الطعن رقم 369 سنة 22 ق – جلسة 12 /04 /1956
أحكام النقض – المكتب الفنى – مدنى
العدد الثانى – السنة 7 – صـ 522
جلسة 12 من ابريل سنة 1956
برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: محمد عبد الرحمن يوسف، ومحمد عبد الواحد على، ومحمد متولى عتلم، وابراهيم عثمان يوسف المستشارين.
القضية رقم 369 سنة 22 القضائية
( أ ) تحكيم. التحكيم فى الخارج على يد أشخاص غير مصريين. غير ممتنع.
المواد 702 – 727 مرافعات قديم.
(ب) تحكيم. الاتفاق على محكمين يقيمون فى الخارج ويصدرون أحكامهم هناك. أمر لا يمس
النظام العام. المادة 841 مرافعات جديد.
1 – لم يأت فى نصوص المواد 702 – 727 من قانون المرافعات القديم ما يمنع من أن يكون
التحكيم فى الخارج على يد أشخاص غير مصريين لأن حكمة تشريع التحكيم تنحصر فى أن طرفى
الخصومة يريدان بمحض إرادتهما واتفاقهما تفويض أشخاص ليس لهم ولاية القضاء أن يقضوا
بينهما أو يحسموا النزاع بحكم أو بصلح يقبلان شروطه – فرضاء طرفى الخصومة هو أساس التحكيم
– وكما يجوز لهما الصلح بدون وساطة أحد فإنه يجوز لهما تفويض غيرهم فى إجراء ذلك الصلح
أو فى الحكم فى ذلك النزاع ويستوى أن يكون المحكمون فى مصر وأن يجرى التحكيم فيها أو
أن يكونوا موجودين فى الخارج وأن يصدروا حكمهم هناك.
2 – المستفاد من المادة 841 من قانون المرافعات الجديد التى أوجبت أن يصدر حكم المحكمين
فى مصر وإلا اتبعت فى شأنه القواعد المقررة للأحكام الصادرة فى بلد أجنبى – المستفاد
من ذلك أن المشرع المصرى لا يرى فى الاتفاق على محكمين يقيمون فى الخارج ويصدرون أحكامهم
هناك أمرا يمس النظام العام.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار
المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
… ومن حيث إن وقائع هذا الطعن – حسبما يبين من الأوراق تتحصل فى أن الطاعنة اشترت
فى 23 من نوفمبر سنة 1946 من المطعون عليها طنين ونصفا من شاى جاوه الذى وصف فى العقد:
"Thé
de Java Broken Crange pekoe anceinstock "Undamaged بثمن قدره 6 شلن و8 بنس 933 جنيها
تسليم (سيف) بور سعيد ودفعت نصف الثمن مقدما وتعهدت بدفع باقى الثمن عند تسليم مستندات
الشحن وقد تسلمتها بالفعل وأوفت بالثمن كاملا ولكنها عند شروعها فى استلام البضاعة
تبينت أنها تالفة ومتعفنة ولا تصلح للاستعمال فكتبت إلى المطعون عليها تبلغها وتطلب
إليها رد الثمن واستمرت المكاتبات بينهما فترة ولم تسفر عن شئ، فلجأت الطاعنة إلى القاضى
المستعجل بمحكمة الاسكندرية المختلطة وطلبت ندب خبير لمعاينة البضاعة بمخازن جمرك بور
سعيد وإثبات حالتها – ولكن المطعون عليها دفعت بعدم الاختصاص متمسكة بالشرط الوارد
فى العقد وأنه يجعل الفصل فى النزاع من اختصاص المحكمين ونصه: "كل مطالبة أو منازعة
بخصوص نوع البضاعة أو حالتها أو وزنها أو مواعيد الشحن أو آثار العقد وتفسيره تسوى
بالتحكيم فى المكان الموضح خلفه – ويجب أن تصل طلبات التحكيم إلى المطعون عليه بالاسكندرية
بمجرد وصول البضاعة فى الميناء – ولا يلتفت إلى هذه الطلبات إلا إذا كانت البضاعة موجودة
فى الجمرك وبحالتها الأصلية" ثم توضح بالجهة الأخرى من العقد أن "التحكيم يكون فى لندن
بواسطة سماسرة من "لندن Mais qualité telle – quelle" ثم طلبت المطعون عليها من باب
الاحتياط أن يحتفظ الخبير بعينات من الشاى لإرسالها فيما بعد إلى المحكمين – وبجلسة
31/ 5/ 1947 قضت المحكمة بندب الخبير كابيللو لمعاينة البضاعة بمخازن جمرك بور سعيد
لإثبات حالتها وبيعها – فباشر الخبير مأموريته وأودع تقريرا انتهى فيه إلى أن الشاى
متعفن وغير صالح للاستعمال ثم باعه بالفعل بمبلغ عشرين جنيها واحتفظ بعينات جعلها تحت
تصرف المحكمة وطرفى الخصومة عقب ذلك أقامت الطاعنة الدعوى الحالية فى 14/ 10/ 1947
أمام المحكمة التجارية الابتدائية المختلطة (94 سنة 73 ق) ثم أحليت بعد إلغاء المحاكم
المختلطة إلى محكمة الاسكندرية الابتدائية وقيدت برقم 1166 سنة 1949 تجارى كلى وطلبت
فيها الحكم بفسخ عقد البيع وبالزام المطعون عليها بأن تدفع إليها مبلغ 1400 جنيه أو
1365 جنيها قيمة ما دفعته من الثمن وما فاتها من الربح بعد خصم مبلغ العشرين جنيها
المتحصلة من بيع الشاى مع الفوائد والمصاريف فدفعت المطعون عليها بعدم الاختصاص للسبب
السابق بيانه – وبجلسة 22/ 5/ 1950 قضت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وألزمت الطاعنة
بالمصروفات والأتعاب. استأنفت الطاعنة هذا الحكم أمام محكمة استئناف الاسكندرية وقيد
برقم 174 سنة 6 ق. وبجلسة 28/ 4/ 1952 قضت المحكمة بقبول الاستئناف شكلا وبرفضه موضوعا
وبتأييد الحكم المستأنف وألزمت الطاعنة بالمصروفات والأتعاب. فطعنت الطاعنة فى هذا
الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله
والفساد فى الاستدلال والاستنتاج من خمسة أوجه: الوجه الأول – كان لزاما على المحكمة
قبل نظر الدفع بعدم الاختصاص أن تفصل أولا فى طلب بطلان عقد البيع أو فسخه لأن الطاعنة
بنت دعواها على أساسين هما: إخلال المطعون عليها بالتزاماتها التعاقدية ثم استعمالها
الغش باصطناعها صناديق خاصة لإخفاء غشها للشاى (التالف والمتعفن والغير صالح للاستعمال)
– ومتى استبانت المحكمة صحة هذه الأسس قطعت فى أن العقد منهار من أساسه بما فيه شرط
التحكيم ثم استحال عليها بعد ذلك النظر فى الدفع، الوجه الثانى – إن شرط التحكيم على
الوضع الثابت فى العقد باطل بطلانا مطلقا ومن النظام العام – لأن العقد تم بين شركتين
مقيمتين بالقطر المصرى على بضاعة واردة من جاوه ومتفق على تسليمها فى بور سعيد ويستحيل
على محكمين يقيمون فى لندن أن يعاينوا بضاعة ليست حاضرة أمامهم فلذلك ولأن العقد اشترط
معاينتها بجمرك بور سعيد وقد خرجت منه وبيعت إلى الغير وتسليمها، فحكم المحكمين بعد
ذلك وبغير معاينة لن تتحقق فيه العدالة أو النزاهة التى يهدف إليها القانون، وفضلا
عن ذلك كله فإن قبول التحكيم فى الخارج هو كقبول اختصاص محكمة أجنبية للفصل فى نزاع
من اختصاص المحاكم المصرية مما يعتبر افتئاتا على سيادة الدولة وخروجا على النظام العام
(المادة 3 مرافعات). الوجه الثالث – أعملت المحكمة شرط التحكيم بعد تنازل المطعون عليها
عن التمسك بهذا الشرط فى جميع المكاتبات المتبادلة بين الطرفين – ولم تشرع فى اتخاذ
إجراءات التحكيم بمجرد قيام النزاع على ما يقضى به العقد، وقد جرى القضاء على أن لطرفى
العقد العدول عن التحكيم ما دام أن واحدا منهما لم يتخذ أى خطوة فى سبيل التنفيذ، وفى
هذه الدعوى بالذات فإن الطاعنة صرحت بأنها لا تريد التحكيم ولا تتمسك به. الوجه الرابع
– لم يشتمل شرط التحكيم على واقعة الغش – ويقضى القانون بحصر التحكيم فى نطاق أوجه
النزاع المتفق على عرضها على المحكمين فما يخرج منها عن ذلك النطاق المحدد لا يسرى
عليه شرط التحكيم. الوجه الخامس – استبعدت مشارطة التحكيم (المكتوبة) البحث فى نوع
البضاعة – Mais qualité tell quelle والنزاع القائم يدور حول هذه المسألة بالذات وما
دام أن التحكيم لا يشملها بنصه الصريح فإن الاختصاص يبقى ثابتا للمحاكم العادية المختصة
ويكون الحكم بعدم الاختصاص غير مطابق للقانون ويكون تفسير الحكم المطعون فيه لنصوص
العقد غير صحيح ويخالف الثابت فيه.
ومن حيث إن هذا السبب مردود فى جميع وجوهه بما قرره الحكم الابتدائى فى أسبابه التى
أخذ بها الحكم المطعون فيه حيث يقول: "وحيث إن شرط التحكيم حائز فى القوانين المصرية
التى أفردت له بابا خاصا فى قانون المرافعات وليس فيه افتيات على سلطان القضاء حتى
ولو اتفق الطرفان المتعاقدان على إجراء التحكيم فى الخارج لأنهما لا يستبدلان بالمحاكم
المصرية محاكم أخرى – وإنما يحتكمان إلى هيئة تستمد منها سلطانها لا من قانون أجنبى
– كما إنه ليس فى القانون المصرى أى نص يحول دون إجازة هذا الاختيار أيا كان المكان
الذى يجرى فيه التحكيم والهيئة التى يعهد به إليها – والتحكيم فى هذه الدعوى متفق عليه
بين الطرفين بشرط صريح ملزم لهما وقد تمسكت المدعى عليها (المطعون عليها) بشرط التحكيم
المشاد إليه منذ كان النزاع مطروحا على القضاء المستعجل فى دعوى إثبات الحالة – وطلبت
أمامه فى حالة قبول طلب الطاعنة بندب خبير أن يكلف ذلك الخبير بالاحتفاظ بعينة من الشاى
لتكون محل فحص المحكمين وقد فعل وفى ذلك ما يكفى للرد على ما ذهبت إليه الطاعنة من
أن المطعون عليها نزلت عن شرط التحكيم – ولا يغير من ذلك أنه وردت فى العقد بعدم قبول
التحكيم فى لندن عبارة Mais qualité tell – quelle لأن البند الذى تضمن شروط التحكيم
وظروفه قد نص على شمول التحكيم صفة البضاعة qualité de la Marchandise فلا محل لتحميل
العبارة الأولى أكثر من معانى ألفاظها بعد أن تكررت كلمة qualité فى بند التحكيم الثانى"
ثم أضافت محكمة الاستئناف فى حكمها المطعون فيه أسبابا أخرى قالت فيها "ليس صحيحا القول
بأن المطلوب فى الدعوى هو بطلان العقد وأن هذا الطلب يخرج من اختصاص المحكمين لتناوله
العقد من أساسه بما فيه من شرط التحكيم – لأن المطلوب هو فسخ العقد ارتكانا على الادعاء
بتوريد بضاعة تختلف صفتها أو حالتها عن المتفق عليه – وفى هذه الحالة لا يوجد مانع
من تنفيذ شرط التحكيم المتفق عليه ما دام أن صفة البضاعة – وهى المسألة المتنازع عليها
– داخلة فى اختصاص المحكمين باتفاق الطرفين رغم عدم تناولها فى المكاتبات المتبادلة
بين الطرفين والتى سبقت الدعوى – لأن تلك المكاتبات لم تكن سوى مرحلة تمهيدية قصد بها
تسوية النزاع وديا – ولا يوجد أساس لقول الطاعنة بأن عدم تنفيذ شرط التحكيم حتى الآن
مما يسمح بالعدول عنه خصوصا وأن عدم الالتجاء إلى المحكمين إنما يرجع إلى سلوك الطاعنة
التى لجأت إلى القضاء مباشرة رغم تمسك المطعون عليها بالتحكيم – وقد قطع الخبير فى
أن الشاى المبيع هو من نفس البضاعة المتفق عليها والنزاع على صفته وحالته يدخل فى اختصاص
المحكمين حسب شروط العقد – ولا يغير من ذلك خروج الشاى من جمرك بور سعيد لأن ذلك الخروج
حصل بعد معاينة الخبير للشاى وهو فى الجمرك ثم احتفظ بالعينة كطلب المطعون عليها وكأمر
القاضى المستعجل لعرضها على المحكمين بعد أن اعترضت المطعون عليها على اختصاص القضاء
المستعجل وبعد أن تمسكت بالتحكيم" – وهذا الذى قرره الحكمان صحيح فى القانون لأن عقد
التحكيم متى صدر مطابقا لأوضاعه الشكلية من أهلية المتعاقدين ومن تحريره بالكتابة ومن
تضمينه أحوال النزاع التى تطرح على المحكمين المعينين بأسمائهم عند تفويضهم بالصلح
أو بصفتهم أو بعددهم عند تفويضهم بالحكم فى النزاع على الوجه المفصل فى قانون المرافعات
القديم فى المواد 702 – 727 ولم يأت فى تلك النصوص ما يمنع أن يكون التحكيم فى الخارج
على يد أشخاص غير مصريين لأن حكمة تشريع التحكيم تنحصر فى أن طرفى الخصومة يريدان بمحض
إرادتهما واتفاقهما تفويض أشخاص ليس لهم ولاية القضاء أن يقضوا بينهما أو يحسموا النزاع
بحكم أو بصلح يقبلان شروطه فرضاء طرفى الخصومة هو أساس التحكيم – وكما يجوز لهما الصلح
بدون وساطة أحد فإنه يجوز لهما تفويض غيرهم فى إجراء ذلك الصلح أو فى الحكم فى ذلك
النزاع ويستوى أن يكون المحكمون فى مصر وأن يجرى التحكيم فيها أو أن يكونوا موجودين
فى الخارج وأن يصدروا حكمهم هناك لأن الحكم فى الحالة الأخيرة ليس من أعمال السلطة
القومية الأجنبية ولكنه نتيجة عقد اتفاق بين شخصين على حسم النزاع بينهما بمحض رضائهما
واختيارهما – وكل ما هناك أنه بعد صدور حكم هؤلاء المحكمين وتقديمه لقلم كتاب المحكمة
وفقا للمادة 725 من قانون المرافعات القديم فإن الحكم لا يعتبر واجب التنفيذ إلا بأمر
من قاضى المواد الجزئية أو من رئيس المحكمة الابتدائية على حسب الأحوال – وذلك بعد
استيفاء الشروط والإجراءات المنصوص عليها فى المادة 407 من قانون المرافعات القديم
الخاصة بالأحكام الصادرة من المحاكم الأجنبية، وقد راعى قانون المرافعات الجديد هذه
الحالة وجمعها فى المادة 841 التى أوجبت أن يصدر حكم المحكمين فى مصر وإلا اتبعت فى
شأنه القواعد المقررة للأحكام الصادرة فى بلد أجنبى مما يستفاد منه أن المشرع المصرى
لا يرى فى الاتفاق على محكمين يقيمون فى الخارج ويصدرون أحكامهم هناك أمرا يمس النظام
العام.
ومن حيث إنه لذلك كله يتعين رفض الطعن.
