوظيفة العامة مما يستلزم طمس أهليته لا ضعف كفايته فقط.
ولو صح ان يكون سوء السمعة سببا للنيل من كفاية الموظف فى العمل على مدار السنة التى يوضع عنها التقدير فان الطريق السوى لاثباتها هو احالة الموظف الى المحاكمة التأديبية لاثبات الوقائع التى قام عليها اتهام هذه السمعة كى يحاسب عليها لو صح ثبوتها اما ان تنصب لجنة شئون الموظفين نفسها قاضيا تنزل به عقوبة غير واردة فى القانون فأمر فيه انحراف باجراءات المحاكمة التأديبية ومخالفة القانون واهدار للضمانات التى وفرها قانون التوظف من حيث وجوب الاستماع للموظف الموزور قبل اثبات الاتهام عليه.
ولئن كان تعقيب لجنة شئون الموظفين على تقدير رؤساء الموظفين المباشرين تقديريا الا أنه ليس تحكميا اذ المفروض فى هؤلاء الرؤساء أن يكونوا بحكم اتصالهم المباشر بمرءوسيهم أقدر على تحرى سلوكهم وتقدير كفايتهم. فاذا ناط القانون باللجنة المذكورة ولاية التعقيب على تقديراتهم دون التقيد بآرائهم، فان تقديرها ليس طليقا من كل قيد بل هو مقيد بما هو وارد بملف خدمته من عناصر ثابتة، وبأن يجرى على ذات العناصر التى ورد عليها تقدير الرؤساء، وذلك كله حتى لا يؤخذ الموظف بما لم يقم عليه دليل من الاوراق وكيلا ينتهك مبدأ أصيل يقوم عليه وضع التقارير وهو مبدأ سنوية التقرير، ويترتب على ذلك أنه اذا كان تقدير اللجنة متأثرا فى الواقع بمحاكمة تأديبية عن تصرفات قديمة العهد نسب اليه مقارفتها منذ عشر سنوات خلت ولم يفصل فيها عند وضع التقرير وكان يضمر كذلك أصاخته الى مطاعن هجست بها شكاوى كيدية قام الدليل على عدم صحتها فان هذا التقدير يكون اذن غير قائم على اساس سليم من الواقع والقانون.


اجراءات الطعن

بتاريخ 11 من ديسمبر سنة 1960 أودع السيد رئيس ادارة قضايا الحكومة بصفته سكرتيرية المحكمة عريضة طعن امام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 400 لسنة 7 القضائية فى الحكم الصادر من المحكمة الادارية لوزارة الخزانة والاقتصاد والصناعة والزراعة والتموين بجلسة 22 من اكتوبر سنة 1960 فى الدعوى رقم 214 لسنة 7 القضائية المقامة من السيد/ محمود بسيونى ضد وزارة التموين والقاضى برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وباختصاصها وبقبول الدعوى شكلا، وفى الموضوع بالغاء القرار الصادر فى 27 من ابريل سنة 1959 فيما تضمنه من تقديم كفاية المدعى عن عام 1958 بدرجة ضعيف، وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الوزارة المصروفات، وقد طلب السيد/ رئيس ادارة قضايا الحكومة بصفته للاسباب التى استند اليها فى صحيفة طعنه، قبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى المطعون ضده مع الزامه بالمصروفات ومقابل اتعاب المحاماة عن الدرجتين، وقد أعلن هذا الطعن الى المطعون عليه فى 26 من ديسمبر سنة 1960، وفى 27 من نوفمبر سنة 1961 أبلغ الخصوم بجلسة 17 من ديسمبر سنة 1961 المحدد لنظره الطعن أمام دائرة فحص الطعون وفيها أحيل الطعن الى المحكمة الادارية العليا لنظره أمامها بجلسة 4 من مارس سنة 1962. وفى هذه الجلسة سمعت هذه المحكمة ما رأت سماعه من ايضاحات ذوى الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجأت النطق بالحكم فى الطعن الى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة – حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل فى أن المطعون عليه أمام الدعوى رقم 214 لسنة 7 القضائية ضد وزارة التموين أمام المحكمة الادارية لوزارات الخزانة والاقتصاد والصناعة والزراعة والتموين بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة المذكورة فى 7 من ابريل سنة 1960 طالبا فيها الحكم " بالغاء قرار لجنة شئون الموظفين القاضى بتقرير درجة كفايته بدرجة ضعيف، وما يترتب عليه من حرمانه من العلاوة الدورية اعتبارا من أول مايو سنة 1959 والزام المدعى عليها المصاريف ومقابل اتعاب المحاماة" وقال بيانا لدعواه أنه أعلن فى 11 من مايو سنة 1959 بصورة من التقرير السنوى السرى عن عام 1958 وقد فوجئ عند اطلاعه عليه بأن لجنة شئون الموظفين بوزارة التموين قررت تسجيل درجة كفايته بدرجة (ضعيف) ونظرا الى أن هذا القرار مخالف للقانون ولا يتعين الى أساس من الحقيقة فقد تظلم منه الى رئيس لجنة شئون الموظفين فى 11 من مايو سنة 1959 طالبا الامر بالغائه للاسباب الواردة بالتظلم، ولكنه علم أن الوزارة قررت عدم النظر فى هذه التظلمات واستطرد الى أن قرار لجنة شئون الموظفين المشار اليها قرار مجحف ويخالف أبسط مبادئ القانون لعدة اعتبارات منها انه مشهود له بالكفاية والامتياز فى عمله بشهادة جميع رؤسائه طيلة مدة خدمته ولا أدل على ذلك من ان تقديراته فى العامين السابقين على هذا التقدير كانت لا تقل عن تسعين درجة، وقد تراوحت هذه التقديرات فى السنوات السابقة بين ثمان وتسعين درجة ومائة درجة، ومن ثم لا يعقل أن ينحدر تقديره بعد ذلك من ممتاز وجيد الى درجة ضعيف فى عام واحد، ومن هذه الاعتبارات أنه يلاحظ بالنسبة الى تقدير سنة 1958 أن رئيسه المباشر قدر كفايته بدرجة جيد ومنحه تسعين درجة، وقد وافق على ذلك المدير المحلى ثم رئيس المصلحة ولكن لجنة شئون الموظفين أنزلت التقدير الى درجة ضعيف. ولا شك أن لجنة شئون الموظفين لا تعرف من سلوك الموظف ودرجة كفايته الا ما يعرفه رئيسه المباشر، وكان ينبغى للجنة أن تسترشد لهذه الآراء عند التقدير والا عد مسلكها انحرافا، فاذا بدلت فى هذا التقدير، وجب أن يكون مرده الى أسباب وجيهة اذ أن اختصاص لجنة شئون الموظفين لا يزاول الا عن طريق الاشراف والتعقيب على تقديرات الرؤساء المباشرين مندوحة للجنة من الاخذ بها عند النظر فى العلاوات والترقيات، وليس لها أن تضرب عنها صفحا وتعتمد على معلومات خارجة، وعلى هذا الاساس اذا اتجه تفكيرها الى مخالفة تقدير الرؤساء فقد تعين عليها أن تبنى المغايرة على أسباب مستخلصة استخلاصا سائغا من اصول تنتجها، وهذه الاسباب تخضع دائما لرقابة القضاء الادارى. وليس من تلك فى أن هذه النتيجة تتفق من عناصر الكفاية التى تتوزع عليها درجات التقدير بنسب محددة لكل عنصر من عناصرها، وختم المطعون عليه دعواه بالتصميم على طلبه تأسيسا على أن القرار المطعون فيه انما صدر من غير مبرر وليدا لاساءة استعمال السلطة. وقد ردت الجهة الادارية على الدعوى من الناحية الشكلية بأن القضاء الادارى غير مختص بنظر الدعوى ولان قرار لجنة شئون الموظفين بتقدير درجة كفاية الموظف فى التقرير السنوى لا يغير من القرارات الادارية التى حددها القانون رقم 55 لسنة 1959 بشأن المسائل التى تدخل فى اختصاص القضاء الادارى. أما فيما يتعلق بالموضوع فقد وضحت ما استقر عليه القضاء الادارى فى احكامه من ان تقدير درجة كفاية الموظف انما هو من اختصاص الادارة دون معقب عليها من القضاء، وتعرضت بعد ذلك للحكم الذى أوردته المادة 31 من القانون رقم 210 لسنة 1951 والذى يجرى نصه بما يأتى: "يقدم التقرير عن الموظف من رئيسه المباشر ثم يعرض على المدير المحلى للادارة فرئيس المصلحة لابداء ملاحظاتها ثم يعرض بعد ذلك على لجنة شئون الموظفين لتقدير درجة الكفاية التى ترآها.." ولاحظت على هذا النص أن تقدير لجنة شئون الموظفين لكفاية الموظف هو تقدير نهائى، أما تقدير الرئيس المباشر أو المدير المحلى للادارة أو رئيس المصلحة فلا يعدو أن يكون رأيا استشاريا للجنة شئون الموظفين ان تأخذ به أو تخفضه أو تعلو به الى درجة أعلى. والدليل على ذلك ان المادة 31 من القانون رقم 210 لسنة 1951 تنص على انهم يبدون ملاحظاتهم لكى تكون أمام اللجنة للاستئناس بها عند تقدير درجة الكفاية فالعبرة بالتقدير النهائى الذى تقوم به اللجنة وليس بتقديرات الرئيس المباشر أو المدير المحلى أو رئيس المصلحة لان كلا منها استشارى. أما ما استند اليه المدعى من أحكام فقد كانت تتمشى مع نص المادة 31 من القانون رقم 210 لسنة 1951 قبل تعديله ويقتضى هذا النص بعد تعديله أن نطلق سلطة لجنة شئون الموظفين من التقيد بتسجيل درجة الكفاية التى قررها الرئيس المباشر وتقدير اللجنة فى هذا الخصوص ليس نهائيا فحسب وانما مطلقا من القيود التى تحيط بتقدير الرؤساء المباشرين فهو غير مقيد بالتفصيل الذى يلتزمه الرؤساء العاديون، والدليل على ذلك أنه لا يوجد بالتقرير خانات مخصصة لتقديرات اللجنة واذن فلها ان تصدر تقديرها عاما شاملا على هدى ما يتجمع لديها من معلومات قد تكون رسمية أو شخصية ما دامت مؤثرة فى درجة التقدير، كما لها ان تدخل فى اعتبارها ما عسى أن يحويه ملف الخدمة من جزاءات ولولا اطلاق تقدير اللجنة على هذا النحو لانعدمت الحكمة من نص كالنص الوارد فى المادة 31 سالفة الذكر من قانون موظفى الدولة بعد تعديلها، ومن ثم لا يستقيم ما ورد المدعى من ناحية ما زعمه من ضرورة ترسم اللجنة ما ورد بنموذج التقرير السرى من مواد تمثل عناصر الكفاية. على ان المحكمة الادارية العليا قد استقرت احكامها على ان تقديرات لجنة شئون الموظفين هى من المسائل الداخلة فى صميم اختصاص الادارة مما ينأى عن رقابة القضاء الادارى. وخلصت الادارة من كل ما تقدم الى طلب رفض الدعوى، وبجلسة 22 من اكتوبر سنة 1960 حكمت المحكمة الادارية لوزارات الخزانة والاقتصاد والتموين برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وباختصاصها وبقبول الدعوى شكلا، وفى الموضوع بالغاء القرار الصادر فى 17 من ابريل سنة 1959 فيما تضمنه من تقدير كفاية المدعى عن عام 1958 بدرجة (ضعيف) وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الوزارات المصروفات. واقامت قضاءها بعد استعراض نصوص المواد 30، 31، 32 من قانون موظفى الدولة على أنه يبين من تلك النصوص أن للجنة شئون الموظفين سلطة تقديرية فى تقدير درجة كفاية الموظف على ألا يشوبها عيب الانحراف بالسلطة، وأن قرارها فى هذا الشأن قرار ادارى منشئ مركز قانونى معين يترتب عليه آثار قانونية ضارة بوضع الموظف، ومن هذه الآثار أن الموظف اذا قدم عنه تقريران سنويان متتاليان بدرجة ضعيف يتخطى فى الترقية على أساس الاقدمية (المادة 40) وان منح الموظف علاوة اعتيادية رهين بقيامه بعمله بكفاية وتقدير مرجعه الى لجنة شئون الموظفين على اساس من التقارير السرية (المادة 40) وان تقديم تقريرين متتاليين بدرجة ضعيف عن موظف من شأنه تقديمه الى مجلس التأديب وله أن يفصله أو ينقله الى جهة اخرى بذات الدرجة او المرتب او مع خفض مرتبه ودرجته (المادة 32). ومتى كان لتقدير لجنة شئون لموظفين هذه لنتائج البالغة الاثر فى مركز الموظف، كان التقدير قرارا اداريا نهائيا، ثم أقامت المحكمة قضاءها بالنسبة الى الاختصاص على ان المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 قد حددت اختصاص مجلس الدولة فى مسائل الموظفين بما يأتى: "الطلبات التى يقدمها ذوى الشأن بالطعن فى القرارات الادارية النهائية الصادرة بالتعيين فى الوظائف العامة أو بالترقية أو بمنح العلاوات" وعلى ان قرار لجنة شئون الموظفين بتقدير كفاية الموظف (بدرجة ضعيف) يحمل فى طياته قرارا بحرمانه من أول علاوة دورية كما يتضمن قرارا بتخطيه فى الترقية أو قرارا آخر بفصله اذ صدر تقريران آخران بدرجة ضعيف وأن القرار اللاحق الذى يصدر من جهة الادارة بحرمان المدعى من أول علاوة دورية أو بتخطيه فى الترقية هو قرار تنفيذى، وعلى أنه متى كان قرار لجنة شئون الموظفين بتقدير كفاية المدعى بدرجة ضعيف قرارا اداريا يتضمن قرارات تدخل فى اختصاص القضاء الادارى فان اختصاص النظير فيه سيعقد لهذه المحكمة وبالتالى فان الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى قد قام على غير سند من القانون، كما أسس الحكم قضاءه بالنسبة الى الموضوع على أن "يبين من نص المادتين 30، 31 من القانون رقم 210 لسنة 1951 ان الشارع قد استوجب ان ينشأ لكل موظف ملف خاص اعتبره سجل حياته فى الوظيفة، وقد نص على ان يودع به البيانات والمعلومات الخاصة مما يكون متصلا بوظيفته كما يودع به الملاحظات المتعلقة بعمله والتقارير السنوية المقدمة عنه ونظم القانون كيفية اعداد التقارير السنوية ورسم الاجراءات والمراحل التى يمر بها ونص على ان يحررها الرئيس المباشر ثم تعرض على المدير المحلى فرئيس المصلحة، ولكل منهم ان يبدى ملاحظاته على ما ورد بها، ثم يعرض على لجنة شئون الموظفين لتقدير درجة الكفاية للموظف مستهدية فى ذلك بما هو وارد بملف الخدمة اذ قضت تلك المواد بذلك فقد كفلت لهذه التقارير سياجا قويا يحميها من تدخل الاهواء ويجعلها بمعزل من ان تؤثر فيها نوازع الهوى، وذلك ان ما شرطه الشارع من ان يعرض التقرير كما يستكمل شكله النهائى على المدير المحلى فرئيس المصلحة فلجنة شئون الموظفين من شأنه ان يجعل التقرير النهائى لدرجة كفاية الموظف ليس صادرا من الرئيس المباشر فحسب بل من عدة آراء متعاقبة أبداها كل من هؤلاء الذين يعرض عليهم التقرير فى حدود اختصاصهم وبقدر معلوماتهم عن الموظف" وعلى أن سلف خدمة المدعى قد خلال مما يشين المدعى أو يسئ الى سمعته بل خلا من أى جزاء وقع عليه أثناء حياته الوظيفية الا من جزاء واحد لم يكن قائما عند صدور القرار فحيث صدر فى 10 من مايو سنة 1959 أى بعد صدور القرار المطعون فيه مما يقطع بأن ملف الخدمة عند وضع القرار كان خاليا من أى جزاء، بل العكس قد حدى الملف على ما يشيد بكفاءة المدعى حيث ثبت من تقاريره سنة 1953، 1954، 1955 انه حصل على درجات 98، 100، 100 من مائة على التوالى، مما يدل على امتياز المدعى فى عمله وخلقه، وعلى ان الجزاء الذى أصدرته المحكمة التأديبية فى 10 من مايو سنة 1959 فضلا على انه لم يكن تحت نظر اللجنة، فان على فرض انه كان معروضا على اللجنة، فانه ما كان يترتب عليه أثر بالنسبة للقرار المطعون فيه، ذلك أنه قدر عن أمور نسبت الى المدعى فى الاعوام من سنة 1945 الى عام 1948 أى عن امور سابقة بأكثر من عشر سنين على العام الموضوع عنه التقرير مع أن التقرير السرى كما ينص القانون يعد سنويا فى موعد معين يكون ترجمانا عن حالة الموظف فى سنة معينة بذاتها، فلا شأن للتقرير بما قام به الموظف أو بما أشيع عنه فى الاعوام السابقة والا انهارت سنوية التقرير. هذا الى ان تخفيض كفاية المدعى الى درجة ضعيف بسبب توقع جزاء سابق هو فى حقيقته مجازاة للموظف مرة أخرى عن ذنب ادارى سبق أن استوفيت جهة الادارة حقها فى مجازاته عنه.
ومن حيث ان الطعن قد بنى على ان الدور الذى يقوم به الرئيس المباشر والمدير المحلى ورئيس المصلحة فى هذا الصدد، لا يعدو أن يكون ملاحظات يبديها كل منهم عن الموظف تستأنس بها اللجنة ولا يقيدها فى درجة كفايته وهى لا تعتمد على هذه الملاحظات وحدها بل لها أن تعتمد على عناصر أخرى منها ملف خدمة الموظف وما قد وصل الى علمها فى شأنه من معلومات تطمئن اليها. وتكون فيها عقيدتها فيما تنتهى اليه من رأى فى تحديد درجة الكفاية التى تراها وتنفرد بتقديرها دون تعقيب عليها باعتبارها السلطة المهيمنة على شئون الموظفين عموما والاقدر على وزن كفايتهم بميزان واحد دقيق بعكس المصالح التى تتولى وضع التقارير فهذه قد تختلف فيها الموازين التى توزن بها درجة الكفاية من جهة الى اخرى وانتهاء الامر الى جهة واحدة وهى لجنة شئون الموظفين يؤدى الى ايجاد تنسيق بين التقديرات التى يضعها الرؤساء المباشرون فى نطاق وحداتهم الادارية" وعلى أن لجنة شئون الموظفين فى تحديدها المرتبة الكفاية التى تراها تنفرد بالتقدير بلا معقب عليها فيه ما دام قرارها قد خلا من شائبة سوء استعمال السلطة وليس للقضاء الادارى ان يستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لدى جهة الادارة من اعتبارات قدرت على مقتضاها ملاءمة اصدار قرارها ما دامت لم تنحرف فى هذا الشأن والا كان فى ذلك مصادرة للادارة على تقديرها وغلا ليدها عن مباشرة وظيفتها. وعلى أنه "متى استوفت التقارير أوضاعها واشكالها ومرت بمراحلها حتى صدر فى شأنها قرار لجنة شئون الموظفين أصبحت حصينة من الطعن فيها بأى طريق من طرق الطعن".
ومن حيث انه قد تبين لهذه المحكمة من واقع الاوراق ان التقارير المطعون عليه كانت كلها قاطعة فى امتيازه فقد حصل فى تقريره السنوى عام 1953 على ثمانى وتسعين درجة، وفى تقريره السنوى عن عام 1954 على مائة درجة، وفى تقريره السنوى عن عام 1955 على مائة درجة، وفى تقريره عن عام 1956 على مائة درجة، وكانت لجنة شئون الموظفين تصادق على درجة الكفاية التى يقدرها رؤساء المدعى عن عمله فى هذه السنوات المشار اليها كما تبين من التقرير السنوى لاعمال المدعى الوظيفية عن سنة 1958 ان الرئيس المباشر قدر الكفاية درجة تسعين، وقد وافق المدير المحلى على تقدير الرئيس كما وافق عليه رئيس المصلحة ولكن لجنة شئون الموظفين عقبت على هذه التقديرات بالعبارة الآتية: بعد الاطلاع على ملف خدمته والمعلومات والتحريات التى عرضت على اللجنة قررت لجنة شئون الموظفين بجلسة 27 من ابريل سنة 1959 الموافقة على تسجيل درجة الكفاية "ضعيف" ووقع على هذه العبارة رئيس اللجنة. كما تبين للمحكمة من البحث بملف خدمته وجود صورة من حكم المحكمة التأديبية الصادر فى 10 من مايو سنة 1959 (أى بعد تاريخ صدور قرار اللجنة)، بوقف المدعى عن العمل لمدة ثلاثة شهور بدون مرتب لارتكابه مخالفات تموينية خلال قيامه برئاسة تموين مراقبة الجيزة فى المدة من 28 من نوفمبر سنة 1945 الى 9 من فبراير سنة 1948 وبين من الاطلاع على أسباب هذا الحكم أن المحكمة استخلصت ادانة المدعى فيما نسب اليه من تلاعب بكوبونات الكيروسين الباقية من أنه لم يمسك سجلا خاصا لاثبات الكمية المنصرفة والمردودة، وقد حملته مسئولية العجز "لعدم استطاعته تقديم الدليل القاطع المقنع على قيام هذا العجز فى عنق أحد رؤساء المكاتب الفرعية، واتضح لهذه المحكمة تقدم مجهول بشكوى ينسب فيها الى المدعى عدة مآخذ تسوء سمعته وقد استفسرت وزارة التموين من النيابة التى أحيلت اليها الشكوى عن مصيرها فأجابتها فى 24 من نوفمبر سنة 1959 (أى بعد تاريخ قرار اللجنة المطعون فيه) بأن ما أسند الى المدعى بشأن صفقات البن قد تم تحقيقه بمعرفة هذه النيابة فى القضية رقم 72 لسنة 1958 وانتهت الى حفظه، وقد وافقت الوزارة على ذلك وان ما أسند اليه بشأن شهادته لصالح التاجر عبد العزيز كشك فقد سبق أن تناوله تحقيق هذه النيابة فى القضية رقم 207 لسنة 1959، ولم يثبت صحته، وقد وافقت الوزارة على حفظ التحقيق بالنسبة اليه ثم نوهت النيابة الادارية بأن قسم الرقابة بالنيابة الادارية قد أبدى فى تقريره الوارد الى هذه النيابة فى الادارة العامة رقم 144 بتاريخ 19 من مايو سنة 1959 ان المشكو فى حقه موظف عادى ولا تشوب سمعته شائبة.
( أ ) عن اختصاص القضاء الادارى:
ومن حيث انه وان اقتصر طعن الحكومة على شق الحكم المطعون فيه المتعلق بالموضوع، فان قضاء هذه المحكمة قد استقر على ان الطعن فى الاحكام يفتح الباب أمام المحكمة الادارية العليا لتزن الحكم برمته بميزان القانون وزنا مناطه استظهار ما اذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الاحوال التى تعيبه فتلغيه ثم تنزل حكم القانون فى المنازعة، وهذا التصدى لغير ما انصب عليه الطعن من شقائق الحكم رهين بما اذا كان بين الاجزاء المختلفة للحكم ارتباط جوهرى كما هو الشأن فى القضايا بالاختصاص فانه يتوقف على سلامة صحة الخوض فى الموضوع فاذا انصب الطعن على ما قضى به فى الموضوع وجب التعرض لحكم القانون الصحيح فيما قضى به الحكم المطعون فيه فى مسألة الاختصاص.
ومن حيث ان القانون رقم 210 لسنة 1951 بين مراحل تقدير كفاية الموظف ونص على عرض هذه التقارير على لجنة شئون الموظفين فى شهر مارس من كل عام لتقدير درجة كفاية الموظف فاذا ما انتهت اللجنة من تقدير كفاية الموظف أصبح هذا التقدير نهائيا منتجا لآثاره التى يرتبها عليه القانون عند النظر فى العلاوات أو فى جميع الترقيات بل أن هذه التقارير تؤثر فى بقاء الموظف فى وظيفته أو فصله منها، وقد نصت الفقرة الاخيرة من المادة 31 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المعدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 على أنه "يترتب على تقديم تقدير بدرجة ضعيف حرمان الموظف من أول علاوة دورية مع تخطيه فى الترقية فى السنة التى قدم فيها التقرير". ونصت المادة 32 من هذا القانون المعدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 سالف الذكر على ان الموظف الذى يقدم عنه تقريران متتاليان بدرجة ضعيف يقدم للهيئة المشكل منها مجلس التأديب لفحص حالته فاذا تبين لها أنه غير قادر على العمل فصلته من وظيفته مع حفظ حقه فى المعاش أو الدرجة والمرتب أو مع خفض درجته ومرتبه أو نقله الى كادر أدنى، فاذا تبين لها أنه غير قادر على العمل فصل من وظيفته مع حفظ حقه فى المعاش أو المكافأة، وفى الحالة الاولى اذا قدم عن الموظف بعد ذلك مباشرة تقرير آخر بدرجة ضعيف فصل من وظيفته.
ومن حيث انه على هدى ما تقدم فان التقرير السنوى المقدم عن الموظف بعد استيفاء مراحله المنصوص عليها فى المادة 31 من القانون رقم 210 لسنة 1951 هو بمثابة قرار ادارى نهائى يؤثر مآلا فى الترقية أو منح العلاوة أو الفصل، ومن يندرج فى عموم الطلبات المنصوص عليها فى الفقرتين الثالثة والخامسة من قانون مجلس الدولة. ويكون الحكم المطعون فيه الصادر من المحكمة الادارية لوزارة التموين اذ قضى باختصاصه بنظر الدعوى مطابقا لحكم القانون، ويتعين من ثم تأييده فى هذا الخصوص.
(ب) عن الموضوع:
من حيث ان لا حجة فيما تمسك به طعن الحكومة من ان تقدير لجنة شئون الموظفين لكفاية الموظف لا يخضع لرقابة القضاء الادارى باعتباره داخلا فى صميم عمل الادارة لانه ما دام هذا التقدير يتمخض فى الواقع عن قرار ادارى بالحرمان مآلا من الترقية أو العلاوة فان مثله يكون مؤثرا حتما فى مركز الموظف القانون مما يستتبع ان يكون أمر المنازعة فيه خاضعا لرقابة القضاء الادارى.
ومن حيث انه ولئن صح ان يكون صدر المادة 31 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة قد جرى نصه وفق التعديل الاخير بأن يقدم التقرير السنوى عن الموظف من رئيسه المباشر، ثم يعرض على المدير المحلى للادارة فرئيس المصلحة لابداء ملاحظاتهما، ثم يعرض بعد ذلك على لجنة شئون الموظفين لتقدير درجة الكفاية التى تراها، مما قد يوهم باطلاق يد لجنة شئون الموظفين فى التقدير وجواز استمداده من أى مصدر شاءت الا أنه لا جدال فى ان تقدير اللجنة المذكورة وان لم يتقيد برأى الرؤساء المباشرين للموظف الا أنه يتعين أن يبنى على عناصر ثابتة ومستخلصة استخلاصا سائغا من ملف خدمته، ومتعلقة بعمل الموظف خلال السنة التى يقدم عنها التقرير، ولا بأس من أن يلم بنتائج ما عسى أن يكون قد استند اليه من مآخذ ما دامت هذه النتائج قد حصلت تحصيلا وافيا من أحكام أو قرارات قضائية، فاذا وجب على هؤلاء الرؤساء أن يقيموا تقديراتهم على حقيقة كفاية مقرونة بعناصرها المفرقة على عدة صفات من انتاج ومواظبة وطباع واستعداد ذهنى وقدرة على تحمل المسئولية مع توخى حسن التنظيم، فان لجنة شئون الموظفين ينبغى عند التعقيب أن تقيس الكفاية بهذه المعايير ذاتها وأن تزنها بموازين العناصر التى تتألف منها فاذا أقامت اللجنة تقديرها على عناصر اخرى استقتها من معلومات خارجية غير محددة قادحة فى حسن السمعة أو استوحتها فى الواقع من مطاعن رددتها احدى الشكاوى المقدمة من مجهول. وكانت هذه الظلامة موضوع تحقيق من النيابة الادارية كشف عن عدم صحتها فى تاريخ تال لوضع التقدير المطعون فيه، كان ذلك من اللجنة قرارا غير محمول على واقع من الاسباب لانها انما بنته على ظنون لم تتأيد وشبهات لم تتأكد وليس أرد للشبهة ولا أقطع فى ارتفاع الريبة من ان يسفر تحقيق النيابة الادارية ويكشف جهاز الرقابة عن تنزيه المطعون عليه مما يثلم سمعته ويزرى بنقاء صحيفته ولو صح ان لحسن السمعة موضوعا بين عناصر الكفاية فان التجرد منها مدعاة لفقد صلاحية الموظف للوظيفة العامة مما يستلزم طمس أهليته لا ضعف كفايته فقط.
ومن حيث انه لو صح أن يكون سوء السمعة سببا للنيل من كفاية الموظف فى العمل على مدار السنة التى يوضع عنها التقدير فان الطريق السوى لاثباتها هو احالة الموظف الى المحاكمة التأديبية لاثبات الوقائع التى قام عليها اتهام هذه السمعة كى يحاسب عليها لو صح ثبوتها، اما ان تنصب لجنة شئون الموظفين نفسها قاضيا تنزل به عقوبة غير واردة فى القانون فأمر فيه انحراف باجراءات المحاكمة التأديبية ومخالفة للقانون واهدار للضمانات التى وفرها قانون التوظف، من حيث وجوب الاستماع للموظف الموزور قبل اثبات الاتهام عليه.
وحيث انه ولئن كان تعقيب لجنة شئون الموظفين على تقدير رؤساء الموظف المباشرين تقديريا الا أنه ليس تحكميا اذا لمفروض فى هؤلاء الرؤساء ان يكونوا بحكم اتصالهم المباشر بمرءوسيهم أقدر على تحرى سلوكهم وتقدير كفايتهم، فاذا ناط القانون باللجنة المذكورة ولاية التعقيب على تقديراتهم دون التقيد بآرائهم، فان تقديرها ليس طليقا من كل قيد بل هو مقيد بما هو وارد بملف خدمته من عناصر ثابتة، وبأن يجرى على ذات العناصر التى ورد عليها تقدير الرؤساء، وذلك كله حتى لا يؤخذ الموظف بما لم يقم عليه دليل من الاوراق، وكيلا ينتهك مبدأ أصيل يقوم عليه وضع التقارير وهو مبدأ سنوية التقرير، ويترتب على ذلك أنه اذا كان تقدير اللجنة متأثرا فى الواقع بمحاكمة تأديبية عن تصرفات قديمة العهد نسب اليه مقارفتها منذ عشر سنوات خلت، ولم يفصل فيها عند وضع التقرير وكان يضمر كذلك أصاخته الى مطاعن هجست بها شكاوى كيدية قام الدليل على عدم صحتها، فان هذا التقدير يكون أذن غير قائم على أساس سليم من الواقع والقانون.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون حكم المحكمة الادارية المطعون فيه قد أصاب الحق فى النتيجة التى انتهى اليها واذ ذهب طعن الحكومة الى غير هذا المذهب فانه يكون قد قام على غير أساس سليم من القانون ويتعين من أجل ذلك القضاء برفضه موضوعا.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبرفضه موضوعا، وألزمت الحكومة بالمصروفات.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات