أصدرت الحكم الآتىلم يتم التعرف على تاريخ الجلسة
الجريدة الرسمية – العدد 52 مكرر ( أ ) – السنة
الواحدة والخمسون
2 المحرم سنة 1430 هـ، الموافق 30 ديسمبر سنة 2008 م
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الرابع عشر من ديسمبر سنة 2008
م، الموافق السادس عشر من شهر ذى الحجة سنة 1429 هـ.
برئاسة السيد المستشار/ ماهر عبد الوحد رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: ماهر البحيرى وعلى عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصى والسيد
عبد المنعم حشيش وسعيد مرعى عمرو وتهانى محمد الجبالى.
وحضور السيد المستشار الدكتور/ حمدان حسن فهمى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 45 لسنة 27 قضائية "دستورية".
المقامة من
السيدة/ عوضة حسن أحمد مراد، بصفتها الممثل القانونى
لشركة سافيكو تريدنج للأقمشة والخردوات والملابس الجاهزة والرياضية.
ضد
1 – السيد رئيس الجمهورية.
2 – السيد رئيس مجلس الوزراء.
3 – السيد وزير المالية.
الإجراءات
بتاريخ العشرين من فبراير سنة 2005، أودعت الشركة المدعية صحيفة
هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طلبًا للحكم بعدم دستورية عجز الفقرة الثانية من المادة
من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، وكذا
المنشور رقم 23 لسنة 1992 الصادر من مصلحة الضرائب على المبيعات.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصليًا بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًا
برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة
اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الواقعات – حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن الشركة
المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم 1819 لسنة 2003 مدنى أمام محكمة بور سعيد الابتدائية
ضد المدعى عليه الثالث – وآخرين – بطلب الحكم بإلزامهم برد المبالغ المسددة منها بغير
وجه حق لصالح مصلحة الضرائب على المبيعات، والمبين قيمتها بصحيفة الدعوى الموضوعية،
مع إلزامهم بسداد الفوائد القانونية عن هذه المبالغ من تاريخ السداد وحتى تمام الرد،
فضلاً عن إلزامهم بأن يؤدوا للشركة المدعية مبلغ مليون جنيه كتعويض عما أصابها من أضرار
مادية وأدبية من جراء التقدير الخاطئ لمقدار الضريبة، وقالت بيانًا لذلك إنها فى غضون
الأعوام من 2000 حتى 2003، استوردت مجموعة من الرسائل من الخارج، وأثناء الإفراج الجمركى
عنها، تبين أن المدعى عليهم قد قدروا قيمة الوعاء المتخذ أساسًا لربط الضريبة العامة
على المبيعات، بإضافة ما يسمى برسم الوارد ورسم المنطقة الحرة إلى القيمة المقدرة للرسائل،
ولما كان الثابت أن كلا الرسمين الآنفى البيان هما فى حقيقة الأمر ضريبة، فإنه يتضح
أن المدعى عليهم قد ألزموها بسداد ضرائب على مبالغ أخرى سبق سدادها كضريبة، وهو ما
يخالف أحكام الدستور والقانون، ومن ثم فقد أقامت دعواها بالطلبات السالفة الذكر. وأثناء
نظر الدعوى، دفعت الشركة المدعية بعدم دستورية نصوص المواد (6/ 2، 3) و(11/ 2، 3) و(32/
2، 3) و(47/ 1) ومن قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11
لسنة 1991 والفقرة الثانية من المادة السادسة من لائحته التنفيذية، والمنشور رقم 23
لسنة 1992 الصادر من مصلحة الضرائب على المبيعات، والمحكمة – بعد أن ندبت خبيرًا وأودع
تقريره – قررت بجلسة 16/ 1/ 2005 التصريح للشركة المدعية بإقامة الدعوى الدستورية طعنًا
على المادتين ، من القانون المذكور، والفقرة الثانية من المادة السادسة من
لائحته التنفيذية، والمنشور رقم 23 لسنة 1992 الصادر من مصلحة الضرائب على المبيعات،
فأقامت الشركة المدعية دعواها الماثلة طعنًا على الفقرة الثانية من المادة من
ذلك القانون المشار إليه، والمنشور رقم 23 لسنة 1992 فقط دون غيرهما من نصوص أخرى.
وحيث إن الدستور عهد بنص المادة منه إلى المحكمة الدستورية العليا – دون غيرها
– بتولى الرقابة على دستورية القوانين واللوائح على الوجه المبين فى القانون، وقد جرى
قضاء هذه المحكمة على أن الولاية التى تباشرها فى هذا المجال لا تنبسط إلا على القانون
بمعناه الموضوعى، باعتباره منصرفًا إلى النصوص القانونية التى تتولد عنها مراكز عامة
مجردة، سواء وردت فى تشريع أصلى، أو تضمنها تشريع فرعى، وأن تنقبض هذه الرقابة – بالتالى
– عما سواها. لما كان ذلك وكان المنشور رقم 23 لسنة 1992 الصادر من مدير عام البحوث
بمصلحة الضرائب على المبيعات بتاريخ 12/ 4/ 1992 لا يعدو أن يكون تعليمات إدارية بحتة
صادرة من رئيس إلى مرءوسيه متضمنة تفسيرًا لنص المادتين من قانون الضريبة العامة
على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 ومن لائحته التنفيذية ويلتزم هؤلاء
المرءوسون باحترام هذه التعليمات وإطاعة ما فيها من أوامر على أنها التفسير الصحيح
للقانون واللائحة بناء على واجب طاعة المرءوس لرئيسه، إلا أن هذه التعليمات لا تعد
تشريعًا بالمعنى الموضوعى مما تمتد إليه رقابة المحكمة الدستورية العليا، ويخرج بالتالى
عن اختصاصها.
وحيث إن نطاق الدعوى الدستورية التى أتاح المشرع للخصوم إقامتها يتحدد – وعلى ما جرى
عليه قضاء هذه المحكمة – بنطاق الدفع بعدم الدستورية المبدى أمام محكمة الموضوع، وفى
الحدود التى تقدر فيها تلك المحكمة جديته وعلى ضوء الطلبات الختامية التى تضمنتها صحيفة
الدعوى الدستورية. إذ كان ذلك، وكانت الشركة المدعية وإن دفعت أمام محكمة الموضوع بعدم
دستورية نصوص الفقرتين الثانية والثالثة من كل من المواد وووالفقرة الأولى
من المادة والمادة من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون
رقم 11 لسنة 1991، وكذا الفقرة الثانية من المادة السادسة من اللائحة التنفيذية لهذا
القانون – فضلاً عن المنشور رقم 23 لسنة 1992 المشار إليه آنفًا – وإذ كان البين أن
محكمة الموضوع قد قدرت جدية الدفع بعدم دستورية نص المادتين ومن القانون المشار
إليه والفقرة الثانية من المادة السادسة من لائحته التنفيذية، والمنشور رقم 23 لسنة
1992، إلا أن الشركة المدعية قصرت دعواها الدستورية طعنًا على عجز الفقرة الثانية من
المادة من القانون، وكذا المنشور رقم 23 لسنة 1992، وإذ تم استبعاد المنشور الأخير
من نطاق اختصاص هذه المحكمة – على نحو ما سلف، فإن الطلبات الختامية إنما تتحدد بنص
الفقرة الثانية من المادة من القانون المشار إليه دون غيرها.
وحيث إن المادة من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11
لسنة 1991 تنص على أن "تكون القيمة الواجب الإقرار عنها والتى تتخذ أساسًا لربط الضريبة
بالنسبة للسلع أو ما يؤدى من خدمات خاضعة للضريبة هى القيمة المدفوعة فعلاً فى الأحوال
التى يكون فيها بيع السلعة أو تقديم الخدمة من شخص مسجل إلى شخص آخر مستقل عنه وفقًا
للمجريات الطبيعية للأمور، وإلا قدر ثمن السلعة أو الخدمة بالسعر المقابل السائد فى
السوق فى الظروف العادية وفقًا للقواعد التى تحددها اللائحة التنفيذية.
وبالنسبة للسلع المستوردة من الخارج فتقدر قيمتها فى مرحلة الإفراج عنها من الجمارك
بالقيمة المتخذة أساسًا لتحديد الضريبة الجمركية مضافًا إليها الضرائب الجمركية وغيرها
من الضرائب والرسوم المفروضة على السلعة.
وللوزير بالاتفاق مع الوزير المختص، أن يصدر قوائمًا بقيم لبعض السلع أو الخدمات تتخذ
أساسًا لربط الضريبة".
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة مؤداه ألا تفصل
فى غير المسائل الدستورية التى يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعى، ومن ثم يتحدد
مفهوم هذا الشرط بأن يكون ثمة ضرر قد لحق بالمدعى فى الدعوى الموضوعية، وأن يكون هذا
الضرر عائدًا إلى النص المدعى بمخالفته لأحكام الدستور. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعى
– فى الخصومة الماثلة – يدور حول مطالبة الشركة المدعية مصلحة الضرائب على المبيعات،
بأن ترد لها قيمة ضريبة المبيعات التى سددتها، بعد أن أضيف إلى قيمة وعاء هذه الضريبة
ما دفعته كرسم وارد ورسم المنطقة الحرة، ومن ثم فإن مصلحة الشركة المدعية – فى الدعوى
الماثلة – تكون متوافرة، ويتحدد نطاقها فى عجز نص الفقرة الثانية من المادة من
القانون، فيما تضمنته من إضافة الضرائب الجمركية والرسوم المفروضة على السلعة إلى قيمة
الوعاء المتخذ أساسًا لربط ضريبة المبيعات. ولا يقدح فى هذا النظر ما جاء بدفاع الحكومة
من انعدام مصلحة المدعية فى الطعن على هذا النص، قولاً منها بأن الملتزم بأداء ضريبة
المبيعات – أيًا كان الوعاء المقدر لها – هو المشترى، وينحصر دور الشركة المدعية فى
مجرد تحصيلها وتوريدها لمصلحة الضرائب على المبيعات، ذلك أن المقرر – فى قضاء هذه المحكمة
– أن الملتزم بالضريبة دون أن يكون محملاً بعبئها، تقوم له مصلحة فى الطعن بعدم دستورية
النص الفارض للضريبة، ذلك أن الحكم بعدم دستورية ذلك النص، يعنى امتناع تحصيل الضريبة
التى فرضها وانهدام الأساس القانونى الذى تقوم عليه، خاصة وأن الضريبة فى مثل هذه الحالة
تعتبر جزءًا من عناصر تكلفة السلعة المحملة بها بما يؤدى إلى زيادة فى التكلفة ويؤثر
بالضرورة فى فرض تسويقها، والتى تتحكم فيها قوانين عرض وطلب هذه السلعة فى الأسواق
المحلية والدولية.
وحيث إن الشركة المدعية تنعى على النص المطعون عليه – محددًا نطاقًا على النحو المتقدم
– مخالفة المواد وووووومن الدستور، قولاً منها بأن
النص فيما تضمنه من فرض ضريبة مبيعات، يدخل فى تقدير وعائها، ما سبق سداده من ضرائب
أخرى تحت مسمى رسم الوارد ورسم المنطقة الجمركية، يتضمن فرض ضريبة على ضريبة أخرى،
بما يخالف القواعد الموضوعية لفرض الضريبة، وأخصها مخالفة مبدأ الكفاية والعدل كأساس
لفرض الضريبة، بالإضافة إلى أن ذلك يمثل عدوانًا على الملكية الخاصة، إذ يتم تحصيلها
فى مرحلة الإفراج الجمركى عن السلعة المستوردة، قبل بيعها للمستهلك، مما يترتب عليه
تعطيل انتفاع المستورد بجزء من ماله، ويكون المشرع بذلك قد مايز بين فئتين من المكلفين
بأداء هذه الضريبة، هما المنتج المحلى والمستورد، إذ لا تستحق هذه الضريبة على السلع
المحلية إلا بعد بيعها وتحصيل الضريبة، بينما يتحمل المستورد عبء تلك الضريبة، ويلتزم
بسدادها مقدمًا.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن مبدأ تكافؤ الفرص الذى تكفله الدولة للمواطنين
كافة، وفقًا لنص المادة من الدستور يتصل فى مضمونه بالفرص التى تتعهد الدولة بتقديمها،
فلا يثور إعماله إلا عند التزاحم عليها، كما أن الحماية الدستورية لتلك الفرص غايتها
تقرير أولوية – فى مجال الانتفاع بها – لبعض المتزاحمين على بعض، وهى أولوية تتحدد
وفقًا لأسس موضوعية يقتضيها الصالح العام. لما كان ذلك وكان النص المطعون فيه لا يتصل
بفرص قائمة تتعهد الدولة بتقديمها، بما مؤداه انتفاء أعمال مبدأ تكافؤ الفرص فى نطاق
تطبيق ذلك النص، وبالتالى يكون النعى عليه بمخالفته نص المادة من الدستور واردًا
على غير أساس، جديرًا بالالتفات عنه.
وحيث إن الدستور أعلى من شأن الضريبة العامة، وقدر أهميتها بالنظر إلى خطورة الآثار
التى ترتبها، وبوجه خاص من زاوية جذبها لعوامل الإنتاج أو طردها أو تقييد تدفقها، وما
يتصل بها من مظاهر الانكماش أو الانتعاش، وتأثيرها بالتالى على فرص الاستثمار والادخار
والعمل وتكلفة النقل وحجم الإنفاق، وكان الدستور – نزولاً على هذه الحقائق واعترافًا
بها – قد مايز بنص المادة بين الضريبة العامة وغيرها من الفرائض المالية، فنص
على أن أولاهما لا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون، وأن ثانيتهما يجوز
إنشاؤها فى الحدود التى يبينها القانون، وكان ذلك مؤداه أن السلطة التشريعية هى التى
تقبض بيدها على زمام الضريبة العامة، إذ تتولى بنفسها تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها
متضمنا تحديد نطاقها، وعلى الأخص من خلال تحديد وعائها وأسس تقديره، وبيان مبلغها والملتزمين
أصلاً بأدائها، والمسئولين عنها، وقواعد ربطها وتحصيلها وتوريدها، وكيفية أدائها، وغير
ذلك مما يتصل ببيان هذه الضريبة، عدا الإعفاء منها، إذ يجوز أن يتقرر فى الأحوال التى
يبينها القانون.
وحيث إن الأصل أن يتوخى المشرع، بالضريبة التى يفرضها، أمرين يكون أحدهما أصلاً مقصودًا
منها ابتداء، ويتمثل فى الحصول على غلتها، لتعود إلى الدولة وحدها، تصبها فى خزانتها
العامة، لتعينها على مواجهة نفقاتها، ويكون ثانيهما مطلوبًا منها بصفة عرضية، أو جانبية
أو غير مباشرة، كاشفًا عن طبيعتها التنظيمية، دالاً على التدخل بها لتغيير بعض الأوضاع
القائمة، وبوجه خاص من خلال تقييد مباشرة الأعمال التى تتناولها، أو حمل المكلفين بها
– عن طريق عبئها – على التخلى عن نشاطهم، وعلى الأخص إذا كان مؤثمًا جنائيًا، وهذه
الآثار العرضية للضريبة كثيرًا ما تلازمها، وتظل للضريبة مقوماتها من الناحية الدستورية،
ولا تزايلها طبيعتها هذه لمجرد أنها تولد آثارًا عرضية بمناسبة إنشائها.
وحيث إنه من المقرر، أن تحديد دين الضريبة يتطلب التوصل إلى تقدير حقيقى لقيمة المال
الخاضع لها، باعتباره شرطًا لازمًا لعدالة الضريبة ولصون مصلحة كل من الممول والخزانة
العامة، ويتعين – فى هذا الإطار – أن يكون وعاء الضريبة ممثلاً فى المال المحمل بعبئها،
محققا ومحددًا على أسس واقعية، يكون ممكنًا معها الوقوف على حقيقته على أكمل وجه، ولا
يكون الوعاء محققًا إلا إذا كان ثابتًا بعيدًا عن شبهة الاحتمال أو الترخيص، ذلك أن
مقدار الضريبة أو مبلغها أو دينها إنما يتحدد مرتبطًا بوعائها، وفق الشروط التى يقدر
معها المشرع واقعية الضريبة وعدالتها بما لا مخالفة فيه للدستور، وكان الدستور – كذلك
– وإن خص النظام الضريبى بالمادة منه، متطلبًا أن تكون العدالة الاجتماعية مضمونًا
لمحتواه وغاية يتوخاها، فلا تنفصل عنها النصوص القانونية التى يقيم عليها المشرع النظم
الضريبية على اختلافها، إلا أن الضريبة بكل صورها تمثل فى جوهرها عبئًا ماليًا على
المكلفين بها، شأنها فى ذلك شأن الأعباء التى انتظمتها المادة من الدستور، ويتعين
بالتالى – وبالنظر فى وطأتها وخطورة تكلفتها – أن يكون العدل من منظور اجتماعى مهيمنًا
عليها بمختلف صورها، محددًا الشروط الموضوعية لاقتضائها، نائيًا عن التمييز بينها دون
مسوغ.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكانت عدالة الضريبة مرتبطة بتقدير وعائها على أسس موضوعية
عادلة، ومن ثم التوصل إلى القيمة الحقيقية للسلع المستوردة التى يتعين أن تشمل كافة
ما تحملته السلعة من نفقات، ومن بينها ما تم فرضه عليها من ضرائب ورسوم جمركية، تمثل
فى مجموعها القيمة الحقيقية للسلعة المستوردة، توصلاً إلى تحميل المستهلك – الملتزم
الأصلى – بقيمة دين الضريبة، وهو ما لا يخل بعدالة هذه القيمة من الوجهة الدستورية
ويتفق وطبيعة هذه الضريبة، وعلى الأخص لاختلاف شخص الملتزم بتحملها عن شخص الملتزم
بجبايتها وتوريدها لخزينة الدولة، ومن ثم فإن النعى بمخالفة النص الطعين للقواعد الشكلية
والموضوعية لفرض الضريبة، أو مخالفة مبدأى الكفاية والعدل، يكون قائمًا على غير أساس
متعين الرفض.
وحيث إنه لما كان الأصل فى الضريبة العامة على المبيعات – بحسبانها من الضرائب غير
المباشرة – أن يتحمل المستهلك عبئها، ومن ثم يتعين تحصيلها منه مباشرة، باعتبار أنها
فى حقيقتها – كما سلفت الإشارة – ضريبة على الاستهلاك، غير أن هذا الأصل يتعذر تطبيقه
من الناحية العملية بالنسبة للسلع المستوردة لكثرة المستهلكين، وضخامة عددهم، وصعوبة
تحصيل هذه الضريبة منهم، وزيادة نفقاته، لذلك كان منطقيًا، أن يتجه المشرع – فى النص
المطعون فيه – إلى تحديد ملتزم آخر بأدائها مباشرة، إلى حين استردادها من المستهلك،
فألزم المستورد بأداء هذه الضريبة إلى الدولة، متخذًا واقعة محددة ومنضبطة، هى الواقعة
المنشئة للضريبة الجمركية، مناطًا لاستحقاقها، ومحددًا مرحلة أكثر يسرًا وسهولة من
مراحل تداول السلعة، هى مرحلة الإفراج عنها من الجمارك، لأدائها. وهذا التنظيم التشريعى
يهدف إلى تحقيق أمور ثلاثة:
الأول: سرعة وسهولة ضبط عملية تحصيل الضريبة العامة على المبيعات وضمان توريدها إلى
الخزانة العامة.
والثانى: تحقيق الغرض المقصود أصلاً من هذه الضريبة، وهو الحصول على غلتها لمواجهة
الزيادة فى الإنفاق العام، الناتج عن التوسع فى المشروعات العامة التى تتصل بالمجالات
المختلفة، فضلاً عن حماية المنتج المحلى فى مواجهة السلع المستوردة، بما يهيئ لهذا
المنتج قدرة تنافسية قوية، بالإضافة إلى ترشيد الإنفاق العام على السلع الاستهلاكية،
بما يسمح بتوجيه الفائض إلى ميادين الاستثمار المتعدد.
والثالث: ضمان مصلحة الممول والخزانة العامة معا، إذ إنه فى مرحلة الإفراج عن السلعة
من الجمارك، يمكن تقدير القيمة الحقيقية والواقعية للسلعة المستوردة الخاضعة للضريبة،
كما هو موضح آنفًا – فتستأدى الدولة الضريبة على قيمة السلعة المستوردة فى هذه المرحلة،
كما يقوم المستورد بإضافة هذه القيمة إلى ثمن السلعة عند بيعها.
وحيث إنه ولئن كان مسلمًا أن الحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية المنصوص عليها
فى المادتين ومنه، لا يقتصر على الحقوق العينية، بل تنصرف كذلك إلى الحقوق
الشخصية، وتتسع للأموال بوجه عام، إلا أن الضريبة العامة على السلع المستوردة المطعون
فيها، لا تخالف هذه الحماية، ذلك أن الإخلال بها لا يتحقق إلا من خلال نصوص قانونية
تفقد ارتباطها عقلاً بمقوماتها، ولا كذلك الأمر فى شأن تلك الضريبة، بالنهج الذى وضعه
النص المطعون فيه، لالتئام هذا النهج مع حقائق العدل، التى اختصها الدستور فى كثير
من نصوصه، ومنها نص المادة المشار إليها.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن مبدأ المساواة بين المواطنين
أمام القانون، لا يعنى أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت فى مراكزها القانونية
معاملة قانونية متكافئة، كما أنه ليس مبدأ تلقينيًا جامدًا منافيًا للضرورة العملية،
ولا هو بقاعدة صماء، تنبذ صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية،
ولا ينطوى بالتالى على مخالفة لنص المادة من الدستور.
وحيث إن وعاء الضريبة على السلع المحلية يتحدد على ما تقضى به الفقرة الأولى من المادة
من قانون الضريبة العامة على المبيعات بالقيمة المدفوعة فعلاً ثمنًا للسلعة. ويدخل
فى هذه القيمة التكلفة الفعلية للسلعة بما فيها كافة الضرائب المستحقة عليها بالإضافة
إلى هامش الربح الذى يحدده المنتج المحلى، وهو عين ما يتم بالنسبة للسلع المستوردة
من الخارج والتى يتحدد وعاؤها بالقيمة المتخذة أساسًا لتحديد الضريبة الجمركية، وهى
– على ما تقضى به المادة من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون
رقم 66 لسنة 1963 – القيمة الفعلية مضافًا إليها جميع التكاليف والمصروفات التى تحملها
المستورد حتى وصول البضائع إلى الأراضى المصرية، والتى يدخل فيها بطبيعة الحال الضريبة
الجمركية المستحقة عليها. ومن ثم فإن قالة مخالفة النص الطعين لمبدأ المساواة المنصوص
عليه فى المادة من الدستور تكون فاقدة أساسها متعينًا رفضها.
وحيث إن النص الطعين لا يخالف حكمًا آخر من أحكام الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة وألزمت الشركة المدعية المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
| أمين السر | رئيس المحكمة |
صدر هذا الحكم من الهيئة المبينة بصدره، أما السيد المستشار/ أنور رشاد العاصى الذى سمع المرافعة وحضر المداولة ووقع على مسودة الحكم فقد جلس بدله عند تلاوته السيد المستشار/ محمد خيرى طه.
