الطعن رقم 82 سنة 3 ق – جلسة 26 /04 /1934
مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة
النقض والإبرام في المواد المدنية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة من 12 نوفمبر سنة 1931 لغاية 29 أكتوبر سنة 1936) – صـ 389
جلسة 26 أبريل سنة 1934
برياسة سعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك ومحمد نور بك المستشارين.
القضية رقم 82 سنة 3 القضائية
شراء الحقوق المتنازع فيها. تحريمه على وكلاء النيابة. معنى كون
الحق متنازعا فيه. رقابة محكمة النقض. (المادة 257 مدنى)
1 – إن المادة 257 من القانون المدنى، التى تحرّم على القضاة وغيرهم شراء الحقوق المتنازع
فيها، تفيد عبارتها اشتراط أن يكون التنازع على الحق المبيع قائما بالفعل وقت الشراء
ومعروفا للمشترى، سواء أكان مطروحا على القضاء أم لم يكن طرح بعد. وإذن فلا يكفى لإبطال
البيع أن يكون الحق المبيع قابلا للنزاع ومحتملا أن ترفع بشأنه دعوى.
2 – إن محكمة الموضوع، إذ تفصل فى وصف كون الوقائع التى أثبتتها وقدّرتها مؤدية أو
غير مؤدية إلى اعتبار الحق المبيع متنازعا فيه، إنما تفصل فى مسألة قانونية هى توافر
ركن من الأركان القانونية لحكم المادة 257 من القانون المدنى أو عدم توافره. وإذن فان
عملها فى هذا خاضع لرقابة محكمة النقض.
الوقائع
تتلخص وقائع هذه الدعوى، بحسب ما هو وارد فى الحكم المطعون فيه
وفى باقى الأوراق المقدّمة فى ملف هذا الطعن، فى أن أحمد بك يوسف باع إلى الشيخ متولى
محمد الشرباصى 6 فدادين و18 قيراطا و5 أسهم برأس الخليج بثمن قدره 1109 جنيهات و205
مليمات بعقد تاريخه 23 أبريل سنة 1930 ومسجل فى نفس هذا التاريخ؛ وقد دفع المشترى من
هذا الثمن وقت التعاقد 600 جنيه وتعهد بسداد باقية على خمسة أقساط سنوية قدر كل منها
101 جنيه و841 مليما فى 15 نوفمبر من كل سنة ابتداء من سنة 1930 بحيث إذا تأخر المشترى
فى سداد أحد هذه الأقساط أو جزء منه فى ميعاده تستحق جميعها بغير حاجة إلى تنبيه رسمى.
وإذ لم يدفع المشترى من القسط الأوّل المستحق فى 15 نوفمبر سنة 1930 سوى مبلغ 10 جنيها
و185 مليما تأجل سداد باقية إلى ميعاد استحقاق القسط الثانى أى 15 نوفمبر سنة 1931
على أن يحترم الشيخ متولى الشروط. وفى هذا الميعاد الأخير دفع المشترى مبلغ 45 جنيها
و985 مليما ولم يدفع شيئا بعد ذلك فأصبح المتأخر فى ذمته من القسطين الأول والثانى
147 جنيها و512 مليما.
وبتاريخ 16 نوفمبر سنة 1931 (أى فى اليوم التالى لاستحقاق المبلغ المذكور) حوّل أحمد
بك يوسف إلى زوج ابنته أحمد أفندى عبد اللطيف قنديل مساعد نيابة السنبلاوين إذ ذاك
المبلغ الباقى من الثمن فى ذمة المشترى وقدره 453 جنيها و40 مليما وأحله محله فى حق
الامتياز المقرّر بعقد البيع، وذلك بحسب شروط وقيود العقد المذكور؛ وقد قبل المشترى
هذا التحويل فى تاريخه كتابة على نفس ورقة التحويل.
وبتاريخ 28 نوفمبر سنة 1931 رفع أحمد أفندى عبد اللطيف قنديل هذه الدعوى على المشترى
أمام محكمة المنصورة الابتدائية وطلب الحكم بالزامه بأن يدفع له جميع باقى الثمن الذى
اعتبره واجب الدفع حالا بسبب تأخر المشترى فى السداد فى المواعيد المتفق عليها فى عقد
البيع وحبس العين المبيعة…….. الخ.
وعند نظر الدعوى دفع المشترى ببطلان التحويل المذكور استنادا إلى المادة 257 من القانون
المدنى، فطلب المدّعى إدخال المحيل ضامنا، ثم أدخله وصمم على طلباته الأصلية ضد المدين،
واحتياطيا وفى حالة الحكم ببطلان الحوالة الحكم على الضامن بطلباته.
وبعد نظر الدعوى حكمت المحكمة المذكورة بتاريخ 24 مايو سنة 1932 حضوريا: (أوّلا) برفض
الدفع المقدّم من الشيخ متولى محمد الشرباصى وبقبول التحويل. (ثانيا) بالزام المدّعى
عليه المذكور بأن يدفع للمدّعى مبلغ 453 جنيها و40 مليما والمصاريف والفوائد وبرفض
ما خالف ذلك من الطلبات.
فاستأنف المشترى هذا الحكم طالبا إلغاء الحكم الابتدائى بكافة أجزائه، ومحكمة استئناف
مصر بعد نظر الدعوى حكمت بتاريخ 13 يونيه سنة 1933 بقبول الاستئناف شكلا وموضوعا بالغاء
الحكم المستأنف وبطلان التحويل.
أعلن هذا الحكم لأحمد عبد اللطيف قنديل أفندى فى 29 أغسطس سنة 1933 فطعن فيه بطريق
النقض والإبرام فى 6 سبتمبر سنة 1933 وأعلن تقرير الطعن للمدعى عليه فى 25 سبتمبر سنة
1933 وقدّم الطاعن مذكرته الكتابية فى التاريخ المذكور، ولم يتقدّم المطعون ضدّه بدفاع
ما، وقدمت النيابة مذكرتها فى 14 مارس سنة 1933.
وبجلسة يوم الخميس الموافق 12 من شهر أبريل سنة 1934 المحدّدة لنظر هذا الطعن سمعت
المحكمة الدعوى كالوارد بمحضر الجلسة، ثم تأجل النطق بالحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة قانونا.
من حيث إن الطعن وأسبابه حصلا فى الميعاد القانونى فى حكم قابل له فهو صحيح شكلا.
ومن حيث إن الأسباب التى بنى عليها هذا الطعن تتلخص فى أن محكمة الاستئناف، لما قضت
ببطلان التحويل، لم تقض للطاعن بطلباته الاحتياطية ضدّ الضامن ولم تحكم فى موضوع الدعوى،
وهذا نقص فى الحكم يوجب نقضه؛ وأن المحكمة المذكورة بنت القضاء ببطلان التحويل على
حكم المادة 257 من القانون المدنى مع أن شروط المادة المذكورة لا تنطبق على الحوالة
الصادرة للطاعن لأنها قد صدّرت فى وقت لم يكن فيه نزاع على الحق فى ذاته ولا احتمال
قيام نزاع بشأنه، والطاعن لم يقبل الحوالة إلا بعد أن رضى بها المدين كتابة؛ وأن الطاعن
كان وكيلا لنيابة السنبلاوين الجزئية والنزاع الذى وجد بعد الحوالة من اختصاص محكمة
المنصورة الكلية فهو ليس من اختصاص المحكمة التى يؤدّى المشترى وظيفته فيها. ومجمل
الطعن فى هذا الحكم أنه أخطأ فى تفسير المادة 257 من القانون المدنى وفى تطبيقها.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أن محكمة الاستئناف اعتبرت حوالة
الدين الصادرة للطاعن فى هذه الدعوى من قبيل بيع الحقوق المتنازع فيها وأنها وقعت باطلة
طبقا للمادة 257 من القانون المدنى. وقد بنت قولها بأن هذا الحق المبيع متنازع فيه
على أمرين: (الأوّل) أن المدين كان عند حصول الحوالة متأخرا فى سداد بعض الأقساط، وأن
عدم مطالبة البائع له بسداد باقى الأقساط، تمسكا بالشرط الخاص بذلك، من شأنه أن يجعل
هذا المشترى يعتقد أن بائعه تنازل عما له من الحق فى تقاضى كامل الثمن المقسط عند التأخر
فى دفع أى قسط وأن يعتبر الشرط المتضمن لحق البائع فى هذا شرطا تهديديا فقط وأن ينازع
فيه إذا ما طولب بسداد باقى الأقساط دفعة واحدة. (والثانى) أن المقدار المبيع لم ينقل
تكليفه كله إلى المشترى، وأن البائع يعلم ذلك، وأن عدم نقل التكليف من الأمور التى
تهم المشترى لما يصح أن يكون لها من دلالة خاصة على عدم ملكية البائع وقد كان من حق
المشترى أن يدخل فى نزاع جدّى بسبب عدم نقل تكليف جميع المقدار المبيع إلى اسمه.
ومن حيث إن محكمة الاستئناف فى تفسيرها للمادة 257 من القانون المدنى قالت فى حكمها
فيما يختص بأحد أركانها وهو "أن يكون المبيع حقا متنازعا فيه" أنه لا يشترط أن يكون
الحق المبيع موضوع دعوى مرفوعة فعلا أمام القضاء بل يكفى أن يكون هذا قابلا للنزاع
ويحتمل أن ترفع بشأنه دعوى".
ومن حيث إن عبارة المادة المذكورة تفيد أنه يجب أن يكون الحق المبيع متنازعا فيه بالفعل
وقت الشراء تنازعا معروفا للمشترى سواء أكان هذا التنازع مطروحا على القضاء وقت الشراء
– كما هو ظاهر نص المادة – أما كان قائما بالفعل وإن لم ترفع بشأنه دعوى. فليس بسديد
إذن ما قيل من أنه يكفى فقط أن يكون الحق المبيع قابلا للنزاع ومحتملا أن ترفع بشأنه
دعوى، فان هذا القول يصدق على كل حق خال عن النزاع فى الحال ولكن يجوز أن يكون محل
نزاع فى المستقبل. ولا شك أن القانون لا يريد ذلك.
ومن حيث إن حقيقة الواقع فى مسألة هذا التحويل، بحسب ما يؤخذ من نفس الحكم المطعون
فيه ومن المستندات المقدّمة من الطاعن والتى لا خلاف فى دلالتها، هى أن التحويل الصادر
للطاعن قد تم برضاء المدين وقبوله كتابة فى يوم صدوره تحت عبارة صلب التحويل الذى ورد
فى نهايته وذلك بحسب شروط وقيود العقد المذكور. ولم يبد المدين وقت قبوله ما يشير إلى
وجود نزاع أو احتمال وجود نزاع سواء من جهة دفع باقى الثمن بحسب اشتراطات العقد التى
قبلها صراحة (وقبوله إياها يفيد أنها أصبحت لمصلحة المحال ومن حقوقه) أو من جهة مسألة
عدم نقل تكليف الجزء الذى لم ينقل تكليفه وهى مسألة معروفة له من قبل قبوله التحويل
وقد أقفل باب النزاع فيها فى وجهه بالإقرار الذى قدّم لمحكمة الاستئناف من زوجة أحمد
بك يوسف بأنها لا تنازع المتولى محمد الشرباصى فى ملكيته للاطيان المشتراة من زوجها
بموجب العقد المؤرّخ 23 أبريل سنة 1930 وأن القدر المذكور هو من ملك البائع لا من ملكها
ولم يسبق لها وضع يدها على شئ منه وأنها إزاء ادعائه وجود جزء من هذه الأطيان فى تكليفها
توافق على نقل تكليفه من اسمها لاسمه.
ومن حيث إن قبول المدين للتحويل بهذا الشكل وعدم احتفاظه فيه بأى حق معناه الصريح أن
الحق المحوّل لم يكن متنازعا فيه. ولو فرض وأن المدين كان يضمر نزاعا مّا فى المستقبل
فانه غير ظاهر أن المحوّل إليه كان يدرك أن السند قابل لهذا النزاع المستقبل. ومتى
كان الأمر كذلك امتنع القول بأن الطاعن اشترى هذا الحق عالما بما فيه من نزاع وقت الشراء
كما امتنع (بحسب التفسير الصحيح للمادة 257 من القانون المدنى) أن يكون للنزاع الذى
استحدث فيما بعد، وأشارت إليه المحكمة فى حكمها، أى تأثير قانونى فى صحة الحوالة. على
أن الواقع أن الاعتبار الأوّل الذى اعتمدت عليه محكمة الاستئناف فى القول بوجوب نزاع
فى الحق عند مشتراه أساسه شئ من التجاوز فى وضع مقدّمات لا يحتملها المقام ثم استنتاج
نتائج منها. كما أن الاعتبار الثانى المتعلق بنقل التكليف بعيد عن الإنتاج فى هذا الصدد
إذ الظاهر أن المتعاقدين لم يجعلا له أية أهمية ولا شأن عند التحويل، بدليل أنه بمجرّد
أن شاء المدين أن يحدث النزاع فيه قد أوقفه الطاعن بتقديمه الدليل على أن هذا النزاع
لا أساس له وأن أحدا لم ينازعه ولا ينازعه فى نقل التكليف.
أما ما قد يقال من أن مسألة كون الحق المبيع متنازعا فيه أم لا هى مسألة موضوعية يتعين
على محكمة النقض قبول ما تقرّره فيها محكمة الموضوع فان هذا القول لا يقيد محكمة النقض
لأن محكمة الموضوع إذ تفصل فى وصف كون الوقائع التى أثبتتها وقدّرتها مؤدّية أو غير
مؤدّية إلى اعتبار الحق المبيع متنازعا فيه إنما تفصل فى مسألة قانونية هى توافر ركن
من الأركان القانونية لحكم المادة 257 من القانون المدنى أو عدم توافره، وعملها فى
هذا خاضع لرقابة محكمة النقض بغير شك.
وحيث إن ما ذكر يكفى لقبول الطعن ونقض الحكم بغير حاجة إلى الكلام على باقى أوجه الطعن.
وحيث إن الدعوى صالحة للحكم فى موضوعها فترى المحكمة الحكم فيه.
