الطعن رقم 294 سنة 22 ق – جلسة 22 /03 /1956
أحكام النقض – المكتب الفنى – مدنى
العدد الأول – السنة 7 – صـ 364
جلسة 22 من مارس سنة 1956
برياسة السيد الأستاذ محمود عياد المستشار، وبحضور السادة الأساتذة: اسحق عبد السيد، ومحمد عبد الواحد على، ومحمد متولى عتلم، وابراهيم عثمان يوسف، المستشارين.
القضية رقم 294 سنة 22 القضائية
مسئولية. أمين النقل. الوكيل بالعمولة. اعتبار مصلحة البريد أمينة
للنقل ووكيلة بالعمولة فى الوقت نفسه. اعتبار عملها هذا عملا تجاريا تحكمه المواد 90
وما بعدها من القانون التجارى. مسئوليتها عن الهلاك والتلف والتأخير. هى مسئولية تعاقدية.
ضمانها لخطأ أمين النقل الذى تختاره بغير تدخل المرسل.
تعتبر مصلحة البريد أمينة للنقل ووكيلة بالعمولة فى الوقت نفسه ويعتبر عملها هذا عملا
تجاريا تحكمه المواد 90 وما بعدها من القانون التجارى التى توجب عليها نقل الرسائل
والطرود وسلامة وصولها وتسليمها للمرسل إليه وتحمل مسئولية الهلاك والتلف والتأخير،
والمسئولية هنا وبطبيعتها مسئولية تعاقدية تنشأ عن إخلالها بواجبها فى تنفيذ عقد النقل
فتلتزم بالتعويض طبقا للقواعد المقررة فى القانون المدنى وفى نطاق مشروعية شروط الإعفاء
من المسئولية أو تحديدها. ومصلحة البريد بهذا الوصف ضامنة للخطأ الذى يقع ممن تعهد
إليهم فى القيام ببعض المهمة الموكولة إليها، ولا تستطيع أن تدفع عن نفسها المسئولية
بخطأ أمين النقل الذى اختارته هى بغير تداخل من صاحب الرسالة أو الطرد طالما أن مرسوم
20/ 3/ 1934 لم يرد به نص على إعفاء مصلحة البريد أو تحديد مسئوليتها فى حالة وقوع
خطأ جسيم ممن تعهد إليهم بأعمالها كلها أو بعضها.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار
المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه القانونية فيتعين قبوله شكلا.
وحيث إن وقائع هذه الدعوى – حسبما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر الأوراق – تتحصل
فى أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 998 لسنة 1951 مدنى عابدين طلب فيها الحكم بإلزام
الطاعنة بأن تدفع إليه مبلغ 111 جنيها و190 مليما والفوائد بواقع 5% سنويا من 1/ 11/
1949 حتى تمام الوفاء وقال فى بيان دعواه أنه فى 1/ 11/ 1949 أرسل عن طريق مكتب بريد
الأزهر ثلاثة طرود تحتوى على خيوط وأزرار من الحرير المشغول قيمتها 71 جنيها و31 مليما
إلى عميليه بطهطا (وديع وفتحى بدرانى) وكذلك طردا رابعا محتويا على خيوط من الحرير
نفسه قيمته 23 جنيها و330 مليما إلى عميله محمد اسماعيل عشمى بطهطا وطردا خامسا به
بضائع حرير ألوان قيمته 16 جنيها و650 مليما الى عميله أحمد محمد الجلالى التاجر بأسيوط
محولا عليه بهذه القيمة – وأن هذه الطرود الخمسة لم تصل للمرسل اليهم – فأنذر هو مصلحة
البريد فى 2/ 2/ 1950 بدفع قيمتها فلما لم تدفع رفع دعواه تأسيسا على المادة 97 من
القانون التجارى – دفعت الطاعنة الدعوى بأن علاقة الطرفين يحكمها المرسوم الصادر فى
20/ 3/ 1934 بتعديل المادة الرابعة من دكريتو 1886 وبأن نص المادة بعد تعديلها "أنه
إذا فقد طرد عادى أو تلف فلا يزيد التعويض عن 400 مليم للطرد الذى لا يزيد وزنه عن
كيلو جرام، 700 مليم للطرد الذى يزيد عن كيلو جرام ولا يتجاوز ثلاثة كيلو جرامات، 1
جنيه للطرد الذى يتجاوز ذلك ولا يزيد عن خمسة كيلو جرامات 1 جنيه و500 مليم للطرد فيما
بعد ذلك ولا يزيد عن عشرة كيلو جرامات وأن هذا المرسوم نص كذلك على أحقية مرسل الطرد
فى استرداد ما دفعه من رسوم، وعلى أن مصلحة البريد تكون مسئولة عن فقد الطرد أو تلفه
ولو كان ذلك ناشئا عن قوة قاهرة – وانه على هذا الأساس يكون – مجموع ما يستحقه المطعون
عليه 6 جنيهات و100 مليم كما قالت الطاعنة إن الطرود لم تصل الى المرسل اليهم بسبب
وقوع حادث تصادم فى المسافة بين ديروط وصنبو بين قطار بضاعة وقطار الاكسبريس الذى كانت
به الطرود ونشأ عن التصادم احتراق عربة البريد بجميع من وما كان فيها من موظفى البريد
ومن رسائل وطرود وفى 22/ 4/ 1951 قضت المحكمة باحالة الدعوى على التحقيق ليثبت المطعون
عليه قيمة الطرود المرسلة منه وارجأت بحث دفاع الطاعنة الى ما بعد الاطلاع على التحقيقات
الخاصة بحادث التصادم التى وعدت المصلحة بتقديمها ثم استمعت المحكمة إلى أقوال شهود
المطعون عليه ولم تعلن الطاعنة شهودا ولم تقدم صور التحقيقات – وفى 28/ 10/ 1951 حكمت
المحكمة للمطعون عليه بالمبلغ وبالفوائد ابتداء من تاريخ المطالبة الرسمية الحاصلة
فى 18/ 3/ 1950 حتى الوفاء – مؤسسة حكمها على أنه ليس للطاعنة أن تتمسك بمرسوم 20/
3/ 1934 لأن الحال ليس فقد الطرود أو تلفها – وإنما هو عدم قيام مصلحة البريد بتنفيذ
تعهدها بسبب خطأ وإهمال عمال مصلحة السكة الحديد ذلك الإهمال الجسيم الذى فصلته مصلحة
البريد فى مذكرتها المقدمة لجلسة 22/ 4/ 1951. استأنفت الطاعنة هذا الحكم إلى محكمة
مصر الابتدائية وقيد استئنافها برقم 139 لسنة 1951 تجارى س مصر. وفى 29/ 5/ 1952 قضت
بتأييد الحكم المستأنف لأسبابه ولما أضافته من أسباب قالت فيها أنه ليست هناك قوة قاهرة
سببت فقد الطرود وأنه لا يجوز للمصلحة أن تتنصل من مسئوليتها بسبب إهمال مصلحة السكة
الحديد لأنها – أى مصلحة البريد – وكلية بالعمولة ومسئولة أمام المطعون عليه فطعنت
الطاعنة فى هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بنى على سببين يتحصل أولهما فى مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله
وفى بيان ذلك تقول الطاعنة إن التفرقة التى قال بها الحكم بين مسئولية مصلحة البريد
عن فقد الطرود وبين مسئوليتها لعدم قيامها بتنفيذ تعهدها – هذه التفرقة لا سند لها
من القانون لأنها لا تجمع بين ضدين بل تربط بين أمرين أحدهما مترتب على آخر – وقد ترتب
على هذه التفرقة إغفال تطبيق مرسوم سنة 1934 – هذا إلى أن المطعون عليه نفسه قد صرح
فى صحيفة دعواه بأنه يقيمها على أساس فقد الطرود لا على أساس عدم قيام المصلحة بتنفيذ
تعهدها وأنه فضلا عن ذلك فإن الحكم قد أقحم فى مقام هذه التفرقة خطأ مصلحة السكة الحديد
مما ينطوى على خلط بين حدود مسئولية مصلحة البريد قبل المطعون عليه من جهة وبين أحقية
هذه المصلحة فى الرجوع على أمين النقل – وهو مصلحة السكة الحديد – من جهة أخرى. ويتحصل
السبب الثانى فى تعييب الحكم المطعون فيه بمخالفة الثابت فى الأوراق وتناقضه وقد رددت
الطاعنة فى الشق الأول من هذا السبب ما قررته فى السبب الأول بشأن الأساس الذى أقيمت
عليه الدعوى، ثم قالت فى الشق الثانى أن الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون
فيه قرر فى بادئ الأمر أنه لم يقم دليل على حصول حادث تصادم بين قطارين تسبب عنده فقد
الطرود ثم عاد فناقض نفسه بنفسه إذ قرر أن عدم قيام مصلحة البريد بتنفيذ تعهدها سببه
الخطأ والإهمال الذى بدا من عمال مصلحة السكة الحديد.
ومن حيث إن هذا النعى مردود فى جملته بأن مصلحة البريد وهى تباشر ضمن عملياتها نقل
الرسائل والطرود تعتبر أمينة للنقل ووكيلة بالعمولة فى الوقت نفسه فهى تتسلم الرسائل
والطرود من أصحابها ثم تقوم بنقلها بواسطة عمالها وسياراتها إلى المرسل إليه إن كان
فى نفس بلد المرسل أو إلى محطات السكة الحديد أو إلى المطارات والبواخر النيلية والبحرية
إن كان المرسل إليه فى بلد آخر فى مصر أو فى الخارج وكل هؤلاء أمناء نقل كل منهم فى
دائرة عمله واختصاصه وتتولى مصلحة البريد الاتفاق معهم بغير تداخل من – المرسل – ثم
تتسلم من هؤلاء الأمناء ما يرد إلى بلاد القطر المختلفة وتتولى هى نقله إلى مكاتبها
لتوزيعه فيها على المرسل إليهم أو تقوم أخيرا بتسليمها إليهم فى محلات أعمالهم أو إقامتهم
وفقا لما يجرى عليه العمل طبقا للوائحها وأنظمتها – ولما كان عقد النقل هو عقد يتعهد
به أمين النقل بحمل بضاعة ونقلها من مكان إلى آخر إما بنفسه أو بواسطة غيره بأية وسيلة
من وسائل النقل برا أو بحرا وهواء – وهو حين ينقل بنفسه ووسائله الخاصة يبقى دائما
أمينا للنقل، وإن استعان بغيره واختار هو هذا الغير صار وكيلا بالعمولة لأنه هو المشرف
على العملية من بدايتها إلى نهايتها أو بمعنى آخر هو الآمر والمسيطر عليها بغير تداخل
من المرسل، وعلى ذلك تكون مصلحة البريد أمينة للنقل ووكيلة بالعمولة فى الوقت نفسه
ويعتبر عملها هذا عملا تجاريا تحكمه المواد 90 وما بعدها من القانون التجارى التى توجب
عليها نقل الرسائل والطرود وسلامة وصولها وتسليمها للمرسل إليه وتحمل مسئولية الهلاك
والتلف والتأخير والمسئولية هنا وبطبيعتها مسئولية تعاقدية تنشأ عن إخلالها بواجبها
فى تنفيذ عقد النقل فتلتزم بالتعويض طبقا للقواعد المقررة فى القانون المدنى وفى نطاق
مشروعية شروط الاعفاء من المسئولية أو تحديدها، ومصلحة البريد فى النزاع الحالى لا
تجادل فى مسئوليتها ولكنها تريد حصرها فى الأسس المبينة من مرسوم 20/ 3/ 1934 المعدل
للدكريتو 1886- رغم اعترافها بحصول الخطأ الجسيم من جانب مصلحة السكة الحديد الذى نشأ
من إهمال عامل البلوك فى قفل الطريق ونتج عنه حادث التصادم والحريق مع أن مصلحة البريد
بوصفها أمينة للنقل ووكيلة بالعمولة ضامنة للخطأ الذى يقع ممن تعهد إليهم فى القيام
ببعض المهمة الموكولة اليها – ولا تستطيع بوصفها هذا أن تدفع عن نفسها المسئولية بخطأ
أمين النقل الذى اختارته هى بغير تداخل من صاحب الرسالة أو الطرد خصوصا وأن مرسوم 20/
3/ 1934 السابق الإشارة إليه لم يرد به نص على إعفاء مصلحة البريد أو تحديد مسئوليتها
فى حالة وقوع خطأ جسيم ممن تعهد اليهم بأعمالها كلها أو بعضها فلا يفيدها والحال كذلك
أن تتمسك بهذا الرسوم – ومؤدى ذلك كله أن الحكم المطعون فيه اذ أقام قضاءه فى مسئولية
الطاعنة على اخلالها بعدم تنفيذ تعهدها بتسليم الطرود إلى المرسل اليهم بسبب فقدها
فى حادث مصلحة السكة الحديدية بتقصير هذه المصلحة الأخيرة وعلى مسئولية مصلحة البريد
باعتبارها وكيلة بالعمولة – إذ أقام الحكم قضاءه على ذلك لا يكون قد خالف القانون أو
شابه التناقض.
ومن حيث أنه لذلك يكون الطعن فى غير محله ويتعين رفضه.
