الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 307 سنة 22 ق – جلسة 22 /03 /1956 

أحكام النقض – المكتب الفنى – مدنى
العدد الأول – السنة 7 – صـ 369

جلسة 22 من مارس سنة 1956

برياسة السيد الأستاذ عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: محمد فؤاد جابر، ومحمد عبد الرحمن يوسف، واحمد قوشه، ومحمد متولى عتلم المستشارين.


القضية رقم 307 سنة 22 القضائية

بيع. ثمن. عربون. محكمة الموضوع. استظهارها لأسباب سائغة نية المتعاقدين فيما إذا كان المبلغ الدفوع هو جزء من الثمن الذى انعقد به البيع باتا أم أنه عربون فى بيع مصحوب بخيار العدول. موضوعى.
لمحكمة الموضوع أن تستظهر نية المتعاقدين من ظروف الدعوى ووقائعها ومن نصوص العقد لتتبين ما إذا كان المبلغ المدفوع هو بعض الثمن الذى انعقد به البيع باتا أم أنه عربون فى بيع مصحوب بخيار العدول إذ أن ذلك مما يدخل فى سلطتها الموضوعية متى كان مقاما على أسباب سائغة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن وقائع الدعوى تتحصل حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن فى أن المطعون عليه عوض الله ابراهيم أقام الدعوى رقم 2317 سنة 1950 تجارى كلى القاهرة طلب فيما إلزام الطاعن الشيخ عبد الحميد المهدى مصطفى بأن يدفع له مبلغ 9118 جنيها و250 مليما كما استصدر أمرا بالحجز التحفظى تحت يد بنك باركليز والبنك الأهلى وفاء لمبلغ 3258 جنيها و250 مليما وملحقاته وطلب الحكم له بتثبيت الحجز، وقال شرحا لدعواه أنه تعاقد مع الطاعن فى 15/ 6/ 1950 على أن يبيعه ألف بقرة من الأبقار السودانية بسعر الماشية 23 جنيها و250 مليما ودفع له مبلغ 5000 جنيه مقدما يخصم منه مبلغ 5 جنيهات عن كل ماشية يتسلمها على أن يسدد له باقى الثمن ومقداره 18 جنيها و250 مليما ثم دفع له مبلغ 8000 جنيه وتسلم 419 ماشية وبعد ذلك استورد الطاعن مواش تختلف عما تم الاتفاق على توريده فامتنع عن استلامها ورفع هذه الدعوى يطالب الطاعن بالباقى فى ذمته بعد خصم ثمن ما تسلمه من الأبقار ومقداره 3258 جنيها و250 مليما يضاف لذلك مبلغ 5860 جنيها على سبيل التعويض فيكون جملة المبلغ المطالب به 9118 جنيها و250 مليما، كما أقام الطاعن الدعوى رقم 2675 سنة 1950 تجارى كلى مصر متظلما من توقيع الحجز التحفظى على أمواله وطلب إلغاءه – وفى 17/ 2/ 1951 قضت محكمة القاهرة الكلية التجارية حضوريا – أولا – بضم الدعوى رقم 2675 سنة 1950 تظلم تجارى إلى الدعوى رقم 2317 سنة 1950 تجارى كلى – ثانيا – برفض الدعوى الموضوعية وألزمت المدعى فيها بمصاريفها ومصاريف دعوى التظلم وبمبلغ 1000 قرش مقابل أتعاب المحاماة يدفع إلى الشيخ عبد الحميد المهدى. استأنف المطعون عليه هذا الحكم وقيد الاستئناف برقم 139 سنة 68 ق محكمة استئناف القاهرة، وفى 3 من مايو سنة 1951 قضت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعن عدد الأبقار التى رفض المطعون عليه استلامها وما تم فى أمرها والثمن الذى بيعت به وما عاد عليه من الأضرار بسبب هذا الرفض، وقد تنفذ الحكم التمهيدى وسمعت شهود الطرفين ثم قضت المحكمة فى 15 من مايو سنة 1952 بإلغاء الحكم المستأنف والزام المستأنف ضده الأول الشيخ عبد الحميد المهدى بأن يدفع إلى المستأنف "المطعون عليه" مبلغ 3258 جنيها و250 مليما والمصاريف المناسبة عن الدرجتين وتثبيت الحجز التحفظى الواقع تحت يد باقى المستأنف ضدهم فى حدود هذا المبلغ وأمرت بالمقاصة فى أتعاب المحاماة. فطعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بنى على ثلاثة أسباب يتحصل أولها فى النعى على الحكم ببطلانه لقصور أسبابه ومسخة الوقائع الثابتة فى أوراق الدعوى، ويقول الطاعن فى بيان ذلك، إن محكمة الاستئناف أصدرت بتاريخ 3 من مايو سنة 1951 حكما أمرت فيه بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعن عدد الأبقار التى رفض المطعون عليه استلامها وما تم فى أمرها والثمن الذى بيعت به وما عاد على الطاعن من الأضرار بسبب ذلك الرفض على أن يكون للمطعون عليه نفى ما كلف الطاعن بإثباته، وقد تنفذ الحكم التمهيدى وسمعت شهود الطرفين ثم قضت المحكمة فى 15 من مايو سنة 1952 فى موضوع الدعوى وطرحت أقوال الشهود قولا منها بأنها متضاربة متناقضة لا تنصب على مقطع النزاع دون أن تبين موضع هذا التضارب والتناقض الذى ليس له أساس من الأوراق.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قال فى خصوص ما شهد به الشهود "وقد سمعتهم المحكمة إثباتا ونفيا فإذا شهاداتهم متضاربة متناقضة لا تنصب على مقطع النزاع فى الدعوى ولا تبين عدد الأبقار التى عرضها المستأنف ضد الأول على المستأنف ولا عدد الأبقار التى رفض هذا الأخير استلامها ولا ما تم فى أمرها"، ثم قال "إن شهاداتهم جاءت غير منصبة على جوهر النزاع فى الدعوى وغير قاطعة فيها إذ أن مدار البحث ينصب على عدد الأبقار التى رفض المستأنف استلامها وما تم فى أمرها والثمن الذى بيعت به وما عاد على المستأنف ضده الأول من الأضرار بسبب هذا الرفض وشئ من ذلك لم يتبين من استقراء شهادة الشهود". وهذا الذى قرره الحكم هو استخلاص سائغ مما شهد به الشهود – إذ لم يشهد أحد منهم بأنه حضر واقعة رفض المطعون عليه للأبقار أو تناقشه مع الطاعن بشأنها وما رواه الشهود من اقوال سماعية غير متطابق، ولما كانت المحكمة استخلصت ما انتهت إليه فى حدود سلطتها الموضوعية وكان ما استخلصته لا مخالفة فيه لما هو ثابت من شهادة الشهود، لما كان ذلك فان تعييب الحكم بما ورد فى هذا السبب لا يكون له أساس.
ومن حيث إن الطاعن ينعى فى السبب الثانى على الحكم قصور آخر وتناقض فى الأسباب مع فساد فى الاستدلال – إذ قرر أن الشهادات المستخرجة من الحجر الصحى عن رسالات الأبقار متناقضة متضاربة واختلفت الأعداد الواردة بها مما يجعلها متداعية لا تصلح دليلا على ما ورد بها مع أن مرد ذلك الخلاف أن الشهادات التى استخرجها المطعون عليه ناقصة إذ احتجز بعضها وقد أشار الطاعن إلى ذلك ولم ترد المحكمة على دفاعه وبينما يقرر الحكم الا خلاف بين الطرفين على استيراد الأبقار لذمة المطعون عليه يعود ويقرر أن الشهادات المقدمة عن رسائل هذه الأبقار لا تدل على حقيقة عددها – كما يقرر الحكم أن الطاعن ليس له حق فى المطالبة بقيمة علف المواشى ما دام قد أرسل إلى خصمه برقية يخطره فيها بأنه سيقوم ببيع المواشى فى اليوم التالى لحسابه وسيطالبه بفرق الثمن وهذا القول يشوبه فساد فى الاستدلال لأن الأبقار قد لا تباع فى اليوم التالى.
وحيث إن هذا السبب مردود بأن المحكمة لما تبينت أن شهادة الشهود جاءت غير منتجة فى الدعوى صرحت للطرفين باستخراج شهادات رسمية من مصلحة الطب البيطرى عن المواشى التى استوردت وما نفق منها وما ذبح وما بيع، ولما قدمت الشهادات لاحظت المحكمة أن ما قدم من الطاعن يناقض ما قدم من المطعون عليه إذ اختلفت الأعداد الواردة بها مع أنها عن مدة واحدة فلم تأخذ بما ورد بها وأقامت قضاءها على ما ثبت لها من عجز الطاعن عن إقامة الدليل على ما كلف بإثباته وهو ما أصابه من ضرر نتيجة امتناع المطعون عليه عن استلام الأبقار المبيعة وعلى ما استنتجته من رفض الطاعن تقديم دفاتره التجارية، وقد قالت المحكمة فى هذا الخصوص: "وحيث إن المستأنف ضده الأول عندما سألته المحكمة بجلسة 5 من أبريل سنة 1951 عن المستندات الخاصة ببيع المواشى قال إنه لم يقدمها وأنه باع المواشى بعضها بخسارة وبعضها نفق والبعض الآخر تكلف علفا، وقد سألته المحكمة أليس لديه بيان بهذا فقال (ضررى فى هذه القضية لا يحصى ولا أعرف الحاجات دى وأنا أتمسك بالمادة 103 الخاصة بالعربون ولا أستطيع أن أقدم الآن أى شئ) ولا شك أن هذه العبارات صريحة فى أن المستأنف ضده الأول أراد تجهيل أمر المواشى وأنكر أن لديه دليلا عليها فلما فشل فى دفاعه فيما يتعلق بالعربون واعتبر البيع باتا طبقا للمبدأ القانونى الذى قررته المحكمة فى حكمها الصادر فى 3/ 5/ 1951 عاد من جديد يعكس الدليل ويصطنعه ويزعم أن لديه أدلة على عدد المواشى التى عرضها على المستأنف وقد أتيحت له كل الفرص لإثبات ما يدعيه فعجز عن الإثبات وهو المكلف به وزاد فى عجزه أنه لم يقدم دفاتره التجارية رغم إلحاف خصمه عليه فى جلسات متكررة ولا يعقل أن تاجرا مثل المستأنف ضده الأول له محل تجارى لا يقيد فى دفاتره مقدار الرسائل التى ترد إليه ومقدار ما باعه منها وتاريخ بيعه والباقى بعد ذلك – وحيث إن المستأنف ضده الأول عندما عرض على المستأنف تسلم المواشى عرض عليه فى الوقت نفسه تلغرافيا أنه سيبيعها فى اليوم التالى فلماذا لم ينفذ ما التزم به فى عرضه التلغرافى ويعود ويطالب بتكاليف العلف الأمر الذى يقطع بعدم جدية دفاعه. وحيث إنه يبين مما تقدم أن المستأنف ضده الأول عجز عن إثبات ما كلف به وفقا للحكم الصادر فى 3/ 5/ 1951" وبحسب المحكمة أن تقيم حكمها على أسباب تكفى لحمله ومن شأنها أن تؤدى إلى النتيجة التى انتهت إليها – وما ينعاه الطاعن على الحكم من فساد فى الاستدلال لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا فى أدلة الدعوى. وحيث إن السبب الثالث يتحصل فى أن المحكمة أخطأت فى تطبيق القانون واختلط عليها الأمر فيما يتعلق بالفارق بين حالة البيع بعربون الدال على خيار العدول وبين العربون الدال على أن العقد تام، وكان على المحكمة بعد أن استظهرت أن العقد موضوع الدعوى لا يخرج عن كونه عقد بيع بعربون وأن المطعون عليه قد فسخ العقد من جانبه بغير وجه حق أن ترتب على ذلك الأثر القانونى الواجب ترتيبه على التخلف الاختيارى وهو مصادرة العربون ولو لم يترتب على العدول أى ضرر تطبيقا للمادة 103 مدنى.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قال فى هذا الخصوص" ومن حيث إن هذه المحكمة سبق لها أن أصدرت فى 3 من مايو سنة 1951 حكما مفصلا تناولت فيه وقائع الدعوى ومستنداتها وحجج الخصوم فيها وأسانيدهم بما لا محل للعودة من جديد لتكراره وقد انتهت المحكمة فى هذا الحكم إلى أن العقد المبرم بين الطرفين فى 15 من يونيه سنة 1950 إن هو إلا عقد بيع اتفق الطرفان على أن يجعلاه باتا ومنتجا لآثاره القانونية وأن مبلغ الـ 5000 ج الواردة بهذا العقد إن هو إلا جزء من الثمن" – وقد ورد بالحكم الصادر فى 3 من مايو سنة 1951 خاصة بهذا الشأن: "وحيث إنه يتعين على المحكمة أن تبين ما إذا كان الطرفان المتنازعان قد اتفقا على أن ليس من حقهما العدول أم لا – وحيث إنه من جانب المستأنف فإنه مرتبط مع وزارة التجارية بمقتضى العقد المؤرخ فى أول يونيه سنة 1950 على أن يتعهد باستيراد ماشية من السودان على حسب المقادير المبينة فى هذا العقد وأنه الوقت الذى تعاقد فيه مع المستأنف ضده الأول إنما قصد إلى تنفيذ العقد وعدم العدول عن العربون ومن جانب المستأنف ضده الأول فإنه حين رفض المستأنف أن يتسلم الأبقار التى أرسلها إليه أنذره بأنه سيقوم ببيعها لحسابه (راجع الخطاب المؤرخ فى 15 من أغسطس سنة 1950) وهذا يقطع بأنه من جانبه قد قصد إلى تنفيذ العقد واعتباره باتا يضاف إلى ذلك أن نص العقد المبرم بين الطرفين فى 15 من يونيه سنة 1950 ورد فى البند الثالث منه أن مبلغ الـ 5000 ج إن هو إلا جزء من الثمن قبضه المستأنف ضده الأول تنفيذا لعقد البيع الذى اتفق الطرفان على أن يجعلاه باتا ومنتجا لآثاره القانونية.
وحيث إنه يبين مما تقدم أن المحكمة قد كيفت العقد المبرم بين الطرفين فى 15 من يونيه سنة 1950 على أساس ما ورد به من شروط وما ورد فى أوراق أخرى منتجة فى الدعوى واعتبرته عقد بيع بات منتجا لآثاره القانونية وأن المبلغ الـ 5000 ج الذى دفع عند إبرام العقد هو جزء من الثمن وللمحكمة أن تستظهر نية المتعاقدين من ظروف الدعوى ووقائعها ومن نصوص العقد لتبين ما إذا كان المبلغ المدفوع هو بعض الثمن الذى انعقد به البيع باتا أم أنه عربون فى بيع مصحوب بخيار العدول إذ أن ذلك مما يدخل فى سلطتها الموضوعية متى كان ذلك مقاما كما هو الشأن فى الدعوى على أسباب سائغة، وعلى ذلك يكون هذا السبب من أسباب الطعن على غير أساس هذا فضلا عما يبدو من أوراق الدعوى أن الطاعن قبل ما قضت به المحكمة بشأن تكييف العقد من أنه ليس عقد بيع بعربون بالمعنى الوارد فى المادة 103 مدنى وذلك مما أورده فى صدر مذكرته المقدمة لمحكمة الاستئناف لجلسة 6/ 3/ 1952.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات