الطعن رقم 31 سنة 22 ق – جلسة 05 /05 /1955
أحكام النقض – المكتب الفنى – مدنى
العدد الثالث – السنة 6 – صـ 1079
جلسة 5 من مايو سنة 1955
برياسة السيد الأستاذ عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: سليمان ثابت وكيل المحكمة، وأحمد العروسى، ومحمد فؤاد جابر، ومحمد عبد الواحد على المستشارين.
القضية رقم 31 سنة 22 القضائية
( أ ) نقض. طعن. أوراق الطعن. إيداع مذكرة شارحة. شرطه ألا يكون
التقرير مشتملا على شرح واف لأسباب الطعن. اشتمال التقرير على شرح كاف. يكفى فى المذكرة
الإحالة على التقرير.
(ب) تعويض. تأمين. اشتراط لمصلحة الغير. ليس للمصاب فى التشريع المصرى حقا مباشرا فى
مطالبة المؤمن بالتعويض عن الضرر الذى أصابه والذى يسأل عنه قبل المستأمن. وجوب الرجوع
إلى القواعد العامة وبحث وثيقة التأمين لمعرفة الحق الذى اشترطه المستأمن وهل اشترطه
لنفسه أم لمصلحة الغير.
1 – إن القانون إذ أوجب فى الفقرة الثالثة من المادة 432 مرافعات على الطاعن أن يودع
قلم كتاب محكمة النقض خلال عشرين يوما من تاريخ الطعن مذكرة بشرح أسباب الطعن المبينة
فى التقرير إنما قصد أن يكون هذا الوجوب فى الحالة التى يكون فيها تقرير الطعن غير
مشتمل على شرح الأوجه شرحا وافيا، فإذا كان التقرير كافيا، فإن فى إيداع مذكرة تتضمن
الإحالة إليه ما يكفى لتحقيق غرض الشارع.
2 – لم يورد الشارع المصرى – على خلاف بعض التشريعات الأخرى – نصا خاصا يقرر أن للمصاب
حقا مباشرا فى مطالبة المؤمن بالتعويض عن الضرر الذى أصابه والذى يسأل عنه قبل المستأمن،
فوجب الرجوع إلى القواعد العامة لتعرف ما إذا كانت وثيقة التأمين على مسئولية المستأمن
قصد بها اشتراط لمصلحة الغير أم قصد بها اتفاق خاص بين الطرفين المتعاقدين، فإذا كان
الحق الذى اشترطه المستأمن إنما اشترطه لنفسه فلا يكون هناك اشتراط لمصلحة الغير حتى
لو كانت تعود منه منفعة على الغير، أما إذا تبين من مشارطة التأمين أن العاقدين قصدا
تخويل المصاب الحق المباشر فى منافع العقد، فإن القواعد الخاصة بالاشتراط لمصلحة الغير
هى التى تطبق.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر والمرافعة
وبعد المداولة.
من حيث إن الوقائع – حسبما يبين من الحكم المطعون فيه، ومن سائر الأوراق – تتحصل فى
أن المطعون عليه الأول أقام الدعوى رقم 2888 سنة 1949 القاهرة الابتدائية على الشركة
الطاعنة والمطعون عليه الثانى، وقال بيانا لها أنه فى يوم 2 من سبتمبر سنة 1946 صدمته
سيارة النقل رقم 23257 وهى مملوكة للمطعون عليه الثانى، وتسبب عن ذلك أن أصيب بإصابة
نشأ عنها بتر ساقه اليسرى، وقد حكم على سائق السيارة فى الجنحة رقم 3322 سنة 1946 السيدة
بالحبس، وتأيد هذا الحكم فى الاستئناف رقم 7770 سنة 1947. ونظرا لأن المطعون عليه الثانى
هو المسئول عن الضرر الذى أحدثه تابعه أثناء تأدية عمله، ولأن الشركة الطاعنة ضامنة
فى ذلك بوصفها مؤمن لديها على السيارة، فطلب الحكم بالزامهما متضامنين بالتعويض ومقداره
1000 جنيه والفوائد بواقع 5% سنويا من تاريخ المطالبة الرسمية حتى الوفاء. وفى 22 من
مايو سنة 1949 قضت المحكمة بالزام المطعون عليه الثانى بأن يدفع للمطعون عليه الأول
1000 جنيه بصفة تعويض. فاستأنف المطعون عليه الأول هذا الحكم وقيد استئنافه برقم 306
سنة 67 القاهرة. وفى 25 من نوفمبر سنة 1951 قضت المحكمة فى موضوع الاستئناف بتأييده
بالنسبة إلى المطعون عليه الثانى، وبإلغائه بالنسبة إلى الطاعنة وإلزامها بأن تدفع
للمطعون عليه الأول مبلغ 1000 جنيه المحكوم له بها، تأسيسا على أن الشركة الطاعنة قدمت
صورة وثيقة التأمين بينها وبين المطعون عليه الثانى وتبين منها أنها قبلت أن تتحمل
عنه المسئولية المدنية قبل الغير عن الحادث التى تقع بسبب السيارة رقم 23257 والتى
آلت ملكيتها إلى المطعون عليه الثانى فى 4 من يوليه سنة 1946 ومدة التأمين سنة من 21
نوفمبر سنة 1945 إلى 20 من نوفمبر سنة 1946، وقد وقع الحادث فى 2 من سبتمبر سنة 1946
فى خلال هذه المدة. وقد جاء فى وثيقة التأمين أن مسئولية الشركة عن التعويض بسبب استعمال
هذه السيارة مسئولية غير محدودة أى مطلقة، وطبقا للقواعد التى أوردها الحكم يكون للمطعون
عليه الأول حق مباشر قبل الشركة، ويكون له الحق فى أن يقاضيها وحدها أو يقاضيها وصاحب
السيارة كما هو الشأن فى الدعوى. وبعد أن أورد الحكم سرد الواقعة التى أصيب فيها المطعون
عليه الأول خلص إلى القول بأن الحكم المستأنف فى محله لقضائه بمسئولية المطعون عليه
الثانى عن الحادث، وفى محله أيضا بالنسبة إلى مبلغ التعويض المقضى به. وأما عن طلب
المطعون عليه الأول بإلزام شركة التأمين بالمبلغ المحكوم به مع المطعون عليه الثانى
بطريق التضامن والتكافل، فإن التضامن لا يفترض، وإنما يكون بناء على اتفاق أو نص فى
القانون. ووثيقة التأمين لم تنص على التضامن وإنما تقضى بملزومية الشركة بما يحكم به
من التعويض، وعلى هذا الأساس يتعين الحكم على الشركة بما يتفق مع ذلك. فقررت الشركة
الطعن فى هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن المطعون عليه الأول دفع بأن ليس للشركة أن تنيب عنها محاميا فى الجلسة،
لأنها قدمت مذكرة اقتصرت فيها على القول بأنها تحيل على البيانات والأسباب الموجودة
بتقرير الطعن، وليس فى المذكرة أى شرح لأسباب الطعن المبينة فى التقرير. والمادة 432
من قانون المرافعات توجب على الطاعن تقديم مذكرة بشرح أسباب الطعن المبينة فى التقرير،
فليس لها أن تنيب محاميا عنها فى الجلسة وفقا للمادة 440 من هذا القانون.
ومن حيث إن هذا الدفع فى غير محله. ذلك أن القانون إذ أوجب فى الفقرة الثالثة من المادة
432 مرافعات على الطاعن أن يودع قلم كتاب محكمة النقض خلال عشرين يوما من تاريخ الطعن
مذكرة بشرح أسباب الطعن المبينة فى التقرير. إنما قصد أن يكون هذا الوجوب فى الحالة
التى يكون فيها تقرير الطعن غير مشتمل على شرح الأوجه شرحا وافيا. فإذا كان التقرير
كافيا – كما الشأن فى هذا الطعن – فإن فى إيداع مذكرة تتضمن الإحالة إليه ما يكفى لتحقيق
غرض الشارع. ولا محل للتحدى بما تنص عليه المادة 440 من قانون المرافعات من أنه ليس
للخصوم الذين لم يودع باسمهم مذكرات الحق فى أن ينيبوا عنهم محاميا فى الجلسة، متى
كانت الشركة الطاعنة قد قدمت المذكرة الشارحة، وكان تقرير الطعن كافيا فى شرح أسبابه.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الطعن بنى على سببين: يتحصل السبب الأول فى أن الحكم المطعون فيه أخطأ فى
تطبيق القانون، لأن الظاهر من أسبابه أن المحكمة اعتبرت عقد التأمين ضد المسئولية بالنسبة
إلى فعل المؤمن له قبل الغير، وضمان الخسائر التى تلحق المؤمن له بسبب رجوع الغير عليه
بدعوى المسئولية المدنية، اعتبرت ذلك اشتراطا لمصلحة الغير، وهى فى ذلك تخالف ما ذهب
إليه الفقه والغالب من أحكام المحاكم. وهى بتطبيقها الخاطئ للمادة 137 من القانون المدنى
القديم التى تقابل المادة 156 من القانون المدنى الجديد قد أحدثت أثرين قانونيين على
جانب كبير من الخطورة. الأول: أنه جعل للمصاب حقا مباشرا، فى حين أن عقد التأمين عبارة
عن مشارطة بين المؤمن والمؤمن له، والغرض منه كما يصفه الحكم المطعون فيه ضمان المؤمن
الخسائر التى تلحق المؤمن له سبب رجوع الغير عليه بدعاوى المسئولية المترتبة على خطئه
وفعله. فالقصد من التأمين إنما هو تعويض المؤمن له عما يلحقه من خسائر بسبب تعويضات
يدفعها. فحق المصاب مباشر قبل المؤمن له فقط، ولا ينصب على مبلغ التأمين. ووسائل المصاب
فى استيفاء دينه من مبلغ التأمين قررها القانون فى أحكام كثيرة، فيمكن الحجز تحت يد
الشركة على مبلغ التأمين. ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد جعل من الباعث على عقد
التأمين والغاية منه سبيلا إلى اعتبار المصاب طرفا ثالثا فى عقد التأمين، ورتب على
ذلك أن أجاز مقاضاة الطاعنة مباشرة على أساس المسئولية التعاقدية، وسوغ مقاضاة المؤمن
وحده دون إدخال المؤمن له فى الدعوى. والأثر الثانى أنه أنشأ حق امتياز لصاحب التعويض
على مبلغ التأمين، فلا يشاركه غيره فيه، ويكون له حق مباشر عليه. فى حين أن حق الامتياز
لا ينشأ إلا بنص تشريعى، وهذا النص لم يصدر بعد. وقد قاس الحكم المطعون على النص الفرنسى
الصادر فى 13 من يوليه سنة 1930 وحمل المادة 137 من القانون المدنى القديم معانى ونتائج
قانونية تخرج عن مدلول هذا النص. وقد أراد المشرع المصرى أن يرتب حق الامتياز هذا إلا
أن هذا النص حذف من القانون المدنى الجديد.
ومن حيث إن هذا السبب مردود، بأن المشرع المصرى – على خلاف بعض التشريعات الأخرى –
لم يورد نصا خاصا يقرر أن للمصاب حقا مباشرا فى مطالبة المؤمن بالتعويض عن الضرر الذى
أصابه والذى يسأل عنه قبل المستأمن، فوجب الرجوع إلى القواعد العامة لتعرف ما إذا كانت
وثيقة التأمين على مسئولية المستأمن عن حوادث السيارات قصد بها اشتراط لمصلحة الغير
أم قصد بها اتفاق خاص بين الطرفين المتعاقدين. فإذا كان الحق الذى اشترطه المستأمن
إنما اشترطه لنفسه فلا يكون هناك اشتراط لمصلحة الغير حتى لو كانت تعود منه منفعة على
الغير. أما إذا تبين من مشارطة التأمين أن العاقدين قصدا تخويل المصاب الحق المباشر
فى منافع العقد، فإن القواعد الخاصة بالاشتراط لمصلحة الغير هى التى تطبق على واقعة
الدعوى. ومن ثم يتعين للفصل فى النزاع الحالى تفهم نصوص وثيقة التأمين ليتبين ما كان
يهدف إليه الطرفان المتعاقدان من إبرامها، فإذا كان المستفاد من عباراتها أنهما قصدا
تخويل المصاب حقا مباشرا قبل الشركة المؤمنة، فإنه يجب إعمال أثر هذا القصد. ولما كان
يبين من الحكم المطعون فيه أنه وإن كان قد أورد تقريرات على خلاف ما سبق بيانه إلا
أنه عاد بعد ذلك وقرر أنه يتضح من وثيقة التأمين أن الشركة الطاعنة قبلت أن تتحمل عن
المؤمن له المسئولية قبل الغير عن الحوادث التى تقع بسبب السيارة محل التأمين، وهذا
الذى استخلصه الحكم من وثيقة التأمين ولم يكن محل نعى من الشركة الطاعنة – يؤدى إلى
تقرير حق مباشر يخول للمصاب مقاضاتها بدعوى مباشرة – أما النعى على الحكم بأن تقرير
الحق المباشر للمصاب ينشأ عنه حق امتياز لصاحب التعويض على مبلغ التأمين، فمردود بأن
الحكم المطعون عليه لم يقرر حق امتياز للمصاب على مبلغ التأمين، وإنما قرر، بناء على
ما تأدى له من مفهوم وثيقة التأمين، بأن له حقا مباشرا قبل الشركة فألزمها على هذا
الأساس بأن تدفع مبلغ التعويض للمصاب.
ومن حيث إن السبب الثانى يتحصل فى أن الحكم المطعون فيه إذ قرر أنه وإن كان لشركة التأمين
مصلحة فى الدفاع عن مسئولية المستأنف عليه الثانى عن هذا الحادث، فإنه لا مصلحة لها
فى الدفع الذى أثارته من عدم قبول دعوى المستأنف قبلها، لأنها بمقتضى وثيقة التأمين
ملتزمة بالتعويض عن الأضرار التى تنتج من السيارة المؤمن عليها. وأضاف الحكم المطعون
فيه أن ما تدفع به الشركة من مخالفة المؤمن له وهو المستأنف عليه الثانى للشرط الوارد
فى الوثيقة خاصا بعدم إخطارها بالحادث فإنه شرط خاص بالمؤمن له لا يجوز لها أن تتمسك
به قبل المنتفع وهو المصاب، فضلا عن أنه لم يترتب على عدم إخطارها بالحادث تأثير فى
الدعوى، ولا مصلحة لها فى إثارة هذا الدفاع. إذ قرر الحكم ذلك أخطأ فى تطبيق القانون.
ذلك أن الشركة الطاعنة إنما قدمت بوليسة التأمين والخطابات المتبادلة بينها وبين المؤمن
له وتمسكت بها لتثبت وجود نزاع بينهما حول تخلف المؤمن له عن القيام بالتزاماته قبل
المؤمن مما يعتبر سببا لفسخ عقد التأمين. وليس لمحكمة الاستئناف أن تتعرض لهذا النزاع
وتفصل فيه لأنه نزاع لم يطرح أمامها من أحد الخصوم. ولو شاء المؤمن له لأدخل الشركة
الطاعنة كضامنة فى الدعوى ولكنه لم يفعل. كما أنه ليس لها أن تتعرض لهذا النزاع لأن
بوليسة التأمين نصت على أن كل ما يثار من منازعات يكون عقد التأمين محلها فلا بد وأن
تعرض على التحكيم. ويترتب على هذا النظر أن محكمة الاستئناف إذ ألزمت الطاعنة مباشرة
بدفع التعويض تكون قد فصلت فى النزاع القائم بينها وبين المؤمن له بالرفض، لأن الطاعنة
ليست ملزمة بدفع التعويض حتى مع المشى جدلا مع ما ارتأته المحكمة فى تكييف عقد التأمين.
إلا إذا أثبت أن عقد التأمين لم يفسخ، ومن ثم يكون الحكم بالتعويض هو حكم بأن عقد التأمين
لم يفسخ، وهو نزاع لم يطرح على المحكمة، وليس لها أن تفصل فيه. ثم إن الحكم خالف أحكام
عقد التأمين نفسه إذ اشترط العقد أن تكون جميع ما يثار من منازعات يكون العقد محلها
لا بد وأن تعرض على التحكيم، إلا أن الحكم المطعون فيه لم يتعرض لهذه المسألة ولم يرد
على دفاع الطاعنة فى هذا الخصوص مما يعيب الحكم.
ومن حيث إن هذا السبب مردود، بأنه سواء أكان للمؤمن الحق فى أن يتمسك قبل المنتفع فى
الاشتراط لمصلحة الغير بالدفوع اللاحقة لوقوع الحادث التى كان يصح أن يتمسك بها قبل
المستأمن أم لا يجوز له ذلك باعتبار أن للمنتفع حقا مباشرا لا ترد عليه هذه الدفوع،
فإن هذا البحث غير منتج فى هذا الطعن، ذلك لأن الحكم المطعون فيه لم يقتصر على القول
بأن الشركة لا يصح لها التمسك بهذه الدفوع، بل ناقشها فعلا وخلص إلى رفضها موضوعا استنادا
إلى الأسباب التى أوردها. أما ما تتمسك به الشركة الطاعنة بأنه ليس للمحكمة أن تتعرض
لهذا النزاع، لأن وثيقة التأمين تنص على أن كل ما يثار من نزاع يكون العقد محلها يجب
عرضه على التحكيم، هذا القول غير مقبول، ذلك لأن الطاعنة لم تقدم ما يدل على أنها تمسكت
بهذا الدفاع أمام محكمة الموضوع فليس لها أن تثيره لأول مرة أمام هذه المحكمة.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الطعن على غير أساس مما يستوجب رفضه.
