الطعن رقم 759 لسنة 3 ق – جلسة 15 /03 /1958
مجلس الدولة – المكتب الفني – مجموعة المبادئ
القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة – العدد الثاني (من فبراير سنة 1958 إلى آخر مايو سنة 1958) – صـ 967
جلسة 15 من مارس سنة 1958
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.
القضية رقم 759 لسنة 3 القضائية
موظف – ترقيته – الترقية في تسوية الاختيار متروك أمرها لتقدير
الإدارة ما دام قرارها خلا من إساءة استعمال السلطة – متى وضعت الإدارة ضوابط معينة
للاختيار تعين عليها التزامها في التطبيق الفردي – وجوب أن تكون هذه الضوابط مطابقة
للقوانين واللوائح نصاً وروحاً، وإلا كان قرار الترقية مخالفاً للقانون – مثال.
لئن كانت الترقية في نسبة الاختيار متروك أمرها لتقدير الإدارة بما لا معقب عليها ما
دام خلا قرارها من إساءة استعمال السلطة، إلا أنها إذا وضعت لاختيارها ضوابط معينة
وجب عليها مراعاتها في التطبيق الفردي، كما أنه يتعين عليها عند وضع هذه الضوابط أن
تلتزم القوانين واللوائح نصاً وروحاً، وإلا كان قرارها مخالفاً للقانون. فإذا ثبت أن
الضوابط التي وضعتها وزارة التربية والتعليم للترقية في نسبة الاختيار تقوم أساساً
على التفرقة بين حملة المؤهلات العالية؛ إذ جعلت الترقية مقصورة على من يكون من هؤلاء
قد أمضى أربع سنوات في الدراسة بعد شهادة البكالوريا، وبذلك حرمت من الترقية من أمضى
منهم أقل من هذه المدة، ومن هؤلاء خريجو معهد التربية، في حين أن قرارات الإنصاف –
على ما يبين من الكشوف الملحقة بكتاب دوري المالية رقم 234 – 1/ 302 المؤرخ 6 من سبتمبر
سنة 1944 – قد سوت بين حملة تلك المؤهلات جميعها بأن اعتبرتهم في الدرجة السادسة بمرتب
12 ج شهرياً من تاريخ التحاقهم بالخدمة بصرف النظر عن المدة التي يقضونها في الدراسة
بعد حصولهم على البكالوريا؛ ومن ثم تكون الضوابط المذكورة مخالفة لقاعدة المساواة بين
حملة المؤهلات حسبما قررتها قواعد الإنصاف وهي صادرة من سلطة أعلى هي سلطة مجلس الوزراء،
هذا فضلاً عن أن مؤداها هو المساس بأقدميات ذوي الشأن بطريق غير مباشر، بحيث يصبح الأحدث
من حملة مؤهل معين يتقدم على الأقدم من حملة مؤهل بذاته، مع أن قرارات الإنصاف تسوي
بين المؤهلين تماماً حسبما سلف بيانه.
إجراءات الطعن
في 20 من مايو سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة) بجلسة 28 من مارس سنة 1957 في القضية رقم 786 لسنة 9 ق المرفوعة من صالح محمود صالح ضد وزارة التربية والتعليم، القاضي "برفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات" وطلب رئيس هيئة المفوضين – للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن – الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بإلغاء القرار رقم 9692 الصادر في 29 من أكتوبر سنة 1950 فيما احتواه من ترقيات بالاختيار، وإلزام الحكومة بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 31 من يوليه سنة 1957، وللمدعي في أول أغسطس سنة 1957، وعين لنظره جلسة أول فبراير سنة 1958، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات، ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة – حسبما يبين من الأوراق – تتحصل في أنه بصحيفة أودعت
سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 28 من سبتمبر سنة 1954 أقام المدعي الدعوى رقم 786
سنة 9 ق ضد وزارة التربية والتعليم أمام محكمة القضاء الإداري طلب فيها الحكم "بعدم
تأثير قرار الترقيات إلى الدرجة الرابعة الذي صدر في سبتمبر سنة 1950 على أقدمية المدعي
فيها بحيث تصبح راجعة إلى أول أغسطس سنة 1950، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام
الوزارة بالمصروفات..". وقال في بيان ذلك إنه متخرج في معهد التربية العالي نظام الثلاث
سنوات في سنة 1953، وعين بوزارة المعارف في أكتوبر سنة 1936 في وظيفة مدرس بالتعليم
الابتدائي بالدرجة السادسة الفنية، وقد كان ظاهر الامتياز في عمله؛ ولذلك اختارته الوزارة
في سنة 1945 للتدريس بالمدارس الثانوية، واعتباراً من أول مايو سنة 1946 رقي إلى الدرجة
الخامسة، وقد ندبته الوزارة في سنة 1948 للتدريس في معاهد لبنان، وظل ندبه يجدد عاماً
بعد عام إلى أن عاد إلى مصر في يونيه سنة 1954، وكانت الوزارة خلال هذه المدة قد أصدرت
قراراً بترقيته إلى الدرجة الرابعة من أول أكتوبر سنة 1950. وقد علم المدعي أخيراً
وهو في أسوان أن الوزارة أصدرت في سبتمبر سنة 1950 – أي أثناء وجوده في لبنان – حركة
ترقيات إلى الدرجة الرابعة رقي فيها بالاختيار من مدرسي المدارس الثانوية من حصلوا
على مؤهلاتهم العليا في سنة 1935 بشرط أن يكونوا قد رقوا إلى الدرجة الخامسة من أول
مايو سنة 1946، وأن يكون قد مضى على ترقيتهم إلى وظائف مدرسين بالمدارس الثانوية سنة
واحدة، وبشرط أن يكون مؤهلة العالي مما يقتضي الحصول عليه دراسة أربع سنوات بعد البكالوريا،
وقد ترتب على تطبيق الشرط الأخير من هذه القاعدة حرمان طائفة خريجي معهد التربية نظام
الثلاث سنوات من الترقية إلى الدرجة الرابعة، كما علم أن زملاءه بعد أن أخفقوا في حمل
الوزارة على الرجوع عن القاعدة المذكورة وفي مساواتهم بغيرهم من طوائف المعلمين حاملي
المؤهلات العليا لجأ كثير منهم إلى محكمة القضاء الإداري، فأقاموا قضايا بالطعن على
ترقيات الدرجة الرابعة التي صدرت في سبتمبر سنة 1950 وعمل بها اعتباراً من أول أغسطس
سنة 1950 فيما تضمنته من تخطيهم في الترقية بالاختيار إلى الدرجة الرابعة، واستندوا
في طعونهم إلى أن القاعدة التي جرت عليها الوزارة في الترقيات التي تركوا فيها قد وقعت
مخالفة للقانون ومشوبة بعيب الانحراف وسوء استعمال السلطة، وقد قضت المحكمة لصالحهم.
ولما كانت حالة المدعي مماثلة لحالة زملائه الذين قضي لمصلحتهم بإلغاء قرار وزير المعارف
الصادر في سبتمبر سنة 1950 أو بعدم تأثيره على أقدميتهم في الدرجة الرابعة، ولم يحل
بينه وبين الترقية إلى الدرجة الرابعة إلا هذه القاعدة التي وضعها وزير المعارف لحرمان
طائفة خريجي معهد التربية دون سواهم من الترقية إلى الدرجة الرابعة للخلاف الذي كان
قائماً بينه وبين مؤسس المعهد. ولما كان المدعي من سنة 1948 إلى 1954 خارج القطر المصري
ولم تتح له فرصة تتبع القرارات الوزارية، ولم يعلم إلا أخيراً وبطريق الصدفة بما وقع
له ولزملائه من تخط، فإن طعنه هذا يكون مقدماً في موعده حيث لم يمض بعد على علمه بالقرار
الذي وقع له فيه التخطي ستون يوماً. وقد ردت الوزارة على الدعوى بأن المدعي حصل على
دبلوم معهد التربية سنة 1935، وأقدميته في الدرجة السادسة ترجع إلى 8 من أكتوبر سنة
1935 وفي الدرجة الخامسة إلى أول مايو سنة 1946، وفي الدرجة الرابعة إلى أول أكتوبر
سنة 1951. وقد أجريت الترقيات إلى الدرجة الرابعة اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1950
على النحو التالي: ( أ ) رقي بالأقدمية المطلقة من أصحاب المؤهلات العالية المتخرجون
المعينون لغاية 1934 الذين ترجع أقدمياتهم في الدرجة الخامسة إلى أول مايو سنة 1946
وهذه القاعدة لم تنطبق على المدعي لأنه متخرج ومعين سنة 1935 (ب) رقي إلى الدرجة الرابعة
بالاختيار من أصحاب المؤهلات العالية المدرسون بالمدارس الثانوية وما يعادلها الذين
أمضوا سنة دراسية على الأقل في التدريس بهذه المدارس الذين استدعت دراستهم بعد البكالوريا
أربع سنوات من المتخرجين سنة 1935، وكذلك حملة دبلوم الفنون الجميلة سنة 1935 المدرسون
بالمدارس الثانوية ممن ترجع أقدميتهم في الخامسة إلى أول مايو سنة 1946 وهذه القاعدة
لم تنطق على المدعي؛ لأن دراسته بعد البكالوريا استدعت ثلاثة سنوات فقط. وذكرت الوزارة
أنها أرسلت إلى ديوان الموظفين كتاباً شرحت فيه موضوع المدعي وزملائه، وطلبت منه الموافقة
على إرجاع أقدميتهم في الدرجة الرابعة الفنية إلى أول أكتوبر سنة 1950 بدلاً من أول
أكتوبر سنة 1951، وطلبت عرض الموضوع على اللجنة المالية ومجلس الوزراء، وذلك لأن الوزارة
"ترى كما رأت محكمة القضاء الإداري، أن القاعدة التي جرت عليها جاءت مخالفة لقانون
المساواة بين حملة المؤهلات حسبما قررته قواعد الإنصاف، وهي صادرة من سلطة أعلى هي
سلطة مجلس الوزراء"، ثم أشارت الوزارة إلى أن المدعي يطالب بإرجاع أقدميته في الدرجة
الرابعة إلى أول أغسطس سنة 1950، وينوه بأن زملاءه الذين أقاموا الدعاوى السابقة أرجعت
أقدمياتهم في الدرجة الرابعة إلى أول أغسطس سنة 1950، وهذا يخالف الحقيقة؛ إذ أن أقدمية
هؤلاء أرجعت في الدرجة الرابعة إلى أول أكتوبر سنة 1950 وليس إلى أول أغسطس سنة 1950.
وبجلسة 28 من مارس سنة 1950 حكمت المحكمة "برفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات".
وأقامت المحكمة قضاءها بالنسبة لقبول الدعوى على: "إن المادة 12 من القانون رقم 9 لسنة
1949 الخاص بمجلس الدولة – الذي رفعت هذه الدعوى في ظل أحكامه – كانت تقضي بأن ميعاد
رفع الدعوى إلى المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء ستون يوماً تسري من تاريخ نشر القرار
الإداري المطعون فيه أو إعلان صاحب الشأن به" وأن، "القرار المطعون فيه صدر في أول
أكتوبر سنة 1950، إلا أنه لم يثبت في أوراق الدعوى أن ذلك القرار قد نشر أو أعلن به
المدعي حتى يجرى من تاريخ ذلك ميعاد الطعن قانوناً؛ ومن ثم يتعين قبول الدعوى شكلاً"،
وبالنسبة للموضوع على أن "الطعن منصب على القرار الوزاري رقم 9652 الصادر في 29 من
أكتوبر سنة 1950 بالترقية إلى الدرجة الرابعة فيما تضمنه من ترك المدعي في الترقية
بالاختيار، استناداً إلى أن الوزارة عمدت إلى استبعاد طائفة خريجي معهد التربية بالذات
في حركة الترقيات المطعون فيها؛ إذ زادت على القاعدة التنظيمية التي وضعتها قيداً مجحفاً
قصدت به حرمان هذه الطائفة وهو أن يكون المؤهل الذي يحمله المدرس لا ينال إلا بعد دراسة
أربع سنوات بعد البكالوريا، مع أن مؤهل المدعي وأمثاله كان يمنح بعد دراسة ثلاث سنوات
بعد البكالوريا"، وأن "الترقية بالاختيار مردها بحسب مفهوم القوانين واللوائح إلى الجدارة
مع مراعاة الأقدمية، والجدارة صفة ذاتية تلحق الشخص، وهي شتى عناصر وجماع كفاية، وعلى
أساسها تجرى المفاضلة بين المرشحين للترقية"، وأن "جهة الإدارة قد وضعت قاعدة تنظيمية
عامة اتبعتها في الترقية بالاختيار إلى الدرجة الرابعة في القرار المطعون فيه، وهي
أن يرقى من أصحاب المؤهلات العالية المدرسون بالمدارس الثانوية وما يعادلها الذين أمضوا
سنة دراسية على الأقل في التدريس من المتخرجين سنة 1935، وكذاك حملة دبلوم الفنون الجميلة
دفعة 1935 المدرسون بالمدارس الثانوية ممن ترجع أقدميتهم في الدرجة الخامسة إلى أول
مايو سنة 1946"، وأن "لجهة الإدارة استنان ما تراه من قواعد تنظيمية عامة بموجب سلطتها
التقديرية وما تستهدفه من الصالح العام… ما دامت ترعي فيما تضعه وتستنه وجوه الصالح
العام وتلتزمه عند التطبيق الفردي" وأن "الأصل في الاختيار متروك لتقدير الإدارة تترخص
فيه في حدود القوانين واللوائح وما عساه يكون قد وضع من قواعد تنظيمية، بشرط أن يكون
قرارها غير مشوب بعيب إساءة استعمال السلطة" وأنه "إذا ما كانت الوظيفة تتطلب مؤهلات
معينة أو كفاية فنية خاصة أو صفة ذاتية محددة، فإن المفاضلة بين المرشحين ومؤهلاتهم
من خصائص جهة الإدارة، وهي أقدر على إجراء المفاضلة واختيار الأصلح، وإذا لم يثبت أن
القرار المطعون فيه قد انطوى على مخالفة القانون أو القاعدة التنظيمية فلا يكون لهذه
المحكمة أن تعقب عليه إلا لعيب إساءة استعمال السلطة، وما دام أن الوزارة قد وضعت قاعدة
تنظيمية عامة في شأن الترقية إلى الدرجة الرابعة وراعت في ذلك اعتبارات أساسية كان
لها وزنها دائماً عند تقديرها، فإنه لا يجوز للمدعي أن يعترض عليها في حالة تطبيقها
بحكم أقدميته أو كفايته، إذ مناط الترقية أصبح مرهوناً بالقاعدة" وأنه "ما دام أن المدعي
لم يطعن على من تخطوه في الترقية بالاختيار بمطعن ما، ومن ثم يكون مجرد استناده إلى
أن الوزارة فضلت من استدعت دراستهم بعد البكالوريا أربع سنوات على من استغرقت دراستهم
بعد البكالوريا ثلاث سنوات مع توافر باقي الشروط، وذلك في صدد الترقية بالاختيار، لا
يعد في هذا الخصوص بمثابة انتزاع لفوارق بين مؤهل وآخر، إنما هو في الحقيقة ترجيح كفة
المرشح الذي درس أربع سنوات بعد البكالوريا على من درس ثلاث سنوات، وذلك في معرض الجدارة
التي من عناصرها المعرفة والدرس والاستزادة في العلم، ومن ثم فإن ما شرطته الجهة الإدارية
لترجيح كفة من وقع عليهم الاختيار للترقية على النحو السابق بيانه لا يتعارض وقرار
مجلس الوزراء الخاص بتقدير قيمة المؤهلات الذي على أساسه يتم التعيين في الوظائف العامة"،
وأنه "على هذا المقتضى، فإن ما ساقه المدعي في معرض دفاعه غير كاف للدلالة على فساد
عملية الاختيار التي قام على أساسها القرار المطعون فيه للقول بمخالفته للقانون وانطوائه
على سوء استعمال السلطة؛ لأن السلطة الإدارية وهي تجري الموازنة بين كفايات الموظفين
لاختيار أصلحهم، بحسب ما تستخلصه وما تلمسه فيهم من صفات تجعل لهم الأفضلية على غيرهم
في الترقية، إنما تستند في ذلك إلى سلطة تقديرية بحتة، ولا سبيل إلى الطعن على قرارها
في هذا الصدد إلا إذا كان مستنداً إلى وقائع غير صحيحة أو كان الباعث عليه دوافع شخصية،
ولم يقدم المدعي دليلاً على شيء من ذلك، ومن ثم فإن الوزارة لم تكن متجنية ولا منتهجة
نهجاً شاذاً بالنسبة إلى المدعي وطائفته، إذا وضعت قاعدة عامة للترقية وجرت على سنتها
بشروط معينة حددتها والتزمتها لا تعدو أن تكون طريقة مجردة اختارتها الوزارة للكشف
عن صلاحية المرشحين وكفايتهم ولا جناح عليها في ذلك..".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المدعي لم يرق بالاختيار لأن شرطاً من شرائط القاعدة
التي وضعتها الوزارة لم تتوافر في حالته، وهو أن يكون المؤهل الحاصل عليه قد استغرق
دراسة أربع سنوات بعد البكالوريا، في حين أن مؤهل المدعي (دبلوم معهد التربية الابتدائي)
لم يستغرق دراسة بعد البكالوريا سوى ثلاث سنوات، وقد سبق أن أصدرت محكمة القضاء الإداري
العديد من أحكامها في هذه الخصوصية بالذات، وانتهت إلى بطلان قرار الترقية لقيامه على
قاعدة مخالفة للقانون. وبعد أن أوردت صحيفة الطعن بعض أسباب هذه الأحكام، قالت إنه
ترتيباً على ما تقدم، لا يكون الاختيار للترقية بالقرار المطعون فيه قد قام على أصول
وضوابط سليمة، وإنما قام على أصول وضوابط مخالفة لقاعدة أعلى صادرة من مجلس الوزراء،
وهي قاعدة سوت بين حملة المؤهلات العالية ومن بينها دبلوم معهد التربية الابتدائي.
وإذا ما قيل بأن هذه التسوية كانت بصدد التعيين لا بصدد الترقية، فإن ارتكاز القاعدة
التنظيمية بصفة أصلية على المؤهل لا يؤدي حتماً إلى انتقاء أكفأ الموظفين لشغل الدرجات
الأعلى، وإذا صح أن يدخل المؤهل كعنصر من عناصر التقدير فالذي لا يصح هو اعتباره العنصر
الأساسي لتقدير الكفاية، إذا الكفاية مجموع عناصر تختص بالعمل ذاته والقدرة عليه، وعلى
ذلك فالقاعدة إذا استندت على التفرقة بين مؤهل وآخر تكون باطلة، ووجه البطلان، إن لم
يكن مخالفة قاعدة أعلى هي الواردة بقرار سنة 1944، فإنه يكون مخالفة طبيعة عملية الاختيار
ذاتها التي تهدف إلى انتقاء أكفأ الموظفين في العمل للترقي إلى الدرجات الأعلى؛ ومن
ثم يفسد الاختيار، ويكون القرار الصادر على أساسه باطلاً لمخالفته للقانون أو للانحراف
عن الغرض، مما يتعين معه المطالبة بإلغاء هذا القرار فيما تضمنه من ترقيات الاختيار،
وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتفسيره.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن وزارة التربية والتعليم أجرت في أكتوبر سنة 1950 حركة
ترقيات إلى الدرجة الرابعة اتبعت فيها القاعدتين التاليتين: (الأولى) أن يرقى بالأقدمية
المطلقة من أصحاب المؤهلات العالية المتخرجون المعينون لغاية سنة 1934 الذين ترجع أقدمياتهم
في الدرجة الخامسة إلى أول مايو سنة 1946. (الثانية) أن يرقى إلى الدرجة الرابعة بالاختيار
من أصحاب المؤهلات العالية المدرسون بالمدارس الثانوية وما يعادلها الذين أمضوا سنة
دراسية على الأقل في التدريس بهذه المدارس الذين استدعت دراستهم بعد البكالوريا أربع
سنوات من المتخرجين سنة 1935، وكذلك حملة دبلوم الفنون الجميلة سنة 1935 المدرسون بالمدارس
الثانوية ممن ترجع أقدميتهم في الدرجة الخامسة إلى أول مايو سنة 1946. ولم يرق من خريجي
معهد التربية أحد في هذه الحركة، لأن دراستهم بعد البكالوريا استدعت ثلاث سنوات مع
توافر باقي الشروط في حقهم. وفي أكتوبر سنة 1951 رقي جميع خريجي المعهد المذكور الذين
سبق أن تخطوا في حركة أكتوبر سنة 1950 إلى الدرجة الرابعة، وكان بعض خريجي ذلك المعهد
قد رفعوا دعاوى أمام محكمة القضاء الإداري ضد الوزارة بالطعن في قرار ترقيات أكتوبر
سنة 1950 فيما تضمنه من تخطيهم في الترقية إلى الدرجة الرابعة، استناداً إلى أن القاعدة
التي جرت عليها الوزارة في الترقية بالاختيار وقعت مخالفة للقانون ومشوبة بعيب الانحراف
وسوء استعمال السلطة، وطلبوا أحقيتهم في الترقية إلى الدرجة الرابعة من أول أكتوبر
سنة 1950، فقضي في هذه الدعاوى لصالحهم. طالب بعض من لم تصدر لهم أحكام بعد بتسوية
حالتهم أسوة بحالة زملائهم الذين حكم لصالحهم وسويت حالتهم فعلاً، فأرسلت الوزارة كتاباً
إلى رئيس ديوان الموظفين استهلته بالإشارة إلى قواعد الترقية التي وضعتها الوزارة للترقيات
إلى الدرجة الرابعة في ميزانية 1950/ 1951، ثم قالت "وبذلك لم يرق أحد بالاختيار من
المدرسين خريجي معهد التربية الابتدائي سنة 1935، الذين ترجع أقدميتهم في الخامسة إلى
أول مايو سنة 1946، ويبلغ عددهم حوالي الـ 45 إلى الدرجة الرابعة الفنية اعتباراً من
أول أكتوبر سنة 1950 في ميزانية 1950/ 1951". ثم ذكرت الوزارة أن هؤلاء الـ 45 رقوا
جميعاً إلى الدرجة الرابعة اعتباراً من أكتوبر سنة 1951، وقالت "أصدرت محكمة القضاء
الإداري بمجلس الدولة حكمها لبعض الحاصلين على دبلوم معهد التربية الابتدائي دفعة سنة
1935 بأحقيتهم في الترقية إلى الدرجة الرابعة الفنية اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1950.
ولما كانت الوزارة ترى – كما رأت محكمة القضاء الإداري في حيثيات الحكم – أن القاعدة
(ب) سالفة الذكر جاءت مخالفة لقانون المساواة بين حملة المؤهلات حسبما قررتها قواعد
الإنصاف، وهي صادرة من سلطة أعلى هي سلطة مجلس الوزراء، لذلك نرجو الموافقة على إرجاع
أقدمية هؤلاء الموظفين في الدرجة الرابعة الفنية إلى أول أكتوبر سنة 1950 بدلاً من
أول أكتوبر سنة 1951، وعرض الموضوع على اللجنة المالية ومجلس الوزراء لإقراره". كما
أرسل السيد الوزير صورة أخرى من ذلك الكتاب إلى السيد رئيس مجلس الوزراء طالباً الموافقة
على إرجاع أقدمية هؤلاء الموظفين إلى أول أكتوبر سنة 1950.
ومن حيث إنه لا خلاف بين المدعي والوزارة على وقائع الدعوى، ولا على أن سبب تخطي المدعي
في الترقية إلى الدرجة الرابعة بالاختيار في الحركة التي أجريت في أكتوبر سنة 1950
هو عدم انطباق القاعدة الثانية التي وضعتها الوزارة والتي سبقت الإشارة إليها؛ لأن
دراسته بعد البكالوريا استدعت ثلاث سنوات.
ومن حيث إنه ولئن كانت الترقية في نسبة الاختيار متروك أمرها لتقدير الإدارة بما لا
معقب عليها، ما دام خلا قرارها من إساءة استعمال السلطة، إلا أنها إذا وضعت لاختيارها
ضوابط معينة وجب عليها مراعاتها في التطبيق الفردي، كما أنه يتعين عليها عند وضع هذه
الضوابط أن تلتزم القوانين واللوائح نصاً وروحاً، وإلا كان قرارها مخالفاً للقانون.
ومن حيث إن الضوابط التي وضعتها وزارة التربية والتعليم للترقية في نسبة الاختيار تقوم
أساساً على التفرقة بين حملة المؤهلات العالية، إذ جعلت الترقية مقصورة على من يكون
من هؤلاء قد أمضى أربع سنوات في الدراسة بعد شهادة البكالوريا، وبذلك حرمت من الترقية
من أمضى منهم أقل من هذه المدة، ومن هؤلاء خريجو معهد التربية الذي تخرج فيه المدعي،
في حين أن قرارات الإنصاف – على ما يبين من الكشوف الملحقة بكتاب دوري المالية رقم
234 – 1/ 302 المؤرخ في 6 من سبتمبر سنة 1944 – قد سوت بين حملة تلك المؤهلات جميعها،
بأن اعتبرتهم في الدرجة السادسة بمرتب 12 ج شهرياً من تاريخ التحاقهم بالخدمة بصرف
النظر عن المدة التي يقضونها في الدراسة بعد حصولهم على البكالوريا؛ ومن ثم تكون الضوابط
المذكورة مخالفة لقاعدة المساواة بين حملة المؤهلات حسبما قررتها قواعد الإنصاف. وهي
صادرة من سلطة أعلى هي سلطة مجلس الوزراء، هذا فضلاً عن أن مؤداها هو المساس بأقدميات
ذوي الشأن بطريق غير مباشر، بحيث يصبح الأحدث من حملة مؤهل معين يتقدم على الأقدم من
حملة مؤهل بذاته، مع أن قرارات الإنصاف تسوي بين المؤهلين تماماً حسبما سلف بيانه؛
ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد وقع مخالفاً للقانون ويتعين إلغاؤه. ولما كانت المنازعة،
بعد ترقية المدعي إلى الدرجة الرابعة في أول أكتوبر سنة 1951، قد أصبحت محصورة في ترتيب
أقدميته بين أقرانه، فيجب إلغاء قرار الترقية المطعون فيه إلغاء جزئياً في هذا الخصوص،
ورد الأمر إلى نصابه القانوني على الوجه المبين في المنطوق.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وباعتبار أقدمية المدعي في الدرجة الرابعة الفنية راجعة إلى أول أكتوبر سنة 1950، وألزمت الحكومة بالمصروفات.
