الطعن رقم 1038 سنة 15 ق – جلسة 22 /10 /1945
مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة
النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السادس (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1942 لغاية 29 أكتوبر سنة 1945) – صـ 768
جلسة 22 أكتوبر سنة 1945
برياسة حضرة جندى عبد الملك بك المستشار وبحضور حضرات: أحمد نشأت بك ومحمد المفتى الجزائرلى بك وأحمد على علوبة بك وأحمد فهمى إبراهيم بك المستشارين.
القضية رقم 1038 سنة 15 القضائية
دفاع شرعى. حق الدفاع عن المال. متى لا يبيح مقاومة مأمورى الضبطية
القضائية؟. قيام رجال البوليس وموظفى وزارة الأوقاف بهدم جدار أنشأه المتهم بأرض متنازع
عليها بينه وبين الوزارة. وقوع اعتداء من المتهم عليهم فى أثناء ذلك دفعا لعدوانهم.
لا عقاب عليه ولو كان قد صدر من النيابة أمر بالهدم. الهدم لا يجوز إلا بحكم قضائى.
دفع المتهم بأنه ارتكب ما ارتكبه دفاعا عن ماله. وجوب بحثه. إدانته دون بحثه. قصور.
(المادة 212 ع = 248)
إنه وإن كانت المادة 248 من قانون العقوبات تنص على أن حق الدفاع الشرعى "لا يبيح مقاومة
أحد مأمورى الضبط أثناء قيامه بأمر بناء على واجبات وظيفته مع حسن النية ولو تخطى هذا
المأمور حدود وظيفته… الخ" لا أن محل تطبيق هذه المادة – كما يؤخذ من عبارتها ومن
المصادر التشريعية التى أخذت عنها – أن يكون العمل الذى يقوم به الموظف داخلا فى اختصاصه.
فإن المادة تتكلم عن العمل الذى يقوم به الموظف "بناء على واجبات وظيفته"، والمادة
99 من قانون العقوبات الهندى التى أخذت هذه المادة عنها تشير – على ما جاء فى شرح المفسرين
لها – إلى الأعمال التى تدخل فى اختصاص الموظف، كأن يقبض مأمور الضبطية القضائية على
متهم بمقتضى أمر بالقبض باطل من حيث الشكل، أو أن يقبض بحسن نية على شخص غير الذى عين
فى أمر القبض، أو أن يشاهد وقوع فعل يظنه بحسن نية جريمة تبيح القبض فيقبض على مرتكبه،
ففى هذه الأحوال وما شاكلها لا تجوز مقاومة مأمور الضبطية القضائية، لأن القبض على
المتهمين هو من أعمال وظيفته. أما إذا كان العمل خارجا أصلا عن اختصاص الموظف فلا محل
لتطبيق النص، كأن يقبض مأمور الضبطية القضائية على شاهد لإرغامه على الحضور للإدلاء
بمعلوماته أمامه، لأن القبض على الشاهد ليس داخلا فى اختصاصه أصلا. وإذن فإذا كانت
أفعال الاعتداء المسندة إلى المتهم قد وقعت فى أثناء قيام رجال البوليس وموظفى وزارة
الأوقاف بهدم جدار أنشأه بالأرض المتنازع عليها بينه وبين وزارة الأوقاف، فإنه إذا
كان الهدم مما لا يدخل فى اختصاص أولئك الموظفين لا يكون ثمة مانع يمنع المتهم من دفع
عدوانهم. ولا يغير من ذلك أن يكون قد صدر أمر بالهدم من النيابة العمومية. لأن النيابة
هى الأخرى لا تملك – بحسب اختصاصها – إصدار مثل هذا الأمر، إذ الهدم لا يجوز إلا بحكم
قضائي، ولا طاعة لرئيس على مرؤوس فى معصية القانون، ورجال البوليس، وهم ينفذون أمر
النيابة، لا يمكن أن يكون لهم أكثر مما للنيابة نفسها. وإذن فإذا كان المتهم قد دفع
التهمة عن نفسه بأنه لم يرتكب ما ارتكبه إلا دفاعا عن ماله، فإنه يكون لزاما على المحكمة
أن تبحث هذا الدفع فتبين هل كان المتهم واضعا يده على الأرض المتنازع عليها وأقام أبنيته
عليها، وهل كان فى ظروف تبرر ما ارتكبه، أم أنه قد تجاوز الحدّ اللازم للدفاع. فإذا
هى أغفلت بحث هذا الدفع وقضت بالإدانة فإن حكمها يكون قاصرا فى بيان الأسباب التى أقيم
عليها.
المحكمة
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ إذ
دانهم فى جرائم الضرب والتعدّى والإهانة… الخ المرفوعة بها الدعوى عليهم، مع أن الثابت
أن جوهرة سيد أحمد الطاعنة الثالثة هى الواضعة اليد على الأرض المتنازع عليها، وأن
وزارة الأوقاف لجأت إلى القوة فى سبيل انتزاعها منها عنوة، وهدم ما أقامته عليها من
مبان مستعينة فى ذلك برجال البوليس، فإذا تعرّض لهم الطاعنون ومنعوهم من تنفيذ غرضهم
فإنهم يكونون بذلك مدافعين عن مالهم، ولا يكون ثمة وجه لمعاقبتهم، ولا يغير من ذلك
أن رجال البوليس كانوا ينفذون الأمر الصادر من النيابة بتمكين الوزارة من وضع يدها
على الأرض وإزالة ما أحدثته الطاعنة عليها من مبان، لأن النيابة ليس لها أن تأمر بالهدم
والتسليم ما دام لم يصدر بذلك حكم من المحكمة المختصة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى فى قوله إنها تتحصل فى أنه قام بين
وزارة الأوقاف وبين المتهمة الثالثة جوهرة سيد أحمد نزاع على قطعة أرض فضاء مجاورة
لضريح ولى الله عبد الرحمن أبو عوف الكائن بشارع بولاق الجديد، وكل من الطرفين يدعى
ملكيتها وحيازتها ووضع اليد عليها – وحدث أن أجرت وزارة الأوقاف هذه الأرض إلى شخص
يدعى محمد حمودة سعودى ولكن هذا المستأجر لم يتمكن من استلامها لتعرّض المتهمة الثالثة
له وادعائها ملكية الأرض بطريق الميراث عن مدّة تزيد على سبعين سنة ووضع يدها عليها
ودفع العوائد عنها. وقد أبلغ هذا الحادث وحققه البوليس. ولما عرض المحضر على النيابة
أشرت عليه بتاريخ 23 نوفمبر سنة 1940 بتكليف المتهمة الثالثة بالكف عن تعرّضها لأنه
ثبت لديها أن وزارة الأوقاف هي الواضعة اليد على الأرض المتنازع عليها لأنها أجرتها
وأنه على المتهمة الثالثة أن تقاضى الوزارة مدينا إذا شاءت… ولما كان بلاغ الوزارة
يتضمن أن المتهمة الثالثة قد أقامت جدارا وغرست أشجار فى الأرض فقد طلبت النيابة فيما
طلبت اتخاذ الإجراءات اللازمة لإزالة كل ما تقيمه المتهمة الثالثة للظهور بمظهر واضعة
اليد. فاستدعى البوليس المتهمة وأفهمها ما أمرت به النيابة فأصرت على وضع يدها ورفضت
إزالة المبانى التى أقامتها، وقالت إن الوزارة هى المتعرّضة، وإنها لا تستطيع إخلاء
الأرض إلا إذا حكم للوزارة. ولما أعيد المحضر للنيابة قيدت القضية جنحة بالمادة 369
عقوبات ضد المتهمة الثالثة وأشرت بتاريخ 9 ديسمبر سنة 1940 بعرض المحضر على مأمور القسم
لتنفيذ إشارتها السابقة المؤرخة فى 23 نوفمبر سنة 1940 فيما يتعلق بإزالة أسباب الجريمة
وتمكين وزارة الأوقاف من وضع يدها على العين وإزالة كل مظهر تحاول المتهمة الثالثة
أن تظهر به كواضعة اليد.. وفى يوم 19 ديسمبر سنة 1940 انتقل معاون البوليس ومعه قوّة
من رجال البوليس وأحمد أفندى شلبى مأمور الأوقاف قسم رابع وعبد المجيد زاهر أفندى معاون
الأوقاف ومحمود حسن بشندى مهندس المبانى بوزارة الأوقاف وقام معاون البوليس بتسليم
الأرض لمأمور الأوقاف الذى أحضر مقاولا وبعض العمال لإزالة الجدار الذى أقامته المتهمة
الثالثة… وأثناء قيام العمال بإزالة الجدار تعرّض لهم المتهمون الثلاثة وأخذوا يمنعونهم
من أداء عملهم وتعرضوا كذلك لرجال البوليس وموظفى وزارة الأوقاف وأخذوا يتحدونهم ويوجهون
إليه بعض عبارات التهديد والإهانة والسب وصعد المتهم الأوّل إلى سطح الضريح ووقف الثانى
والثالثة على السور وأخذوا هم ومن انضم إليهم من أنصارهم وأقاربهم يقذفون رجال البوليس
وموظفى الوزارة والعمال بالطوب وصفائح الرمل فأصيب بعض رجال البوليس والعمال من جراء
هذا الاعتداء وهم الأومباشى محمد على سليمان والعساكر عبد القادر عيد وفرح محمود وعيد
وسيد عبد العزيز عبد الرحيم وفراج أحمد بيومى وسيد أحمد مصطفى من رجال البوليس الملكى
وعلى حسن سعد وإمام محمد السجينى من العمال وكذلك حدثت بالمتهمين إصابات. ثم أورد الأدلة
التى اعتمد عليها فى ثبوت هذه الواقعة، وانتهى إلى إدانة الطاعنين بجرائم الضرب والتعدى
والإهانة والسب المرفوعة بها الدعوى عليهم.
وحيث إن الحكم مع إثباته أن اعتداء الطاعنين على رجال البوليس وموظفى وزارة الأوقاف
والعمال الذين كانوا يعملون تحت إمرتهم قد حصل فى أثناء قيام هؤلاء بهدم الجدار الذى
أنشأته الطاعنة الثالثة بالأرض المتنازع عليها لم يبحث فيما تمسك به الدفاع عن الطاعنين
أمام محكمة أوّل درجة وأشار إليه أمام المحكمة الاستئنافية من أنهم بما وقع منهم من
أفعال إنما كانوا يدافعون دفاعا مشروعا عن مالهم.
وحيث إنه وإن كانت المادة 248 من قانون العقوبات تنص على أن حق الدفاع الشرعى لا يبيح
مقاومة أحد مأمورى الضبط أثناء قيامه بأمر بناء على واجبات وظيفته مع حسن النية ولو
تخطى هذا المأمور حدود وظيفته… الخ، إلا أن محل تطبيق هذه المادة – كما يؤخذ من عبارتها
ومن المصادر التشريعية التى أخذت عنها – أن يكون العمل الذى يقوم به الموظف داخلا فى
اختصاصه. فإن المادة تتكلم عن العمل الذى يقوم به الموظف "بناء على واجبات وظيفته".
والمادة 99 من قانون العقوبات الهندى التى أخذت هذه المادة عناه تشير – على ما جاء
فى شرح المفسرين لها – إلى الأعمال التى تدخل فى اختصاص الموظف، كأن يقبض مأمور الضبطية
القضائية على متهم بمقتضى أمر بالقبض باطل من حيث الشكل، أو أن يقبض بحسن نية على شخص
غير الذى عين فى أمر القبض، أو أن يشاهد وقوع فعل يظنه بحسن نية جريمة تبيح القبض فيقبض
على مرتكبه، ففى هذه الأحوال وما شاكلها لا يجوز مقاومة مأمور الضبطية القضائية؛ لأن
القبض على المتهمين هو من واجبات وظيفته، أما إذا كان العمل خارجا أصلا عن اختصاص الموظف
فلا محل لتطبيق النص، كأن يقبض مأمور الضبطية القضائية على شاهد لإرغامه على الحضور
للإدلاء بمعلوماته أمامه، لأن القبض على الشاهد ليس داخلا فى اختصاصه. ولما كانت أفعال
الاعتداء المسندة إلى الفاعلين قد وقعت على ما جاء فى الحكم المطعون فيه فى أثناء قيام
رجال البوليس وموظفى وزارة الأوقاف بهدم الجدار الذى أنشأته الطاعنة الثالثة بالأرض
المتنازع عليها، وكان الهدم مما لا يدخل فى اختصاص أولئك الموظفين، فإنه لم يكن ثمة
ما يمنع من دفع عدوانهم. ولا يغير من ذلك أن الأمر بالهدم قد صدر لهم من النيابة العمومية،
لأن النيابة لا تملك بحسب اختصاصها إصدار هذا الأمر، فإن الهدم لا يجوز إلا بحكم قضائي،
ولأنه لا طاعة لرئيس على مرؤوس فى معصية القانون، ولأن رجال البوليس وهم ينفذون أمر
النيابة لا يمكن أن يكون لهم أكثر مما للنيابة نفسها.
وحيث إنه متى تقرّر ذلك، فقد كان الواجب على المحكمة أن تبحث مسألة الدفاع الشرعى،
وتبين إن كان الطاعنون واضعين يدهم على الأرض المتنازع عليها وأقاموا أبنية عليها،
وكانوا فى ظروف تبرر كل ما ارتكبوه من أفعال، أو أنهم تجاوزوا الحدّ اللازم للدفاع،
وعلى أية حال تبين الأسباب المؤدّية لما تنتهى إليه، أما وهى لم تفعل فيكون حكمها قاصرا
فى بيان الأسباب التى أقيم عليها ويتعين نقضه.
