الطعن رقم 5850 لسنة 47 قضائية عليا: – جلسة 06 /05 /2004
مجلس الدولة – المكتب الفنى – مجموعة المبادئ
القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والأربعون – (من أول أكتوبر سنة 2003 إلى آخر سبتمبر سنة 2004) – صـ
40
جلسة 6 من مايو سنة 2004م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. محمد أحمد الحسينى عبد المجيد
– نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السادة الأستاذة المستشارين/ عادل محمود زكى فرغلى، وكمال زكى عبد الرحمن اللمعى،
وأبو بكر محمد رضوان سليمان، والسيد محمد السيد الطحان، وغبريال جاد عبد الملاك، ود.
حمدى محمد أمين الوكيل، ويحيى أحمد عبد المجيد مصطفى، وسامى أحمد محمد الصباغ، ومحمود
إبراهيم محمود على عطا الله، ويحيى خضرى نوبى محمد. – نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ حتة محمود حتة – مفوض الدولة
وحضور السيد/ كمال نجيب مرسيس – سكرتير المحكمة
الطعن رقم 5850 لسنة 47 قضائية عليا:
مجلس الدولة – شئون أعضاء – التعيين بوظيفة مندوب مساعد – السلطة التقديرية للجان المقابلة.
إذا كانت اللائحة الداخلية لمجلس الدولة توجب التدرج فى التعيين بحسب التقدير العام
وتخول رئيس المجلس إجراء مسابقة بين الحاصلين على تقدير مقبول، فإنه ليس فيها ما يشير
إلى العودة إلى إجراء مقارنة بين من لم تثبت أهليته بعد المقابلة الشخصية من الحاصلين
على تقدير أعلى ويبين الحاصل على تقدير مقبول ممن ثبتت أهليته، وإذا قيل بوجوب إجراء
مسابقة فى شكل امتحان تحريرى بين الحاصلين على تقدير مقبول فإنه بفرض صحة هذا القول،
بالنظر إلى أن النص خلال من أى إشارة لشكل محدد للمسابقة ولمثل هذا الامتحان التحريرى،
فإن عدم إجراء هذا الامتحان لا يعنى العودة إلى النظر فى صلاحية الحاصل على تقدير أعلى
رغم ثبوت عدم أهليته بقرار من لجنة المقابلة، ومن ثَمَّ فليس للحاصل على تقدير أعلى
أن يحتج بتعيين من هو أقل منه تقديرًا إذا ثبت أن تخطيه فى التعيين يراجع إلى عدم الصلاحية
– أما فيما يتعلق بوجوب تحديد عناصر وأسس مسبقة يتم بموجبها النظر فى الصلاحية وتلتزم
بها لجان المقابلة الشخصية، فإنه من المعلوم أن العرف العام يحيط تولى الوظائف القضائية
بسياج منيع من المعايير الدقيقة والقيم الرفيعة والضوابط القاطعة والصفات السامية والخصال
الحميدة وتلك أركان لا تخضع للحصر فى عناصر بذاتها أو القصر على أسس بعينها – القول
بغير ذلك إنما يؤدى إلى إهدار كل قيمة لعمل لجان المقابلة ويحل المحكمة محلها بناءً
على ما تراه من تفسير لما قد يوضع من عناصر وأسس مسبقة أو بناءً على ضوابط يضعها القاضى
بنفسه ليحدد على أساسها مدى توافر الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة القضائية، وتلك نتيجة
يأباها النظام القضائى ومبدأ الفصل بين السلطات – من غير المسموح به أن تحل المحكمة
نفسها محل اللجنة أو أن تمارس مهمتها بحجة عدم وجود عناصر أو أسس مسبقة للاختيار –
لا وجه للقول بأن السلطة التقديرية المقررة للجان المقابلة تعد امتيازًا يتعين الحد
منه برقابة قضائية حاسمة، ذلك لأن ممارسة السلطة التقديرية فى مجال التعيين فى الوظائف
القضائية سيظل على وجه الدوام واجبًا يستهدف الصالح العام باختيار أنسب العناصر – وهو
أمر سيبقى محاطًا بإطار المشروعية التى تتحقق باستهداف المصلحة العامة دون سواها، وذلك
بالتمسك بضرورة توافر ضمانات شغل الوظيفة والقدرة على مباشرة مهامها فى إرساء العدالة
دون ميل أو هوى – إذا أتيحت للمتقدم فرصة مقابلة اللجنة المنوط بها استخلاص الصلاحية
والمشكلة من قمم الجهة التى تقدم لشغل إحدى وظائفها، فإنه لا يكون أمامه إن أراد الطعن
فى القرار الذى تخطاه فى التعيين سوى التمسك بعيب الانحراف عن المصلحة العامة وعندئذ
يقع على عاتقه عبء إثبات هذا العيب وهو أمر يصعب إثباته – تطبيق.
الإجراءات
بتاريخ 22/ 3/ 2001 أودع الأستاذ عطية محمد عطية المحامى نائبًا عن الأستاذ/ أحمد يوسف المحامى بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة صحيفة طعن قيدت بجدولها برقم 5850 لسنة 47 ق. عليا؛ وذلك للحكم له بقبول الطعن شكلاً وبوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 300 لسنة 2000 فيما تضمّنه من تخطيه فى التعيين بوظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة وإلزام الجهة الإدارية بأن تؤدى له تعويضًا مناسبًا عما أصابه من أضرار نتيجة صدور القرار المطعون فيه، وقد أعدت هيئة مفوضى الدولة تقريرًا فى الطعن انتهى لأسبابه إلى إلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمّمنه من تخطى الطاعن فى التعيين بوظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجهة الإدارية بأن تؤدى له التعويض المناسب الذى تقدره المحكمة، وبجلسة 15/ 6/ 2002 نظرت الدائرة الثانية بالمحكمة الإدارية العليا الطعن، وبجلسة 19/ 10/ 2002 قررت إحالته إلى الدائرة السابعة للاختصاص، ونظرت الدائرة الأخيرة الطعن، وبجلسة 24/ 11/ 2002، وأثناء المرافعة أودع الطاعن مذكرتين بدفاعه وسبع حوافظ تحتوى على تسعة وعشرين مستندًا، وبجلسة 16/ 2/ 2003 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى دائرة توحيد المبادئ المشكلة بموجب المادة 54 مكرر من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 للترجيح بين قضاء المحكمة الإدارية العليا المستقر من تخويل الإدارة سلطة تقديرية فى التعيين فى الوظائف القضائية والحكم الصادر من الدائرة الثانية فى الطعن رقم 7437 لسنة 46 ق. ع بإلغاء قرار التعيين فى إحدى تلك الوظائف فيما تضمّنه من تخطى الطاعن استنادًا إلى أن لجنة المقابلة الشخصية قدرت درجاته دون أن تحدد العناصر التى بنى عليها هذا التقدير، وبجلسة 3/ 7/ 2003 نظرت دائرة توحيد المبادئ الطعن وأثناء المرافعة أمامها أودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرًا انتهى لأسبابه إلى ترجيح المسلك المستقر بالمحكمة الإدارية العليا ورفض الطعن، وبجلسة 4/ 9/ 2003 قدم الأستاذ/ وحيد عبد العظيم إسماعيل إعلانًا طلب فيه التدخل فى الطعن على أساس أنه أقام طعنًا برقم 9082 لسنة 48 ق أمام المحكمة الإدارية العليا لإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 21 لسنة 1994 فيما تضمّنه من تخطية فى التعيين بوظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة وأن له مصلحة فى ترجيح الاتجاه الثانى الذى يذهب إلى تقييد سلطة الإدارة فى التعيين فى الوظائف القضائية، هذا وقد أودعت هيئة قضايا الدولة الملف مذكرة بدفاعها، وصورة من القرار المطعون فيه وكتاب أمين عام مجلس الدولة رقم 88 – المؤرخ فى 30/ 7/ 2001 بالرد على الطعن، وبجلسة 6/ 11/ 2003 قررت الدائرة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها قررت المحكمة إعادة الطعن للمرافعة لتغير تشكيل الهيئة وإصدار الحكم آخر الجلسة، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بطلب التدخل فإنه لما كانت المادة من قانون المرافعات تنص
على أنه (يجوز لكل ذى مصلحة أن يتدخل فى الدعوى منضماً لأحد الخصوم أو طالباً لنفسه
بطلب مرتبط بالدعوى، ويكون التدخل بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى قبل يوم الجلسة
أو بطلب يقدم شفاهة فى حضورهم ويثبت فى محضرها ولا يقبل التدخل بعد إقفال باب المرافعة)
وكان اختصاص هذه المحكمة يقتصر وفقًا لنص المادة مكررًا من قانون مجلس الدولة
رقم 47 لسنة 1972 على الفصل فى تعارض الأحكام والترجيح بين المبادئ فإن الفصل فى طلبات
التدخل المقدمة أمامها يكون منوطًا بمحكمة الموضوع الأمر الذى يستوجب إحالة طلب التدخل
إليها.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص حسبما يبين من الأوراق فى أن الطاعن أقام الطعن رقم
5850 لسنة 47 ق. ع طالبًا الحكم له بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 300
لسنة 2000 فيما تضمّنه من تخطيه فى التعيين بوظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة مع تعويضه
التعويض المناسب تأسيساً على أنه حصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة سنة 1998
بتقدير جيد وكان ترتيبه السادس على دفعته بمجموع 108 من 140 درجة وحصل على تقدير جيد
جدًا فى مادة التنظيم الإدارى وتقدير ممتاز فى مادة القضاء الإدارى، ومنح جائزة التفوق
فى مادة التنظيم الدولى، وبعد تخرجه حصل على دبلوم الدراسات العليا فى القانون العام
دور مايو سنة 2000 بتقدير جيد، وعلى دبلوم التحكيم دور مايو سنة 2001 بتقدير جيد، وبناءً
على إعلان مجلس الدولة عن التعيين بوظيفة مندوب مساعد سنة 1998 تقدم بطلب لشغل الوظيفة،
إلا أن نتيجة المسابقة أعلنت فى 2/ 2/ 2000 ولم يكن من بين المعينين، فقدم تظلمًا فى
28/ 3/ 2000، كما أنه تقدم مرة أخرى بطلب للالتحاق بذات الوظيفة بالدفعة التكميلية،
إلا أن القرار المطعون فيه صدر فى 20/ 7/ 2000 ولم يكن ممن شملهم هذا القرار، فتظلم
فى 28/ 8/ 20000، وأضاف الطاعن أنه تبين أن السبب فى استبعاده يرجع على تحريات مباحث
أمن الدولة التى انتهت إلى عدم الموافقة على تعيينه لأسباب شخصية تتعلق برئيس جهاز
أمن الدولة بالحوامدية، فقد تضمنت تلك التحريات انتماءه بصلة قرابة لأحد المنتسبين
للجماعات الإسلامية مع أن تلك الصلة تتجاوز الدرجة الثامنة، وبالرغم من تعيين أحد أقرباء
ها المنتسب بالنيابة العامة، كما أن تلك التحريات قررت وجود جنحة مقامة ضد جده لأمه
برقم 1195 لسنة 1952 مع أن هذا الجد لم يتهم فى أى جنحة ويرأس الجمعية الشرعية بأبى
النمرس منذ عشرين عامًا، واستند الطاعن إلى المادة 57 من اللائحة الداخلية لمجلس الدولة
التى أوجبت تعيين الحاصلين على درجة ممتاز ثم الحاصلين على درجة جيد جدًان ثم الحاصلين
على درجة جيد، وأجازت تعيين الحاصلين على تقدير مقبول عن طريق مسابقة عامة يحدد رئيس
المجلس شروطها، وأكد أن المسابقة يجب أن تكون امتحانًا تحريريًا بأسئلة موحدة وليس
عن طريق لجنة المقابلة التى تتفاوت فيها الأسئلة ولا تكشف عن المستوى العلمى الحقيقى
للمتسابقين، وأوضح أن القرار المطعون فيه عين (………) و(…….) وكلاهما حاصل
على تقدير مقبول.
ومن حيث إن جوهر الإحالة إلى هذه الدائرة ينحصر فى الترجيح بين الاتجاه السائد فى أحكام
المحكمة الإدارية العليا الذى يذهب إلى أن التعيين فى الوظائف القضائية أمر تترخص فيه
الإدارة بمقتضى سلطتها التقديرية دون معقب عليها طالما أنها توخت اختيار أفضل العناصر
الصالحة لتولى هذه الوظائف والنهوض بأمانة المسئولية فيها طالما خلت قراراتها من عيب
إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها وهما من العيوب القصدية التى يتعين على من يستند
إليها إقامة الدليل على ما يدعيه، وأن مجرد توافر الشروط اللازمة للتعيين لا يلزم الإدارة
ولا يقيد حقها المطلق فى مباشرة سلطتها التقديرية فى التعيين، فذلك هو ما قضت به المحكمة
بجلسة 17/ 6/ 1978 فى الطعن رقم 785 لسنة 19 ق. ع وجلسة 25/ 1/ 1978 فى الطعن رقم 237
لسنة 32 ق. ع وجلسة 5/ 7/ 1997 فى الطعن رقم 3396 لسنة 41 ق. ع وجلسة 27/ 2/ 1999 فى
الطعن رقم 890 لسنة 43 ق. ع وجلسة 13/ 3/ 1999 فى الطعن رقم 3664 لسنة 41 ق. ع وجلسة
12/ 8/ 2000 فى الطعن رقم 4822 لسنة 41 ق. ع. الترجيح بين هذا الاتجاه السائد والاتجاه
الذى ذهبت إليه الدائرة الثانية بالمحكمة الإدارية العليا فى أحكامها الصادرة بجلسة
1/ 6/ 2002 فى الطعن رقم 3881 لسنة 41 ق. ع وجلسة 1/ 7/ 2002 فى الطعن رقم 6824 لسنة
44 ق. ع وجلسة 5/ 8/ 2002 فى الطعن رقم 7130 لسنة 44 ق. ع. وجلسة 28/ 9/ 2002 فى الطعن
رقم 6084 لسنة 45 ق. ع، وحاصل ما اتجهت إليه تلك الأحكام أن سلطة الإدارة فى التعيين
بوظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة مقيدة بنص المادة 2 من قانون المجلس رقم 47 لسنة 1972
التى اشترطت فى عضو المجلس أن يكون مصريًا متمتعًا بالأهلية المدنية الكاملة وأن يكون
حاصلاً على درجة الليسانس فى الحقوق وأن يكون محمود السيرة حسن السمعة وألا يكون قد
حكم عليه من المحاكم أو مجالس التأديب لأمر مخل بالشرف ولو كان قد رُدَّ إليه اعتباره،
كما أن تلك السلطة مقيدة بنص المادة 57 من اللائحة الداخلية لمجلس الدولة التى توجب
تعيين المندوبين المساعدين من بين الحاصلين على تقدير ممتاز ثم جيد جداً ثم جيد وأجازت
تعيين الحاصلين على مقبول عن طريق مسابقة عامة تحدد شروطها بقرار من رئيس المجلس، وأن
ذلك يقتضى النظر فى صلاحية تولى منصب القضاء فيما بين أصحاب كل تقدير على حدة فلا ينظر
فى صلاحية أصحاب التقدير الأدنى إذا شغلت الوظائف بالحاصلين على التقدير الأعلى وأن
تعيين الحاصلين على تقدير مقبول رهين بوجود وظائف لم تشغل بأصحاب التقديرات الأعلى
وباجتيازهم مسابقة تقوم على امتحان تحريرى يحتوى أسئلة واحدة وبثبوت الصلاحية فى اختبار
شخصى يستند إلى مقومات الشخصية والوسط الاجتماعى والاقتصادى والثقافى الملائم لتكوين
إنسان يصلح لأن يكون قاضيًا، وأن الإدارة ملزمة بأن تحدد مسبقًا الأسس الموضوعية والعناصر
والدرجات التى يتم على أساسها تقييم المتقدم للوظيفة فى المقابلة الشخصية وإلا كانت
المفاضلة التى تجريها بين المتقدمين مفاضلة غير جادة وغير حقيقية.
ومن حيث إنه فى مقام الترجيح بين الاتجاهين السالف ذكرهما يتعين التأكيد ابتداءً بأن
كلاً منهما يتمسك بالصلاحية لشغل الوظائف القضائية وبتوافر الأهلية اللازمة للنهوض
بأعبائها بتجرد كامل دون ميل أو هوى، وأن كليهما يدخل مقومات الشخصية والوسط الاجتماعى
والثقافى والاقتصادى والخلقى كأسس للاختيار، وكلاهما يسلم بالعرف العام الذى يحيط تولى
تلك الوظائف بقيم عالية ومعايير دقيقة وضوابط قاطعة وصفات سامية، والفارق بين الاتجاهين
ينحصر فى أمرين: أولهما: أن الاتجاه الثانى يتمسك بالمقارنة بين تقدير أعلى وتقدير
أدنى رغم ثبوت عدم صلاحية الحاصل على التقدير الأعلى، وثانيهما: أن الاتجاه الثانى
يلزم الإدارة بتحديد عناصر وأسس موضوعية للمقابلة الشخصية التى تستهدف استجلاء مدى
توافر الصلاحية.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالأمر الأول الذى يستند فيه الاتجاه الثانى إلى المادة 57
من اللائحة الداخلية لمجلس الدولة، فإنه إذا كانت تلك المادة توجب التدرج فى التعيين
بحسب التقدير العام وتخول رئيس المجلس إجراء مسابقة بين الحاصلين على تقدير مقبول،
فإنه ليس فيها ما يشير إلى العودة إلى إجراء مقارنة بين من لم تثبت أهليته بعد المقابلة
الشخصية من الحاصلين على تقدير أعلى وبين الحاصل على تقدير مقبول ممن ثبتت أهليته،
وإذا قيل بوجوب إجراء مسابقة فى شكل امتحان تحريرى بين الحاصلين على تقدير مقبول فإنه
بفرض صحة هذا القول بالنظر إلى أن النص خلال من أى إشارة لشكل محدد للمسابقة ولمثل
هذا الامتحان التحريرى فإن عدم إجراء هذا الامتحان لا يعنى العودة إلى النظر فى صلاحية
الحاصل على تقدير أعلى رغم ثبوت عدم أهليته بقرار من لجنة المقابلة، ومن ثَمَّ فليس
للحاصل على تقدير أعلى أن يحتج بتعيين من هو أقل منه تقديرًا إذا ثبت أن تخطيه فى التعيين
يرجع إلى عدم الصلاحية.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالأمر الثانى الذى يستند فيه الاتجاه الثانى إلى وجوب تحديد
عناصر وأسس مسبقة يتم بموجبها النظر فى الصلاحية وتلتزم بها لجان المقابلة الشخصية،
فإنه من المعلوم أن العرف العام يحيط تولى الوظائف القضائية بسياج منيع من المعايير
الدقيقة والقيم الرفيعة والضوابط القاطعة والصفات السامية والخصال الحميدة، وتلك أركان
لا تخضع للحصر فى عناصر بذاتها أو القصر على أسس بعينها؛ لأنها تستخلص من الوسط الذى
ينتمى إليه المتقدم للوظيفة وشخصيته، وليس أدل على ذلك من أن الاتجاه الثانى ذاته يسلم
بوجوب توافر مقومات خاصة ووسط اجتماعى وثقافى وأخلاقى واقتصادى ملائم لتكوين قاضٍ يحظى
بثقة المجتمع واحترامه وليس من شك أن القول بغير ذلك إنما يؤدى إلى إهدار كل قيمة لعمل
لجان المقابلة ويحل المحكمة محلها بناءً على ما تراه من تفسير لما قد يوضع من عناصر
وأسس مسبقة أو بناءً على ضوابط يضعها القاضى بنفسه ليحدد على أساسها مدى توافر الأهلية
اللازمة لشغل الوظيفة القضائية وتلك نتيجة يأباها النظام القضائى ومبدأ الفصل بين السلطات
وإذا كان الأمر كذلك وكانت ممارسة لجان المقابلة لعملها تستند إلى قيم عليا يختار بموجبها
الأصلح لشغل المناصب القضائية والأقدر على النهوض بأعبائها دون خلل، فإنه يضحى من غير
المسموح به أن تحل المحكمة نفسها محل اللجنة أو أن تمارس مهمتها بحجة عدم وجود عناصر
أو أسس مسبقة للاختيار.
ولا وجه للقول بأن السلطة التقديرية المقررة للجان المقابلة تعد امتيازًا يتعين الحد
منه برقابة قضائية حاسمة، ذلك لأن ممارسة السلطة التقديرية فى مجال التعيين فى الوظائف
القضائية سيظل على وجه الدوام واجبًا يستهدف الصالح العام باختيار أنسب العناصر، وهو
أمر سيبقى محاطًا بإطار المشروعية التى تتحقق باستهداف المصلحة العامة دون سواها، وذلك
بالتمسك بضرورة توافر ضمانات شغل الوظيفة والقدرة على مباشرة مهامها فى إرساء العدالة
دون ميل أو هوى، وفضلاً عن ذلك فإن تلك السلطة التقديرية هى وحدها التى تقيم الميزان
بين حق كل من توافرت فيه الشروط العامة لشغل الوظائف القضائية وبين فعالية مرفق القضاء
وحسن تسييره، ومن ثَمَّ فإنه إذا أتيحت للمتقدم فرصة مقابلة اللجنة المنوط بها استخلاص
الصلاحية والمشكلة من قمم الجهة التى تقدم لشغل إحدى وظائفها، فإنه لا يكون أمامه إن
أراد الطعن فى القرار الذى تخطاه فى التعيين سوى التمسك بعيب الانحراف عن المصلحة العامة
وعندئذ يقع على عاتقه عبء إثبات هذا العيب وهو أمر يصعب إثباته فى الطعن الماثل فى
ضوء أوراق الطعن ووقائعه التى تفيد دون جدال أن الإدارة اتخذت موقفًا جديًا ببحث طلب
شغل الوظيفة فقبلت أوراق الطاعن وفحصتها وعرضته رغم تقرير المباحث الذى يحتج به على
اللجنة لاستخلاص مدى صلاحيته لشغل الوظيفة.
ومن حيث إنه يتعين فى هذا المجال التأكيد بأن الطعن الماثل لا يحتمل البحث فى قصور
الأسباب التى بنى عليها التخطى فى التعيين، ذلك لأن القواعد التى تحكم مسلك الإدارة
المطعون فيه لم تلزمها بتسبيب قرارها، ولأن الأهلية أو عدمها فى تولى الوظائف القضائية
إنما هى حالة عامة تستشف إما ببصيرة نافذة لدى مجموعة من المتمرسين عبر لقاء مركز وخلال
فترة زمنية محدودة، أو برقابة تستمر لفترة ليست بالقصيرة يجريها المؤهلون لذلك من المتخصصين
وعليها فإذا لم تتوافر الوسيلة الثانية لا يصح إهدار الأولى بحجة القصور فى الأسباب
أو حتى إهمالها ولا وجه فى هذا الصدد لاستبدال رقابة السبب برقابة التقدير، لأن السبب
هنا وهو الحالة والواقعية للمتقدم للوظيفة يندمج فى الأهلية اللازمة لشغلها وبالتالى
يذوب فى الفكرة الموضوعية المستهدفة من القرار المطعون فيه وهى تحقيق الصالح العام.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة
بترجيح الاتجاه السائد فى أحكام المحكمة الإدارية العليا والذى من مقتضاه تمتع جهة الإدارة فى التعيين بوظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة بسلطة تقديرية لا يحدها سوى الصالح العام وأمرت بإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة.
