الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 949 لسنة 29 ق – جلسة 22 /12 /1959 

أحكام النقض – المكتب الفني – جنائى
العدد الثالث – السنة 10 – صـ 1035

جلسة 22 من ديسمبر سنة 1959

برياسة السيد محمود محمد مجاهد المستشار, وبحضور السادة: أحمد زكي كامل, ومحمد عطيه اسماعيل, وعباس حلمي سلطان, وعادل يونس المستشارين.


الطعن رقم 949 لسنة 29 القضائية

خيانة أمانة.
عقد الوكالة. آثاره. تفسير سلطة الوكيل الخاص.
التزام الوكيل حدود عقد الوكالة إلا إذا كشفت ظروف الواقعة عن قصد المتعاقدين. مثال.
عيوب التسبيب. قصور تدليل الحكم على توافر نية التبديد.
عند استخلاصها من مجرد خروج المتهم عن نطاق التفويض الصادر إليه ببيع محصول قطن المجني عليه برهنه القطن باسمه دون اسم المجني عليه في محلج بعيد عن مزرعته بقصد تحقيق الغرض من التوكيل.
الأصل هو عدم التوسع في تفسير التوكيل الخاص, ووجوب التزام الوكيل في تصرفاته الحدود المرسومة له في عقد الوكالة, إلا إذا كشفت ظروف الواقعة عن قصد المتعاقدين, فلا يلزم التقيد بحرفية التوكيل في تفسير سلطة الوكيل بل يجب إعماله فيما يتمشى مع هذا القصد وتخويل الوكيل كافة السلطات التي تدخل في حدوده, فقيام المتهم برهن القطن المفوض ببيعه بقصد تحقيق الغرض من التوكيل الذي كان يهدف إليه المدعي بالحق المدني – وهو تسديد المطلوب منه لبنك التسليف الزراعي وللأموال الأميرية – لا يعد في صحيح القانون تبديدا معاقبا عليه جنائيا, ويكون استخلاص الحكم لنية التبديد من مجرد خروج المتهم عن نطاق التفويض الصادر إليه بالبيع وقيامه برهن القطن باسمه دون اسم المدعي بالحق المدني في محلج بعيد عن مزرعته قاصرا عن التدليل على ثبوت نية المتهم في الاستحواز على القطن المدعي تبديده وحرمان صاحبه منه مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المتهم بأنه: بدد محصول القطن المبين وصفا وقيمة بالمحضر والمملوك للمدعي بالحقوق المدنية الذي لم يكن قد سلم إليه إلا على سبيل الوكالة لبيعه لحساب المالك فاختلسه لنفسه إضرارا به وطلبت عقابه بالمادة 341 من قانون العقوبات, ومحكمة أول درجة قضت حضوريا عملا بمادة الاتهام بحبس المتهم ثلاثة شهور مع الشغل مع كفالة وإلزامه بأن يدفع للمدعي المدني مبلغ 51 جنيها مصريا والمصروفات وأتعاب المحاماه. فاستأنف المتهم والنيابة هذا الحكم ومحكمة ثاني درجة قضت حضوريا بتأييد الحكم المستأنف وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ صدور الحكم وذلك عملا بمادة الاتهام والمادتين 55 و56 من قانون العقوبات. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض… الخ.


المحكمة

… وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه شابه قصور في البيان وفساد في الاستدلال حين دانه بجريمة تبديد محصول القطن الذي فوضه المدعي بالحقوق المدنية في بيعه سدادا للمطلوب لبنك التسليف الزراعي وللأموال الأميرية, واستدل على انصراف نية الطاعن إلى التبديد من اعترافه في مبدأ التحقيق ببيع القطن إلى ولده ثم قيامه برهن هذا القطن إلى البنك العربي بالمنصورة مع أنه كان في مكنته لو حسنت نيته أن يودعه أحد البنوك القريبة من الزراعة, كما ذهب الحكم إلى أن إيداعه القطن باسمه محلج كفر الدوار يعد خروجا عن التفويض الصادر إليه من المدعي بالحق المدني. وهذا الذي انتهى إليه الحكم غير سائغ لأنه لا يلزم في الوكالة التقيد بحرفية التوكيل عند تفسير سلطات الوكيل بل يجب أن يتعدى ذلك إلى الكشف عن نية المتعاقدين التي اتجهت إلى تخويل الوكيل سلطة بيع القطن وقبض الثمن لتسديد مطلوبات بنك التسليف والأموال الأميرية – وقد قام الطاعن بنقل القطن إلى محلج كفر الدوار بعلم المدعي بالحق المدني وبموافقته تحقيقا لمصلحته بتوفير سوق صالح لبيع القطن ودفع خطر بيعه بالمزاد العلني في عزبة المدعي بالحق المدني الأمر الذي يعد معه تصرف الطاعن برهن القطن بفرع البنك العربي بالمنصورة وقيامه بتسديد مطلوبات بنك التسليف والأموال الأميرية قد تم في نطاق التفويض الصادر إليه, هذا فضلا عن أنه اقترض على القطن مبلغ 2700 جنيه وسدد لحساب المدعي بالحق المدني مبلغ 2935 جنيها و860 مليما بإيصالات قدمها في الأوراق مما ينفي عنه قالة التبديد, وطلب من محكمة الموضوع في درجتي التقاضي فحص حسابه مع المدعي بالحق المدني ولكن المحكمة لم تجبه إلى ما طلب ولم ترد عليه في حكمها. أما ما استدل عليه الحكم من الاقرار المؤرخ 5 مارس سنة 1956 – الذي التزم الطاعن بمتقضاه برد المبالغ التي سحبها على القطن المرهون فيما يجاوز مبلغ 2132 جنيها وما ورد بالاتفاق المؤرخ 10 مارس سنة 1956 بين البنك العربي والمدعي بالحق المدني المتضمن حجز البنك المذكور مبلغ 2814 جنيها و353 مليما إلى حين حصول تسوية نهائية أو قيام الطاعن بدفع مبلغ 583 جنيها و353 مليما, فهو استدلال خاطئ على توافر نية التبديد لدى الطاعن لأنه بين ظروف تحرير ذلك الإقرار الذي كان مشروطا بتسليمه إيصالا من المدعي بالحق المدني بما دفعه لرفع الحجز على القطن وقدره 804 جنيه و370 مليما – الأمر الثابت بخطاب بنك التسليف الموجه إلى النيابة العامة – والذي نكل المدعي بالحق المدني عن تسليمه إياه, مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى وأورد على ثبوتها بالصورة التي ارتسمت لديه الأدلة التي أوردها عرض إلى جريمة التبديد التي دان الطاعن بها فقال:
"وحيث إن الثابت من الوقائع المتقدمة أن المدعي المدني عهد إلى المتهم (الطاعن) إدارة أطيانه وفوضه في التصرف في حاصلاتها الزراعية وذلك بالشروط التي تضمنها عقد الاتفاق المؤرخ 12/ 1/ 1956 والمحرر بينهما والمدعو عبد السلام الدرديري. وحيث إنه وإن كان يدخل ضمن عقد 12/ 1/ 1956 تفويض المتهم في بيع حاصلات الزراعة الناتجة من الأطيان المملوكة له ورهنها إلا أن المحكمة تتبين من ظروف الدعوى أن نية المتهم انصرفت إلى التلاعب والاختلاس ولا أدل على ذلك من اعترافه في مبدأ التحقيق ببيع هذه الأقطان إلى المدعو محمد علوي الذي اتضح أنه ولده ثم قيامه برهن هذه الأقطان لفرع البنك العربي بالمنصورة التي تبعد عن الأطيان التي يتولى إدارتها بمسافة بعيدة وقد كان في مكنته لو حسنت نيته أن يرهنها بأحد البنوك القريبة, ثم قوله بعد ذلك بأنه باعها إلى المدعو أحمد فهمي وأخيرا إيداعه هذه الأقطان باسمه خاصة بمحلج أقطان كفر الدوار الذي يقطع بسوء نية المتهم…". وحيث إن الثابت من أقوال المتهم بجميع مراحل التحقيق اعترافه بأنه أودع الأقطان المملوكة للمجني عليه باسمه بمحلج كفر الدوار الأمر الذي يقطع بتحويل حيازته المؤقتة لهذه الأقطان إلى ملكه ثم قيامه برهن هذه الأقطان فرع البنك العربي بالمنصورة وكل ذلك خروج على التفويض الذي منحه إياه المجني عليه. وحيث إن الثابت من الأقرار المؤرخ 5/ 3/ 1956 والموقع عليه من المتهم والمقدم بحافظة المدعي المدني رقم 4 دوسيه وهو الذي حرر في اليوم التالي لتقديم الشكوى للنيابة العمومية أن المتهم التزم برد جميع المبالغ المستحقة على القطن الذي قام برهنه زيادة على مبلغ 2131 جنيها للبنك العربي. وحيث إن الثابت من عقد الاتفاق المؤرخ 10 مارس سنة 1956 المحرر من المدعي بالحق المدني للبنك العربي بالاسكندرية والمقدم بالحافظة المؤرخة 15/ 5/ 1957 أن البنك يحجز من نفسه بصفة أمانة مبلغ 2814 ج و353 م لحين حصول تسوية نهائية أو يدفع المتهم مبلغ 853 ج و353 م الأمر الذي يقطع بأن المتهم أخذ هذا المبلغ الأخير من البنك واحتجزه لنفسه ولم يقم بسداده طبقا لإقراره الرقيم 5/ 3/ 56 الأمر الذي تتم معه جريمة الاختلاس والذي يقطع بصحة أقوال المجني عليه الذي شهد بالجلسة الأخيرة بأن المتهم استدان من جديد على حسابه بضمان الأقطان التي أودعها باسمه".
وخلص الحكم من ذلك إلى ثبوت التهمة المسندة إلى الطاعن في حقه وإدانته طبقا للمادة 341 من قانون العقوبات – لما كان ذلك وكان يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقا لوجه الطعن أن المدعي بالحق المدني فوض الطاعن بتاريخ 2 من فبراير سنة 1956 في بيع الأقطان الموجودة بمخازن ضيعته وبشونة بنك التسليف وقبض الثمن بعد تسديد مطلوبات بنك التسليف الزراعي والأموال الأميرية, وتنفيذا لذلك قام الطاعن بنقل القطن إلى محلج كفر الدوار تيسيرا لبيعه وقد وافقه المدعي بالحق المدني على هذا النقل وإن كان قد أنكر على الطاعن إيداعه المحلج المذكور باسمه ثم رهن الطاعن القطن لفرع البنك العربي بالمنصورة وسحب عليه مبالغ جملتها 2700 جنيها سدد منها مبالغ لحساب بنك التسليف الزراعي بلغت جملتها 2621 ج و755 م كما هو مبين بخطاب بنك التسليف الزراعي والتعاوني فرع دمنهور إلى نيابة كفر الدوار المؤرخ 22 من سبتمبر سنة 1956 كما سدد مبلغ 315 ج و105 م لحساب الأموال الأميرية كما هو ثابت بالإيصالات المقدمة من الطاعن فيكون جملة المبالغ المسددة لحساب المدعي بالحق المدني 2936ج و960 م وكان يبين من الاطلاع على الاقرار المؤرخ 5 من مارس سنة 1956 أن الطاعن صرح للمدعي بالحق المدني بالتصرف في القطن المودع شونة البنك العربي والمرتهن لديه بعد دفع مبلغ 2131 جنيها قيمة ما سحبه على هذا القطن سدادا لمطلوبات بنك التسليف والأموال الأميرية التي دفعها لحساب المدعي بالحق المدني على أن يقوم المدعي بالحق المدني كذلك بدفع جميع مصاريف الحلج ومصاريف البنك العربي من فوائد المبالغ والعمولة وخلافه وعلى أن يقوم الطاعن برد ما سحبه زائدا عن المبلغ سالف البيان إلى البنك العربي. لما كان ذلك وكان المستفاد من الاقرار الأخير أن المبالغ التي أقر الطاعن بسحبها من البنك العربي لحساب المدعي بالحق المدني لم تقتصر على المبلغ الوارد بالاقرار المذكور بل إنها تجاوزه إلى تحميل المدعي بالحق المدني كافة المصاريف والفوائد والعمولة وهو ما لم يعن الحكم المطعون فيه باستظهاره وتصفيته والمقابلة بينه وبين ما دفع به الطاعن في مذكراته المقدمة في أثناء المحاكمة من تجاوزه المبالغ المسحوبة منه على القطن المرتهن في تسديد المطلوب لبنك التسليف الزراعي وللأموال الأميرية مما كان يقتضي من الحكم المطعون فيه ردا يجلو به غامض هذه الواقعة, هذا فضلا عن أن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من التدليل على توافر نية التبديد لدى الطاعن بمجرد خروجه عن نطاق التفويض الصادر إليه بالبيع وقيامه برهن القطن باسمه دون اسم المدعي بالحق المدني في محلج بعيد عن مزرعته غير سديد ذلك أنه وإن كان الأصل هو عدم التوسع في تفسير التوكيل الخاص ووجوب التزام الوكيل في تصرفاته الحدود المرسومة له في عقد الوكالة, إلا أنه إذا كشفت ظروف الواقعة عن قصد المتعاقدين فلا يلزم التقيد بحرفية التوكيل في تفسير سلطة الوكيل بل يجب إعماله فيما يتمشى مع هذا القصد وتخويل الوكيل كافة السلطات التي تدخل في حدوده, وفي خصوص الواقعة المطروحة فإن ما قام به الطاعن من رهن القطن المفوض ببيعه بقصد تحقيق الغرض من التوكيل الذي كان يهدف إليه المدعي بالحق المدني وهو تسديد المطلوب منه لبنك التسليف الزراعي وللأموال الأميرية لا يعد في صحيح القانون تبديدا معاقبا عليه جنائيا, ولما كان استخلاص الحكم المطعون فيه لنية التبديد قد جاء قاصرا عن التدليل على ثبوت نية الطاعن في الاستحواز على القطن المدعي بتبديده وحرمان صاحبه منه مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه وذلك بغير حاجة إلى بحث باقي ما يثيره الطاعن في أوجه طعنه.
وحيث إنه لما تقدم يتعين قبول الطعن ونقض الحكم المطعون فيه والإحالة.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات