الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 279 سنة 21 ق – جلسة 24 /02 /1955 

أحكام النقض – المكتب الفنى – مدنى
العدد الثانى – السنة 6 – صـ 723

جلسة 24 من فبراير سنة 1955

القضية رقم 279 سنة 21 القضائية

برياسة السيد الأستاذ عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: سليمان ثابت وكيل المحكمة، وأحمد العروسى، ومحمد فؤاد جابر، ومحمد عبد الواحد على المستشارين.
( أ ) تأمين. النص فى عقد التأمين على حرمان المستأمن من قيمة التعويض إذا حصل تغيير فى المكان الذى حفظت فيه البضائع المؤمن عليها يكون من شأنه زيادة المخاطر دون إذن كتابى من المؤمن. مخالفة المستأمن هذا النص. حرمانه من التأمين. لا خطأ.
(ب) قوة الأمر المقضى. قرار حفظ صادر من النيابة. لا يحوز قوة الأمر المقضى قبل المضرور.
1 – متى كان عقد التأمين قد نص على أن كل تغيير أو تعديل يحدث بالنسبة للغرض الذى أعد له المكان المحفوظة فيه البضائع المأمن عليها أو الاستعمال الذى خصص من أجله، ويكون من شأنه زيادة المخاطر دون قبول كتابى من المؤمن يحرم المستأمن حقه فى التعويض، وكان الثابت هو أن المستأمن قد استعمل هذا المكان عقب تحرير عقد التأمين فى عملية تنظيف الحبوب الملوثة بالمازوت بواسطة غسلها بالبترول وأنه أقام به فرنا لتسخين المياه اللازمة لتلك العملية بالقرب من مكان البضائع التى احترقت، فإن الحكم لا يكون قد أخطأ إذ قرر حرمانه من حقه فى التعويض.
2 – قرار الحفظ الصادر من النيابة العمومية أيا كان سببه لا يحوز قوة الأمر المقضى قبل المضرور بالحادث ولا يحول بينه وبين الدعوى المدنية يقيم فيها الدليل على الخطأ ونسبته إلى من اقترفه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر ومرافعة المحاميين عن الطاعن والمطعون عليها والنيابة العامة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع – حسبما يبين من الحكم المطعون فيه، ومن سائر الأوراق تتحصل فى أن الشركة المطعون عليها أقامت الدعوى رقم 172 سنة 72 ق مصر المختلطة على الطاعن الثانى، وقالت فى صحيفتها المعلنة فى 12 من نوفمبر سنة 1946 إنه فى 7 من مايو سنة 1946 حررت مشارطة تأمين ضد الحريق رقم 10652984 خاصة بألوان مسحوق مختلفة بما فى ذلك مسحوق الأنيلينا وخلاصة صلبة من نبات قشور السنط وبضائع أخرى مختلفة، وهى من المواد السريعة التلف ويتجر فيها المؤمن له (الطاعن الثانى) وكانت معبأة فى أكياس وصناديق وبالات وموضوعة فى عقار مشيد بالحجر والطوب الأحمر وهو مملوك لاسحق أصلان حكيم. وبمقتضى البندين أ وب من المشارطة قرر المؤمن له أنه لا يوجد بهذا العقار أى فندق أو مخزن للبضائع أو مسرح أو سينما أو مقهى أو جراج عمومى أو أى صناعة من طبيعتها زيادة الأخطار، وأنه غير ملاصق لأى عقار آخر مبنى بالبغدادلى أو الخشب أو بداخله مخزن أو صناعة تزيد من الأخطار، كما قرر أنه لا يوجد به أى سلعة أو مهنة من طبيعتها زيادة الخطر. وفى 17 من يوليه سنة 1946 شب حريق بالمخزن المذكور أتلف مقدارا من البضائع المؤمن عليها، وقد أحاط الحريق ظروف مشتبه فيها، ويجرى تحقيق بشأنها. وقد أظهر التحقيق أنه كان بالمخزن المودعة فيه البضائع المؤمن عليها براميل تحوى بترولا وغلالا وخرقا مشبعة بالبترول، وهى مملوكة لاسحق أصلان حكيم الذى كان يقوم بعملية تنظيف قمح ملوث بالمازوت بواسطة حمامات بالبترول وبعمليات أخرى، وتداول هذه المواد فى المخزن المذكور بالقرب من البضائع المؤمن عليها، فيه مخالفة صريحة لنص البندين المشار إليهما، وللشروط من 1 إلى 8 من مشارطة التأمين، وهو أمر من شأنه إبطال المشارطة المذكورة، يضاف إلى ذلك أن المؤمن له تعاقد باسمه ولحسابه وحده، ولكنه قرر فى التحقيق أن البضاعة المؤمن عليها مملوكة للمسيو بارشس. وطلبت الحكم لها ببطلان مشارطة التأمين المحررة فى 7 من مايو سنة 1946 والسابق الإشارة إليها فى حدود 6000 جنيه عن المدة من هذا التاريخ إلى 7 من نوفمبر سنة 1946، وبسقوط حق الطاعن الثانى فى الانتفاع بهذه المشارطة. فأقام الطاعن الثانى الدعوى رقم 1128 سنة 72 ق مستعجل مصر المختلطة على الشركة المطعون عليها، وطلب فى صحيفتها المعلنة فى 24 من فبراير سنة 1947 تعيين خبير مثمن ليباشر بيع البضائع الموضحة بها والمؤمن عليها بالبوليصة السالفة الذكر وتسليم الصافى إليه. وفى أول مارس سنة 1947 صدر أمر من قاضى الأمور المستعجلة بندب الخبير المثمن أنطونيو لمباشرة المأمورية، وقد قام بها وقدم تقريره عنها. وفى 6 من مارس سنة 1948 أقام الطاعن الثانى دعوى فرعية على المطعون عليها وطلب فيها الحكم بالزامها بأن تدفع له مبلغ 593.57 ج. م قيمة التأمين بعد خصم ثمن البضاعة التى بيعت بالمزاد العلنى بمعرفة الخبير المثمن المعين فى الدعوى المستعجلة، مع إلزام الشركة بالفوائد القانونية من تاريخ رفع الدعوى. ونظرا لإلغاء النظام القضائى المختلط قررت المحكمة إحالة النزاع إلى محكمة القاهرة التجارية، وقيدت بجدولها برقم 1750 سنة 1949 وفى 22 من مايو سنة 1950 قضت المحكمة فى الدعوى الأصلية المرفوعة من المطعون عليها برفضها، وفى الدعوى الفرعية بالزام الشركة بأن تدفع إلى الطاعن الثانى 5930.57 ج. م مع الفوائد بواقع 5% من 6 مارس سنة 1948. فاستأنفت الشركة المطعون عليها هذا الحكم وقيد استئنافها برقم 225 سنة 72 ق القاهرة، وفى 24 من يناير سنة 1951 تدخل الطاعن الأول فى الدعوى بصفته مصفيا للشركة الواقعية بين الطاعن ودريك بلهونز وانضم إلى الطاعن الثانى فى طلباته، وقبلت المحكمة تدخله. وفى 11 من أبريل سنة 1951 قضت المحكمة بقبول الاستئناف شكلا، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف بكامل أجزائه وقبول الدعوى الأصلية المرفوعة من المستأنفة، والقضاء ببطلان بوليسة التأمين المؤرخة فى 7 من مايو سنة 1946 برقم 10652984 المعقودة بين المستأنفة والمستأنف عليه، وبسقوط حق المستأنف عليه فى المطالبة بقيمة التعويض الوارد فى تلك البوليسة ورفض دعوى التعويض المرفوعة من المستأنف عليه، ورفض طلبات المتدخل (الطاعن الأول) فقرر الطاعنان الطعن فى هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بنى على ثلاثة أسباب: يتحصل السبب الأول فى أن الحكم المطعون فيه مشوب بالقصور والتناقض فى الأسباب، ذلك أنه أولا قرر أن المستودع كان يستعمل لتنظيف الحبوب الملوثة بالمازوت، وأن صاحبه أصلان حكيم كان يباشر فى عملية التنظيف وأنه ثبت من معاينة النيابة ومن الرسم التخطيطى أن مكان الفرن يبعد مترين فقط من موضع الجوالات التى احترقت وكان بجانبه حبوب منثورة وملوثة بالمازوت والحكم إذ يقرر ذلك إنما يشير إلى المعاينة التى أجرتها النيابة دون أن يذكر العناصر الواردة فيها، ولم يوضح متى أدخل أصلان حكيم الحبوب الملوثة فى المستودع، ومتى قام بتنظيفها وتوضيح هذه الواقعة له أهميته إذ أن الفقرة أ من المادة 8 التى استند إليها الحكم لإبطال البوليسة لا تنص على هذا البطلان إلا فى حالة تغيير يحدث فى المستودع بعد تاريخ العقد (ثانيا) أنه ليس فى المعاينة أو الرسم التخطيطى ما يدل من قريب أو بعيد على وجود الفرن على بعد مترين من الجوالات كما قرر الحكم المطعون فيه، وقد كان دفاع الطاعنين أن قطع الأقمشة المبللة بالبترول التى كان يستعملها حكيم لتجربة تنظيف القمح الملوث كانت بعيدة فى الأصل عن الجوالات التى كانت بها البضاعة، وأن هذه الجوالات نقلت فى أثناء إخماد الحريق حتى أن بعضها وضع فوق تلك الأقمشة واستندا فى ذلك إلى أقوال الشهود فى تحقيق النيابة. (ثالثا) أنه يبين من أسباب الحكم أنه اعتبر وجود الفرن فى المخزن عنصرا هاما أسس عليه قضاءه لبطلان العقد بناء على المادة 8 من البوليسة فكان لزاما عليه أن يصفه ويبين خطورة أمره والتاريخ الذى أنشأه فيه حكيم فى المخزن، ومن كان يستعمله وهل كان لاستعمال الخفير الخاص أو الاستعمال حكيم فى تنظيف القمح الملوث وأسباب الحكم فى هذا الخصوص فيها كثير من الغموض والتخاذل ذلك أنه إذا كان صاحب المخزن هو الذى فعل ذلك فيكون هو المسئول دون سواه، ولا مسئولية على الطاعن الثانى فى هذا الشأن كما لم يبين الحكم أن المؤمن له كان يعلم أن الخفير كان يشعل الموقد لنضج طعامه. (رابعا) أن الحكم أضاف إلى وجود الفرن وجود البترول وخطورته إلا أن فى أسبابه ما يدل على أنه استبعد القول بأن وجود البترول يعتبر مخالفة لعقد التأمين ذلك لأن هذا العقد يسمح للمؤمن له أن يدخل فى المكان الموجود فيها البضاعة الأولى مواد أخرى اشتد احتراقا لغاية 300 جنيه.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بما أورده الحكم المطعون فيه من أن عقد التأمين وصف المكان الذى أودعت فيه البضائع المؤمنة بأنه مستودع غير مسقوف ومملوك إلى إسحق أصلان حكيم وقد بان من المعاينة التى أجرتها النيابة على إثر نشوب الحريق فى ذلك المستودع فى 17 من يوليه سنة 1946 عقب تحرير عقب التأمين أن ذلك المستودع كان يستعمل لتنظيف الحبوب الملوثة بالمازوت وأن صاحبه كان يباشر فيه عملية تنظيف الحبوب بإزالة المازوت بواسطة غسلها بالبترول وقد أقام فرنا لتسخين المياه اللازمة لتلك العملية كما ثبتت من معاينة النيابة ومن الرسم التخطيطى أن مكان الفرن يبعد مترين فقط عن موضع الجوالات التى احترقت، وكانت إلى جانبه حبوب منثورة على أرض ملوثة بالمازوت. وقد شهد ضابط المطافئ على إبراهيم أن الحريق يرجع إلى إهمال ناشئ من وجود البترول والمازوت، ومن الجائز أن تكون قد انبعثت شرارة من الفرن فاتصلت بالبضائع المودعة. ولما كانت عملية تنظيف الحبوب مصدرها المستأنف عليه (الطاعن الثانى) فهو الذى حدّث أصلان حكيم فى شأنها وطلب منه مباشرتها، وهو صاحب القمح الذى نقل إلى المستودع لتنظيفه، ولا شك أنه كان على بينة من أمر تلك العملية لأنها تهمة وقد قرر أصلان حكيم أن مندوب المستأنف عليه كان يتردد يوميا على المستودع حتى سبعة أيام قبل الحريق، كما أنه وصاحب البضاعة كانا يترددان عليه أيضا. وخلص الحكم إلى أن الطاعن الثانى كان على علم بما اتخذه أصلان حكيم من إجراءات لتنظيف الحبوب الملوثة بالمازوت، وذلك من إقامة فرن على بعد مترين من البضاعة المعترف بشدة قابليتها للالتهاب، ومن إدخال البترول الذى كان يستعمل فى عملية إزالة المازوت، وأن إقامة فرن توقد فيها النيران على بعد مترين من مكان إيداع البضائع المؤمنة مما يزيد فى المخاطر ومن شأنه أن يغير من طبيعة المكان الذى أعد كمستودع. وقد نصت المادة 8 فقرة أ من عقد هذا التأمين على أن كل تغيير أو تعديل يحدث وتكون طبيعته مما تزيد فى المخاطر بالنسبة إلى الغرض المعد له المبنى أو الاستعمال الذى خصص له يحرم المستأمن من حق التعويض إلا إذا حصل من الشركة على قبولها الكتابى بإجراء هذا التعديل – ولما كانت الشركة أجنبية عن التعديل الذى ثم، وبالتالى لم توافق عليه، وكان هذا التعديل بطبيعته مما يزيد مخاطر الحريق تعين تطبيق أحكام هذا النص وحرمان المستأمن من كل تعويض ورد فى عقد التأمين، وأضاف الحكم المطعون فيه ردا على ما ورد بالحكم الابتدائى فيما قرره من أن للطاعن الثانى الحق فى أن يضيف إلى البضائع بضائع مماثلة لغاية 300 جنيه، وأن البترول أقل التهابا من البضائع المؤمنة. أن هذا القول غير منتج فى الدعوى لأن حق إدخال بضائع مماثلة يخالف تمام المخالفة تغيير طبيعة المكان وإيجاد صناعة جديدة من شأنها إزدياد مخاطر الحريق، ولا تأثير للمقاربة بين قابلية البترول للالتهاب وقابلية البضائع الأخرى لأن فى وجود الفرن إلى جانب هذه البضائع وانبعاث الشرر منه ما يزيد مخاطر الحريق بغض النظر عن وجود البترول وطبيعته فى الالتهاب. وهذا الذى قرره الحكم لا خطأ فيه، ذلك أنه متى كان الثابت من عقد التأمين المحرر فى 7 من مايو سنة 1946 أن الفقرة أ من البند الثامن تنص على أن كل تغيير أو تعديل يحدث بالنسبة إلى الغرض المعد له المبنى أو الاستعمال الذى خصص من أجله، ويكون من شأنه زيادة المخاطر دون قبول كتابى من الشركة يحرم المستأمن من حقه فى أى تعويض ولما كان الحكم المطعون فيه إذ قرر أن الحريق نشأ من الموقد الذى أعد لتنظيف الحبوب الملوثة بالمازوت، وكان على بعد مترين من البضائع المؤمنة وأن الطاعن الثانى هو صاحب هذه الحبوب وهو الذى تحدث مع اسحق اصلان حكيم فى شأن تنظيفها، وطلب منه مباشرة هذه العملية، وخلص من ذلك إلى أن هذا الاجراء من جانب الطاعن الثانى يعتبر تغييرا فى طبيعة المكان المودعة فيه البضائع المؤمنة بإيجاد صناعة جديدة من شأنها زيادة مخاطر الحريق، ورتب على ذلك حرمان الطاعن الثانى من مبلغ التعويض وفقا لما يقضى به عقد التأمين. إذ قرر الحكم ذلك فقد استند إلى الأسباب السابق بيانها والتى تودى إلى النتيجة التى انتهى إليها. أما النعى على الحكم أنه أخطأ إذ قرر أن الموقد كان على بعد مترين من البضائع المؤمنة فى حين أنه ليس فى معاينة النيابة أو الرسم التخطيطى ما يدل على ذلك، ولم يوضح ما إذا كان حصول التغيير فى طبيعة المكان كان بعد تاريخ عقد التأمين حتى يكون سببا لابطال بوليسة التأمين فمردود بأنه يبين من محضر التحقيق المقدمة صورته الرسمية بملف الطاعنين أن المحقق أثبت بعد سؤاله البير اجرس أنه فاته أن يثبت فى المعاينة وجود فرن من الطوب الأحمر أمام مكان الحريق فى المخزن مباشرة وعلى بعد مترين منه، وأثبت ذلك أيضا فى الرسم المرفق بهذا التحقيق، كما يبين من التحقيق أن الطاعن الثانى قرر أنه هو الذى سلم القمح الملوث بالمازوت إلى اسحق اصلان حكيم لتجربة عملية تنظيفه فى 13 من يوليه سنة 1946 – أى بعد عقد التأمين المحرر فى 7 من مايو سنة 1946 – وأنه سأله بعد ذلك عما تم فأجابه بأنه لا يزال مستمرا فى هذه العملية ويبين من هذا أن الحكم المطعون فيه إذ قرر أن الموقد كان على بعد مترين من البضاعة المؤمنة، وأن الطاعن الثانى هو الذى سلم القمح إلى اسحق اصلان حكيم لتنظيفه، وأن اعداد الموقد من أجل هذه العملية يعتبر تغييرا فى طبيعة المستودع من شأنه زيادة مخاطر الحريق، قد استمد تلك الوقائع من مصدرها بالتحقيق، ولم يخالف الثابت فيها وأما القول بأن قطع القماش المبللة بالبترول والتى كان يستعملها اسحق أصلان حكيم فى تنظيف القمح كانت بعيدة فى الأصل عن أجولة البضائع المؤمن عليها، وأنها نقلت أثناء إطفاء الحريق، وأن الطاعنين استندا فى ذلك أمام المحكمة إلى أقوال الشهود فمردود بأنهما لم يقدما ما يدل على أنهما أبديا هذا الدفاع أمام محكمة الموضوع، ولا تغنى عن ذلك صورتا المذكرتين المقدمتين منهما بملف الطعن إذ أنهما غير رسميتين فلا تصلحان دليلا على مطابقتهما للأصل ولا يعدو النعى على الحكم فى هذا السبب أن يكون جدلا موضوعيا فى تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع، وبحسب الحكم أن يكون مقاما على أسباب سليمة تكفى لحمله وتؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها فى هذا الخصوص.
ومن حيث إن السبب الثانى يتحصل فى أن الحكم المطعون فيه مشوب بالقصور فى التسبيب، ذلك أنه استند إلى القول بعلم المؤمن له بما فعله صاحب المخزن، إلى أن الأخير كان يقوم بعملية تنظيف القمح بتكليف منه، كما استند إلى أقوال اسحق أصلان حكيم فى التحقيق، فى حين أن هذا الأخير قرر فى التحقيقات أنه بدأ فى العملية قبل الحريق بأسبوع، وأن المؤمن له أو مندوبه كانا يحضران إلى المخزن أحيانا قبل هذا الأسبوع والحكم إذ استند إلى أقوال هذا الشاهد أخذ بها على عكس حقيقتها، يضاف إلى ذلك أنه ليس من الحتم أن كل من كلف شخصا بعملية تهمه يجب بدون شك أن يكون على بينة من أمر الوسائل التى اتخذها الشخص المكلف لإنجاز العملية.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن الحكم المطعون فيه إذ قرر أن الطاعن الثانى كان على علم بعملية تنظيف الحبوب استند إلى أنه هو صاحب القمح، وهو الذى حدّث اسحق أصلان حكيم فى شأنها وطلب منه مباشرتها، وهو تقدير سائغ يتأدى من أوراق الدعوى. ولا محل للنعى على الحكم إذ هو لم يأخذ بأقوال اسحق أصلان حكيم فى خصوص نفى تردد الطاعن الثانى أو مندوبه على المستودع منذ سبعة أيام قبل الحادث تأسيسا على أن المقصود بهذا القول المباعدة بين الطاعن الثانى وحصول الحريق ذلك أن تقدير أقوال الشاهد ومطابقتها للواقع مرده وجدان القاضى واطمئنانه إليها، ولا تثريب على المحكمة إذ هى اطمأنت إلى بعض أقوال الشاهد وأخذت بها، ثم أطرحت ما لم تطمئن إليه منها.
ومن حيث إن السبب الثالث يتحصل فى أن الحكم مشوب بالغموض والقصور فى التسبيب، ذلك أن المطعون عليها أثارت أمام محكمة ثانى درجة حصول الحريق عمدا، فدفع الطاعنان بعدم قبول هذا الوجه من الدفاع، لأن النيابة بعد التحقيق الذى أجرته قررت حفظ الدعوى الجنائية ضد مجهول، ولهذا القرار قوة الشئ المحكوم فيه، فلا تجوز إثارة هذا الدفاع أمام المحكمة المدنية والحكم إذ لم يأخذ بهذا الدفاع وقرر أن النار وضعت عمدا بقصد الحصول على قيمة التأمين، فانه لم يرد على دفاع الطاعنين فى هذا الشأن، والأسباب التى أقام عليها الحكم قضاءه فى هذا الخصوص غير سليمة وبعيدة عن الاحتمال ومخالفة لطرق الإثبات التى نص عليها القانون بطريق الحصر. يضاف إلى ذلك أن الطاعنين استندا أمام المحكمة إلى أقوال الشهود التى تثبت أن أجولة نقلت من محلها أثناء إضفاء الحريق فوضعت مصادفة فوق الخرق المبللة بالبترول التى كان يستعملها اسحق أصلان حكيم فى تنظيف القمح. ومن ثم كان وجودها فى المستودع له ما يبرره، فكان لزاما على المحكمة أن ترد على هذا الدفاع ثم أن الحكم أخذ بواقعة وجود سدس البضاعة فقط قبيل حدوث الحريق مستندا إلى تقرير الخبير، فى حين أن الطاعنين وجها إلى هذا التقرير طعونا جدية خصوصا وأنه بنى على خطأ مادى وهو تقديره كمية البضاعة التى احترقت على أساس أطواق السلك التى كانت تحيط بالجوالات وغاب عن الخبير أن سدس البضاعة فقط هو الذى كان محاطا بتلك الأطواق، وأما الباقى فكان عبارة عن قطعة صلبة واحدة فى جوال واحد لا يحوطه سلك.
ومن حيث إن هذا السبب مردود أولا – بأن الطاعنين لم يقدما ما يدل على إثارة هذا الدفاع أمام محكمة ثانى درجة، ولا يعول فى ذلك على الصورتين الغير رسميتين المقدمتين منهما بملف الطعن كما سبق بيانه ومردود ثانيا بأن قرار الحفظ الذى تصدره النيابة أيا كان سببه، لا يجوز قوة الأمر المقضى قبل المضرور بالحادث، ولا يحول بينه وبين الدعوى المدنية يقيم فيها الدليل على الخطأ ونسبته إلى الطاعن الثانى – فضلا عن ذلك فان الحكم إذ قرر أن الحريق حصل عمدا إنما كان تزيدا منه فى صدد ذكر الوقائع التى تثبت مسئولية الطاعن الثانى عن حصول الحريق، وأما الدعامة الأساسية التى أقام عليها الحكم قضاءه ببطلان بوليسة التأمين وبرفض دعوى التعويض المرفوعة من الطاعن الثانى فهى – مع استبعاد القرائن التى أوردها الحكم – للاستدلال منها على حصول الحريق عمدا – أن التغيير الذى حدث فى طبيعة المستودع وإيجاد الموقد به للقيام بعملية تنظيف القمح الملوث بالمازوت، الأمر الذى رأت المحكمة معه تطبيق نص الفقرة ( أ ) من البند الثانى من عقد التأمين، وبالتالى حرمان المستأمن من مبلغ التعويض استنادا إلى الأسباب السابق بيانها، وهى تكفى وحدها لإقامة الحكم، وليس فيها ما يخالف الثابت فى أوراق الدعوى.
ومن حيث إنه مما تقدم يكون الطعن على غير أساس مما يستوجب رفضه.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات