الطعن رقم 1494 لسنة 8 ق – جلسة 13 /02 /1965
مجلس الدولة – المكتب الفنى – مجموعة المبادئ
القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا
السنة العاشرة – العدد الثانى (من أول فبراير سنة 1965 الى آخر مايو سنة 1965) – صـ
659
جلسة 13 من فبراير 1965
برئاسة السيد الأستاذ حسن السيد أيوب وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور ضياء الدين صالح ومحمد شلبى يوسف وعادل عزيز زخارى وعبد الستار آدم المستشارين.
القضية رقم 1494 لسنة 8 القضائية
دعوى – تكييفها – طلب ترك الخدمة على أساس ضم سنتين لمدة الخدمة
وحسابهما فى المعاش بالتطبيق للمادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960 – هى دعوى
تسوية تقوم على منازعة فى معاش – أساس ذلك: ليس للادارة سلطة تقديرية فى قبول أو رفض
الطلب – لذوى الدرجات الشخصية حق مباشر فى تطبيق القانون عليهم اذا توافرت شروطه –
مثال [(1)].
تنص المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960 بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم
210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفى الدولة على أنه "استثناء من أحكام القانون رقم 210
لسنة 1951 يجوز لكل من بلغ سن الخامسة والخمسين من الموظفين أو يبلغها خلال الثلاثة
شهور من تاريخ نفاذ هذا القانون طلب ترك الخدمة على أن يسوى معاشه على أساس ضم سنتين
لمدة خدمته وحسابهما فى المعاش حتى ولو تجاوز بهذا الضم سن الستين على الا تتجاوز مدة
الخدمة المحسوبة فى المعاش نتيجة لهذا الضم 37.5 سنة وعلى أن يمنح علاوتان من علاوات
درجته ولا يتجاوز بهما نهاية مربوط الدرجة".
وقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن المشرع جعل طلب اعتزال الخدمة بالتطبيق للقانون
رقم 120 لسنة 1960 رخصة مباحة للموظف يستعملها بمشيئته متى تحققت فيه الشروط التى تطلبها
هذا القانون واذا كان هدف الشارع من اصدار القانون المذكور هو معالجة مشكلة قدامى الموظفين
المنسيين ووضع حد لتضخم الدرجات الشخصية والتخلص منها قدر المستطاع، وكانت هذه الحكمة
التشريعية انما تعبر بذاتها عن مصلحة عامة ابتغاها الشارع بعد أن وزن ملاءمتها بالنسبة
الى كل من الموظف والخزانة العامة وقدر أنها تبرر اصدار مثل هذا التشريع فان ثمة قرينة
قانونية قاطعة لا تقبل اثبات العكس على تحقق المصلحة العامة فى ترك أمثال هؤلاء الموظفين
خدمة الحكومة، وتتمثل هذه المصلحة فى الغاء درجاتهم الشخصية التى أعرب المشرع صراحة
عن حرصه على التخلص منها سواء بهذا الطريق أو بما نص عليه فى المادة الثانية من القانون
رقم 120 لسنة 1960 من تنظيم تسوية الدرجات الشخصية الباقية واستهلاكها، ولا يسوغ لقاعدة
تنظيمية أدنى من الأداة التشريعية التى صدر بها هذا القانون الحد من اطلاق حكم نص المادة
الأولى منه فيما يتعلق بالمدة الباقية لبلوغ سن الاحالة الى المعاش باضافة قيد اليها
لم يورده المشرع ذاته بل لم يرده بدليل افتراضه فى المادة المذكورة ان ضم السنتين لمدة
خدمة الموظف وحسابهما فى معاشه قد يجاوز به سن الستين. اذ أن هذا التقييد من جانب الادارة
يعتبر حكما تشريعيا جديدا لا تملكه الجهة الادارية وينطوى على مخالفة لقصد الشارع الذى
لم يحدد سنا ما بين الخامسة والخمسين وبين الستين لا تقبل ممن يبلغها الرغبة فى اعتزال
الخدمة، كما لا حجة فى التذرع باحتمال اختلال سير العمل بالوزارات والمصالح والهيئات
الحكومية بسبب خروج عدد كبير من الموظفين بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960
ما دام هذا أمرا أباحه المشرع وقدر مقدما ما يمكن أن يترتب عليه من نتائج لم تكن لتغيب
عنه، ولا وجه فى ضوء ما تقدم للتفرقة، بسبب السن أو بدعوى مصلحة العمل، ما بين فريق
وآخر من شاغلى الدرجات الشخصية مادام القانون لم يقض بهذه التفرقة ولا تقرها نصوصه.
ومؤدى ما تقدم أنه فيما يتعلق بطلبات اعتزال الخدمة طبقا لأحكام القانون رقم 120 لسنة
1960 المقدمة من شاغلى الدرجات الشخصية، فان الأمر فى قبولها أو رفضها ليس مرده الى
تقدير جهة الادارة واختيارها، وانما مرده فى الحقيقة الى أحكام القانون ذاته الذى رتب
حقوقا معينة متعلقة بالمعاش لمن يطلبون اعتزال الخدمة من ذوى الدرجات الشخصية المتوافرة
فيهم شروط مقررة بحيث أنه متى توافرت فيهم هذه الشروط الواجبة قانونا حقت لهم الافادة
من أحكام القانون وحق على جهة الادارة تمكينهم من هذه الافادة، وبهذه المثابة فان الدعوى
التى تقام فى هذا الخصوص – كالدعوى الراهنة – تكون فى حقيقة تكييفها دعوى تسوية تقوم
على منازعة فى معاش لا تستلزم تظلما اداريا قبل رفعها ولا تخضع لميعاد الستين يوما
المقرر لدعاوى الالغاء، وعلى مقتضى هذا يكون الحكم المطعون فيه اذ قضى بعدم قبول دعوى
المدعى تأسيسا على انها دعوى الغاء فى غير محله قانونا.
اجراءات الطعن
فى 6 من أغسطس سنة 1962 أودع الأستاذ أيوب نصر الله المحامى المنتدب
عن السيد/ خليل منصور دبوس تقرير طعن في الحكم الصادر بجلسة 8 من مايو سنة 1962 من
المحكمة الادارية لوزارة المواصلات فى الدعوى رقم 15 لسنة 9 القضائية المقامة منه ضد
السيدين وزير المواصلات ومدير عام هيئة البريد بصفتيهما وطلب الطاعن للأسباب المبينة
بتقرير الطعن احالة الطعن الى دائرة فحص الطعون بالمحكمة الادارية العليا بتقرر احالته
الى المحكمة الادارية العليا ليسمع المطعون ضدهما الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع
بقبوله والحكم بالغاء الحكم المطعون فيه فى الدعوى رقم 15 لسنة 9 القضائية الصادر من
المحكمة الادارية لوزارة المواصلات والحكم بطلبات الطاعن الموضحة بصحيفة افتتاح دعواه
أمام المحكمة المذكورة وهى الحكم بتسوية حالته وفقا للأسس المنصوص عليها فى القانون
رقم 120 لسنة 1960 مع الزام المطعون ضدهما بالمصروفات عن الدرجتين ومقابل أتعاب المحاماة
عنهما، وقد أعلن تقرير الطعن الى المطعون ضدهما فى 22 و28 من أغسطس سنة 1962.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون لهذه المحكمة جلسة 13 من يونية سنة 1964 وفيها
قررت الدائرة احالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا وعين لنظره أمامها جلسة 28 من
نوفمبر سنة 1964 وفيها حضر الطرفان وأدليا بما لزم سماعه من ايضاحات وأرجئ النطق بالحكم
الى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع ايضاحات ذوى الشأن وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة – حسبما يبين من أوراق الطعن – تتحصل فى أن المدعى أقام
الدعوى رقم 15 لسنة 9 القضائية ضد السيد الدكتور وزير المواصلات والسيد مدير هيئة البريد
أمام المحكمة الادارية لوزارة المواصلات بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة فى 7 من أكتوبر
سنة 1961 بعد أن صدر فى 16 من سبتمبر سنة 1961 قرار بقبول طلب الاعفاء من الرسوم، وذكر
بيانا لدعواه أنه عين فى خدمة هيئة البريد فى 12 من يونيو سنة 1923 وظل يتدرج فى الترقيات
الى أن منح الدرجة الرابعة الشخصية، وعلى أثر صدور القانون رقم 120 لسنة 1960 بتيسير
اعتزال الموظفين الخدمة وفقا للشروط وبالمزايا المنصوص عليها فيه قدم طلبا فى 4 من
مايو سنة 1960 لهيئة البريد ولم يتلق ردا على طلبه الى أن أحيل على المعاش وقد مضت
فترة أكثر من ثلاثين يوما على طلبه المشار اليه، وانه بناء على حكم المادة 110 من القانون
رقم 210 لسنة 1951 تكون استقالته قد قبلت بقوة القانون ولا يغير من الأمر شيئا كونه
قد استمر فى العمل بعد فترة الثلاثين يوما اذ تطبق فى مثل هذه الحالة نظرية الموظفين
الفعليين، وأن الدعوى فى مقام التكييف الصحيح لا تعدو، أن تكون من قبيل التسويات التى
يستهدف بها المدعى تقرير الحق الذى يستمده من أحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 وتسوية
معاشه الذى يمنح له فيما لو أعملت فى شأنه أحكامه فهى بهذه المثابة تندرج فى عموم المنازعات
الخاصة بالمرتبات والمعاشات، وأنه مادامت المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951
التى سبقت الاشارة اليها واجبة التطبيق فلا يرى المدعى حاجة الى اثارة القيد الذى تتمسك
به الادارة من أنه من المتعين أن تكون المدة الباقية للموظف لبلوغه السن القانونية
سنة على الأقل اذ أن القانون رقم 120 لسنة 1960 لم يتضمن مثل هذا القيد وما كان للتعليمات
الادارية أن تعدل نصا تشريعيا ومن جهة أخرى فقيد المصلحة العامة فى الحالات التى يجوز
التمسك بها مقصور على غير الموظفين الذين منحوا درجات شخصية كما يتبين ذلك صراحة من
المذكرة الايضاحية للقانون رقم 120 لسنة 1960 والقوانين انما تصدر لتنفذ ولم يتضمن
القانون رقم 120 لسنة 1960 أى تحفظ الا بالنسبة للموظفين فهم الذين لهم أن يطلبوا اذا
شاءوا اعتزال الخدمة بالشروط والمزايا المنصوص عليها فيه أما الادارة فهى ملزمة بالقبول،
وقد انتهى المدعى الى طلب الحكم بتسوية حالته وفقا للأسس المنصوص عليها فى القانون
رقم 120 لسنة 1960 مع الزام المدعى عليهما بصفتيهما بالمصاريف وأتعاب المحاماة مع النفاذ.
وقدم مفوض لدولة تقريرا بالرأى القانونى فى الدعوى تضمن أن جهة الادارة ردت على الدعوى
بأن المدعى تقدم فى 4 من مايو سنة 1960 بطلب التمس فيه قبول اعتزاله الخدمة طبقا للقانون
رقم 120 لسنة 1960 وبعرض الأمر على السيد المدير العام قرر بتاريخ 31 من مايو سنة 1960
عدم الموافقة على طلبه وعلى أثر علم المدعى بهذا القرار تقدم بشكوى بتاريخ 21 من يونية
سنة 1960 التمس فيها اعادة النظر فى طلبه، ولما كانت استقالة المدعى تخضع لاحكام المادة
110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 وقد بت السيد المدير العام فى طلبه خلال الموعد المحدد
لذلك تكون الدعوى على غير أساس سليم من القانون، وقال المفوض أن المدعى يهدف من دعواه
الى طلب الحكم بأحقيته فى تسوية معاشه على أساس قبول استقالته من الخدمة طبقا لأحكام
القانون رقم 120 لسنة 1960 وانه لا يتأتى له هذا الطلب الا اذا تمكن من الغاء القرار
الادارى الصادر من مدير عام هيئة البريد برفض طلب اعتزاله الخدمة طبقا لأحكام ذلك القانون
وقد استقر الرأى على تكييف مثل هذه الدعوى باعتبارها من دعاوى الالغاء طالما أن طلب
الاستقالة قد بت فيه قبل انقضاء ثلاثين يوما وانه لما كان الثابت من الأوراق أن طلب
المدعى احالته الى المعاش قد تقرر رفضه مع طلبات أخرى عرضت على مدير عام الهيئة بتاريخ
31 من مايو سنة 1960 وأن المدعى لم يتظلم من هذا القرار قبل اقامة الدعوى فضلا عن أنه
تقدم بطلب اعفائه من رسومها فى 20 من يونية سنة 1961 أى بعد انقضاء سنة على صدور القرار
الواجب الطعن فيه والذى توافرت فى المدعى قرينة العلم به علما يقينيا بانقضاء ثلاثين
يوما على تقديمه طلب الاستقالة دون أن تقوم جهة الادارة باجابته اليه وباحالته الى
المعاش بناء على الأسس التى طلبها فان دعواه تكون غير مقبولة شكلا لانتفاء التظلم قبل
رفعها ولرفعها بعد الميعاد.
وفى 8 من مايو سنة 1962 أصدرت المحكمة الادارية لوزارة المواصلات وهيئة السكك الحديدية
حكما فى الدعوى قاضيا بعدم قبولها وبالزام المدعى بالمصروفات، وأقامت المحكمة قضاءها
على أنه ولئن كان القانون رقم 120 لسنة 1960 قد أجاز لكل موظف يبلغ سن الخامسة والخمسين
وقت نفاذ القانون أو يبلغها خلال الثلاثة أشهر التالية لنفاذه طلب اعتزال الخدمة بالمزايا
التى قررها الا أنه ترك للجهة الادارية سلطة تقديرية فى قبول أو رفض مثل هذه الطلبات
وفقا لمقتضيات الصالح العام بلا معقب عليها ما دام قرارها قد جاء خاليا من اساءة استعمال
السلطة.
فالحق فى اعتزال الخدمة بالمزايا المنصوص عليها فى القانون رقم 120 لسنة 1960 لا يتقرر
حتما بقوة القانون لكل موظف توافرت له الشروط المقررة الا فى حالة واحدة وهى حالة عدم
البت فى طلب اعتزاله الخدمة – الذى هو بمثابة استقالة – بالقبول أو الرفض خلال الثلاثين
يوما التالية لتاريخ تقديمه وفق حكم المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 وان الهيئة
المدعى عليها قد فصلت فى الطلب المقدم من المدعى بالرفض فى 31 من مايو سنة 1960 خلال
فترة الثلاثين يوما المذكورة وبهذه المثابة تكون الدعوى فى حقيقتها من دعاوى الالغاء
متضمنة طعنا فى القرار الادارى الصادر برفض طلب اعتزاله الخدمة طبقا للقانون رقم 120
لسنة 1960 وعلى هذا الأساس فانها تخضع للمواعيد والاجراءات المقررة لدعاوى الالغاء
ولما كانت أوراق الدعوى خالية مما يدل على تظلم المدعى اداريا من القرار المشار اليه
قبل رفع الدعوى وهو ما أقر به المدعى فى مذكرته الختامية فان الدعوى تكون غير مقبولة.
وبعريضة مودعة سكرتيرية هذه المحكمة فى 6 من أغسطس سنة 1962، وبناء على قرار لجنة المساعدة
القضائية فى 21 من يولية سنة 1962 بقبول طلب الاعفاء رقم 346 لسنة 8 عليا المقدم فى
5 من يولية سنة 1962، طعن المدعى فى حكم المحكمة الادارية المشار اليه طالبا الحكم
بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بقبوله والغاء الحكم المطعون فيه فى الدعوى رقم 15 لسنة
9 قضائية الصادر من المحكمة الادارية لوزارة المواصلات والحكم بطلبات الطاعن الموضحة
بصحيفة افتتاح دعواه أمام المحكمة المذكورة وهى الحكم بتسوية حلته وفقا للأسس المنصوص
عليها فى القانون رقم 120 لسنة 1960 مع الزام المطعون ضدهما بالمصروفات عن الدرجتين
ومقابل أتعاب المحاماة عنهما، وقد أقام الطاعن طعنه على ما يأتى:
أن المفهوم من نص المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 أن يفصل فى طلب الاستقالة
بالقبول أو بالرفض ويعلن الموظف بالقرار الصادر بذلك خلال ثلاثين يوما والا كانت الاستقالة
مقبولة بقوة القانون وان الثابت من الأوراق أن المدعى لم يعلن اطلاقا برفض طلب استقالته
لا خلال الثلاثين يوما المقررة قانونا ولا بعدها الى أن رفع دعواه ومن ثم تكون استقالته
مقبولة بقوة القانون، كما تصبح الدعوى من دعاوى التسويات الخاصة بالمنازعة فى المرتبات
والمعاشات لأنه وفقا لما قضت به المحكمة الادارية ذاتها فى قضية أخرى فان مباشرة الادارة
سلطتها التقديرية فى شأن قبول أو رفض طلبات ترك الخدمة طبقا لأحكام القانون رقم 120
لسنة 1960 لا تكون الا خلال الشهر التالى لتقديم الطلب، أما بعد فوات هذه المدة فان
الطلب وهو بمثابة استقالة يعتبر مقبولا بقوة القانون اذا ما توافرت فى الموظف كافة
الشروط التى تطلبها القانون رقم 120 لسنة 1960 وفى هذه الحالة تنعدم سلطة الادارة التقديرية
وتصبح سلطتها مقيدة بأعمال أحكام القانون المذكور فى حق مقدم الطلب وتكون الدعوى فى
حقيقتها متعلقة بتسوية حالته وفقا لأحكام ذلك القانون.
انه وان كانت المذكرة الايضاحية للقانون رقم 120 لسنة 1960 قد أفصحت عن قصد المشرع
فى أن يجعل أمر البت فى طلبات ترك الخدمة متروكا لسلطة الادارة التقديرية تترخص فيه
حسبما تمليه المصلحة العامة الا أن التذرع بالمصلحة العامة قد يكون له وجه بالنسبة
الى حالة الطاعن لو بقيت له مدة خدمة تمتد الى بضع سنوات بحيث يمكن أن يقال أن الادارة
سوف تحرم من خبرته وخدماته ولكن شيئا من ذلك لا يتوافر فى حالته، هذا فضلا عن أن المقصود
بذلك هم غير الموظفين على درجات شخصية اذ يتضح من المذكرة الايضاحية للقانون أنه انما
استهدف التيسير على أصحاب الدرجات الشخصية وتعويضهم باعتزالهم الخدمة بالمزايا التى
تضمنها، يضاف الى ما تقدم أن رفض طلب الطاعن اعتزاله الخدمة بمقولة أن المدة الباقية
من خدمته تقل عن سنة مشوب بالخطأ فى تطبيق القانون وبالانحراف لأن اشتراط أن تكون المدة
الباقية أكثر من سنة لم يرد له ذكر فى القانون ولا يجوز أن ترقى التعليمات الى مرتبة
القانون لتعدل نصا فيه خاصة وان كثيرا من الوزارات قبلت اعتزال الخدمة من الكثيرين
من موظفيها برغم كون المدد الباقية لهم للاحالة الى المعاش لا تتجاوز أياما.
وقد قدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا فى الطعن أبدت فيه أن قضاء
الحكم المطعون فيه بعدم قبول الطعن مردود بما استقر عليه قضاء المحكمة الادارية العليا
فى هذا الخصوص من أن دعوى المنازعة فى القرار الصادر برفض طلب الموظف اعتزاله الخدمة
بمقتضى أحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 تعد فى حقيقتها وبحسب تكييفها القانونى السليم
دعوى تسوية تقوم على منازعة فى معاش وبهذه المثابة لا تستلزم تظلما اداريا قبل رفعها
كما لا تخضع للميعاد المقرر لطلبات الالغاء، كما أبدت أن الشروط المنصوص عليها فى المادة
الأولى من القانون المذكور متوافرة فى طلب المدعى وان رفض طلبه وطلب غيره من زملائه
قد أسس على أن مدة خدمتهم الباقية تقل عن سنة وهو ما لا سند له من القانون وانتهت هيئة
المفوضين الى أنها ترى الحكم "بقبول الطعن شكلا وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه
وبأحقية المدعى فى ترك الخدمة وتسوية معاشه تطبيقا لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960
مع الزام الحكومة بالمصروفات".
ومن حيث انه يبين من الأوراق أن المدعى من مواليد 24 من يونية سنة 1900، وكان سنه عند
العمل بالقانون رقم 120 لسنة 1960 قد جاوز الخامسة والخمسين، وكان يشغل درجة خامسة
شخصية رقى منها الى الدرجة الرابعة الشخصية اعتبارا من 26 من مارس سنة 1960، وقد تقدم
فى 4 من مايو سنة 1960 بطلب قبوله اعتزال الخدمة طبقا للقانون المذكور، وأعدت هيئة
البريد كشفا "بأسماء الموظفين الذين تقدموا بطلبات اعتزال الخدمة والمدد الباقية لهم
تقل عن سنة" وأدرج اسم المدعى فى هذا الكشف وأثبت قرين اسمه أن المدة الباقية له بالخدمة
هى شهر وعشرون يوما، وقد أشر وكيل المدير العام على هذا الكشف فى 30 من مايو سنة 1960
بما يأتى "غير موافق على هذه الطلبات حيث انها تتعارض مع القواعد المبلغة للهيئة بخطاب
الوزارة رقم 26/ 7/ 1 بتاريخ 15/ 5/ 1960" ثم أشر بعده المدير العام فى 31 من مايو
سنة 1960 بما يأتى "غير موافق لعدم انطباق الشروط" وفى 21 من يونية سنة 1960 تقدم المدعى
بالتماس أشار فيه الى طلبه السابق وذكر أنه لم يجب بعد وطلب الموافقة على اعتزاله الخدمة
مع منحه سنتين فقط مع تنازله عن العلاوتين، وفى 20 من يونية سنة 1961 تقدم للجنة المساعدة
القضائية بطلب اعفائه من الرسوم فأجابته الى طلبه فى 16 من سبتمبر سنة 1961 وأقام دعواه
فى 7 من أكتوبر سنة 1961 طالبا تسوية حالته وفقا للأسس المنصوص عليها فى القانون رقم
120 لسنة 1960.
ومن حيث أن المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة1960 بشأن تعديل بعض أحكام القانون
رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفى الدولة تنص على أنه "استثناء من أحكام القانون
رقم 210 لسنة 1951 يجوز لكل من بلغ سن الخامسة والخمسين من الموظفين أو يبلغها خلال
الثلاثة شهور من تاريخ نفاذ هذا القانون طلب ترك الخدمة على أن يسوى معاشه على أساس
ضم سنتين لمدة خدمته وحسابهما فى المعاش حتى ولو تجاوز بهذا الضم سن الستين على ألا
تتجاوز مدة الخدمة المحسوبة فى المعاش نتيجة لهذا الضم 37.5 سنة وعلى أن يمنح علاوتان
من علاوات درجته ولا يتجاوز بهما نهاية مربوط الدرجة".
ومن حيث ان قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن المشرع جعل طلب اعتزال الخدمة بالتطبيق
للقانون رقم 120 لسنة 1960 رخصة مباحة للموظف يستعملها بمشيئته متى تحققت فيه الشروط
التى تطلبها هذا القانون واذ كان هدف الشارع من اصدار القانون المذكور هو معالجة مشكلة
قدامى الموظفين المنسيين ووضع حد لتضخم الدرجات الشخصية والتخلص منها قدر المستطاع،
وكانت هذه الحكمة التشريعية انما تعبر بذاتها عن مصلحة عامة ابتغاها الشارع بعد أن
وزن ملاءمتها بالنسبة الى كل من الموظف والخزانة العامة وقدر أنها تبرر اصدار مثل هذا
التشريع فان ثمة قرينة قانونية قاطعة لا تقبل اثبات العكس على تحقق المصلحة العامة
فى ترك أمثال هؤلاء الموظفين خدمة الحكومة، وتتمثل هذه المصلحة فى الغاء درجاتهم الشخصية
التى أعرب المشرع صراحة عن حرصه على التخلص منها سواء بهذا الطريق أو بما نص عليه فى
المادة الثانية من القانون رقم 120 لسنة 1960 من تنظيم تسوية الدرجات الشخصية الباقية
واستهلاكها ولا يسوغ لقاعدة تنظيمية أدنى من الأداة التشريعية التى صدر بها هذا القانون
الحد من اطلاق حكم نص المادة الأولى منه فيما يتعلق بالمدة الباقية للموظف لبلوغ سن
الاحالة الى المعاش باضافة قيد اليها لم يورده المشرع ذاته بل لم يرده بدليل افتراضه
فى المادة المذكورة أن ضم السنتين لمدة خدمة الموظف وحسابهما فى معاشه قد يجاوز به
سن الستين. اذ أن هذا التقييد من جانب الادارة يعتبر حكما تشريعيا جديدا لا تملكه الجهة
الادارية وينطوى على مخالفة لقصد الشارع الذى لم يحدد سنا ما بين الخامسة والخمسين
وبين الستين لا تقبل ممن يبلغها الرغبة فى اعتزال الخدمة بالتطبيق لأحكام هذا القانون،
كما لا حجة فى التذرع باحتمال اختلال سير العمل بالوزارات والمصالح والهيئات الحكومية
بسبب خروج عدد كبير من الموظفين بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 مادام هذا
أمرا اباحه المشرع وقدر مقدما ما يمكن أن يترتب عليه من نتائج لم تكن لتغيب عنه، ولا
وجه فى ضوء ما تقدم للتفرقة، بسبب السن أو بدعوى مصلحة العمل، ما بين فريق وآخر من
شاغلى الدرجات الشخصية مادام القانون لم يقض بهذه التفرقة ولا تقرها نصوصه.
ومن حيث ان مؤدى ماتقدم أنه فيما يتعلق بطلبات اعتزال الخدمة طبقا لأحكام القانون رقم
120 لسنة 1960 المقدمة من شاغلى الدرجات الشخصية، فان الأمر فى قبولها أو رفضها ليس
مرده الى تقدير جهة الادارة واختيارها، وانما مرده فى الحقيقة الى أحكام القانون ذاته
الذى رتب حقوقا معينة متعلقة بالمعاش لمن يطلبون اعتزال الخدمة من ذوى الدرجات الشخصية
المتوافرة فيهم شروط مقررة بحيث انه متى توافرت فيهم هذه الشروط الواجبة قانونا حقت
لهم الافادة من أحكام القانون وحق على جهة الادارة تمكينهم من هذه الافادة وبهذه المثابة
فان الدعوى التى تقام فى هذا الخصوص – كالدعوى الراهنة – تكون فى حقيقة تكييفها دعوى
تسوية تقوم على منازعة فى معاش لا تستلزم تظلما اداريا قبل رفعها ولا تخضع لميعاد الستين
يوما المقررة لدعاوى الالغاء، وعلى مقتضى هذا يكون الحكم المطعون فيه اذ قضى بعدم قبول
دعوى المدعى تأسيسا على أنها دعوى الغاء فى غير محله قانونا.
ومن حيث انه فيما يتعلق بالموضوع فان المستفاد من الأوراق على نحو ما تقدم بيانه ان
الاساس فى عدم موافقة جهة الادارة على طلب اعتزال الخدمة المقدم من المدعى رغم توافر
الشروط المتطلبة فيه، هو كون المدة الباقية لبلوغه لسن الاحالة الى المعاش أقل من سنة،
وهو أساس غير سليم قانونا كما استقر على ذلك قضاء هذه المحكمة وفق ما سبق ايراده.
ومن حيث انه لما تقدم يكون الطاعن على حق فى طعنه وفى دعواه ويتعين لذلك القضاء بالغاء
الحكم المطعون فيه وباستحقاق المدعى تسوية حالته بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة
1960 مع ما يترتب على ذلك من آثار والزام هيئة البريد بالمصروفات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه وباستحقاق المدعى تسوية حالته بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت هيئة البريد بالمصروفات.
[(1)] بمثل هذا المبدأ حكمت المحكمة فى الدعوى رقم 1493 لسنة 8 القضائية بذات الجلسة.
