الطعن رقم 726 سنة 15 ق – جلسة 02 /04 /1945
مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة
النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السادس (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1942 لغاية 29 أكتوبر سنة 1945) – صـ 687
جلسة 2 إبريل سنة 1945
برياسة حضرة صاحب السعادة سيد مصطفى باشا رئيس المحكمة وحضور حضرات: جندي عبد الملك بك وأحمد محمد حسن بك وأحمد علي علوبة بك وأحمد فهمي إبراهيم بك المستشارين.
القضية رقم 726 سنة 15 القضائية
( أ ) الادّعاء بحق مدني في دعوى مرفوعة عن جريمة. حضور المدعي
في الدعوى واشتراكه في الإجراءات التي تمت فيها. لا يبطل الحكم ولو كان لم يحكم له
بتعويض بناء على أي أساس كائناً ما كان. مدع حضر الدعوى وتبين عند الانتهاء من نظرها
أنه لم يكن دفع الرسوم المستحقة. ذلك لا يكون سبباً لبطلان الإجراءات التي تمت في حضوره.
الرسوم ليست إلا ضريبة مفروضة على التقاضي.
(ب) قوّة الشيء المحكوم فيه. تصدّي المحكمة الجنائية وهي تحقق الدعوى إلى واقعة أخرى
بحثتها وقالت فيها كلمتها من جهة تعلقها بالدعوى المنظورة أمامها. لا تثريب عليها في
ذلك. قولها هذا لا تلتزم به المحكمة التي ترفع أمامها الدعوى عن تلك الواقعة.
1 – إن حضور من يدعي وقوع الجريمة عليه أو على أحد من ذويه في الدعوى، واشتراكه في
الإجراءات التي تمت فيها، باعتباره مدّعياً بحقوق مدنية ذلك لا يمكن عدّه سبباً مبطلاً
للحكم ولو كان لم يقض له في نهاية الأمر بتعويض وكان السبب هو انعدام صفته في المطالبة
بالتعويض. وإذن فإذا تبين عند الانتهاء من نظر الدعوى والمرافعة فيها أن المدّعي لم
يكن دفع الرسوم المستحقة فإن ذلك لا يصح عدّه سبباً لبطلان الإجراءات التي تمت في حضوره.
لأنه ما دام حضوره – بحسب النظام المقرّر في المواد الجنائية – جائزاً قانوناً عند
دفع الرسوم، وما دام دفع الرسوم أو عدم دفعها ليس من شأنه في حدّ ذاته التأثير في حقوق
المتهم في الدفاع، فالطعن على الإجراءات من هذه الناحية لا يكون له في الواقع وحقيقة
الأمر من معنى سوى التعلل بعدم دفع الرسوم. وهذا وحده لا تعلق له بإجراءات المحاكمة
من حيث صحتها أو بطلانها. لأن الرسوم ليست إلا ضريبة مفروضة على التقاضي لأغراض لا
دخل فيها أصلاً للخصم المطلوبة مقاضاته. ولئن جاز أن الخصم لا تسمع منه دعوى قبل أن
يعرف مبلغ صدقه فيها إلا بعد أن يدفع عنها الرسم، فإنه لا يصح ألبتة بعد ثبوت صحة الدعوى
وصدور الحكم فيها أن يهدر هذا الحكم لمجرّد أن الرسم قد فات تحصيله مقدّماً. إذ ذلك
يكون كثيراً، والحال أن العدالة لذاتها واجب إجراؤها لكل منتصف، ومفروض على الدولة
– بحسب الأصل وبحكم وظيفتها – أن تقيمها بين الناس بلا مقابل.
2 – للمحكمة في المواد الجنائية بمقتضى القانون أن تتصدّى، وهي تحقق الدعوى المرفوعة
إليها وتحدّد مسئولية المتهم فيها، إلى أية واقعة أخرى، ولو كوّنت جريمة، وتقول كلمتها
عنها في خصوص ما تتعلق به الدعوى المقامة أمامها. ويكون قولها صحيحاً في هذا الخصوص
دون أن يكون ملزماً للمحكمة التي ترفع أمامها الدعوى بالتهمة موضوع تلك الواقعة.
المحكمة
وحيث إن الطاعن يقول في طعنه إن والد القتيل ادّعى بحقوق مدنية
وحضر الجلسة واشترك في الإجراءات دون أن يدفع الرسم ولم ينسحب إلا عند نهاية المحاكمة،
ولا شك في أن السماح له بأن يمثل في المحاكمة خطأ يعيب الحكم. وفضلاً عن ذلك فقد دفع
الطاعن بأنه لم يكن في البلد الذي وقعت فيه الواقعة يوم وقوعها وإنما كان في بلد آخر
يباشر عقد زواجه وتحرّرت هناك وثيقة الزواج في نفس الوقت الذي وقع فيه الحادث. وقد
قالت النيابة إن أصل الوثيقة حصل فيه تزوير لتأييد دفاع الطاعن، وكان لزاماً على المحكمة
أن تؤجل النظر في الدعوى حتى يفصل في تهمة التزوير، وما كان لها أن تتصدّى لبحث صحة
الوثيقة أو تزويرها ثم تقضي مقدّماً بتزويرها بغير محاكمة من الجهة المختصة. على أن
المحكمة وقد تصدّت لهذا فإن حكمها جاء معيباً إذ هي أخذت فيه بشهادة شهود متأخرين لا
يعوّل عليهم لبعدهم عن ظروف تحرير الوثيقة، وأهملت الأخذ بشهادة الشهود بالموثوق بهم
ومن بينهم رجال الحفظ دون بيان الأسباب وقد ذكر الطاعن أن التغيير الذي لاحظه المحقق
في رقم الساعة قد حصل مثله في وثائق أخرى ولكن لم تردّ عليه. وفوق ذلك فقد شهد عمدة
بلد الطاعن بأنه لم يره يوم الحادث مما يؤيد صدق دفاعه. ثم إن المحكمة انتهت في حكمها
إلى القول بأنها لا تعتبر الطاعن مسئولاً عن السرقة وعلى الرغم من أن جريمة القتل قد
ترتبت عليها فإن المحكمة لم تقل ما هو الدافع الذي حمله على القتل.
وحيث إن الدعوى العمومية رفعت على الطاعن ورمضان عبد الحليم بأنهما: "الأوّل قتل علي
إبراهيم درويش عمداً بأن أطلق عليه عياراً نارياً قاصداً قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة
بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته، وقد اقترنت بهذه الجناية جناية أخرى وهي
أنه والمتهم الثاني في الزمان والمكان سالفي الذكر سرقا بلحاً للمجني عليه المذكور
بطريق الإكراه الواقع عليه والذي ترك به تلك الإصابات، الأمر المنطبق على المادة 314/
2 عقوبات. والثاني اشترك بطريق الاتفاق والمساعدة مع المتهم الأوّل في ارتكاب الجريمة
سالفة الذكر بأن اتفق معه على سرقة البلح وتوجها سوياً إلى مكانه وساعده على إحضاره
بأن صعد إلى النخلة وانتظره الأوّل تحتها يحمل سلاحه فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق
وتلك المساعدة وكانت نتيجة محتملة لهما". ومحكمة الجنايات دانتهما وذكرت واقعة الدعوى
كما حصلتها من التحقيقات التي أجريت فيها بقولها: "إن الحادث يتحصل في أنه عصر يوم
26 سبتمبر سنة 1943 الموافق 26 رمضان سنة 1363 بأراضي شم القبلية مركز مغاغة صعد المتهم
الثاني رمضان عبد الحليم على نخلة مملوكة لإبراهيم درويش لسرقة بلح منها فرآه علي إبراهيم
درويش الذي كان على مقربة من نخلة والده وهو يسرق البلح ونهره فأغلظ له المتهم الثاني
القول ونزل من النخلة وتشاجر معه كل من المجني عليه علي إبراهيم درويش وإبراهيم أحمد
نبيه وضرباه فانتصر له المتهم الأوّل إمبابي علي يوسف (الطاعن) وتشاحن مع علي إبراهيم
درويش ثم أطلق عليه عياراً نارياً من بندقية كانت معه أصابته بكتفه الأيسر والتي أدّت
إلى وفاته يوم 13 من أكتوبر سنة 1943 متأثراً من جراحه بمستشفى بني مزار". ثم أوردت
الأدلة التي استخلصت منها في منطق سليم ثبوت هذه الواقعة، وبعد ذلك تعرّضت لأقوال الطاعن
ودفاعه فذكرت "أن المتهم الأوّل لم يستجوب بالتحقيقات إلا يوم 7 أكتوبر سنة 1943 عقب
ضبطه، ولدى سؤاله أنكر ما نسب إليه وقرّر أنه كان غائباً عن البلد من يوم 23 رمضان
سنة 1362 الموافق 23 سبتمبر سنة 1943 حتى يوم 6 أكتوبر سنة 1943 لأنه غضب من والده
إذ رفض زواجه من أخرى غير زوجته الحالية والمقيمة بالبلد فتركه وتوجه لنزلة الديب مركز
ببا وبعد ظهر يوم الأحد 26 سبتمبر سنة 1943 الموافق 26 رمضان سنة 1362 تزوّج من عائشة
مصطفى هندي على يد المأذون أحمد محمود عبد الحسيب وقدّم وثيقة زواج محرّرة بهذا التاريخ
الساعة 1 عربي نهاراً، وهي من صفحة رقم 15، بمعرفة مأذون نزلة الديب أحمد محمود عبد
الحسيب. وبما أن وكيل نيابة مغاغة انتقل إلى ببا واطلع على أصل العقد بالمحكمة الشرعية
فلاحظ تصحيحاً وجده في رقم الساعة، وقد شهدت حليمة صبرة مرزوق والده الزوجة عائشة مصطفى
هندي بالتحقيقات بأنها تحققت من شخصية شاهدي العقد اللذين حضرا لمنزل الزوجة ليشهدا
على صدور الوكالة لأخيها محمد مصطفى هندي على ضوء مصباح كان معلقاً على حائط بالمنزل
مما يستفاد منه أن العقد حصل ليلاً. وبما أن زينب حسين محمد زوجة محمد مصطفى هندي الذي
كان وكيل الزوجة في عقد الزواج شهدت بالتحقيقات بما يستفاد منه أن العقد تم بمنزل العمدة
المتوفى ليلاً. وشهدت أيضاً فريزة لملوم أن العقد تم حوالي العشاء. وشهد لملوم مرزوق
وهو ابن عم والد الزوجة ومن الجيران أنه لم يعلم بالعقد إلا بعد حصوله وسمع، شأن باقي
الناس الغريبين عن الأسرة، أن عائشة عقد زواجها ليلاً قبل العيد بخمسة أو ستة أو سبعة
أو ثمانية أيام. وبما أن عبد الحليم فرج شهد بالتحقيقات بأنه علم أن المتهم حضر لنزلة
الديب هارباً من تهمة الجناية وأنه حرر عقد الزواج ظناً منه أنه يفلت من العقوبة وأن
العقد تم سراً (صحيفة 50 من محضر تحقيقات النيابة). وبما أن المحكمة لا تأخذ بشهادة
عائشة مصطفى هندي ومحمد مصطفى هندي وزكي أبو هشيمة ومحمد صالح مرزوق خال والد المتهم
ومصطفى عبد الحافظ وأحمد محمود عبد الحسيب بالنسبة لتاريخ عقد الزواج وساعة تحريره
لأنها جاءت مناقضة لما شهدت به حليمة صبرة مرزوق والدة الزوجة وزينب حسين محمد وفريزة
لملوم ولملوم مرزوق سالفي الذكر، كما تبين من التحقيقات التي أجرتها النيابة أن المأذون
لا يتحرّى الدقة في إثبات تواريخ العقود وهو يحررها في وقت لاحق للزواج، والمستفاد
من مجموع التحقيقات أن ما ذكر في العقد خاصاً بساعته على الأقل غير صحيح إطلاقاً. وبما
أنه فوق ذلك فإن المتهم الأوّل يمكنه قطع المسافة من مكان الحادث لنزلة الديب في مدّة
لا تتجاوز الثلاث ساعات بطريق السيارات على الأكثر، وخشية ثبوت التهمة حرص على إعداد
دفاع له فعمد إلى عقد زواجه وجعل العقد في هذا التاريخ باتفاقه مع المأذون وأقاربه
وأقارب الزوجة، وقد ثبت من أقوال شيخ خفر شم القبيلة أن المتهم الأوّل هرب عقب الحادث
كما تبين من تحرّيات الضابط أيضاً هروبه عقب الحادث". ثم تحدّثت عن علاقة الطاعن بما
وقع من المتهم الآخر فقالت: "إنه لم يثبت أن المتهم الأوّل إمبابي علي يوسف اشترك مع
المتهم الثاني في الشروع في سرقة البلح، وقد شهد شيخ الخفر بالجلسة بأن المتهم الأوّل
لا يسرق بلحاً، وقد ثبت من وقائع الدعوى حسبما تبين من مجموع التحقيقات أن المتهم الثاني
صعد النخلة لسرقة بلح منها فنهره علي إبراهيم درويش وتشاتما فنزل من النخلة واعتدى
عليه المجني عليه وإبراهيم أحمد نبيه بالضرب فحضر المتهم الأوّل وانتصر للمتهم الثاني
وأطلق مقذوفاً نارياً من بندقية كانت معه على المجني عليه علي إبراهيم درويش فأصابه
ومن ثم تكون تهمة الاشتراك في القتل المنسوبة للمتهم الثاني لا أساس لها حيث لم يثبت
أن هذا الأخير استنجد بالمتهم الأوّل واتفق معه على ارتكاب جريمة القتل أو أنهما توجها
سوياً لسرقة البلح. وبما أنه لما تقدّم جميعه يكون قد ثبت لدى المحكمة ثبوتاً كافياً
أن المتهم الأول إمبابي علي يوسف قتل علي إبراهيم درويش عمداً بأن أطلق عليه عياراً
نارياً قاصداً قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت
بحياته. وأن المتهم الثاني رمضان عبد الحليم شرع في سرقة بلح لإبراهيم محمود درويش
ولم تتم الجريمة لسبب لا دخل لإرادة المتهم فيه وهو مفاجأة متلبساً بالجريمة، وحق عقاب
المتهم الأوّل بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات، وعقاب المتهم الثاني بالمادتين 318
و321 من قانون العقوبات".
وحيث إنه لا وجه لما يتمسك به الطاعن في الشق الأوّل من طعنه فإن حضور من يدّعي وقوع
الجريمة عليه أو على أحد من ذويه في الدعوى واشتراكه في الإجراءات التي تمت فيها باعتباره
مدّعياً بحقوق مدنية – ذلك لا يمكن عدّه سبباً مبطلاً للحكم ولو لم يحكم له بتعويض
سواء على أساس أن ضرراً لم يلحق به من الجريمة أو على أساس انعدام صفته في المطالبة
بالتعويض، أو على أي أساس آخر كائناً ما كان. وإذن فإذا تبين عند الانتهاء من نظر الدعوى
والمرافعة فيها أنه لم يكن دفع الرسوم المستحقة، فإن ذلك لا يصح عدّه سبباً لبطلان
الإجراءات التي تمت في حضوره، لأنه ما دام حضوره – بحسب النظام المقرّر في المواد الجنائية
– جائزاً قانوناً عند دفع الرسوم، وما دام دفع الرسوم أو عدم دفعها ليس من شأنه في
حدّ ذاته التأثير في حقوق المتهم في الدفاع، فالطعن على الإجراءات من هذه الناحية لا
يكون له في الواقع وحقيقة الأمر من معنى سوى التضرر من عدم دفع الرسوم. وهذا وحده لا
تعلق له بإجراءات المحاكمة من حيث صحتها أو بطلانها. فإن الرسوم إنما هي ضريبة فرضت
على التقاضي لأغراض لا تتصل بتاتاً بالخصم المطلوبة مقاضاته اللهم إلا إذا حكم عليه
بالحق للمدّعي. فلئن جاز أن الخصم لا تسمع منه دعوى قبل أن يعرف مبلغ صدقه فيها إلا
بعد أن يدفع عنها الرسم، وإن جاز مطالبة المحكوم له أو المحكوم عليه بالرسوم بالطرق
القانونية بعد الحكم في الدعوى فإنه لا يصح ألبتة بعد ثبوت صحة الدعوى وصدور الحكم
فيها أن يهدر هذا الحكم لمجرّد أن الرسم قد فات تحصيله مقدّماً. إذ ذلك يكون كثيراً،
والحال أن العدالة لذاتها واجبة إقامتها لكل منتصف ومفروض على الدولة بحسب الأصل وبحكم
وظيفتها أن تقيمها بين الناس بلا مقابل. غاية الأمر أن هذا لا يمكن أن يترتب عليه أكثر
من مؤاخذة من تسبب في سماع الدعوى قبل أن تدفع الرسوم عليها. أما ما يثيره الطاعن في
الشق الآخر فمردود بأن المحكمة تعرّضت لدفاعه وفندته بالأسباب التي أوردتها والتي من
شأنها أن تؤدّي إلى ما رتبته عليها. وأما القول بأن المحكمة تعرّضت في ردّها إلى تهمة
التزوير وأثبتتها مع أنها لم تكن مرفوعة بها الدعوى على الطاعن فلا وجه له؛ لأن المحكمة
في المواد الجنائية لها بمقتضى القانون عند النظر في أية دعوى أن تتصدّى وهي تحققها
وتحدّد مسئولية المتهم فيها إلى أية واقعة أخرى ولو كونت جريمة وتقول كلمتها عنها فيما
هو متعلق بالدعوى المقامة أمامها ويكون قولها صحيحاً في خصوصية هذه الدعوى دون أن يكون
ملزماً للمحكمة التي ترفع أمامها الدعوى بالتهمة موضوع تلك الواقعة. وأما عن اعتبار
الطاعن غير مسئول عن السرقة مع مساءلته في الوقت نفسه عن القتل فلا تناقض فيه، وخصوصاً
أن المحكمة ذكرت سبب القتل والمناسبة التي وقع فيها.
