الطعن رقم 408 سنة 22 ق – جلسة 31 /05 /1956
أحكام النقض – المكتب الفنى – مدنى
العدد الثانى – السنة 7 – صـ 642
جلسة 31 من مايو سنة 1956
برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: محمد فؤاد جابر، ومحمد عبد الرحمن يوسف، وأحمد قوشه، وابراهيم عثمان يوسف المستشارين.
القضية رقم 408 سنة 22 القضائية
( أ ) مسئولية. إثبات. قوة قاهرة. مسئولية أمين النقل. ترتبها فى
ذمته عند عدم قيامه بتسليم البضاعة إلى المرسل إليه وعدم درء هذه المسئولية عنه إلا
باثباته أن عدم التسليم أو الضياع راجع لسبب قهرى. شرط ذلك. المادة 104 تجارى.
(ب) مسئولية. تقادم. إثبات. مسئولية أمين النقل. رفع دعواها بعد مدة التقادم القصير
المحددة فى المادة 104 تجارى. تمسك أمين النقل بهذا التقادم. التزام المرسل باثبات
وقوع غش أو خيانة من الأمين أو عماله أدى إلى ضياع البضاعة وذلك لتفادى الحكم بسقوط
حقه بالتقادم المذكور. ماهية المسئولية فى هذه الحالة.
(ج) تقادم. مسئولية أمين النقل. متى يبدأ ميعاد التقادم القصير المحدد بالمادة 104
تجارى؟
(د) تقادم. مسئولية أمين النقل. اعتبار المدة المنصوص عليها فى المادة 104 تجارى مدة
تقادم. سريان أحكام الانقطاع والتنازل عليها. شرط ذلك.
1 – مسئولية أمين النقل هى مسئولية تعاقدية فإذا لم يقم بتسليم البضاعة إلى المرسل
إليه كان مسئولا عن نتيجة إخلاله بالتزامه ولا يدرأ عنه هذه المسئولية إلا أن يثبت
أن عدم تسليم البضاعة أو ضياعها يرجع لسبب قهرى لا يد له فيه وإنما ذلك مشروط بأن ترفع
على أمين النقل دعوى المسئولية فى غضون المدة التى حددها قانون التجارة فى المادة 104.
2 – إذا رفعت دعوى المسئولية على أمين النقل بعد المدة المحددة فى المادة 104 من القانون
التجارى وتمسك أمين النقل بالتقادم القصير الذى تقرره هذه المادة فعلى المرسل إذا أراد
أن يتفادى الحكم بسقوط حقه بهذا التقادم أن يقيم هو الدليل على أن ضياع البضاعة كان
مرجعه غشا أو خيانة وقعت من جانب أمين النقل أو عماله إذ أن مسئولية أمين النقل فى
هذه الحالة ليست مسئولية تعاقدية بل مسئولية خطئية قوامها الخطأ المدعى به عليه.
3 – يبدأ ميعاد التقادم القصير الذى تقرره المادة 104 من قانون التجارة فى دعوى مسئولية
أمين النقل من التاريخ الذى يجب أن يتم فيه النقل.
4 – إنه وإن كانت المدة التى نصت عليها المادة 104 من قانون التجارة هى مدة تقادم يجرى
عليها أحكام الانقطاع وأحكام التنازل إلا أن شرط ذلك أن يكون الاقرار المدعى به كسبب
للانقطاع أو التنازل قد تضمن اعترافا بحق صاحب البضاعة فى التعويض وبالمسئولية عن فقدها
– على ما جرى به قضاء هذه المحكمة. ولا يعد كذلك الكتاب المرسل من أمين النقل إلى المرسل
إليه إذا كان مفاده الوعد ببحث شكوى المرسل إليه وتحرى حقيقة الأمر فيها.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار
المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل فى أن
المطعون عليه رفع على الطاعن الدعوى رقم 691 سنة 1948 المنيا الجزئية بعريضة أعلنت
إليه فى 8 من فبراير سنة 1948 طالبا الحكم بإلزامه بأن يدفع له مبلغ 127 جنيها و500
مليم…. وقال شرحا لدعواه إنه فى يوم 13 من مارس سنة 1947 شحن من محطة مغاغه مائتى
قنطار من البصل إلى محطة القبارى برسم بنك باركليز واستلم بوليسة الشحن بعد أن دفع
أجر النقل وفى يوم 24 من أبريل سنة 1947 علم أن البضاعة لم تصل إلى المرسل إليه فأرسل
فى يوم 26 من أبريل شكوى إلى إدارة البضائع وورد إليه الرد فى 29 من أبريل بأن الإدارة
ستتحرى الأمر وتتخذ اللازم وفى يوم 22 من مايو سنة 1947 أرسل المطعون عليه إلى الطاعن
إنذارا يطالبه فيه بثمن البضاعة وقدره 127 جنيها و500 مليم فدفع الطاعن بسقوط الحق
فى رفع الدعوى إذ لم ترفع فى خلال 180 يوما وفقا لنص المادة 104 من القانون التجارى
وفى يوم 27 من ديسمبر سنة 1948 قضت المحكمة تمهيديا وقبل الفصل فى الموضوع بإحالة الدعوى
إلى التحقيق ليثبت المدعى عليه – الطاعن – بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة أن غشا
أو خيانة أو تقصيرا فاحشا لم يقع من أحد أعوانه مستقلا أو بالاشتراك مع غيره ولينفى
المدعى – المطعون عليه – ذلك ولكن المحكمة لم تنفذ هذا الحكم ثم قضت فى 8 من يناير
سنة 1951 بقبول الدفع وبسقوط الدعوى فاستأنف المطعون عليه هذا الحكم وقيد الاستئناف
برقم 123 سنة 51 المنيا وفى 15 من يونيه سنة 1952 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف
وإلزام الطاعن بأن يدفع إلى المطعون عليه مبلغ 127 جنيها و500 مليم… فقرر الطاعن
الطعن فى هذا الحكم بطريق النقض وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون ولم يحضر المطعون
عليه وأبدت النيابة الرأى بقبول السبب الأول من أسباب الطعن ونقض الحكم وقررت المحكمة
إحالة الطعن إلى الدائرة المدنية لنظره بجلسة 26 من أبريل سنة 1956.
ومن حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه بالسبب الأول مخالفة القانون والخطأ
فى تطبيقه من وجهين يتحصل الأول منهما أنه أى الطاعن دفع بسقوط حق المطعون عليه فى
رفع الدعوى إذ لم يرفعها فى خلال 180 يوما طبقا لنص المادة 104 من قانون التجارة التى
تنص على "أن كل دعوى على الوكيل بالعمولة وعلى أمين النقل بسبب للتأخر فى نقل البضائع
أو بسبب ضياعها أو تلفها تسقط بمضى مائة وثمانين يوما… ويبتدئ الميعاد المذكور من
اليوم الذى وجب فيه نقل البضائع… وذلك مع عدم صرف النظر عما يوجد من الغش أو الخيانه"
فقضت محكمة أول درجة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعن بكافة الطرق القانونية
بما فيها البينة أن غشا أو خيانة أو تقصيرا لم يقع من أحد أعوانه مستقلا أو بالاشتراك
مع غيره ولينفى المطعون عليه بالطرق عينها ما يثبته الطاعن وأسست قضاءها هذا على أنه
إذا كان لأمين النقل أن يتمسك بالتقادم المنصوص عليه فى المادة 104 سالفة الذكر وهو
مدة تقادم فرضها القانون فإن عليه أن يثبت انتفاء احدى الحالتين المستثناتين من حكمها
ولكن المحكمة لم تنفذ هذا الحكم وقضت فى الدعوى بقبول الدفع بسقوط الحق فى رفع الدعوى
وقد أقرها الحكم المطعون فيه على أن الطاعن هو المكلف بإثبات انتفاء الغش أو خيانة
الأمانة ونعى عليها عدم تنفيذها لحكمها التمهيدى ولكنه بدوره وقع فيما نعاه عليها فلم
يقم بتنفيذ شئ مما قضى به ذلك الحكم ثم قضى برفض الدفع وبمسئولية الطاعن استنادا إلى
أنه أخطأ خطأ جسيما بعدم توصيل البضائع وأن خطأه الجسيم هذا مساو للغش وخيانة الأمانة
سواء بسواء، ويقول الطاعن إن وجه مخالفة ذلك للقانون هو أن المادة 104 من قانون التجارة
خولت له أن يتمسك بسقوط حق المطعون عليه فى رفع الدعوى إذا لم يرفعها فى خلال مدة الـ
180 يوما ما لم يثبت أنه وقع منه غش أو خيانة أمانة وهما ليسا مفروضين فى جانبه فعلى
من يدعى قيام أحدهما أو كليهما أن يقيم الدليل على ما يدعيه طبقا للقواعد العامة للاثبات
ولكن محكمة أول درجة قلبت هذه القواعد ونقلت عبء الإثبات من كاهل المطعون عليه إلى
كاهله وبدلا من أن يصحح الحكم المطعون فيه هذا الخطأ بالرجوع إلى القاعدة الصحيحة وتكليف
المطعون عليه بإثبات ما يدعيه أقر محكمة أول درجة على خطئها ثم أقام قضاءه برفض الدفع
بالسقوط وبمسئولية الطاعن على أنه عجز عن إثبات انتفاء الغش أو خيانة الأمانة وعلى
أنه أخطأ خطأ جسيما بعدم توصيل البضاعة مع أن حالة العجز عن الإثبات لا تستبين إلا
عند تنفيذ الحكم الذى قضى به وهذا الحكم لم ينفذ على الإطلاق كما أن عدم توصيل البضاعة
لا يحمل فى ذاته معنى الخطأ الموجب لمسئوليته.
ومن حيث إن هذا النعى فى محله ذلك أن مسئولية أمين النقل هى مسئولية تعاقدية فإذا لم
يقم بتسليم البضاعة إلى المرسل إليه كان مسئولا عن نتيجة إخلاله بالتزامه ولا يدرأ
عنه هذه المسئولية إلا أن يثبت أن عدم تسليم البضاعة (أو ضياعها) يرجع لسبب قهرى لا
يد له فيه، وإنما ذلك مشروط بأن ترفع على أمين النقل دعوى المسئولية فى غضون المدة
التى حددها قانون التجارة فى المادة 104 أى فى مدى 18 يوما فى حالة النقل الداخلى تبدأ
من التاريخ الذى كان يجب أن يتم فيه النقل، أما إذا رفعت بعد ذلك وتمسك أمين النقل
بالتقادم القصير الذى تقرره المادة 104 فعلى المرسل إذا أراد أن يتفادى الحكم بسقوط
حقه بهذا التقادم الذى تقرره المادة 104 أن يقيم هو الدليل على أن ضياع البضاعة كان
مرجعه غشا أو خيانة وقع من جانب أمين النقل أو عماله ولا يسوغ أن يكلف أمين النقل الذى
رفعت عليه الدعوى بعد انقضاء الأجل المحدد فى المادة 104 والذى يتمسك بالتقادم بإثبات
أن الضياع لم يكن مرجعه غشا أو خيانة وقع من جانبه ذلك لأن مسئولية أمين النقل فى هذه
الحالة ليست مسئولية تعاقدية بل مسئولية خطئية قوامها الخطأ المدعى به على أمين النقل
والبينة على من ادعى، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ فى تطبيق القانون إذ أقر
الحكم الصادر من محكمة أول درجة الذى نقل عبء الإثبات من كاهل المطعون عليه إلى الطاعن.
ومن حيث إن الوجه الآخر يتحصل فى أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه فى الدفع بالسقوط
على أساس أن المدة المنصوص عليها فى المادة 104 من قانون التجارة هى مدة تقادم وأن
الطاعن تنازل عن التمسك بهذا التقادم بالكتاب الذى أرسله إلى المطعون عليه والذى وعده
فيه بأنه سيبحث فى أمر عدم وصول البضاعة ووجه مخالفة القانون فى ذلك هو أن تلك المدة
هى مدة سقوط لا يرد عليها الوقف ولا الانقطاع وإنما تظل مستمرة حتى تنقضى وينقضى معها
الحق فى رفع الدعوى وحتى على فرض اعتبارها مدة تقادم فإن الذى يقطع التقادم فعلا إنما
هو الاقرار المتضمن الاعتراف بأصل الحق بحيث يمكن أن يحمل على أنه تنازل صريح عن التمسك
بالتقادم والوعد الذى صدر من الطاعن ردا على شكوى المطعون عليه لا ينطوى على أى معنى
من معانى الاقرار.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه إنه إذ تحدث عن تنازل الطاعن عن
التمسك بالتقادم قال "ومن حيث إنه بخصوص هذه الدعوى فقد سلف القول بأنه ليس للمستأنف
عليه – الطاعن – بعد أن عجز عن إثبات ما قضى به حكم التحقيق أن يتمسك بالتقادم وذلك
فضلا عن أن المحكمة تراه قد تنازل عن طلبه من قيام مأمور البضائع بالرد على شكوى المستأنف
– المطعون عليه – ووعده إياه ببحثها وتحرى حقيقة الأمر" – وهذا الذى ذهب إليه الحكم
غير صحيح فى القانون، ذلك أنه وإن كانت المدة التى نصت عليها المادة 104 من قانون التجارة
هى مدة تقادم يجرى عليه أحكام الانقطاع وأحكام التنازل إلا أن شرط ذلك أن يكون الاقرار
المدعى به كسبب للانقطاع أو التنازل قد تضمن اعترافا بحق صاحب البضاعة فى التعويض وبالمسئولية
عن فقدها وعلى ذلك جرى قضاء هذه المحكمة (الطعن رقم 338 سنة 21 القضائية بتاريخ 5 من
نوفمبر سنة 1953) ولما كان الكتاب المرسل من مأمور البضائع إلى المطعون عليه والذى
اعتبره الحكم المطعون فيه تنازلا عن التمسك بالتقادم لا يتضمن اعترافا بالحق فى التعويض
أو بالمسئولية عن فقد البضاعة بل كل ما تضمنه على ما جاء بالحكم المطعون فيه هو الوعد
"ببحث شكوى المطعون عليه وتحرى حقيقة الأمر" لما كان ذلك يكون الحكم المطعون فيه قد
فسر الخطاب بما لا تحتمله عبارته.
ومن حيث إنه يبين من ذلك أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ فى تطبيق القانون خطأ موجبا
نقضه دون حاجة إلى بحث باقى الأسباب.
