الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 98 سنة 2 ق – جلسة 02 /03 /1933 

مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة من 12 نوفمبر سنة 1931 لغاية 29 أكتوبر سنة 1936) – صـ 192

جلسة 2 مارس سنة 1933

برياسة سعادة عبد الرحمن إبراهيم سيد أحمد باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك وحامد فهمى بك وعبد الفتاح السيد بك وأمين أنيس باشا المستشارين.


القضية رقم 98 سنة 2 القضائية

محكمة النقض. حقها فى الإشراف على التكييف القانونى للوقائع الثابتة. حقها فى مراقبة محكمة الموضوع إذا أغفلت الأخذ بالنصوص الواردة بالمستندات. البيع المتفق بين عاقديه على عودة ملكية المبيع إلى البائع إذا مات المشترى قبله. وصية.
من حق محكمة النقض أن تشرف على محكمة الموضوع فيما تعطيه من التكييف القانونى لما تثبته فى حكمها من الوقائع. وذلك لتعرف ما إذا كان هذا التكييف قد جاء موافقا للقانون أم مخالفا له. كما أن من حقها أن تراقب ما إذا كانت محكمة الموضوع قد أغفلت الأخذ بالنصوص الواردة بالمستندات المقدّمة التى لها تأثير فى مصير الدعوى. فاذا ادّعى بائع قطعة من الأرض إلى زوجته بعقد مسجل بثمن معين أقرّ بقبضه أن هذا البيع هو فى الحقيقة وصية، واستدل على ذلك باقرار قدّمه صادر له من المشترية، بعد تاريخ تسجيل عقد البيع، تبيح له فيه الانتفاع بالعين المبيعة مدّة حياته، وتصرح فيه بأنه فى حالة وفاتها قبله تعود ملكية القدر المبيع إليه، وتمسك ورثتها فى دفع هذه الدعوى بورقة صادرة لها من البائع بعد تاريخ الإقرار الصادر منها بمدة طويلة يتنازل لها فيها عن ريع الأرض المبيعة، واعتبرت المحكمة هذا التنازل ملغيا للقيد المتعلق بالملكية الوارد فى إقرار المشترية ومتمما لعقد البيع بجميع أركانه، زعما بأنه بعد هذا التنازل تكون قد نقلت ملكية الرقبة والمنفعة معا إلى المشترية – فهذا الاعتبار لا يمكن حسبانه تفسيرا لعقد البيع ولا لإقرار المشترية أو تنازل البائع، وإنما هو وصف وتكييف للعقد أغفلت المحكمة فيه عنصرا هاما هو ما نص عليه فى إقرار المشترية من عودة الملكية إلى البائع إذا ما توفيت هى قبله. ولمحكمة النقض أن تصحح تكييف هذا العقد على موجب قيام هذا العنصر الذى لا خلاف على ثبوته ولا على دلالته [(1)] فتعتبره وصية من البائع لا بيعا صحيحا [(2)].


الوقائع

تتلخص وقائع الدعوى – حسب الوارد فى الحكم المطعون فيه والمذكرات والمستندات المودعة فى ملف الطعن – فى أن إبراهيم حسين شحاته رفع دعوى أمام محكمة شبين الكوم الابتدائية الأهلية تقيدت تحت نمرة 84 سنة 1930 ضدّ أحمد أحمد عمارة قمبر والحرمة نبيهه إبراهيم شحاته وإبراهيم السيد شحاته طلب فيها تثبيت ملكيته لفدان ونصف وسبعة أسهم بحدود معينة ومنع منازعة المدّعى عليهم له فيها وتسليمها إليه ومحو وشطب ما ترتب عليها من التسجيلات مع إلزامهم بالمصاريف وأتعاب المحاماة مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل بلا كفالة فتمسك أحمد أحمد عمارة قمبر بعقد بيع 8 قراريط و12 سهما تاريخه 23 يونيه سنة 1915 صادر من المدّعى لمورّثته الست عز أحمد عمارة ومسجل فى 8 يوليه سنة 1915 فدفع المدّعى بأن عقد البيع المذكور هو فى الحقيقة وصية بدليل الإقرار الصادر من الست عز أحمد للبائع فى 25 يوليه سنة 1915 الذى تبيح فيه الست عز لزوجها إبراهيم حسين الانتفاع بالعين المبيعة مدّة حياته وتصرح فيه بأنها إذا توفيت قبل إبراهيم تعود ملكية القدر المبيع إلى البائع، وتمسك أحمد أحمد عمارة بورقة مؤرّخة 30 أكتوبر سنة 1928 صادرة من إبراهيم حسين شحاته لزوجته الست عز أحمد بتنازله لها عن ريع الثمانية القراريط والنصف المبيعة إليها. حكم ابتدائيا فى 18 نوفمبر سنة 1930 باعتبار عقد البيع المؤرّخ 23 يونيه سنة 1915 وصية، لأنه يكون مع الإقرار الصادر من البائع فى 25 يوليو سنة 1915 كلا لا يتجزأ ويتبين منه غرض المتعاقدين، وبثبوت ملكية إبراهيم شحاته للثمانية القراريط والنصف لوفاة الست عز قبله ولرجوعه فى الوصية برفع الدعوى. استأنف أحمد أحمد عمارة الحكم فى الميعاد أمام محكمة استئناف مصر الأهلية بالاستئناف رقم 467 سنة 48 قضائية طالبا إلغاء الحكم الابتدائى ورفض دعوى إبراهيم حسين شحاته لأن عقد 23 يونيه سنة 1915 هو بيع تام لا وصية. حكم استئنافيا فى 23 مارس سنة 1932 بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المستأنف وبرفض دعوى إبراهيم حسين شحاته وألزمته بمصاريف الدرجتين وبمبلغ 300 قرش مقابل أتعاب المحاماة عنهما. أعلن الحكم المذكور إلى إبراهيم حسين شحاته فى 13 سبتمبر سنة 1932 فطعن فيه بطريق النقض والإبرام بتاريخ 6 أكتوبر سنة 1932 وأعلن تقرير الطعن فى 12 منه وقدّم طرفا الخصومة المذكرات الكتابية فى المواعيد وقدّمت النيابة مذكراتها فى 12 يناير سنة 1933.
وبجلسة 23 فبراير سنة 1933 المحدّدة لنظر هذا الطعن صمم كل من الحاضرين عن طرفى الخصومة والنيابة على ما تدّون بالمذكرات ثم أجل الحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد سماع المرافعة والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
بما أن الطعن رفع صحيحا فى الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وبما أن محصل الوجه الذى بنى عليه الطعن هو أن محكمة الاستئناف أخطأت فى تطبيق القانون لأنها مع إثباتها أن الطاعن باع لعز أحمد عمارة زوجته 8 قراريط و12 سهما بعقد 23 يونيه سنة 1915 وأن الست عز أحمد عمارة أباحت للبائع لها حق الانتفاع بالعين المبيعة مدّة حياته ونصت على أن وفاتها قبل وفاة البائع تعيد ملكية المبيع إلى البائع بالورقة المؤرّخة 25 يوليه سنة 1915 – قد اعتبرت عقد 23 يونيه سنة 1915 عقد بيع لا وصية. وهذا بلا شك خطأ قانونى لأن البيع لا تعود فيه ملكية المبيع إلى البائع بموت المشترى قبل البائع، والذى تعود فيه الملكية إلى صاحبها بموت المنقولة إليه قبل المالك الأصلى هى الوصية. وقد ردّ المدّعى عليه فى الطعن على هذا الوجه بأن تحقيق نية العاقدين وتعرّف ما قصداه من العقد وتفسيره مما يدخل فى نطاق سلطة محكمة الموضوع ولا رقابة لمحكمة النقض عليها فيه.
وبما أنه بمراجعة الحكم المطعون فيه تبين أن المحكمة الاستئنافية فى استعراضها للوقائع قد أثبتت أن إبراهيم حسين شحاته باع إلى عز أحمد عمارة زوجته 8 قراريط و12 سهما بحدود معينة بعقد مؤرّخ 23 يونيه سنة 1915 ومسجل فى 8 يوليه سنة 1915 بثمن قدره 40 جنيها أقرّ البائع بقبضها وأن البائع قدّم للمحكمة إقرارا صادرا من عز أحمد عمارة المشترية مؤرّخا 25 يوليه سنة 1915 بإباحتها للبائع لها الانتفاع بالعين المبيعة مدّة حياته وبأن ملكية المبيع تعود لإبراهيم حسين شحاته إذا توفيت عز أحمد قبله ويصبح له الحق فى جميع التصرفات الشرعية فيها، وأن إبراهيم شحاته تنازل عن ريع العين المبيعة منه إلى زوجته بورقة مؤرّخة 30 أكتوبر سنة 1928.
وبما أن محكمة الاستئناف اعتبرت تنازل 30 أكتوبر سنة 1928 الصادر من إبراهيم حسين شحاته عن ريع الأرض المبيعة منه إلى (عز) ملغيا للقيد الوارد فى إقرار 25 يوليه سنة 1915 الصادر من عز ومتمما لعقد البيع بجميع أركانه، لأنه بعد هذا التنازل يكون قد نقل ملكية الرقبة والمنفعة.
وبما أن عمل محكمة الاستئناف لا يمكن اعتباره تفسيرا لعقد 23 يونيه سنة 1915 إذ العقد المذكور لا غموض فى نصوصه، ولا لإقرارى 25 يوليه سنة 1915 و30 أكتوبر سنة 1928 وإنما هو وصف وتكييف للعقد الذى بينت ظروفه فى الوقائع التى استعرضها ترتب على إغفال ملاحظة القيد الموجود بإقرار 25 يوليه سنة 1915 المتضمن رجوع الملك إلى البائع عند وفاة المشترية قبله.
وبما أن من حق محكمة النقض الإشراف على محكمة الموضوع فيما تعطيه من الأوصاف والتكييف القانونى لما تثبته من الوقائع لمعرفة إن كانت فى تكييفها قد وافقت القانون أو خالفته، ولا يعدّ تدخلها فى هذه الحالة تداخلا فى مسألة موضوعية. وكذلك لها الإشراف على محكمة الموضوع إذا أغفلت الأخذ بالنصوص الواردة بالمستندات المقدّمة لها وكانت هذه النصوص ذات تأثير على مصير الدعوى.
وبما أن ما تجاهلته محكمة الاستئناف من ورقة 25 يوليه سنة 1915 وهو النص على عودة الملكية إلى البائع إذا توفيت قبله المشترية هو عنصر هام له أثره فى تكييف العقد على الوجه الصحيح.
وبما أن البيع المنصوص بين عاقديه على عودة ملكية المبيع إلى البائع إذا مات المشترى قبله يعتبر فى نظر القانون وصية لأن الوصية تبطل بوفاة الموصى له قبل الموصى، واعتباره بيعا حقيقة فيه مخالفة للقانون، إذ طبيعة البيع تأبى عود ملكية المبيع إلى البائع بموت المشترى قبل البائع. لهذا تكون محكمة الاستئناف قد خالفت القانون فى اعتبارها عقد 23 يونيه سنة 1915 بيعا لا وصية ويكون الطعن مقبولا ويتعين نقض الحكم المطعون فيه.
وبما أن موضوع الدعوى صالح للحكم.


[(1 و2)] أظن أنه لكى يكون هذا الحكم سليما ينبغى أن يكون ثابتا فى الواقع أن الزوج البائع كان متبرعا ولم يقبض ثمنا من زوجته المشترية. لأنه إذا كان ثابتا فى الواقع أن الثمن دفع فعلا لكان التكييف الصحيح للعقد هو أنه عقد بيع. وفى هذه الصورة لو أن إقرار المشترية برجوع الملك للبائع عند وفاتها قبله كان شرطا فى هذا البيع لكان شرطا باطلا لأنه مخالف لموجب العقد. فان لم يكن شرطا بل كان إنشاء لحق فانه يكون وصية من المشترية للبائع بالملكية تأخذ حكمها على حدتها من جهة الشكل والموضوع. وكون ذلك الإقرار شرطا فى البيع أو وصية راجع إلى نصه وتقدير محكمة الموضوع له تحت رقابة محكمة النقض. والحاصل أن النقطة الأساسية الواجب تعرّفها لإمكان تكييف عقد البيع هى ما إذا كان ثمن المبيع دفع فعلا أم لم يدفع. وبما أن محكمة النقض لم تذكر فى حكمها أن الثابت فى الواقع هو أن البائع تبرع ولم يقبض ثمنا فحكمها من هذه الجهة هو محل نظر. وأظن أنه مع ثبوت كون البائع أقرّ بقبض الثمن ليس لمحكمة النقض أن تقول إن نص إقرار المشترية برجوع الملكية للبائع عند وفاتها قبله دليل على أن حقيقة البيع وصية، فان قبض الثمن المانع من فكرة الوصية أو عدم قبضه المجيز لهذه الفكرة هما من مسائل الوقائع التى لا شأن لمحكمة النقض بها.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات