الطعن رقم 217 سنة 21 ق – جلسة 16 /12 /1954
أحكام النقض – المكتب الفنى – مدنى
العدد الأول – السنة 6 – صـ 270
جلسة 16 من ديسمبر سنة 1954
القضية رقم 217 سنة 21 القضائية
برياسة السيد الأستاذ عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة
الأساتذة: محمد نجيب أحمد، وأحمد العروسى، ومحمد أمين زكى، ومحمد فؤاد جابر المستشارين.
( أ ) مسئولية. الخطأ الموجب للمسئولية وقع من الموظف ولم تشاركه فيه الحكومة. مسئولية
الحكومة فى هذه الحالة هى مسئولية المتبوع عن عمل تابعة. تعتبر متضامنة مع الموظف قبل
المضرور فى التعويض فى علاقتها مع الموظف لا تعتبر مدينة بصفة أصلية. المادة 152 مدنى
قديم.
(ب) مسئولية. اقتراف موظفين جريمة. إلزامهم مع الحكومة بالتعويض متضامنين للمضرور.
عدم ثبوت وقوع خطأ شخصى من جانب الحكومة ساهم فى وقوع الجريمة. وجوب اعتبار الحكومة
فى مركز الكفيل المتضامن لا المدين المتضامن. قيامها بدفع التعويض للمضرور. لها أن
ترجع بجميع ما أدته على أى من هؤلاء الموظفين. المادة 505 مدنى قديم.
(ج) مسئولية. مجال تطبيق المادة 169 من القانون المدنى الجديد المقابلة للمادة 150
وما بعدها مدنى قديم. هو بين مرتكبى الفعل الضار أنفسهم. عدم جواز تطبيقها على من لم
يساهم فى الخطأ وكانت مسئوليته مجرد مسئولية متبوع عن عمل تابعه.
1 – متى كان الثابت أن الموظف قد ارتكب الخطأ الموجب لمسئوليته حال تأدية عمله واعتمادا
على سلطة وظيفته ولم يقع خطأ شخصى من جانب الحكومة عند مقارفة الموظف لهذا الخطأ الذى
أقيم عليه الحكم بالتعويض المدنى، فتكون مسئولية الحكومة بهذا الوصف هى مسئولية المتبوع
عن تابعه فهى ليست مسئولية ذاتية عن خطأ شخصى وقع منها وإنما تقوم مسئوليتها على أساس
الخطأ الحاصل من الغير وهو الموظف التابع لها وبذلك تكون متضامنة مع تابعها ومسئولة
قبل المضرور عن أفعاله غير المشروعة وفقا للمادة 152 من القانون المدنى القديم وليست
مسئولة معه بصفتها مدينة.
2 – متى كان الحكم الجنائى قد قضى بالزام الموظفين المقترفين للجريمة متضامنين بالتعويض
المدنى كما قضى بالزام الحكومة بهذا التعويض بطريق التضامن مع هؤلاء الموظفين على اعتبار
أنها مسئولة عنهم مسئولية المتبوع عن تابعه وليست مسئولة معهم عن خطأ شخصى وقع منها
ساهم فى ارتكاب هذه الجريمة – فانها بهذا الوصف تعتبر فى حكم الكفيل المتضامن، كفالة
ليس مصدرها العقد، وإنما مصدرها القانون، فاذا دفعت التعويض المحكوم به على موظفيها
باعتبارهم مسئولين عن إحداث الضرر الذى كان أساسا للتعويض تنفيذا للحكم الجنائى الصادر
فى الدعوى المدنية فان لها بهذا الوصف أن تحل محل الدائن المحكوم له بالتعويض فى حقوقه
ويكون لها الحق فى الرجوع على من المدينين المتضامنين بجميع ما أدته وفقا للمادة 505
من القانون المدنى القديم.
3 – الحكم الذى قررته المادة 169 من القانون المدنى الجديد المقابلة للمادة 150 وما
بعدها من القانون المدنى القديم والتى تنص على أنه إذا تعدد المسئولون عن عمل ضار كانوا
متضامنين فى إلزامهم بتعويض الضرر، وتكون المسئولية فيما بينهم بالتساوى إلا إذا عين
القاضى نصيب كل منهم، هذا الحكم لا يرد إلا عند تحديد مسئولية كل شخص من محدثى الضرر
المتضامنين، وذلك فيما بين مرتكبى الفعل الضار أنفسهم. وإذن فمتى كانت الحكومة لم ترتكب
خطأ شخصيا من جانبها وأن مسئوليتها بالنسبة للخطأ الذى اقترفه الموظفون التابعون لها
هى مسئولية المتبوع عن عمل تابعه فانها لا تعتبر بالنسبة لهؤلاء الموظفين مدينة أصلا
ولا تتحمل شيئا من التعويض المحكوم به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر ومرافعة
المحاميين عن الطرفين والنيابة العامة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع – حسبما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر الأوراق – تتحصل فى
أن النيابة العامة اتهمت الطاعن وآخرين فى قضية الجناية رقم 1326 سنة 26 أجا – بأنهم
فى المدة بين 4 و9 من شهر مايو سنة 1925 قبضوا على أبو شوشه وآخرين وأودعوهم نقطة البوليس
باخطاب وحبسوهم بها بغير وجه حق مددا تتراوح بين يوم وأربعة أيام وعذبوهم التعذيبات
البدنية التى ورد وصفها بقرار الاتهام، كما اتهم الطاعن باستعمال القسوة مع أحمد أحمد
النحاس وآخرين بأن ضربهم وأحدث آلاما وجروحا بأبدانهم ونشأ عن ضربه لأولهم إصابات استوجبت
مرضه وعجزه عن أعماله الشخصية مدة تزيد على عشرين يوما – وفى 8 من يونيو سنة 1927 قرر
قاضى الإحالة احالة المتهمين إلى محكمة جنايات المنصورة. وأثناء نظر الدعوى الجنائية
تدخل محمود الأتربى وآخرون مدعين بحقوق مدنية، وطلب كل من محمود الأتربى ومحمود عبد
النبى الحكم لهما على المتهمين والحكومة متضامنين وطلب الأول الحكم له بعشرة آلاف من
الجنيهات وللثانى ألفى جنيه، وذلك على سبيل التعويض نظير ما لحقهما من ضرر، وطلب أحمد
أحمد النحاس وفاطمه البلتاجى الحكم لكل منهما بمبلغ خمسين جنيها تعويضا على المتهم
الأول والحكومة متضانين. كما طلب باقى المدعين بالحق المدنى لهم بمبلغ مائة جنيه على
المتهمين جميعا والحكومة متضامنين وفى 15 من يناير سنة 1930 قضت محكمة جنايات المنصورة
بمعاقبة الطاعن بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات وبحبس خمسة متهمين آخرين ستة شهور لكل
منهم، وبالزام جميع المحكوم عليهم بالعقوبة والحكومة بالتضامن بأن يدفعوا مبلغ ألفى
جنيه لمحمود الأتربى ومبلغ خمسمائة جنيه لمحمود عبد النبى، وبالزام الطاعن ومحمد مبروك
والحكومة متضامنين بأن يدفعوا لأحمد النوسانى مبلغ ألف قرش وبالزام الطاعن ومحمد مبروك
ويس عبد الكريم والحكومة متضامنين بأن يدفعوا لمحمد مندور مبلغ ألف قرش، وبالزام الطاعن
ومحمد عثمان وعلى كريم والحكومة متضامنين بأن يدفعوا لاسماعيل بلال ألف قرش، وبالزام
الطاعن ومحمد عثمان ومحمد مبروك والحكومة متضامنين بأن يدفعوا إلى محمود محمد عوض ألفا
وخمسمائة قرش. وبصحيفة معلنة فى 11 من نوفمبر سنة 1940 أقامت المطعون عليها الدعوى
رقم 139 سنة 1941 القاهرة الابتدائية على الطاعن وقالت بيانا لها إنها بناء على الحكم
الصادر من محكمة جنايات المنصورة دفعت مبلغ 2689 جنيها و600 مليم قيمة المحكوم عليها
به للمدعين بالحق المدنى باعتبارها ضامنة ومسئولة عن أعمال الطاعن فيحق لها الرجوع
عليه بما دفعته، وطلبت الحكم لها بالزام الطاعن بهذا المبلغ مع الفوائد والمصروفات
ومقابل أتعاب المحاماة. فطلب الطاعن أصليا الحكم برفض الدعوى، واحتياطيا إلزامه بدفع
سبع المبلغ المطلوب الحكم عليه به، لأن الحكومة أحد المحكوم عليهم فيجب عند رجوع الضامنين
بعضهم على بعض أن يقسم المبلغ على عدد الرؤوس عند عدم تحديد نسبة أخرى فى الحكم الجنائى
القاضى بالتعويض. وفى 27 من نوفمبر سنة 1945 قضت المحكمة بالزام الطاعن بمبلغ 2689
جنيها و600 مليم والفوائد بواقع 5% سنويا من تاريخ المطالبة الرسمية فى 11 من نوفمبر
سنة 1940 حتى الوفاء، مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف الطاعن هذا الحكم
وقيد استئنافه برقم 152 سنة 64 ق القاهرة تأسيسا على أن مسئولية الحكومة فى القضية
الجنائية ليست مسئولية تبعية بوصفها ضامنة له ولباقى المحكوم عليهم، ولكنها مسئولية
أصلية، لأن الأفعال التى عوقب المتهمون عنها انما كانت من وحى الحكومة بأمرها وبتحريضها،
فهى شريكة معه فى الخطأ، بل هى المخطئة الأولى. وفى 7 من يناير سنة 1951 قضت المحكمة
بقبول الاستئناف شكلا، ورفضه موضوعا وبتأييد الحكم المستأنف فقرر الطاعن الطعن فى هذا
الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بنى على أربعة أسباب يتحصل السببان الأول والثانى أن الحكم المطعون
فيه، أخطأ فى تطبيق القانون من وجهين: الأول – أن الحكم الابتدائى سلم بأن مسئولية
المطعون عليها بالنسبة للتعويض المقضى به تقوم على أساس المادة 152 من القانون المدنى
التى تجعل السيد ملزما بتعويض الضرر الناشئ للغير عن أعمال خدمه، متى كان واقعا منهم
أثناء تأدية وظائفهم، إلا أنه أخطأ فى تفهم طبيعة هذه المسئولية، إذ اعتبرها من قبيل
مسئولية الكفيل المتضامن، ورتب على ذلك الحق لوزارة الداخلية فى الرجوع على الطاعن
وحده بكامل التعويض المقضى به تطبيقا للمادة 505 من القانون المدنى القديم، فى حين
أن مسئولية المتبوع عن تابعه إنما هى مسئولية أصلية تقوم على افتراض الخطأ فى الرقابة
والتوجيه بمعنى أن لكل من مسئولية التابع ومسئولية المتبوع أساسا قانونيا مستقلا عن
الآخر. فمسئولية التابع تنجم عن ارتكابه الفعل الضار طبقا للقواعد العامة، أما مسئولية
المتبوع فمصدرها افتراض الخطأ فى الرقابة والتوجيه والاختيار. وقول الحكم الابتدائى
المؤيد فى الحكم المطعون فيه إن مسئولية السيد عن خادمه تقوم على مجرد الضمان والكفالة
مردود بأن الكفالة تقوم على عقد ولا تثبت إلا بالكتابة، وهى بذلك أبعد ما تكون عن مسئولية
السيد عن خادمه التى وردت فى باب المسئولية عن الغير، ومن ثم يتعين أن تقام هذه المسئولية
على أساس المادة 169 من القانون المدنى الجديد التى تنص على أنه إذا تعدد المسئولون
عن عمل ضار كانوا متضامنين فى التزامهم بتعويض الضرر، وتكون المسئولية فيما بينهم بالتساوى
إلا إذا عين القاضى نصيب كل منهم. والوجه الثانى أن الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم
المطعون فيه إذ اعتبر حق المطعون عليها فى الرجوع بكامل التعويض مستندا فى ذلك إلى
المادة 162 من القانون المدنى القديم، وإذ اعتبر الحكمان الابتدائى والاستئنافى أن
التضامن المقضى به من قبيل التأمينات التى تضمنتها المادة المذكورة قد أخطأ فى تطبيق
القانون. ذلك أن هذه المادة لم تقصد إلا التأمينات الخاصة التى اتفق عليها الطرفان
فيما بينهما، وليس من بينها التضامن الاتفاقى أو القانونى. وليس أدل على ذلك من أن
المادة 297 من القانون المدنى الجديد نصت على أنه إذا وفى أحد المدينين المتضامنين
كل الدين، فلا يجوز أن يرجع على الباقين إلا بقدر حصته فى الدين، ولو كان بماله من
حق الحلول قد رجع بدعوى على الدائن.
ومن حيث إن هذين السببين مردودان أولا بأن الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه فى هذا الخصوص
بالحكم المطعون فيه إذ قضى بإلزام الطاعن بالمبلغ المحكوم به للمطعون عليها قد أسس
قضاءه على أن الحكم الصادر من محكمة جنايات المنصورة اعتبر أن الفعل الموجب للتعويض،
وهو الفعل الجنائى إنما وقع من المتهمين أثناء قيامهم بتأدية وظيفتهم وسببها، وأنه
لم يصدر من الحكومة أمر بارتكاب ما وقع وأن مجرد فعله لمطابقة هوى من الحكومة القائمة
وقتئذ ليس من شأنه أن يجعل هذا بمثابة أمر حكومى بارتكاب الفعل المحكوم من أجله بالعقوبة
والتعويض. ولذلك يكون ما جاء بهذا الحكم عن قيام المتهمين بفعل يسترضون به الحكومة
القائمة بالأمر، واتصال هذا الفعل بسلطة الوظيفة هو تأسيس لمسئولية الحكومة وفقا للمادة
152 من القانون المدنى القديم لجعلها مسئولة عن تعويض الضرر، وليس لجعلها مدينة أصلية
شأنها فى ذلك شأن المتهمين. وعلى أن الحكم الجنائى قطع فى تحديد نوع التضامن إذ ورد
فيه أن دعوى الضمان بالتضامن الموجهة إلى الحكومة تابعة للدعوى الأصلية، وهذا التحديد
الذى ورد فى أسباب هذا الحكم الخاصة بالدعوى المدنية مرتبط بمنطوقه القاضى بالتضامن،
وهذا التكييف الذى ورد بالحكم الجنائى هو الذى يجب أن تقوم عليه دعوى الرجوع، وهو تكييف
مطابق للقواعد القانونية المستمدة من الضمان القانونى الذى على السيد للخادم وفقا للمادة
152 من القانون المدنى القديم. وأما فى خصوص طلب الطاعن تقسيم المبلغ المحكوم به على
عدد الرؤوس لعدم وجود نسبة أخرى فى الحكم فإن الحكومة ضامنة متضامنة والمدينون المتضامنون
فى المسئولية هم المتهمون فإذا أدت الحكومة التعويض المحكوم به فإنها ترجع على أى من
المدينين المتضامنين بجميع ما حكم به وفقا للمادة 505 من القانون المدنى القديم. وأضاف
الحكم الاستئنافى أن الحكم الجنائى وهو أساس دعوى الرجوع حدد نوع المسئولية التى ألقاها
على عاتق الحكومة فجعلها مسئولة باعتبارها ضامنة متضامنة مع المتهمين لا مدينة معهم،
على أساس أن الطاعن ومن معه قد قارفوا الجرائم التى عوقبوا من أجلها فى محل الحكومة
الرسمى واعتمادا على سلطة وظائفهم، وأن الحكومة مسئولة عن موظفيها كما يسأل المخدوم
عن خادمه، ولا يغير من طبيعة هذه المسئولية قول المستأنف (الطاعن) أنه فيما وقع منه
إنما كان يصدع بأمر رؤسائه وتنفيذا لتعليماتهم، فإن هذا القول إن صح لا يزيد عن أن
يجعل من هؤلاء الموظفين شركاء له فى المسئولية بصفة أصلية، وتبقى مسئولية الحكومة كما
هى مسئولية تبعية. وهذا الذى قرره الحكم لا خطأ فيه، ذلك أنه يبين من الحكم الصادر
من محكمة جنايات المنصورة فى 15 من يناير سنة 1930 أنه إذ قضى فى الدعوى المدنية بالتعويض
للمدعين بالحق المدنى، أقام قضاءه بإلزام الحكومة باعتبارها ضامنة متضامنة مع المحكوم
عليهم بالعقوبة على أساس أن الطاعن ومن معه ممن ثبتت التهمة عليهم قد قارفوا الجرائم
التى حكم عليهم بالعقوبة من أجلها حال تأدية عملهم واعتمادا على سلطة وظيفتهم. فهى
لذلك مسئولة عنهم مسئولية المتبوع عن تابعة وفقا للمادة 152 من القانون المدنى القديم
والحكم المطعون فيه إذ قضى بحق المطعون عليها فى الرجوع على الطاعن بما دفعته إلى المحكوم
لهم بالتعويض ومقداره 2689 جنيها و600 مليم قد استند فى ذلك إلى ما ورد بأسباب الحكم
الجنائى. ولما كانت مسئولية المطعون عليها بهذا الوصف هى مسئولية المتبوع عن تابعه،
فهى ليست مسئولية ذاتية عن خطأ شخصى وقع منها، وإنما تقوم مسئوليتها على أساس الخطأ
الحاصل من الغير وهم الموظفون التابعون لها. وبذلك تكون متضامنة مع تابعيها ومسئولة
قبل المضرورين عن أفعالهم الغير مشروعة وفقا للمادة 152 المشار إليها، وليست مسئولة
معهم بصفتها مدينة معهم متى كان الحكم المطعون فيه استنادا إلى الأسباب السليمة التى
أوردها والسابق بيانها قد نفى حصول خطأ شخصى وقع منها عند مقارفة الطاعن ومن معه للجرائم
التى عوقبوا من أجلها والتى كانت أساسا للتعويض المدنى. ولا يعتبر من هذا النظر ما
ورد بالحكم المطعون فيه من أن الطاعن قد ارتكب هذه الجرائم اعتقادا منه أن ذلك يصادف
هوى فى نفس الحكومة القائمة بالأمر وقتئذ إذ أن الثابت من هذا الحكم أن المطعون عليها
لم يصدر من جانبها أمر إلى الطاعن بارتكاب الجرائم التى حكم عليه بالعقوبة من أجلها
وكانت أساسا للحكم بالتعويض المدنى. ومردود ثانيا بأنه متى كان الحكم الجنائى قد قضى
بإلزام الطاعن مع باقى المحكوم عليهم بالعقوبة متضامنين بالتعويض المدنى، كما قضى بإلزام
المطعون عليها بهذا التعويض بطريق التضامن مع المحكوم عليهم بالعقوبة وبالتعويض المدنى،
على اعتبار أنها مسئولة عنهم مسئولية المتبوع عن تابعه، وليست مسئولة معهم عن خطأ شخص
وقع منها ساهم فى ارتكاب هذه الجرائم، فإنها بهذا الوصف تعتبر فى حكم الكفيل المتضامن
كفالة ليس مصدرها العقد، وإنما مصدرها القانون. فإذا كانت المطعون عليها – كما هو الشأن
فى هذه الدعوى قد دفعت المبلغ المحكوم به على الطاعن ومن معه باعتبارهم مسئولين عن
إحداث الضرر الذى كان أساسا للتعويض تنفيذا للحكم الجنائى الصادر فى الدعوى المدنية
فلها بهذا الوصف أن تحل محل الدائنين المحكوم لهم بالتعويض فى حقوقهم، ويكون لها الحق
فى الرجوع على أى من المدينين المتضامنين بجميع ما أدته وفقا للمادة 505 من القانون
المدنى القديم. وأما استناد الطاعن إلى حكم المادة 169 من القانون المدنى الجديد التى
تنص على أنه إذا تعدد المسئولون عن عمل ضار كانوا متضامنين فى التزامهم بتعويض الضرر،
وتكون المسئولية فيما بينهم بالتساوى إلا إذا عين القاضى نصيب كل منهم، فمردود بأن
حكم هذه المادة وهى لمقابلة للمادة 150 وما بعدها من القانون المدنى القديم، إنما يرد
عند تحديد مسئولية كل شخص من محدثى الضرر المتضامنين فى إلزامهم وذلك فيما بين مرتكبى
الفعل الضار أنفسهم والمطعون عليها ليست مسئولة مع الطاعن ومن معه عن فعل شخصى وقع
من جانبها حتى تعتبر مدينة أصلا وتتحمل قسطا من مبلغ التعويض المحكوم، وإنما هى مسئولة
فقط عن الخطأ الذى وقع من تابعيها وكان سببا لهذا التعويض.
ومن حيث إن السبب الثالث يتحصل فى أن الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه إذ
قرر أن المحكوم لهم بالتعويض قد اختصموا وزارة الداخلية باعتبارها مجرد ضامنة وكفيلة،
قد خالف الثابت فى هذا الحكم. ذلك أن الحكم الجنائى أورد فى أسبابه أن المجنى عليهم
طلبوا الحكم على المتهمين والحكومة متضامنين بالتعويض وقد صدر الحكم بإلزام المحكوم
عليهم بالعقوبة والحكومة بالتضامن يؤيد ذلك أن وزارة الداخلية كانت قد طعنت فى حكم
محكمة الجنايات بالنقض بالنسبة للدعوى المدنية، وظاهر من مذكرتها ومذكرة المجنى عليهم
فى هذا الصدد أن الدعوى المدنية وجهت من الأخيرين على أساس المادة 152 من القانون المدنى
القديم. وكانت المطعون عليها تطلب تأسيسها على حكم المادة 151 من هذا القانون. ولا
وجه للتحدى بما أورده الحكم الجنائى ردا على دفاع المطعون عليها من أن الدعوى المدنية
بمثابة دعوى الضمان بالتضامن من حيث تبعيتها للدعوى الأصلية الموجهة إلى المتهمين،
لأن الحكم لم يقصد بذلك تغيير الأساس الذى قامت عليه مشاركة الحكومة، وإنما هى عبارة
انساب بها القلم فى مجال الرد على الدفع الفرعى مسايرة لخطأ دارج حيث تستعمل كلمة الضمان
فى مقام الالزام أحيانا.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن الحكم الابتدائى المؤيد لاسبابه بالحكم المطعون فيه
فى هذا الخصوص بعد أن استعرض واقعة الدعوى، واستظهر أوجه دفاع طرفى الخصومه قرر أن
أساس دعوى الرجوع فى تحديد طبيعة مسئولية الحكومة هو الحكم النهائى الصادر فى القضية
الجنائية لبيان ما إذا كانت مسؤلة بصفتها مدينة أم بصفتها ضامنة. وقد أقام الحكم الجنائى
قضاءه بمسؤلية المطعون عليها على أساس أن المتهمين استعملوا فى ارتكاب جريمتهم سلطة
وظائفهم واعتقلوا المجنى عليهم وعذبوهم بمحل الحكومة الرسمى، ولم يكونو فى عملهم هذا
مدفوعين بعامل شخصى كبغض أو كراهية أو انتقام… بل كانوا مدفوعين بعامل الرغبة فى
إرضاء الحكومة القائمة فى ذلك الحين لما أنسوه من رغبتها فى الحط من كرامة المدعيين
بالحق المدنى الأولين واسقاطهما فى الأنتخابات لأنهما من الحزب المعارض لسياستها. ومع
ثبوت أن المتهمين قد أتوا ما أتوه تحت تأثير هذه الرغبة ونزوعا إلى تحقيقها، فتكون
الحكومة مسؤلة بالتضامن مع موظفيها العموميين (المتهمين) عن تعويض ذلك الضرر، وإن ضمان
الموظف شخصيا لا يعفى الحكومة من ضمانها قبل الشخص الذى أصابه ضرر من جراء سوء سير
الأعمال فى مصلحة عامة. ولا محل لما دفعت به الحكومة من أن هذه المطالبة لا تكون إلا
أمام المحاكم المدنية، لأن الدعوى المدنية الموجهة للمتهمين تابعة للدعوى الجنائية،
ودعوى الضمان بالتضامن الموجهة إلى الحكومة تابعة للدعوى المدنية وعلى ذلك يكون الحكم
المطعون عليه إذ اعتبر المطعون عليها مسؤلة عن التعويض بوصف كونها ضامنة متضامنة مع
المتهمين، وليس باعتبارها مدينة متضامنة معهم تأسيسا على أسباب الحكم الجنائى المذكور
فإن ما أورده فى هذا الخصوص من أسباب سبق الإشارة إليها يتأدى من مفهوم هذا الحكم،
ولا يخالف الثابت فيه.
ومن حيث إن السبب الرابع يتحصل فى أن الطاعن دفع بعدم مسئوليته عن دفع أى جزء فى التعويض
المقضى به للمدعين بالحق المدنى إزاء وزارة الداخلية على أساس أنه فيما عزى إليه إنما
كان منفذا لرغبات الحكومة القائمة وقتئذ. وقد أبرزت محكمة الجنايات هذه الحقيقة وسجلتها
فى موضوعين بشكل لا يحتمل لبسا ولا تأويلا. إذ قررت أنه ثبت من التحقيقات وخصوصا من
أقوال محمود الأتربى ومحمود عبد النبى إن هذه الفظائع إرتكبت تمهيدا للانتخابات التى
كان مقررا اجراؤها ليلة 23 من مايو سنة 1925…. وإذ قررت أن المتهمين استعملوا فى
ارتكاب جريمتهم سلطة وظائفهم، ولم يكونوا فى عملهم هذا مدفوعين بعامل شخصى… بل كانوا
مدفوعين بكامل الرغبة فى ارضاء الحكومة القائمة فى ذلك الحين وفى هذا من الدلالة ما
يفهم منه أن محكمة الجنايات بنت قضاءها بالعقوبة وبالتعويض على أساس أن الحكومة القائمة
وقتئذ هى التى أوحت إلى المتهمين باستعمال العنف والشدة. ولكن الحكم المطعون فيه لم
يخضع لهذه الحقيقة وأسس قضاءه على أنه لم يثبت صدور أمر كتابى من الحكومة إلى الطاعن،
ومن معه باستعمال الشدة والعنف وزاد بأنه لا يمكن تصور أن تكون الحكومة باعتبارها شخصا
معنويا مسئولة كمدينة فى هذا الشأن وإلا لأمكن رفع الدعوى الجنائية عليها وهو أمر غير
جائز فى حين أنه ليس من المستساغ أن يسمح للمحرض على ارتكاب جريمة أن يطالب مرتكبها
مقاسمته فى التعويض المقضى به ما دام هو صاحب المصلحة فى الجريمة، ولم يكن الفاعل إلا
أداة منفذة له.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن الثابت من الحكم الصادر من محكمة جنايات المنصورة أن
الفعل الجنائى حصل من الطاعن والمحكوم عليهم الخمسة الآخرين بالعقوبة، وأن هذا الفعل
وقع حال تأدية وظيفتهم وبسببها، وأنه لم يثبت صدور أمر من الحكومة بارتكاب هذا الفعل،
وأن هذا الحكم لم ينسب إلى المطعون عليها الاشتراك فى هذا الحادث، وأما ما ورد بهذا
الحكم من أن المتهمين كانوا مدفوعين فى ارتكاب جرائمهم بكامل الرغبة فى إرضاء الحكومة
القائمة فى هذا الحين. هذا القول لا يفيد أن الطاعن قد ارتكب جريمته بتحريض أو إيعاز
من المطعون عليها. وارتكاب الطاعن الجرائم التى حكم عليه من أجلها من تلقاء نفسه اعتقادا
منه أن هذا الفعل يطابق هوى لدى الحكومة القائمة فلا يفيد وقوع خطأ شخصى وقع من جانب
الحكومة ساهمت به فى ارتكاب الجريمة. وأما النعى على ما ورد بالحكم الابتدائى من أن
الشخص المعنوى لا يمكن قانونا ولا يتصور أن يكون مسئولا كمدين فى الدعوى المدنية الناشئة
عن الدعوى العمومية، فهو غير منتج، ذلك لأن الحكم المطعون فيه مقام فى أساسه على أن
الطاعن وباقى من حكم عليهم بالعقوبة هم الذين ارتكبوا الفعل غير المشروع والذى تولد
عنه حق المدعين بالحق المدنى فى التعويض، وأن المطعون عليها لم تكن مسئولة عن هذا التعويض
لخطأ من جانبها، وإنما هى مسئولة باعتبار مرتكبى هذا الفعل موظفين بالحكومة وتابعين
لها. وهذا الذى أقام عليه الحكم قضاءه يكفى وحده لحمله، ومن ثم يكون غير منتج البحث
فيما أورده بعد ذلك تزيدا منه فى صدد الرد على دفاع الطاعن.
ومن حيث إنه مما تقدم يكون الطعن على غير أساس مما يستوجب رفضه.