الطعن رقم 668 لسنة 3 ق – جلسة 03 /05 /1958
مجلس الدولة – المكتب الفني – مجموعة المبادئ
القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة – العدد الثاني (من فبراير سنة 1958 إلى آخر مايو سنة 1958) – صـ 1132
جلسة 3 من مايو سنة 1958
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.
القضية رقم 668 لسنة 3 القضائية
أثر رجعي – القواعد التنظيمية العامة، قانوناً كانت أو لائحة، قد
تفيد الموظف بمزايا في الماضي – المراكز القانونية التي يكتسبها الموظف بقانون أو بلائحة
لا يمكن المساس بها بأثر رجعي إلا بنص خاص في قانون يقرر الأثر الرجعي وليس بأداة أدنى
من قانون – مثال.
الأصل أن الموظف إذا كان قد اكتسب مركزاً قانونياً ذاتياً في درجة أو مرتب بالتطبيق
لقواعد تنظيمية عامة تسمح بذلك مقررة في قانون أو لائحة، فلا يجوز المساس بهذا المركز
القانوني الذاتي إلا بنص في قانون يقرر الأثر الرجعي، وليس بأداة أدنى من قانون. وقد
بان للمحكمة من الأوراق أن المدعي بلغ درجته واستحق مرتبه بالترقية العادية وبمنحه
العلاوات الدورية، وذلك قبل نفاذ قانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953، وهذا
القانون إنما استهدف فيما استهدفه إنصاف ذوي المؤهلات الدراسية بمنحهم الدرجات والمرتبات
المقررة لمؤهلاتهم من التاريخ الذي عينه وبالشروط التي حددها، ولم يتضمن أي نص يمس
الدرجات أو المرتبات التي نالها ذوو المؤهلات، سواء بطريق الترقية العادية أو بمنحهم
العلاوات الدورية بالتطبيق للقواعد العامة التي كانت تسمح بذلك؛ فلا يمكن – والحالة
هذه – إهدار هذه المراكز القانونية الذاتية التي كانت تحققت لهم بالتطبيق لهذه القواعد،
ما دام قانون المعادلات الدراسية لم يلغ بالذات هذه المراكز الذاتية، وإلا كان ذلك
تطبيقاً لهذا القانون بأثر رجعي بدون نص خاص فيه، وهو ما لا يجوز طبقاً للأصل الدستوري
المسلم، وإنما قد يفيد حامل المؤهل من القانون المذكور فيما لم ينله من مزايا قررها
ولم يسبق للموظف أن حصل عليها فعلاً قبل نفاذه، لأن القواعد التنظيمية العامة، قانوناً
كانت أو لائحة، قد تفيد الموظف بمزايا في الماضي، ولكن لا يمكن المساس بما اكتسبه من
مراكز قانونية ذاتية بالتطبيق لقانون أو لائحة إلا بنص خاص في قانون يمس هذه المراكز
في الماضي بأثر رجعي وليس بأداة أدنى من ذلك.
إجراءات الطعن
في 13 من إبريل سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتارية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الرابعة "ب") بجلسة 11 من فبراير سنة 1957 في الدعوى رقم 117 لسنة 2 ق المقامة من وزارة الأوقاف ضد عبد الفتاح عبد الرحمن، والذي قضى "بقبول الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف، وإلزام وزارة الأوقاف بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين – للأسباب التي استند عليها في عريضة طعنه – "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم المستأنف، والقضاء برفض دعوى المدعي، مع إلزامه بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن لوزارة الأوقاف في 5 من مايو سنة 1957، وللمطعون عليه في 8 منه، وعين لنظره جلسة 25 من يناير سنة 1958 أمام هذه المحكمة، وأبلغ الطرفان في 30 من نوفمبر سنة 1957 بميعاد هذه الجلسة، فقدم المطعون عليه عدة مذكرات بملاحظاته. وفي جلسة المرافعة سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وأرجأت النطق بالحكم لجلسة 8 من مارس سنة 1958. ثم مدت أجله لجلسة 29 منه، ومنها إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما يبين من أوراق الطعن، في أن المطعون عليه
قدم تظلماً إلى اللجنة القضائية لوزارة الأوقاف في 23 من ديسمبر سنة 1952 قيد برقم
124 لسنة 1ق، طلب فيه منحه الدرجة السادسة من سنة 1949 وما يترتب على ذلك من آثار وصرف
فروق عن الماضي، وقال إنه عين بخدمة وزارة الأوقاف سنة 1935، ومنح الدرجة السابعة في
أول مايو سنة 1946، وحصل على دبلوم الدراسات التجارية التكميلية العالية سنة 1949.
ولما كان المتظلم يعمل كاتباً مراجعاً بمؤسسة القرض الحسن بالإسكندرية، فقد قررت اللجنة
القضائية لوزارة الأوقاف بجلستها المنعقدة في 9 من إبريل سنة 1953 إحالة التظلم إلى
اللجنة القضائية الإضافية لجميع الوزارات بالإسكندرية للاختصاص. وبجلسة 23 من يونيه
سنة 1954 أصدرت المحكمة الإدارية بالإسكندرية حكمها في الدعوى رقم 1704 لسنة 2 ق المقامة
من المطعون عليه ضد وزارة الأوقاف، ويقضي "باستحقاقه للدرجة السادسة في أول أكتوبر
سنة 1949 بالمرتب الذي كان يتقاضاه وقتئذ، وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق،
واستندت المحكمة الإدارية بالإسكندرية في حكمها على أن قانون المعادلات قد وجد لتحسين
حالة الموظفين؛ ومن ثم يكون التطبيق السليم لأحكامه هو أن يسوى مرتب الموظف في فترة
الحصول على المؤهل بالمرتب الذي كان يتقاضاه فعلاً أو المرتب المقدر للمؤهل أيهما أكبر.
وبعريضة أودعت سكرتارية محكمة القضاء الإداري في 6 من نوفمبر سنة 1954 طعنت وزارة الأوقاف
في الحكم المذكور، وقالت إن المدعى عليه حصل على دبلوم التجارة المتوسطة عام 1933،
وعين بخدمة وزارة الأوقاف في 10 من أغسطس سنة 1935 في الدرجة الثامنة، ثم رقي إلى الدرجة
السابعة من أول مايو سنة 1946، وبلغت ماهيته 12 ج شهرياً من أول مايو سنة 1949، زيدت
إلى 13 ج من أول مايو سنة 1951، ثم إلى 14.5 ج من أول مايو سنة 1953. ونظراً لأنه قد
حصل وهو في الخدمة على دبلوم التجارة التكميلية العالية سنة 1949، وهو مؤهل قد ورد
ذكره بالجدول الملحق بقانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953 وتقدر لحامله 10.5
ج شهرياً في الدرجة السادسة، فقد سوت الوزارة حالة المتظلم على ضوء ما نص عليه القانون
باعتباره في الدرجة السادسة من أول أكتوبر سنة 1949 تاريخ حصوله على المؤهل الدراسي
العالي بماهية قدرها 10.5 ج شهرياً زيدت إلى 12 ج شهرياً من أول مايو سنة 1952، ثم
إلى 14 ج من أول يوليه سنة 1952. ولما كانت تعليمات ديوان الموظفين الواردة بكتابه
الدوري رقم 82 لسنة 1952 تنص على أنه إذا كانت ماهية الموظف قبل تطبيق القانون تزيد
عن ماهيته بعد تطبيقه فإنه يبقى بالماهية التي كان يتقاضاها قبل التطبيق؛ ولما كانت
ماهية المستأنف عليه قبل التطبيق هي 14.5 ج، في حين أن ماهيته بعد التطبيق وصلت فقط
إلى 14 ج فقد بقيت له ماهيته الأولى على ما هي عليه مع الاحتفاظ له بأقدميته في الدرجة
السادسة من أول أكتوبر سنة 1949. ولما كانت المادة الخامسة من قانون المعادلات الدراسية
تنص على خصم الزيادة في الماهية المترتبة على تنفيذه من إعانة الغلاء المقررة لكل موظف
يستفيد من أحكامه، ولكن الحكم المستأنف الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية في
23 من يونيه سنة 1954، قضى باستحقاق المتظلم الدرجة السادسة من أول أكتوبر سنة 1949
بالمرتب الذي كان يتقاضاه في ذلك التاريخ وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق مخالفاً
بذلك نص المادة الخامسة سالفة الذكر؛ من أجل هذا طلبت وزارة الأوقاف إلغاء حكم المحكمة
الإدارية بالإسكندرية ورفض الدعوى المقامة ضدها من المستأنف عليه مع إلزامه بالمصروفات.
وبجلسة 11 من فبراير سنة 1957 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها "بقبول الاستئناف شكلاً،
وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف، وإلزام وزارة الأوقاف بالمصروفات". وأسست
قضاءها على أن المدعى عليه سويت حالته حسب مؤهله (التجارة التكميلية) في أول أكتوبر
سنة 1949 بمنحه الدرجة السادسة، إلا أن الخلاف يدور حول ما إذا كان يستحق في ذلك التاريخ
مرتباً قدره 10.5 ج ويتدرج في علاواته بعد ذلك على هذا الأساس أم تكون تسويته على أساس
مرتبه الفعلي الذي كان يتقاضاه في ذلك الوقت وهو 12 ج بدلاً من 10.5 ج، وجاء في أسباب
هذا الحكم أن وزارة الأوقاف نفسها تبني منازعتها في تسوية حالة المستأنف عليه على أساس
راتبه الفعلي وقت التسوية – تبنيها وتقيمها على أن الكتاب الدوري الصادر من ديوان الموظفين
رقم 82 لسنة 1952 يقضي بأنه إذا كانت ماهية الموظف قبل تطبيق القانون تزيد على ماهيته
بعد تطبيقه فإنه يبقى بالماهية التي يتقاضاها قبل التطبيق. وظاهر أن هذا السند يؤيد
المستأنف عليه في دعواه، وليس فيه ما يدعم مذهب وزارة الأوقاف في افتراض أن تكون التسوية
على أساس أن راتبه 10.5 ج في أكتوبر سنة 1949 وليس 12 ج وهو المرتب الفعلي في ذلك التاريخ.
وترى محكمة القضاء الإداري أن مفهوم هذا الحكم هو أن لا تمس التسوية حق الموظف المكتسب
في مرتبه، وألا يعود عليه التطبيق بتخفيض أو تدهور في حالته، بينما قصد المشرع إلى
التحسين بإصدار ذلك القانون. يؤيد ذلك ما نص عليه الكتاب الدوري المشار إليه في سائر
أحكامه من أن تطبيق هذا القانون لا يؤدي إلى التأثير في العلاوات التي يستحقها الموظف
(بند 7)، فإذا استحق زيادة أضيفت إلى راتبه بدون أن تتأثر مواعيد علاواته بهذه الزيادة.
كما نص على أن تدرج حالاتهم وفقاً لأحكام الكادرات المختلفة التي طبقت عليهم منذ تعيينهم
فعلاً بالحكومة من حيث علاواتهم مدة ومقداراً.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المطعون عليه حصل على دبلوم التجارة التكميلية في أول
أكتوبر سنة 1949، وعلى مقتضى قانون المعادلات تسوى حالته بوضعه في الدرجة السادسة المخفضة
وبالماهية المقدرة لمؤهله ومقدارها عشرة جنيهات ونصف اعتباراً من ذلك التاريخ، ثم تتدرج
هذه الماهية بالعلاوات طبقاً للكادر الذي رتب فيه. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أخذ
بغير هذا النظر، فإنه يكون قد خالف القانون ويتعين إلغاؤه.
ومن حيث إنه يتضح من الأوراق أن أحقية المطعون عليه في الإفادة من قواعد قانون المعادلات
الدراسية لم تكن في وقت ما محل نزاع من جانب وزارة الأوقاف، وإنما ثار الخلاف في كيفية
تسوية حالته وفقاً لأحكام هذا القانون؛ إذ تتمسك الوزارة بمنحه المرتب المقرر في القانون
المشار إليه لمؤهله الأخير (التجارة التكميلية) وهو 500 م و10 ج شهرياً في الدرجة السادسة
الشخصية من تاريخ حصوله على هذا المؤهل دون نظر إلى المرتب الذي وصل إليه فعلاً (12
ج) وإن جاوز الرقم الأول، بينما يطالب هو بتسوية حالته على أساس آخر مرتب كان يتقاضاه
قبل وضعه في الدرجة السادسة باعتباره المرتب الأكبر من المرتب المقرر بمقتضى قانون
المعادلات الدراسية.
ومن حيث إن الأصل أن الموظف إذا كان قد اكتسب مركزاً قانونياً ذاتياً في درجة أو مرتب
بالتطبيق لقواعد تنظيمية عامة تسمح بذلك مقررة في قانون أو لائحة، فلا يجوز المساس
بهذا المركز القانوني الذاتي إلا بنص في قانون يقرر الأثر الرجعي وليس بأداة أدنى من
قانون، وقد بان للمحكمة من الأوراق أن المدعي بلغ درجته واستحق مرتبه بالترقية العادية
وبمنحه العلاوات الدورية، وذلك قبل نفاذ قانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953،
وهذا القانون إنما استهدف فيما استهدفه إنصاف ذوي المؤهلات الدراسية بمنحهم الدرجات
والمرتبات المقررة لمؤهلاتهم من التاريخ الذي عينه وبالشروط التي حددها، ولم يتضمن
أي نص يمس الدرجات أو المرتبات التي نالها ذوو المؤهلات سواء بطريق الترقية العادية
أو بمنحهم العلاوات الدورية بالتطبيق للقواعد العامة التي كانت تسمح بذلك، فلا يمكن
– والحالة هذه – إهدار هذه المراكز القانونية الذاتية التي كانت تحققت لهم بالتطبيق
لهذه القواعد، ما دام قانون المعادلات الدراسية لم يلغ بالذات هذه المراكز القانونية
الذاتية، وإلا كان ذلك تطبيقاً لهذا القانون بأثر رجعي بدون نص خاص فيه، وهو ما لا
يجوز طبقاً للأصل الدستوري المسلم، وإنما قد يفيد حامل المؤهل من القانون المذكور فيما
لم ينله من مزايا قررها ولم يسبق للموظف أن حصل عليها فعلاً قبل نفاذه؛ لأن القواعد
التنظيمية العامة، قانوناً كانت أو لائحة، قد تفيد الموظف بمزايا في الماضي، ولكن لا
يمكن المساس بما اكتسبه من مراكز قانونية ذاتية بالتطبيق لقانون أو لائحة إلا بنص خاص
في قانون يمس هذه المراكز في الماضي بأثر رجعي، وليس بأداة أدنى من ذلك حسبما سلف إيضاحه.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه، ويكون الطعن –
والحالة هذه – غير قائم على أساس سليم من القانون متعيناً رفضه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً.
