الطعن رقم 20 سنة 4 ق – جلسة 15 /11 /1934
مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة
النقض والإبرام في المواد المدنية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة من 12 نوفمبر سنة 1931 لغاية 29 أكتوبر سنة 1936) – صـ 490
جلسة 15 نوفمبر سنة 1934
برياسة سعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك ومحمد نور بك المستشارين.
القضية رقم 20 سنة 4 القضائية
اختصاص نوعى. تقدير قيمة الدعوى. طلب إزالة البناء. متى يكون من
ملحقات طلب ملكية الأرض القائم عليها؟ (المواد 30 مرافعات و11 و65 مدنى)
إذا اقتصر مدّعى ملكية الأرض على طلب تثبيت ملكه المغتصب وتسليمه له خاليا مما يشغله
به المدّعى عليه من البناء، تاركا له رفع أنقاض بنائه وغير منازع له فيها ولا مدّع
لنفسه الحق فى شئ منها، فطلبه الإزالة يكون طلبا متفرّعا حتما عن ثبوت حقه فى الملكية،
ولا يدخل فى تقدير قيمة الدعوى، تطبيقا للمادة 30 من قانون المرافعات التى تنص على
أن ملحقات الطلب (demandes accessoires) لا تعتبر فى تقدير قيمة الدعوى. ولا يصح التحدّى
بقيمة البناء وإدخاله كعنصر من عناصر تقدير الدعوى الأصلية، ما دام البانى – على فرض
ثبوت سلامة نيته – لم يدع لدى المحكمة أنه يريد من المالك أخذ ما يستحقه على أحد الخيارين
الواردين فى آخر الفقرة الرابعة من المادة 65 من القانون المدنى، وما دام المدّعى –
فى خشيته من ثبوت سلامة نية البانى – لم يقدّم طلبا إضافيا بتملك البناء بأحد خياريه
المذكورين، وما دام المدّعى أيضا – مع ادّعائه الاغتصاب وعدم سلامة نية البانى – لم
يطلب استبقاء البناء بقيمته مستحق القلع بحسب العبارة الأخيرة من الفقرة الأولى من
المادة 65 من القانون المدنى. إذ فى مثل هذه الصور الثلاث فقط يصح التعرّض للبحث فى
قيمة البناء التى قد تؤثر فى الاختصاص، لأن موضوع الطلب يكون عندئذ تملك شئ آخر خارج
عن الأرض، ويكون لذلك قائما بذاته فيجب اعتباره فى تقدير قيمة الدعوى لتحديد الاختصاص
به.
الوقائع
تتلخص الوقائع حسب البيان الوارد فى الحكم المطعون فيه وما هو واضح
من المذكرات والأوراق المقدّمة لهذه المحكمة فيما يأتى:
رفع عبد الفتاح عوض الله محمد والسيد أفندى عبد الله شعلان أمام محكمة الأزبكية الجزئية
هذه الدعوى التى قيدت بجدولها برقم 4269 سنة 1931 ضدّ على أفندى حسن والست هانم عبد
النبى، وقالا فى عريضتها الافتتاحية إن المعلن إليهما اغتصبا منهما قطعة أرض مساحتها
202.25 مترا مربعا من ضمن القطعة نمرة 127، وأقاما عليها بناء بالرغم من إنذارهما والتنبيه
عليهما بالكف عن هذا الاغتصاب، وطلبا الحكم بتثبيت ملكيتهما إلى هذا القدر المغتصب
وإزالة ما عليها من المبانى وتسليمهما إياه وإلزام المعلن إليهما بالمصاريف والأتعاب.
دفع على أفندى حسن والست هانم عبد النبى فرعيا بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى: (أولا)
لأن قيمة الأرض المتنازع عليها يزيد عن نصاب هذه المحكمة. (ثانيا) لأن طلب الإزالة
مجهول القيمة فيكون الفصل فيه من اختصاص المحكمة الكلية طبقا للفقرة الأخيرة من المادة
30 من قانون المرافعات.
نظرت محكمة الأزبكية فى هذا الدفع ورأت بالنسبة للسبب الأول أن العقود المقدّمة تفيد
أن قيمة الأرض لا تزيد عن النصاب الذى يدخل فى اختصاصها، وقالت بالنسبة للسبب الثانى
إن طلب الإزالة لا شك يكون مجهول القيمة إذا طلب بصفة أصلية، أما وقد طلب تبعا لدعوى
تثبيت ملكية الأرض القائم عليها البناء فان تقدير قيمة الدعوى يكون باعتبار قيمة الأرض
نفسها. ولهذا قضت بتاريخ 23 يونيه سنة 1932 برفض الدفع وقبل الفصل فى الموضوع بندب
خبير لمعاينة الأرض موضوع النزاع وتطبيق مستندات الطرفين عليها لمعرفة من منهما تشملها
مستنداته ومن الواضع اليد عليها ومدّة وضع يده وسببه. وبعد أن باشر الخبير مأموريته
وقدّم تقريره حكمت بتاريخ 11 ديسمبر سنة 1932 بتثبيت ملكية عبد الفتاح عوض الله محمد
والسيد أفندى عبد الله شعلان إلى 197.56 مترا المبينة بتقرير الخبير وبالخريطة المرفقة
به والمحدّدة على تلك الخريطة بالأحرف E F M N وإزالة ما عليها من المبانى وتسليمها
إليهما مع المصاريف المناسبة ومبلغ 200 قرش مقابل أتعاب المحاماة.
استأنف على أفندى حسن هذا الحكم بالاستئناف رقم 350 سنة 1933 أمام محكمة مصر الابتدائية
الأهلية، وطلب فى عريضة استئنافه المعلنة فى 22 و23 يناير سنة 1933 القضاء بالغاء الحكم
المستأنف وبعدم اختصاص المحكمة الجزئية بنظر الدعوى، وفى حالة عدم قبول هذا الدفع القضاء
بعدم قبول الدعوى شكلا واحتياطيا فى الموضوع الحكم برفض دعوى عبد الفتاح أفندى عوض
الله محمد والسيد أفندى عبد الله شعلان قبله مع إلزامهما بالمصاريف والأتعاب، وذلك
بالنسبة للقدر المحكوم به عليه وقدره 88.93 مترا، ومن باب الاحتياط الكلى تعيين خبير
آخر أو ثلاثة خبراء لأداء المأمورية المبينة بأسباب الحكم التمهيدى الصادر من محكمة
الأزبكية الجزئية بتاريخ 23 يونيه سنة 1932، وفى هذه الحالة إبقاء الفصل فى المصاريف
حتى يفصل فى الطلب الأصلى. ومحكمة مصر الاستئنافية قضت بتاريخ 2 يناير سنة 1934 بالغاء
الحكم المستأنف وقبول الدفع الفرعى وعدم اختصاص محكمة الأزبكية الجزئية بنظر الدعوى.
وقد أعلن هذا الحكم إلى الطاعنين بتاريخ 20 فبراير سنة 1934 فطعنا فيه بطريق النقض
والإبرام فى 14 مارس سنة 1934، وقدّم طرفا الخصومة المذكرات الكتابية فى الميعاد القانونى،
وقدّمت النيابة مذكرتها فى 2 يوليه سنة 1934.
وبجلسة يوم الخميس الموافق 18 أكتوبر سنة 1934 المحدّدة لنظر هذا الطعن سمعت الدعوى
على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم تأجل النطق بالحكم لجلسة 8 نوفمبر سنة 1934 ومنها
لجلسة اليوم لعدم إتمام المداولة.
المحكمة
بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن رفع صحيحا فى الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن مبنى الطعن خطأ المحكمة الاستئنافية فى تطبيق المادة 30 من قانون المرافعات،
إذ قضت بعدم اختصاص المحكمة الجزئية بنظر الدعوى على اعتبار أن طلب الإزالة هو طلب
أصلى يجب احتسابه فى تقدير قيمة الدعوى بينما أنه فى الحقيقة والواقع هو طلب ملحق بطلب
تثبيت الملك والتسلم لا يضاف إلى القيمة عند التقدير.
وحيث إنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين: (أوّلا) أن المحكمة الاستئنافية اعتبرت
أن الاستئناف الذى رفع لديها فى 22 و23 يناير سنة 1934 منصب على حكم الاختصاص الصادر
فى 23 يونيه سنة 1932، كما هو منصب على حكم الموضوع الصادر فى 11 ديسمبر سنة 1932.
كما يبين أن الخصوم قد ساروا فعلا فى مرافعتهم على هذا الاعتبار، إذ تردّدت المناقشة
بينهم فى قيمة حكم الاختصاص وهل هو صحيح أم لا. (ثانيا) أن المحكمة إذ قضت بالغاء الحكم
المستأنف وبعدم اختصاص المحكمة الجزئية تكون بالبداهة ألغت الحكم الأوّل الصادر بالاختصاص.
(ثالثا) أن المحكمة الاستئنافية، بعد أن حصّلت فهم الواقع من أوراق الدعوى وأقوال الخصوم
فيها بحسب البيان المتقدّم، حصرت نقطة النزاع فى معرفة ما إذا كان طلب الإزالة يعتبر
من الملحقات ولا يدخل ضمن تقدير قيمة الدعوى أو أنه طلب أصلى لا يجوز إغفال قيمته،
فشرحت كلمة "الملحقات" الوارد ذكرها فى المادة 30 من قانون المرافعات قائلة إنها هى
"المصاريف التى استلزمها النزاع كالرسوم والتسجيلات والحراسة أو ما يكون مبنيا على
شرط من شروط العقد المتفق عليه بين الطرفين". ثم خرجت من ذلك إلى القول بأن طلب الإزالة
هو طلب أصلى ويجب احتسابه فى تقدير قيمة الدعوى، وبنت هذه النتيجة على السبب الآتى
نصه:
وأما البناء الذى يقام على أرض متنازع على ملكيتها فهو عقار قائم بذاته وليس ثمرة من
ثمرات الأرض وقد تتجاوز قيمته عشرات أضعاف قيمة الأرض المقام عليها خصوصا بعد أن وصلت
المبانى إلى الحالة التى وصلت إليها من الأهمية، كما أن القانون قد نص على أحكام خاصة
بالبناء تجعله منفصلا من ملكية الأرض المقام عليها.
وحيث إنه ظاهر بوضوح من الوقائع المتقدّمة أن الدعوى دعوى تثبيت ملكية عين مغصوبة واستردادها
ممن غصبها.
وحيث إن الملكية تستتبع حتما كل الحقوق التى رتبها القانون المدنى فى المادة 11 من
الانتفاع بالشئ المملوك والتصرف فيه بطريقة مطلقة والاختصاص بجميع ثمراته – طبيعية
كانت أو عارضية – وبكافة ما هو تابع له. وهذا يستدعى حتما وبطبيعة الحال أن يستلم المالك
العين المغصوبة بحالتها التى كانت عليها قبل الغصب غير مشغولة ببناء أو أمتعة أخرى
يكون شغلها بها الغاصب، فطلبه إزالة أى شئ من هذا هو طلب متفرّع حتما عن ثبوت حقه فى
الملكية، ولا يتصوّر إمكان تثبيت حقه هذا إلا والتثبيت متضمن تمكينه منه سليما غير
مشغول بشئ. وإذا كان هذا هو الواقع فى طلب الإزالة صدقت عليه حتما عبارة المادة 30
من قانون المرافعات التى تنص على أن ملحقات الطلب (demandes accessoires) لا تعتبر
فى تقدير قيمة الدعوى.
وحيث إنه متى وضح ذلك ظهر أن اعتبار طلب الإزالة فى هذه الدعوى طلبا مجهول القيمة قائما
بذاته غير سائغ قانونا.
أما أن يكون للبناء قيمة جلت أو قلت عن النصاب الذى يختص به القاضى الجزئى فهذا لا
شأن له فى مثل موضوع الدعوى الحالية التى اقتصر فيها مدّعى الملك على طلب تثبيت ملكه
المغتصب وتسليمه له خاليا مما يشغله به المدّعى عليه، تاركا لهذا المدّعى عليه رفع
أنقاض بنائه هذا، غير منازع له فيها ولا مدّع لنفسه الحق فى شئ منها.
وحيث إن مثل الدعوى الحالية متى حققها القاضى وسمع فيها أدلة الطرفين وثبتت له ملكية
المدّعى لا يستطيع أن يحكم فيها إلا بأحد أمرين: إما أن يثبت له الاغتصاب بسوء نية
فيقضى بالإزالة، وإما أن تثبت لديه سلامة نية البانى فى شغل المكان بمبانيه فيحكم برفض
طلب الإزالة عملا بنص العبارة الأولى من الفقرة الرابعة من المادة 65 من القانون المدنى.
وهو لا يتعرّض مطلقا للبحث فى قيمة المبانى إلا إذا ادّعى لديه البانى أنه يريد من
المالك أخذ ما يستحقه على أحد الخيارين الواردين فى آخر الفقرة المذكورة – هنالك لا
يستطيع البانى أن يطلب تلك القيمة إلا بدعوى يقيمها، فإن كانت من نصاب القاضى الجزئى
رفعها لديه فرعية أثناء الدعوى الأصلية وإلا رفعها لدى المحكمة الكلية. وكذلك مالك
الأرض نفسه إذا تبين له فى أثناء سير الدعوى ما قد يخشى معه أن تعتبر المحكمة البانى
سليم النية فى بنائه فقدّم طلبا إضافيا بتملك البناء بأحد خياريه المذكورين وحصل نزاع
فى قيمة هذا الطلب واختصاص القاضى الجزئى بنظره، فعندها يبحث القاضى إذا كان هذا الطلب
الإضافى من اختصاصه أم لا ويقرّر فى ذلك ما يقضى به القانون.
وحيث إن التعرّض للبحث فى قيمة البناء الذى قد يؤثر فى اختصاص القاضى الجزئى كما يكون
فى مثل الصورتين السابقتين يكون أيضا فى صورة ما إذا كان مالك الأرض، مع ادّعائه الاغتصاب
وعدم سلامة نية البانى، قد أراد استبقاء البناء لنفسه بقيمته مستحق القلع وطلب ذلك
بحسب العبارة الأخيرة من الفقرة الأولى من المادة 65 فهنالك أيضا يصح القول بأن مثل
هذا الطلب الغير الناشئ حتما عن حقوق الملكية الأصلية (لأن موضوعه تملك شيء آخر) هو
طلب قائم بذاته يدخل فى تقدير قيمة الدعوى لتحديد الاختصاص بها. وبما أن مثل تلك الدعوى
الفرعية أو الطلب الإضافى اللذين يكونان عند سلامة نية البانى لم يقدّم أيهما فعلا
فى الدعوى الحالية، وكذلك لم يحصل أن طلب المدّعى استبقاء البناء بقيمته مستحق القلع،
فلا محل للتحدّى بقيمة البناء وإدخاله كعنصر من عناصر تقدير الدعوى الأصلية.
وحيث إنه يبين مما تقدّم أن حكم المحكمة الجزئية بالاختصاص فى هذه الدعوى صحيح واجب
التأييد، وأن ما قضت به المحكمة الاستئنافية من عدم الاختصاص غير متمش مع القانون،
فيتعين على هذه المحكمة، مع قبول الطعن، نقض قضائها هذا المطعون فيه وتأييد حكم الاختصاص.
ولمن يهمه من الخصوم عرض الموضوع على محكمة مصر الابتدائية الأهلية لنظره بهيئة أخرى.
