الطعن رقم 15 سنة 17 ق – جلسة 08 /04 /1948
مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة
النقض والإبرام فى المواد المدنية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 22 نوفمبر سنة 1945 لغاية 9 يونيه سنة 1949) – صـ 590
جلسة 8 من أبريل سنة 1948
برياسة حضرة محمد المفتى الجزايرلى بك وكيل المحكمة وحضور حضرات: سليمان حافظ بك ومصطفى مرعى بك وأحمد حلمى بك وعبد الرحيم غنيم بك المستشارين.
القضية رقم 15 سنة 17 القضائية
هبة. نية الهبة لا تفترض. استخلاص الإيجاب بالهبة من إيداع الوالد
البنك مبلغاً باسم ولده مع وجود حساب باسمه هو فى البنك. لا يكفى.
إذا قضى الحكم برفض دعوى المدعى بنصيبه الميراثى فى مبلغ مودع أحد البنوك بانياً ذلك
على أن المورث قد وهبه ولده فى حال حياته فخرج من تركته، فى حين أنه كان من دفاع المدعى
أنه ليس ثمة أى دليل على صدور هبة من المورث، وكان كل ما قاله الحكم لإثبات الهبة أن
المورث قد فتح حساباً خاصاً فى البنك لولده أودع فيه باسمه المبلغ المتنازع عليه وأنه
فتح هذا الحساب الخاص مع وجود حساب باسمه هو فى ذات البنك، فهذا الذى قاله الحكم ليس
فيه ما يدل على صدور إيجاب بالهبة من المورث، لأن نية الهبة لا تفترض، وفعل الإيداع
ليس من شأنه بمجرده أن يفيدها إذ هو يحتمل احتمالات مختلفة لا يرجح أحدها إلا بمرجح،
وبهذا لا يكون الحكم قد عنى بتحصيل الركن الأول الأساسى من أركان عقد الهبة وهو الإيجاب،
فيكون باطلا.
الوقائع
فى 13 من يناير سنة 1947 طعنت الطاعنة بطريق النقض فى حكم محكمة
استئناف الإسكندرية الصادر يوم 23 من أبريل سنة 1946 فى الاستئناف رقم 182 س ق 1 برفضه
وبتأييد حكم محكمة الإسكندرية (فى القضية رقم 107 سنة 1942 كلى الصادر فى 20 من يونيه
سنة 1943 برفض دعوى المدعية وإلزامها بالمصروفات وثلثمائة قرش أتعاباً للمحاماة وبإلزام
المستأنفة بالمصروفات ومبلغ 1500 قرش أتعاباً للمحاماة. وطلبت إلى هذه المحكمة قبول
الطعن شكلاً وفى الموضوع نقض الحكم المطعون فيه وإلغاء الحكم المستأنف وإلزام المطعون
عليها الأولى بأن تدفع إلى الطاعنة مبلغ 3150 جنيهاً وإلزام المطعون عليه الثانى بصرف
هذا المبلغ من الوديعتين الحاصلتين عنده لحساب قاصرى المطعون عليها الأولى مع إلزام
هذه الأخيرة بالمصروفات عن جميع مراحل التقاضى ومقابل أتعاب المحاماة.
وفى 16 و21 من يناير سنة 1947 أعلن المطعون عليهما بتقرير الطعن الخ الخ.
المحكمة
ومن حيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى
برفض الدعوى المرفوعة منها بنصيبها الميراثى فى المبلغين المودعين من المورث باسم ولديه
القاصرين لدى المطعون عليه الثانى مقيماً قضاءه على أن المبلغين وهبهما المورث لولديه
فى حال حياته فخرجا من تركته – أنه جاء مشوباً بالقصور فى التسبيب لخلوه من بيان ركن
الإيجاب بالهبة. وهذا فى حين أنه قد كان من دفاع الطاعنة أنه ليس فى الدعوى أى دليل
على صدور هبة من المورث لا بلفظ صريح الهبة ولا بشئ فى معناها مفيد لقصد التمليك المنجز
بغير عوض.
ومن حيث إنه يبين من الصورة الرسمية لمذكرة الطاعنة – المقدمة فى الاستئناف لجلسة 2
من أبريل سنة 1946 – أنها تمسكت بالدفاع المنوه به فى الطعن.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه أقيم على أن المورث وهب لولديه المبلغين موضوع النزاع
هبة صحيحة قانوناً. ولكنه لم يقل فى خصوص دفاع الطاعنة إلا "أنه من المسلم به أن المورث
قد فتح حساباً خاصاً فى البنك الأهلى لكل من ولديه أودع فيه المبلغ المتنازع عليه باسم
كل منهما وأنه فتح هذا الحساب الخاص مع وجود حساب آخر باسمه فى نفس البنك. وما قدمته
المستأنفة من تعليل لهذا التصرف من جانب المورث وقولها إنه إنما كان يرضى بهذا نزوة
فخره بولديه وشغفه بأن يقرن اسمهما بالشراء – إذا صح وصفا صحيحاً للباعث النفسانى الذى
حمل المورث على إجراء هذا التصرف – فهو لا يرشح للنتيجة التى أرادت المستأنفة أن تستخلصها
مما قدمته، ألا وهى صورية التصرف وانعدام القصد فى ترتيب آثاره. ذلك أن صدور المورث
عن نزوة الفخر بولديه والشغف بأن يقرن اسمهما بالشراء مفهوم منه أن مرضاة نفسه لا تتحقق
إلا بانتقال المال فعلاً خارجاً من ذمته إلى ذمة ولديه حتى يقرن اسمهما بالشراء حقاً،
وإذا كان المقصود مما أوردته المستأنفة من أن المورث قد قصد من تصرفه مجرد المظهر دون
أن يقصد النتيجة وأنه عند إجراء التصرف كان يصدر عن تحفظ ذهنى Reserve mentale يريد
أن يحتفظ بالمال لنفسه فان المستأنفة لم تقدم دليلاً على ذلك، بل إن وقائع التصرف وطريقة
إجرائه لمما يدل على عكس ذلك تماماً أى أن المورث قصد إجراء تصرف جدى منجز".
ومن حيث إن هذا الذى قاله الحكم ليس فيه ما يدل على صدور إيجاب بالهبة من المورث، لأن
نية الهبة لا تفترض، وفعل الإبداع ليس من شأنه بمجرده أن يفيدها إذ هو يحتمل احتمالات
مختلفة لا يرجح أحدها غيره إلا بمرجح، ولا مرجح فى الحكم لقصد الهبة.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن المحكمة لم تعن بتحصيل الركن الأول الأساسى من أركان
عقد الهبة، وهو الإيجاب بها، وكان الواجب عليها – وقد أقامت حكمها على حصول الهبة –
أن تثبت توافر هذا الركن بالأدلة التى تفيده. أما إذ هى لم تفعل فقد عار الحكم بطلان
جوهرى وتعين نقضه بلا حاجة إلى التعرض لباقى أسباب الطعن.
