الطعن رقم 620 لسنة 4 ق – جلسة 12 /07 /1958
مجلس الدولة – المكتب الفنى – مجموعة المبادئ
القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة – العدد الثالث (من أول يونيه إلى آخر سبتمبر سنة 1958) – صـ 1764
جلسة 12 من يوليه سنة 1958
برياسة السيد/ السيد على السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد على الدمراوى والسيد إبراهيم الديوانى وعلى إبراهيم بغدادى والدكتور محمود سعد الدين الشريف المستشارين.
القضية رقم 620 لسنة 4 القضائية
( أ ) وقف التنفيذ – المادة 18 من قانون مجلس الدولة رقم 165 لسنة
1955 – اشتراطها أن يطلب وقف التنفيذ فى صحيفة دعوى الإلغاء – اعتباره شرطاً جوهرياً
لقبول هذا الطلب – تقديم طلب وقف التنفيذ على استقلال – موجب لعدم قبوله – ذلك مستفاد
من تحرى مقصود الشارع فى ضوء الأعمال التحضيرية للقانون رقم 6 لسنة 1952 الذى استحدث
هذا القيد لأول مرة.
(ب) وقف التنفيذ – الاستعجال المبرر لطلب وقف التنفيذ – انتفاؤه بالنسبة للقرارات الخاصة
بالتعيين فى الوظائف العامة – امتناع طلب وقف تنفيذها وفقاً لحكم المادة 18 من قانون
مجلس الدولة الراهن – جريان هذا الحكم بالضرورة على القرارات المتصلة بالتعيين فى حكومة
أجنبية.
1 – إن الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون رقم 165 لسنة 1955 فى شأن تنظيم مجلس
الدولة تنص على أنه "لا يترتب على رفع الطلب إلى المحكمة وقف تنفيذ القرار المطلوب
إلغاؤه، على أنه يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذه مؤقتاً إذا طلب ذلك فى صحيفة الدعوى،
ورأت المحكمة أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها". وقد جاء النص المذكور فى عمومه مردداً
للنص الذى استحدثه القانون رقم 6 لسنة 1952 تعديلاً للمادة العاشرة من قانون مجلس الدولة
السابق رقم 9 لسنة 1949؛ فلتحديد مدى هذا التعديل وما استحدثه من شروط فى طلب وقف التنفيذ
شكلاً وموضوعاً يجب استظهار الوضع التشريعى قبل هذا الاستحداث، وتحرى مقصود الشارع
منه فى ضوء الأعمال التحضيرية للقانون رقم 6 لسنة 1952 والمناقشات البرلمانية التى
جرت فى شأنه؛ فقد كانت المادة التاسعة من القانون رقم 112 لسنة 1946 بإنشاء مجلس الدولة
تنص على أنه "لا يترتب على رفع الطلب إلى محكمة القضاء الإدارى وقف تنفيذ القرار المطعون
فيه، على أنه يجوز لرئيس مجلس الدولة أن يأمر بوقف تنفيذه إذا رأى أن نتائج التنفيذ
قد يتعذر تداركها". وقد رددت المادة العاشرة من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس
الدولة ذلك النص كما هو بدون أى تغيير، إلى أن استبدل القانون رقم 6 لسنة 1952 بنص
هذه المادة النص الآتى "لا يترتب على رفع الطلب إلى محكمة القضاء الإدارى وقف تنفيذ
القرار المطلوب إلغاؤه، على أنه يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذ الأمر مؤقتاً إذا
طلب ذلك فى صحيفة الدعوى، ورأت المحكمة أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها"، وهو النص
هو الذى ردده فى عمومه قانون مجلس الدولة الأخير فى الفقرة الأولى من المادة 18 منه
كما سلف بيانه. وظاهر من ذلك أن ما استحدثه القانون رقم 6 لسنة 1952 يتناول تعديلاً
فى الاختصاص، بأن جعل ذلك من اختصاص المحكمة بدلاً من رئيس مجلس الدولة، كما أضاف شرطاً
جديداً لقبول الطلب لم يكن موجوداً فى التشريع السابق، وهو أن يطلب وقف التنفيذ فى
صحيفة دعوى الإلغاء ذاتها، وليس بعريضة مستقلة. وقد جاء في تقرير لجنة الشئون التشريعية
بمجلس النواب فى هذا الشأن ما يلى "أما النص المعدل لهذه المادة والوارد بالمشروع فقد
جعل النظر فى طلب وقف تنفيذ الأوامر الإدارية من اختصاص دائرة محكمة القضاء الإدارى
التى تتولى النظر فى طلب إلغاء هذا الأمر وقوامها خمسة مستشارين. هذا هو جوهر التعديل
الوارد بالمادة السالفة، وإن كان المشروع أضاف شرطين جديدين لقبول طلب وقف التنفيذ،
وهو أن يذكر هذا الطلب فى صحيفة دعوى الإلغاء، وأن يخشى من التنفيذ وقوع ضرر جسيم لا
يمكن تداركه، وهذا الشرط لا يختلف كثيراً مع الصيغة الواردة فى نص القانون القائم…..".
وكان مما ذكره تقرير اللجنة تبريراً لهذا الاستحداث قولها "وذلك لأهمية القرار الإدارى
الذى هو الأداة التى تباشر بها الهيئة التنفيذية نشاطها، ولخطورة الأمر بوقف تنفيذه
الذى قد يصل فى خطورته إلى مرتبة الحكم بإلغائه….". وبرر تقرير لجنة العدل بمجلس
الشيوخ التعديل التشريعى سالف الذكر بمثل ما بررته به لجنة الشئون التشريعية بمجلس
النواب. كما جاء فى تقرير اللجنة ما يلي: "وحذفت اللجنة اشتراط تقديم طلب مستقل بتحديد
جلسة لنظر الطلب المستعجل اكتفاء بتضمينه عريضة الدعوى الأصلية طبقا للنظام القائم…".
وكان المشروع المقدم من الحكومة، فضلا عن اشتراطه تضمين صحيفة دعوى الإلغاء طلب وقف
التنفيذ، ينص على ما يلي: "ويحدد رئيس الدائرة المختصة بناء على عريضة من الطالب جلسة
لنظر هذا الطلب يعلن بها الخصم…."، فحذفت هذه العبارة من الصيغة النهائية اكتفاء
بتضمينه عريضة الدعوى الأصلية، كما أشارت إلى ذلك اللجنة فى تقريرها. وجملة القول فيما
تقدم أن ما استحدثه القانون رقم 6 لسنة 1952، من تضمين عريضة دعوى الإلغاء ذاتها طلب
وقف التنفيذ، كان مقصودا لذاته كشرط جوهرى لقبول الطلب، وهذا الشرط الشكلى يستوى فى
المرتبة مع الشرط الموضوعى، وهو أن يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها، من
حيث وجوب توافرهما معا؛ إذ وردت الصيغة النهائية للقانون فى هذا الشأن وبالنسبة للشرطين
على حد سواء، كل ذلك للأهمية وللخطورة التى تنجم فى نظر الشارع عن وقف تنفيذ القرار
الإداري، فأراد أن يحيطه بضمانة توافر الشرطين الشكلى والموضوعى المشار إليهما معا،
فضلا عن أنه جعل زمام الفصل فى ذلك بيد دائرة محكمة القضاء الإدارى المختصة بدلا من
رئيس المجلس منفردا. كما أنه غنى عن القول أن طلب وقف التنفيذ لا يعدو أن يكون طعنا
فى القرار المطلوب إلغاؤه، وأن وجه الاستعجال المبرر لطلب وقفه كما حدده القانون هو
أن يترتب على تنفيذ القرار الإدارى نتائج يتعذر تداركها. واحتمال هذا الخطر إن صح قيامه
متلازم زمنياًً مع القرار ذاته من يوم صدوره تبعاً لقابلية هذا القرار للتنفيذ بالطريق
المباشر بوصفه قراراًًً إدارياً، وهذا يوضح من ناحية أخرى حكمة وجوب اقتران طلب وقف
التنفيذ بطلب الإلغاء فى صحيفة واحدة، كما يحقق فى الوقت ذاته اتحاد بدء ميعاد الطعن
فى القرار إلغاء ووقفا، ويمنع الاختلاف والتفاوت فى حساب هذا الميعاد بداية ونهاية.
2 – إن الحرمان من التعيين فى وظيفة ما ليس بذاته من الأمور التى تنطوى على الاستعجال
المبرر لطلب وقف التنفيذ. وقد اعتنق القانون رقم 165 لسنة 1955 هذا النظر من حيث المبدأ،
حين نص فى الفقرة الثانية من المادة 18 منه بما مفاده أنه لا يجوز طلب وقف تنفيذ القرارات
الخاصة بالتعيين فى الوظائف العامة. ولئن كان هذا النص قد ورد بحكم المساق التشريعى
منسحبا إلى التعيين فى الوظائف العامة المصرية، إلا أنه غنى عن البيان أن انتفاء قيام
الاستعجال من حيث المبدأ فى القرارات المتصلة بالتعيين فى الوظائف بالحكومة المصرية
يصدق أيضاً على القرارات المتصلة بالتعيين فى الوظائف الأخرى، سواء كانت فى هيئات عامة
مصرية أو أجنبية؛ لاتحاد مناط النظر من حيث المبدأ فيها جميعاً بحكم طبائع الأشياء.
إجراءات الطعن
فى 8 من يونيه سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة صحيفة طعن فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى (الهيئة الأولى) بجلسة 20 من مايو سنة 1958 فى القضية رقم 617 لسنة 12 القضائية المرفوعة من الأستاذ محمود السيد عيسوى ضد وزارة الداخلية، والقاضى "بوقف تنفيذ القرار المطعون". وقد طلب رئيس المفوضين – للأسباب التى استند إليها فى صحيفة الطعن – "الحكم بقبول الطعن شكلاًً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بعدم قبول طلب وقف التنفيذ شكلاً لعدم طلبه فى صحيفة الدعوى". وقد أعلن الطعن إلى المدعى فى 12 من يونيه سنة 1958، وإلى الحكومة فى 14 منه، وعين لنظره جلسة 14 من يونيه سنة 1958، وفيها حضر الطرفان وسمعت المحكمة ما رأت سماعه من ملاحظات، وأرجئ إصدار الحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما يستفاد من الأوراق، فى أن المدعى أقام
الدعوى رقم 617 لسنة 12 القضائية أمام محكمة القضاء الإدارى بعريضة أودعها سكرتيرية
هذه المحكمة فى أول مارس سنة 1958، قائلاً إنه تخرج فى مدرسة الحقوق سنة 1922 واشتغل
بالمحاماة، ثم تقلب فى وظائف القضاء حتى وصل إلى وظيفة مستشار بمحكمة استئناف القاهرة،
ثم استقال فى 28 من مايو سنة 1957؛ إذ رشح نفسه لعضوية مجلس الأمة، ولكنه لم يفز، وكان
أن طلب إليه العمل مستشارا بالمحكمة الاتحادية العليا بليبيا، فحصل على إذن من وزارة
الداخلية كما حصل على جواز سفر وتأشيرة خروج، ولكنه فوجئ بصدور قرارين فى 11/ 1/ 1958
من وزارة الداخلية برفض التصريح له بالعمل لدى حكومة ليبيا فى وظيفة مستشار بالمحكمة
الاتحادية العليا وبمنعه من مغادرة البلاد؛ ولهذا فقد أقام دعواه هذه وحدد طلباته فيها
كالآتي: أولاً: إلغاء القرارين الصادرين فى يوم 11 من يناير سنة 1958 برفض التصريح
له بالعمل لدى حكومة ليبيا فى وظيفة مستشار بالمحكمة الاتحادية العليا، وبمنعه من مغادرة
البلاد، مع ما يترتب على ذلك من آثار. ثانياً: بإلزام وزارة الداخلية بأن تدفع إليه
على سبيل التعويض المؤقت قرشا واحدا مع مصروفات الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة، ويحتفظ
بحقه فى المطالبة بتعديل التعويض الذى يستحقه بحيث يجبر الأضرار التى تخلفت عن القرارين
المطعون فيهما. وفى يوم 23 من مارس سنة 1958 تقدم بعريضة ذكر فيها أن المنصب الذى عين
فيه لدى الحكومة الليبية ما يزال شاغراً؛ ولهذا فهو يطلب تحديد أقرب جلسة ليسمع المدعى
عليه الحكم، أولا: بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرارين الصادرين فى يوم 11 من يناير سنة
1958 المتضمنين منع الطالب من مغادرة البلاد ورفض التصريح له بالعمل مستشارا بالحكومة
الاتحادية العليا بليبيا. ثانياً: وفى الموضوع بالطلبات السابق إعلان الوزارة بها.
وقد عقبت الحكومة على الدعوى بأن دفعت بعدم قبول طلب وقف التنفيذ لعدم وروده فى صحيفة
الدعوى، كما دفعت بأن القرارين المطعون فيهما صدرا ممن يملكهما فى حدود ولايته، وأنه
لم يشبهما عيب الانحراف؛ لأنهما استهدفا الصالح العام، حيث إن ثمة اتفاقا بين الحكومة
والمملكة الليبية المتحدة من مقتضاه أن تتولى الحكومة ترشيح من يعين فى القضاء الليبى
من رعايا الإقليم المصرى من الجمهورية العربية المتحدة. وبجلسة 20 من مايو سنة 1958
قضت المحكمة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، استناداً إلى أن الحكومة قد أسست دفاعها
عن عدولها عن قرارها السابق بالترخيص للمدعى بالعمل مستشارا لدى المملكة المتحدة الليبية
على أن هناك اتفاقاً ينظم إعارة رجال القضاء للمناصب القضائية بليبيا، وأنه استبان
للمحكمة أن الأمر ما يزال مشروعاً لم تتم إجراءات التصديق عليه من الدولتين، كما أنه
خاص برجال القضاء العاملين، فلا يجوز الاستناد إليه فى هذه الدعوى، خاصة وأن المدعى
قد قبلت استقالته فى 28 من مايو سنة 1957، وأنه لا يوجد ما يلزم الحكومة الليبية بألا
تختار لشغل مناصبها إلا من رجال القضاء العاملين، وأن الحكومة الليبية ما تزال راغبة
فى إسناد المنصب إلى المدعى، مما يجعل طلب وقف التنفيذ مستندا حسب الظاهر إلى أسباب
جدية. وقد طعن السيد رئيس هيئة المفوضين فى هذا الحكم مؤسسا طعنه على أن المادة 18
من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة تنص على أنه "لا يترتب على رفع
الطلب إلى المحكمة وقف تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه، على أنه يجوز للمحكمة أن تأمر
بوقف تنفيذه مؤقتاً إذا طلب ذلك فى صحيفة الدعوى ورأت المحكمة أن نتائج التنفيذ قد
يتعذر تداركها. وبالنسبة للقرارات التى لا يقبل طلب إلغائها قبل التظلم منها إداريا
لا يجوز طلب وقف تنفيذها. على أنه يجوز للمحكمة بناء على طلب المتظلم أن تحكم مؤقتا
باستمرار صرف مرتبه كله أو بعضه إذا كان القرار صادرا بالفصل أو بالوقف. فإذا قضى له
بطلباته ثم رفض تظلمه ولم يرفع دعوى الإلغاء فى الميعاد اعتبر الحكم كأن لم يكن". وأن
هذه المادة تضع فى صدرها المبدأ العام، وهو أن رفع دعوى الإلغاء لا يترتب عليه وقف
تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه، وهو مبدأ اقتضته ضرورة قيام جهات الإدارة على تسيير المرافق
العامة والأخذ بعكس هذا المبدأ ينتهى حتما إلى تعطيل المرافق العامة تعطيلا تاما وشل
يد الإدارة ووضعها فى موضع يستحيل معه عليها القيام بوظيفتها. وأن وقف تنفيذ القرار
الإدارى هو إذن استثناء؛ ومن ثم كان طبعيا أن يحدد المشرع حالاته، وأن يحصر إجراءاته
الشكلية التى يتعين التزامها بدقة، حتى يتاح للإدارة القيام بوظيفتها إلى أن يقول القضاء
كلمته فى صدد القرار المطلوب إلغاؤه؛ ولهذا فإن المادة – بعد أن أوردت الأصل – تناولت
القرارات الإدارية من حيث قابليتها لوقف التنفيذ، فقسمتها إلى قسمين: القسم الأول،
قرارات لا يجوز وقف تنفيذها بحال من الأحوال، وهى القرارات التى تناولتها الفقرة الثانية
من المادة 18، وإن كان المشرع قد أجاز للمحكمة – بناء على طلب المتظلم – أن تحكم مؤقتاً
بصرف مرتبه كله أو بعضه. وهذا العلاج الوقتى يستنفد أغراضه ويعتبر الحكم الصادر به
كأن لم يكن إذا قضى للمتظلم بطلباته ثم رفض تظلمه ولم يقم دعوى الإلغاء فى الميعاد.
والقسم الثاني، وهو المتصل بمثل هذه الدعوى، وقد أجيز فيه للمحكمة أن تقضى بوقف التنفيذ
مؤقتا، على أن يكون ذلك رهنا بشرطين جوهريين لا بد من توافرهما معا: وأول هذين الشرطين
الجوهريين هو أن يرد طلب وقف تنفيذ القرار الإدارى المطلوب إلغاؤه صراحة فى صحيفة الدعوى،
فإذا توافر هذا الشرط كان للمحكمة بعد ذلك أن تنظر فى الشرط الثانى وهو وجود نتائج
لتنفيذ القرار الإدارى يتعذر تداركها، وبعبارة أخرى فإنه لا يجوز للمحكمة أن تنظر فى
طلب وقف تنفيذ القرار الإدارى إلا إذا استبان لها أن هذا الطلب قد ورد فى صحيفة افتتاح
الدعوى مقترنا بطلب إلغاء القرار الإدارى، بحيث إذا جاءت صحيفة الدعوى منصبة على الإلغاء
أو الإلغاء والتعويض خالية من طلب وقف التنفيذ، فإن طلب وقف التنفيذ الذى يقدم بعد
ذلك يعتبر غير مقبول شكلا؛ لأن القانون قد رسم طريق تقديمه وموعده، بأن جعله فى صلب
صحيفة الدعوى معاصرا طلب الإلغاء. وأن نص المادة 18 سالفة الذكر فى هذا صريح قاطع بحيث
لا يحتمل تأويلا أو اجتهادا، هذا إلى أن وقف التنفيذ وما يترتب عليه من تعطيل فى سير
المرافق العامة قبل أن يقول القضاء قوله الفصل فى أمر القرار الإدارى استثناء، والاستثناء
لا يتوسع فيه ولا يقاس عليه. وإذا كان النص من الصراحة والوضوح بحيث يقطع السبيل على
كل تأويل، فإن مجرد المقارنة بين حكم هذه المادة وبين حكم المادتين 15 و16 من القانون
رقم 165 لسنة 1955 يقدم حجة أخرى قاطعة؛ ذلك أن المادة 15 الخاصة بحالات الطعن بواسطة
هيئة مفوضى الدولة أمام المحكمة الإدارية العليا تنص على أنه لا يترتب على الطعن وقف
تنفيذ الحكم إلا إذا أمرت المحكمة بذلك، وكذلك المادة 16 الخاصة بالطعن فى الأحكام
بطريق التماس إعادة النظر، إذ نصت على أنه لا يترتب على الطعن وقف تنفيذ الحكم إلا
إذا أمرت المحكمة بذلك. وهكذا جعل الشارع الأمر فى أى الحالتين رهينا بأمر المحكمة
فقط، فلم يشترط فيهما أو فى أيهما شكلا ولا وقتا لتقديم الطلب به، وإلا كان غير مقبول.
على خلاف ما فعل فى المادة 18؛ إذ قيد وقف تنفيذ القرار الإدارى فيها بقيدين لا مناص
من التزامهما، أولهما أن يقدم طلب وقف التنفيذ فى صحيفة الدعوى. ويبدو تعلق المشرع
بهذا القيد وحرصه على ضرورة استيفائه من أن المادة 18 التى تفردت بهذا الحكم قد وردت
تالية للمادتين 15 و16 وقد خلتا من هذا الحكم، وهذا وحده قاطع فى الإفصاح عن أن المشرع
قد قصد يجعل أن قبول النظر فى طلب وقف تنفيذ القرار الإدارى المطلوب إلغاؤه مشروطاً
بتقديم طلب وقف التنفيذ فى صحيفة الدعوى. وأنه ليس أيسر بعد ذلك من القول بأن الحكمة
– التى اقتضت أن ينص قانون تنظيم مجلس الدولة فى مادته التاسعة عشرة على أن ميعاد رفع
الدعوى إلى المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء ستون يوما – هى التى اقتضت أن يشترط
فى مادته الثامنة عشرة أن يقدم طلب وقف التنفيذ فى صحيفة الدعوى؛ وعلى ذلك فإن التراخى
فى أى من الحالين يجعل الطلب غير مقبول شكلا. فيستوى إذن فوات الستين يوما فى طلب الإلغاء
مع إهمال أو عدم طلب وقف التنفيذ فى صحيفة الدعوى فى حالة طلب وقف التنفيذ، وكلاهما
يؤدى إلى نتيجة واحدة هى عدم قبول الطلب. ولما كان السيد المدعى قد أقام دعواه بتاريخ
أول مارس سنة 1958، ولم يطلب فيها وقف تنفيذ القرارين المطعون فيهما، وإنما طلب ذلك
فى صحيفة أخرى قدمت فى تاريخ لاحق فى 23 من مارس سنة 1958؛ ومن ثم فإن طلب وقف التنفيذ
غير مقبول شكلاً؛ وإذ قضت محكمة القضاء الإدارى فى الحكم المطعون فيه بغير ذلك قد خالفت
القانون، وقام بحكمها حالة من الحالات المنصوص عليها فى المادة 15 من القانون رقم 165
لسنة 1955 التى تستوجب الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا. وانتهى السيد رئيس
هيئة مفوضى الدولة إلى أن يطلب من المحكمة الإدارية العليا الحكم بقبول الطعن شكلا،
وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بعدم قبول طلب وقف التنفيذ شكلا لعدم
طلبه فى صحيفة الدعوى. وعقب المطعون عليه على ذلك، وأصر على دفاعه الذى سبق أن أبداه
بمذكرتيه المقدمتين لمحكمة القضاء الإداري، وأضاف أن وقف التنفيذ لا يقوم إلا بقيام
دواعيه وأنه كان قد ألقى فى روعه أن الوظيفة شغلت بمستشار غيره من الجزائر فلم ير موجبا
للمطالبة بوقف تنفيذ قرار سحب الترخيص وقرار سحب تأشيرة الخروج التى أعطيت له، واكتفى
بطلب إلغائها موضوعا، ولكنه علم بعد رفع الدعوى أن المستشار الذى عين من الجزائر عين
فى وظيفة أخرى، وتلقى خطابا بذلك، فبادر إلى طلب وقف التنفيذ، وأن وقف التنفيذ إنما
شرع لتلافى خطر قائم يتعذر تدارك نتائجه إذا وقع، وقد يكون هذا الخطر غير قائم عند
رفع الدعوى ولكنه قد يقوم بعد ذلك، فلا يجوز الاحتجاج بضرورة اقترانه بطلب الإلغاء
فى صحيفة الدعوى، وأنه ولئن كان القانون نص على ذلك إلا أنه لم يرتب على مخالفته سقوط
الحق أو البطلان، وهو لا يكون إلا بنص صريح. كما أضاف أن القرار المطلوب وقف تنفيذه
هو قرار فى شأن فرد من الأفراد وليس فى شأن موظف حتى ينطبق عليه نص الفقرة الثانية
من المادة 18 من قانون مجلس الدولة رقم 165 لسنة 1955.
ومن حيث إن الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون رقم 165 لسنة 1955 فى شأن تنظيم
مجلس الدولة تنص على أنه "لا يترتب على رفع الطلب إلى المحكمة وقف تنفيذ القرار المطلوب
إلغاؤه، على أنه يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذه مؤقتا إذا طلب ذلك فى صحيفة الدعوى،
ورأت المحكمة أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها".
ومن حيث إن النص المذكور جاء فى عمومه مرددا للنص الذى استحدثه القانون رقم 6 لسنة
1952 تعديلا للمادة العاشرة من قانون مجلس الدولة السابق رقم 9 لسنة 1949؛ فلتحديد
مدى هذا التعديل وما استحدثه من شروط فى طلب وقف التنفيذ شكلا وموضوعا يجب استظهار
الوضع التشريعى قبل هذا الاستحداث، وتحرى مقصود الشارع منه فى ضوء الأعمال التحضيرية
للقانون رقم 6 لسنة 1952 والمناقشات البرلمانية التى جرت فى شأنه.
ومن حيث إن المادة التاسعة من القانون رقم 112 لسنة 1946 بإنشاء مجلس الدولة كانت تنص
على أنه "لا يترتب على رفع الطلب إلى محكمة القضاء الإدارى وقف تنفيذ القرار المطعون
فيه، على أنه يجوز لرئيس مجلس الدولة أن يأمر بوقف تنفيذه إذا رأى أن نتائج التنفيذ
قد يتعذر تداركها". وقد رددت المادة العاشرة من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس
الدولة ذلك النص كما هو بدون أى تغيير، إلى أن استبدل القانون رقم 6 لسنة 1952 بنص
هذه المادة النص الآتى "لا يترتب على رفع الطلب إلى محكمة القضاء الإدارى وقف تنفيذ
القرار المطلوب إلغاؤه، على أنه يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذ الأمر مؤقتا إذا طلب
ذلك فى صحيفة الدعوى، ورأت المحكمة أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها…..". وهو النص
هو الذى ردده فى عمومه قانون مجلس الدولة الأخير فى الفقرة الأولى من المادة 18 منه
كما سلف بيانه. وظاهر من ذلك أن ما استحدثه القانون رقم 6 لسنة 1952 يتناول تعديلا
فى الاختصاص، بأن جعل ذلك من اختصاص المحكمة بدلا من رئيس مجلس الدولة. كما أضاف شرطاً
جديدا لقبول الطلب لم يكن موجودا فى التشريع السابق، وهو أن يطلب وقف التنفيذ فى صحيفة
دعوى الإلغاء ذاتها وليس بعريضة مستقلة؛ وقد جاء فى تقرير لجنة الشئون التشريعية بمجلس
النواب فى هذا الشأن ما يلى "أما النص المعدل لهذه المادة والوارد بالمشروع، فقد جعل
النظر فى طلب وقف تنفيذ الأوامر الإدارية من اختصاص دائرة محكمة القضاء الإدارى التى
تتولى النظر فى طلب إلغاء هذا الأمر وقوامها خمسة مستشارين. هذا هو جوهر التعديل الوارد
بالمادة السالفة وإن كان المشروع أضاف شرطين جديدين لقبول طلب وقف التنفيذ، وهو أن
يذكر هذا الطلب فى صحيفة دعوى الإلغاء به، وأن يخشى من التنفيذ وقوع ضرر جسيم لا يمكن
تداركه، وهذا الشرط لا يختلف كثيراً مع الصيغة الواردة فى نص القانون القائم..". وكان
مما ذكره تقرير اللجنة تبريرا لهذا الاستحداث قولها "وذلك لأهمية القرار الإدارى الذى
هو الأداة التى تباشر بها الهيئة التنفيذية نشاطها ولخطورة الأمر بوقف تنفيذه الذى
قد يصل فى خطورته إلى مرتبة الحكم بإلغائه..". وبرر تقرير لجنة العدل بمجلس الشيوخ
التعديل التشريعى سالف الذكر بمثل ما بررته به لجنة الشئون التشريعية بمجلس النواب.
كما جاء فى تقرير اللجنة ما يلي: "وحذفت اللجنة اشتراط تقديم طلب مستقل بتحديد جلسة
لنظر الطلب المستعجل اكتفاء بتضمينه عريضة الدعوى الأصلية طبقا للنظام القائم". وكان
المشروع المقدم من الحكومة، فضلا عن اشتراطه تضمين صحيفة دعوى الإلغاء طلب وقف التنفيذ،
ينص على ما يلى "ويحدد رئيس الدائرة المختصة بناء على عريضة من الطالب جلسة لنظر هذا
الطلب يعلن بها الخصم.."، فحذفت هذه العبارة من الصيغة النهائية اكتفاء بتضمينه عريضة
الدعوى الأصلية، كما أشارت إلى ذلك اللجنة فى تقريرها. وجملة القول فيما تقدم أن ما
استحدثه القانون رقم 6 لسنة 1952 من تضمين عريضة دعوى الإلغاء ذاتها طلب وقف التنفيذ
كان مقصودا لذاته كشرط جوهرى لقبول الطلب، وهذا الشرط الشكلى يستوى فى المرتبة مع الشرط
الموضوعي وهو أن يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها، من حيث وجوب توافرهما
معا؛ إذ وردت الصيغة النهائية للقانون فى هذا الشأن وبالنسبة للشرطين على حد سواء.
كل ذلك للأهمية وللخطورة التى تنجم فى نظر الشارع عن وقف تنفيذ القرار الإداري، فأراد
أن يحيطه بضمانة توافر الشرطين الشكلى والموضوعى المشار إليهما معاًً، فضلاً عن أنه
جعل زمام الفصل فى ذلك بيد دائرة محكمة القضاء الإدارى المختصة بدلا من رئيس المجلس
منفرداً. كما أنه غنى عن القول أن طلب وقف التنفيذ لا يعدو أن يكون طعناً فى القرار
المطلوب إلغاؤه، وأن وجه الاستعجال المبرر لطلب وقفه كما حدده القانون هو أن يترتب
على تنفيذ القرار الإدارى نتائج يتعذر تداركها. واحتمال هذا الخطر إن صح قيامه متلازم
زمنيا مع القرار ذاته من يوم صدوره تبعا لقابلية هذا القرار للتنفيذ بالطريق المباشر
بوصفه قراراًًً إداريا. وهذا يوضح من ناحية أخرى حكمة وجوب اقتران طلب وقف التنفيذ
بطلب الإلغاء فى صحيفة واحدة، كما يحقق فى الوقت ذاته اتحاد بدء ميعاد الطعن فى القرار
إلغاء ووقفا، ويمنع الاختلاف والتفاوت فى حساب هذا الميعاد بداية ونهاية.
ومن حيث إنه فضلا عن أن المطعون عليه لم يطلب وقف تنفيذ القرار فى صحيفة دعوى الإلغاء
التى أودعها فى أول مارس سنة 1958؛ ومن ثم فلا يكون طلبه – والحالة هذه – مقبولا لعدم
اقتران الطلبين معا فى عريضة دعوى الإلغاء – فضلا عن ذلك، فإن طلب وقف التنفيذ الذى
قدمه على استقلال فى 23 من مارس سنة 1958 قد جاء بعد فوات ميعاد الستين يوماً، ذلك
أنه أعلن بالقرارين المطعون فيهما والمطلوب وفق تنفيذهما فى يوم 11 من يناير سنة 1958
بحسب إقراره فى صحيفة دعوى الإلغاء، فيكون طلب وقف التنفيذ، والحالة هذه، محسوبا من
تاريخ إعلانه بالقرارين حتى إيداع هذا الطلب سكرتيرية المحكمة قد قدم بعد الميعاد القانوني
– فضلا عن هذا كله، فإن الشرط الموضوعى وهو وجوب توافر الاستعجال المبرر لطلب وقف التنفيذ
بأن يترتب على هذا التنفيذ نتائج يتعذر تداركها غير قائم؛ ذلك أن هذه النتائج لو صحت
لا تعدو أن تكون حرمانه من التعيين فى وظيفة بالحكومة الليبية والحرمان من التعيين
فى وظيفة ما ليس بذاته من الأمور التى تنطوى على الاستعجال. وقد اعتنق القانون رقم
165 لسنة 1955 هذا النظر من حيث المبدأ حين نص فى الفقرة الثانية من المادة 18 منه
بما مفاده أنه لا يجوز طلب وقف تنفيذ القرارات الخاصة بالتعيين فى الوظائف العامة.
ولئن كان هذا النص قد ورد بحكم المساق التشريعى منسحبا إلى التعيين فى الوظائف العامة
المصرية، إلا أنه غنى عن البيان أن انتقاء قيام الاستعجال من حيث المبدأ فى القرارات
المتصلة بالتعيين فى الوظائف بالحكومة المصرية يصدق أيضا على القرارات المتصلة بالتعيين
فى الوظائف الأخرى، سواء كانت فى هيئات عامة مصرية أو أجنبية؛ لاتحاد مناط النظر من
حيث المبدأ فيها جميعا بحكم طبائع الأشياء.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ فى تأويل القانون وتطبيقه،
فيتعين إلغاؤه، والقضاء برفض طلب وقف التنفيذ، مع إلزام المطعون عليه بالمصروفات الخاصة
بهذا الطلب، وذلك كله مع عدم المساس بأصل طلب الإلغاء.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفى موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض طلب وقف التنفيذ، وألزمت المدعى المصروفات الخاصة بهذا الطلب.