الطعن رقم 263 سنة 21 ق – جلسة 02 /12 /1954
أحكام النقض – المكتب الفنى – مدنى
العدد الأول – السنة 6 – صـ 226
جلسة 2 من ديسمبر سنة 1954
القضية رقم 263 سنة 21 القضائية
برياسة السيد الأستاذ عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة
الأساتذة: محمد نجيب أحمد وعبد العزيز سليمان ومحمود عياد ومحمد أمين زكى المستشارين.
تقادم. تقادم خمسى. حسن النية. تعريفه. مثال.
حسن النية الذى يقتضيه التملك بالتقادم الخمسى هو اعتقاد المتصرف إليه اعتقادا سليما
تاما حين التصرف أن المتصرف مالك لما يتصرف فيه فإن شاب هذا الاعتقاد أدنى شك امتنع
حسن النية. وإذن فمتى كان الحكم قد استدل على نفى حسن نية مدعى التملك بالتقادم الخمسى
بقرينتين أولهما صلة البنوة بينه وبين من باع إليه الأطيان التى كانت فى الحقيقة مرهونة
لهذا البائع والثانية أن هذه الأطيان لم تكن فى وضع يد هذا البائع أو المرتهن بل استمرت
فى وضع يد البائع وفائيا حتى وفاته، وكان من شأن هاتين القرينتين أن تفيدا قيام الشك
لدى المتمسك بالتقادم الخمسى وقت صدور البيع إليه من والده فى ملكية هذا البائع مما
ينتفى معه حسن النية كما قرر الحكم، ولما كان هذا التقرير مما يستقل به قاضى الموضوع
دون رقابة عليه من محكمة النقض طالما كان استخلاصه سائغا. لما كان ذلك فإنه يكون على
غير أساس النعى على الحكم فى هذا الخصوص بالقصور أو مخالفة القانون.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار ومرافعة المحامى
عن الطاعن والنيابة العامة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراق الطعن تتحصل فى
أن المطعون عليها أقامت الدعوى رقم 168 سنة 1947 مدنى كلى المنيا على الطاعن وعلى باقى
إخوته الذين لم يختصموا فى الطعن وطلبت فيها الحكم بثبوت ملكيتها إلى ثلاثة أفدنة مبينة
حدودها ومعالمها بصحيفة افتتاح الدعوى قائلة إن ملكية هذه الأطيان قد آلت إليها بالميراث
عن مورثها المرحوم أمين أبو زيد على الذى كان قد تملكها بوضع اليد المدة الطويلة المكسب
للملكية – وفى 5 من يونيه سنة 1947 حكمت محكمة الدرجة الأولى تمهيديا بإحالة الدعوى
على التحقيق لتثبت المطعون عليها بكافة الطرق القانونية بما فيها البينة أنها هى ومورثها
من قبلها وضعا اليد على الأطيان المذكورة وضع يد قانونى هادئ مستمر ظاهر بقصد التملك
المدة الطويلة وبعد سماع أقوال شهود الطرفين حكمت للمطعون عليها بطلباتها فى 29 من
أبريل سنة 1948 مؤسسة حكمها على ما يلى: أولا – أن التحقيق كشف عن واقعة هامة هى أن
الأطيان المشار إليها كانت ملكا خالصا لمورث المطعون عليها. وفى 16 من أكتوبر سنة 1923
صدر منه ومن أخيه توفيق أبو زيد على عقد فى صورة بيع وفائى إلى المرحوم على محمد حمد
مورث الطاعن حدّد أجل الإسترداد فيه بميعاد سنتين نهايتها 15 من أكتوبر سنة 1925 –
وأن الأخير باعها ضمن أطيان أخرى إلى إبنه الطاعن بعقد مسجل فى 2 من يونيه سنة 1935
فدفعت المطعون عليها ببطلان عقد البيع الوفائى الصادر إلى مورث الطاعن لأنه كان يستر
رهنا مستندة فى الدفع بالبطلان إلى بخس الثمن وإلى أن الأطيان استمرت فى حيازة مورثها
من تاريخ عقد البيع الوفائى حتى تاريخ وفاة هذا المورث واستدلت على استمرار هذه الحيازة
بعقد إيجار عن هذه الأطيان صادر من مورث الطاعن إلى مورثها لمدة سنتين نهايتهما آخر
مايو سنة 1929 ثانيا – أن شهود المطعون عليها – ولم يطعن عليهم بمطعن مقبول – شهدوا
بأن مورث المطعون عليها قد رهن الأطيان إلى مورث الطاعن الذى لم يضع يده عليها واستمرار
الراهن واضعا يده إلى أن توفى وترك من خلفه ذرية ضعافا لم يستطيعوا زراعتها فوضع مورث
الطاعن يده عليها ثم باعها إلى إبنه الطاعن، وأنها – أى المحكمة – لا تطمئن إلى ما
شهد به شهود الطاعن هو وإخوته، ثالثا – أنه وقد تبين لها – للمحكمة – أن عقد البيع
الوفائى هو عقد باطل بطلانا مطلقا فإن العقد الصادر إلى الطاعن من مورثه ببيع هذه الأطيان
يكون باطلا أيضا، رابعا وأخيرا – أنه عما دفع به المدعى عليه الأول – الطاعن – من أن
الأطيان كانت مملوكة لمورث المطعون عليها هو وأخيه توفيق أبو زيد على فقد ردّت المدعية
– المطعون عليها – بأن الأطيان كانت مملوكة لمورثها وحده وبأن صدور عقد البيع الوفائى
منه ومن أخيه إنما كان لمجرد أن الأطيان كانت مكلفة باسمهما معا فضلا عن أن هذه المسألة
إنما تخص توفيق أبو زيد على وورثة أخيه فلا شأن للطاعن بها، استأنف الطاعن هذا الحكم
وقيد استئنافه فى جدول محكمة استئناف القاهرة برقم 866 سنة 65 ق – دفعت المطعون عليها
بعدم قبول الاستئناف شكلا، وفى 13 من فبراير سنة 1951 حكمت المحكمة المذكورة برفض هذا
الدفع وبقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بتعديل الحكم المستأنف وبثبوت ملكية المطعون
عليها إلى فدان ونصف فدان شيوعا فى الثلاثة أفدنة المبينة بورقة افتتاح الدعوى، فطعن
الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بنى على سببين: يتحصل السبب الأول منهما فى أن الحكم إذ استند إلى
أن عقد البيع الوفائى الصادر إلى مورث الطاعن كان يستر رهنا ورتب على ذلك أن عقد البيع
الصادر إلى الطاعن من والده – المشترى وفائيا – لا يصلح أيضا أساسا للتملك قائلا إن
الطاعن لا يجهل العيب المذكور فى سند ملكية البائع له بوصفه والده ولا تخفى عليه حقيقة
تصرفات والده وأن التصرف كان مقرونا أو مشفوعا بوضع يد أمين أبو زيد – البائع وفائيا
– كما دلت على ذلك شهادة شهود لا مطعن على شهادتهم، إذا استند الحكم إلى ذلك قد شابته
فى هذا الخصوص عيوب ثلاثة: مخالفة الواقع ومخالفة القانون وقصور فى التسبيب ذلك: أولا
– أن ما أورده الحكم المستأنف والحكم المطعون فيه نفسه نقلا عن شهادة الشهود الذين
أشارت المحكمة إلى أقوالهم وقالت إنه لا مطعن على شهادتهم يبين منه أن وضع يد أمين
أبو زيد قد انقطع بوفاته وأن وفاته كانت من حوالى عشرة إلى إثتى عشر سنة سابقا على
شهادة هؤلاء الشهود أى أن وضع اليد المشار إليه قد انقطع حوالى سنة 1935 أو سنة 1936
كما يبين من وقائع الحكم المطعون فيه أن التصرف إلى الطاعن من والده قد صدر فى يونيه
سنة 1935 أى فى وقت معاصر لوفاة أمين أبو زيد ولهذا يكون مخالفا للواقع ما قرره الحكم
استنادا إلى أقوال الشهود من أن التصرف الحاصل إلى الطاعن كان مقترنا أو مشفوعا بوضع
يد أمين أبو زيد على العين موضوع النزاع، ثانيا – أن عقد البيع الذى يتمسك به الطاعن
والصادر إليه من والده هو سبب صحيح قانونا وهو فى ظاهره عقد ينقل الملك متى صدر من
مالك وهو عقد يجوز التملك بمقتضاه بالتقادم الخمسى ويكفى أن يكون لدى الحائز الذى يتمسك
بهذا النوع من التقادم سبب صحيح لمصلحته هو ولا يلتزم بأن يثبت وجود سبب صحيح لمصلحة
من تلقى الحق عنه وأنه إذا تقرر بطلان عقد البيع الوفائى الذى يستر رهنا فإن تصرف المشترى
وفائيا إلى الغير يكون تصرفا صادرا من غير مالك والتصرف من غير مالك تصرف تلحقه الإجازة
لأن البطلان فيه بطلان نسبى ولهذا يجوز فى شأنه التملك بوضع اليد المدة القصيرة عند
توفر السبب الصحيح ويكفى عند قيام السبب الصحيح أن يعتقد المتصرف له أن من يتلقى الحق
عنه يملك هذا التصرف أو أن المتصرف هو صاحب الحق فيما يتصرف فيه وأنه لا خلاف فى حالة
الدعوى على قيام السبب الصحيح ولا خلاف كذلك على وضع اليد الطاعن بعد تاريخ سنة 1935
السابق لوفاة مورث المطعون عليها ولهذا كله يكون مخالفا للقانون ما قرره الحكم المطعون
فيه من أنه لا يصح للطاعن أن يستند إلى عقد البيع السالف ذكره الصادر إليه من المشترى
وفائيا. ثالثا – أن الحكم قد استند فى عدم الاعتداد بالعقد الصادر إلى الطاعن وتقرير
عدم صلاحيته إلى مجرد القول بأن المشترى – الطاعن – لا يجهل العيب المذكور فى سند ملكية
والده ولا تخفى عليه تصرفاته وذلك دون أن يشير – الحكم – إلى مرجع هذا العلم بالعيب
الوارد فى سند الملك إذ ليس من الوقائع المقررة أن الولد يعلم بعيوب عقد والده هذا
فضلا عن أن عقد هذا الوالد ليس فى ظاهره ما يدل على وجود عيب فيه إذ كل ما ورد فيه
أنه عقد بيع وفائى ينقضى أجل الاسترداد فيه ويصبح نهائيا بعدم رد الثمن فى أكتوبر سنة
1925 ولهذا يكون ما قرره الحكم فى هذا الخصوص مشوبا بالقصور فضلا عن مخالفته للقانون.
ومن حيث إن هذا النعى مردود فى شقه الأول بأن الحكم إذ قرر أن التصرف كان مشفوعا بوضع
يد أمين أبو زيد – مورث المطعون عليهم – إنما قصد بذلك عقد البيع الوفائى الصادر من
هذا المورث إلى والد الطاعن لا عقد البيع الصادر إلى الطاعن من والده كما توهم الطاعن
ذلك خطأ وبنى على ذلك هذا الوجه من أوجه الطعن وهذا واضح من صريح ما ورد بالحكم إذ
قال "وهو – الطاعن – لا يجهل هذا العيب الجوهرى فى سند ملكية البائع له بوصفه والده
ولا تخفى عليه حقيقة تصرفاته وقد كان سند ملكية هذا الوالد – مشفوعا بوضع يد أمين أبو
زيد كما دلت على ذلك شهادة شهود لا مطعن على شهادتهم" ولهذا لا يكون الحكم قد شابه
فى هذا الخصوص خطأ فى الإسناد أو مخالفة للوقائع ومردود فى شقيه الثانى والثالث: أولا
بأن الحكم لم يقل إن الطاعن لا يجهل هذا العيب المذكور فى سند ملكية البائع له وإنما
قال إن الطاعن لا يجهل هذا العيب الجوهرى فى سند الملكية المشار إليه والفرق بين التعبيرين
ظاهر إذ العيب الجوهرى قد يكون فى بعض الأحوال واضحا من نصوص العقد ذاته وقد يستفاد
فى أحوال أخرى من ظروف تحرير العقد وملابساته ولو كانت نصوصه لا تكشف عن أى عيب فيه
ومردود ثانيا – بأن الحكم المطعون فيه إذ قرر أن عقد البيع الوفائى الذى تقرر بطلانه
لأنه يستر رهنا لا يصلح أساسا للتملك بالتقادم الخمسى لم يؤسس قضاءه على عدم اعتبار
هذا العقد سببا صحيحاjuste titre وإنما بنى قضاءه فى هذا الخصوص على ما ثبت لديه من
عدم توافر حسن النية لدى الطاعن وهو المتمسك بالتملك بالتقادم الخمسى وهو شرط لازم
لجواز التمسك بهذا النوع من التقادم ومردود أخيرا بأن حسن النية الذى يقتضيه التملك
بالتقادم الخمسى هو اعتقاد المنصرف إليه اعتقادا سليما تاما حين التصرف أن المتصرف
مالك لما يتصرف فيه فإن كان يشوب هذا الاعتقاد أدنى شك امتنع حسن النية ولما كان الحكم
المطعون فيه قد استدل على نقى حسن نية الطاعن بقرينتين أولاهما صلة البنوة بينه وبين
من باع إليه الأطيان التى كانت فى الحقيقة مرهونة لهذا البائع والثانية أن الأطيان
لم تكن فى وضع يد هذا البائع أو المرتهن بل استمرت فى وضع يد البائع وفائيا – وهو مورث
المطعون عليهم – حتى وفاته وكان من شأن هاتين القرينتين أن تفيدا قيام الشك لدى الطاعن
وقف صدور البيع إليه من والده فى ملكية البائع إليه مما ينتقى معه حسن النية كما قرر
ذلك الحكم المطعون فيه – ولما كان هذا التقدير مما يستقل به قاضى الموضوع دون رقابة
عليه من هذه المحكمة طالما كان استخلاصه سائغا – لما كان ذلك فإنه يكون على غير أساس
ما ينعاه الطاعن على الحكم فى هذا الخصوص من قصور أو مخالفة للقانون.
ومن حيث إن السبب الثانى يتحصل فى أن الحكم قد خالف القانون فيما يتعلق بقواعد الإثبات
ويقول الطاعن فى بيان ذلك أن الحكم التمهيدى الذى صدر من محكمة الدرجة الأولى قضى بإحالة
الدعوى على التحقيق لإثبات ونفى واقعة قانونية محددة هى وضع يد المطعون عليها هى ومورثها
المكسب للملك بمضى المدة الطويلة بشروطه القانونية وهذه الواقعة هى التى كان يمكن أن
يتاح للخصوم مناقشتها فلما ظهر من التحقيق أن الخلاف الحقيقى بين طرفى الخصومة إنما
كان على حقيقة التصرف الصادر من مورث المطعون عليها إلى مورث الطاعن وما إذا كان هذا
التصرف بيعا وفائيا حقيقيا انتقلت بموجبه الملكية بعد انقضاء أجل الوفاء أم بيعا وفائيا
يخفى رهنا. لما ظهر هذا الخلاف طلب الطاعن من محكمة الدرجة الأولى أن تأمر بإحالة الدعوى
على التحقيق من جديد لإثبات صحة البيع الوفائى وتوفر أركانه أو أن تسمح له بإعادة مناقشة
الذين سمعت أقوالهم فلم تجب المحكمة هذا الطلب وكان النعى على ذلك من الأسباب التى
أستند إليها الطاعن فى استئنافه ولكن المحكمة الاستئنافية هى الأخرى رفضت الطلب السابق
بيانه قائلة أن التحقيق الذى قامت بإجرائه محكمة الدرجة الأولى يغنى عن العودة إلى
هذا البحث لأنه تناول وضع اليد بجميع مظاهره وشروطه المكسبة للملكية. وإن وجه الخطأ
فى هذا الذى قرره الحكم المطعون فيه أنه وإن كان للمحكمة أن تستند فى ثبوت أمر ما إلى
تحقيق سابق قامت هى بإجرائه طالما كان هذا الأمر جائزا إثباته بالبينة إلا أنه لا يجوز
للقاضى أن يحصل فهم الواقع من دليل يقدمه أحد الخصوم دون أن تتاح لخصمه فرصة مناقشة
هذا الدليل ونفيه. الأمر الذى لم يتيسر للطاعن لأن الحكم التمهيدى كان قد نفذ بسماع
شهادة شهود الطرفين قبل إثارة الخلاف بشأن حقيقة عقد البيع الوفائى مما لا تتهيأ معه
للطاعن فرصة مناقشة الشهود فى هذا الخصوص.
ومن حيث إن هذا النعى فى غير محله ذلك أنه جاء بالحكم فى هذا الخصوص: "وحيث إن القول
بأن المستأنف عليها الأولى (المطعون عليها) أثارت نزاعا جديدا يختلف اختلافا تاما عن
الموضوع الذى تناوله التحقيق، هذا القول يحتاج إلى إيضاح فقد اعتمدت المستأنف عليها
المذكورة فى طلب الملكية على وضع يد مورثها المدة المكسبة للملكية وجرى التحقيق حول
هذا الطلب فشهد شهودها بأن مورثها هو المالك للأطيان وواضع اليد عليها بهذه الصفة ولكنه
رهنها لعلى محمد حمد واستمر واضعا يده بطريق الإيجار إلى أن توفى فعجزت زوجته المستأنف
عليها عن زراعتها ووضع المرتهن يده على أثر وفاته. هذا بينما شهد شهود المستأنف بأن
وضع اليد كان لوالده بدون انقطاع إلى أن اشترى المستأنف الأطيان من والده فحل محله
فى وضع اليد وقد كانت إشارة الشهود إلى حصول الرهن سببا فى انجلاء الحقيقة فتبين أن
مورث المستأنف عليها باع هو وأخوه الثلاثة أفدنة بيعا وفائيا لعلى محمد حمد بعقد مسجل
فى 31 من ديسمبر سنة 1923 مدته سنتان وتقدمت صورة رسمية من هذا العقد وثبت من عقد البيع
الذى يتمسك به المستأنف أن البائع له وهو والده يملك الأطيان المبيعة بموجب عقد البيع
الوفائى هذا وبانقضاء المهلة المحددة فيه وصيرورته بيعا نهائيا وعلى هذا النحو أصبحت
واقعة البيع الوفائى حقيقة معترفا بها من الجانبين وبقى أن يعرف هل التصرف الحاصل من
أمين وتوفيق أبو زيد كان ينطوى على بيع يراد منه نقل الملكية تحت شرط فاسخ أو يخفى
رهنا ولما كان القانون يسمح بإثبات عكس ما فى العقد بدون التفات إلى نصوصه كان من حق
المستأنف ضدها أن تستند فى دفاعها إلى البينة والقرائن ولم تكن المحكمة فى سبيل تحقيق
هذا الدفاع فى حاجة إلى إحالة الدعوى على التحقيق من جديد فى خصوص وضع اليد لأن تحقيقها
السابق فيه غنى عن العودة إلى هذا البحث فقد تناول وضع اليد فى جميع مظاهره وشرائطه
المكسبة للملكية وشهد شهود الطرفين بما يتفق ودعوى من استشهد بهم فما الذى يبغيه المستأنف
من تحقيق آخر أقصى ما يرجوه من ورائه أن يثبت أنه هو والبائع له من قبله وضعا اليد
بصفتهما مالكين وهو عين ما أجمع عليه شهوده وإذا كان شهود خصمه شهدوا بما ينقض دعواه
وذكروا واقعة الرهن عرضا فى بيان شهادتهم فقد ثبت من مستنداته أن ما شهدوا به صحيح
على خلاف فى التقدير إن كان الأمر يتضمن رهنا أو بيعا وفائيا – وحيث إن محكمة الدرجة
الأولى قد عولت على شهادة شهود المستأنف ضدها بناء على استخلاص صحيح لشهادتهم وكانت
على حق فى ترجيح أقوالهم على شهادة غيرهم ولعل أقوى سند فى هذا الترجيح عقد الاجارة
الذى دل على أن مورث المستأنف ضدها استأجر الأرض المبيعة من يونيو سنة 1927 إلى مايو
سنة 1929 وهى مدة لاحقة على السنتين المنصوص عنهما فى عقد البيع وكان طبيعيا بعد هذه
المقدمات أن تنتهى المحكمة إلى نتيجة لا معدى عنها وهى التى تضمنها حكمها فحكمت ببطلان
العقد تأسيسا على أنه فى الواقع يخفى رهنا…" ويبين من هذا الذى أورده الحكم أن محكمة
الدرجة الأولى بعد أن سمعت شهود الطرفين قدمت إليها صورة رسمية من عقد البيع الوفائى
الصادر من مورث المطعون عليها إلى والد الطاعن كما قدم إليها عقد البيع الصادر إلى
الطاعن من والده فدفعت المطعون عليها بأن عقد البيع الوفائى المشار إليه يستر رهنا
واستدلت على ذلك ببقاء العين المبيعة وفائيا من مورثها فى حيازته حتى وفاته مستندة
فى ثبوت هذه الواقعة إلى ما شهد به شهودها فى التحقيق – إذ قرروا أن مورثها تصرف فى
الأطيان بالرهن واستمر مع ذلك واضعا يده عليها حتى وفاته – وإلى عقد الايجار الصادر
إلى مورثها من والد الطاعن عن المدة من يونيو سنة 1927 إلى مايو سنة 1929 وتمسك الطاعن
بما قرره شهوده من أن والده كان هو الواضع اليد على الأطيان وبصفته مالكا كما تمسك
بما ورد فى عقده هو أن البيع الوفائى أصبح نهائيا بمضى أجل الوفاء فرجحت المحكمة ما
شهد به شهود المطعون عليها مؤيدة هذا الترجيح بأن مورث الطاعن قد أجر الأطيان إلى مورث
المطعون عليها بعد انقضاء أجل الوفاء المحدد فى عقد البيع الوفائى – والمستفاد من ذلك
أن الطاعن لم يفاجأ بالدفاع الذى تمسكت به المطعون عليها بشأن هذا العقد – وأن دليلها
على صحة هذا الدفاع كان مطروحا للمناقشة عند نظر الدعوى ورد عليه الطاعن بما سبق بيانه
ولهذا يكون غير صحيح ما ورد فى سبب الطعن من أن محكمة الموضوع قد حصلت فهم الواقع من
دليل قدمته المطعون عليها دون أن تتاح للطاعن مناقشته – أما ما ينعاه الطاعن من أنه
لم تتح له فرصة مناقشة الشهود بشأن حقيقة عقد البيع الوفائى فمردود بما جاء بالحكم
المطعون فيه إذ قرر أن كل ما يبغيه الطاعن من هذه المناقشة هو إثبات أنه كان هو ووالده
المشترى وفائيا واضعى اليد على الأطيان بصفتهما مالكين وهو عين ما أجمع عليه شهوده.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.
