الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 742 سنة 13 ق – جلسة 24 /05 /1943 

مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السادس (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1942 لغاية 29 أكتوبر سنة 1945) – صـ 257

جلسة 24 مايو سنة 1943

برياسة حضرة صاحب العزة سيد مصطفى بك وكيل المحكمة وبحضور حضرات: منصور إسماعيل بك وجندي عبد الملك بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك المستشارين.


القضية رقم 742 سنة 13 القضائية

إعانة الجاني على الفرار من وجه القضاء. عدول المتهم عما ارتكبه من قول أو فعل في سبيل إعانة الجاني على الفرار. لا يرفع عنه المسئولية الجنائية.
(المادتان 126 و126 المكررة ع = 144 و145)
إن المادة 145 من قانون العقوبات وهي تنص على عقاب "كل من علم بوقوع جناية أو جنحة أو كان لديه ما يحمله على الاعتقاد بوقوعها وأعان الجاني بأي طريقة كانت على الفرار من وجه القضاء، إما بإيواء الجاني المذكور، وإما بإخفاء أدلة الجريمة، وإما بتقديم معلومات تتعلق بالجريمة وهو يعلم بعدم صحتها أو كان لديه ما يحمله على الاعتقاد بذلك "لم يرد فيها ما يفيد أنه يشترط بأن يضر المتهم كل مدّة التحقيق على فعل الإعانة الذي وقع منه، بل لقد جاء نصها عاماً مطلقاً لا يقبل مثل هذا القيد. ولا وجه لقياس هذه الجريمة، في هذا الصدد، على شهادة الزور. فإن الشهادة أمام المحكمة وحده لا تتجزأ، لأن القضاة الذين يسمعونها لا يتغيرون أثناء المحاكمة، وهم إنما يصدرون حكمهم في الدعوى بناء على التحقيقات التي يجرونها بأنفسهم فيها، فكل ما يجئ على لسان الشاهد أمامهم – مهما كان فيه من خلاف أو تناقض – يؤخذ جملة عند التقدير على أنه هو ما شهد به الشاهد. أما التحقيقات الابتدائية فإنها عمليات متعدّدة مختلفة متتالية قوامها السرعة في العمل ولا يجب فيها ألا يتغير المحقق، وذلك لا يصح معه اعتبارها منذ البدء فيها حتى الانتهاء منها كلاً غير متجزئ كما هو الشأن في المحاكمة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن تمثيل من يعين الجاني في التحقيق على الفرار من وجه القضاء بالشاهد الذي يشهد زوراً أمام المحكمة لا يمكن أن يكون – لو جاز هذا التمثيل – إلا في حالة إبداء أقوال كاذبة في التحقيق بشأن الجريمة، أما سائر الحالات الواردة في المادة 145 فالتمثيل فيها ممتنع بالبداهة. ولما كان ذلك، وكان الواجب أن يكون حكم الجريمة الواحدة واحداً في جميع الصور التي عدّدها القانون لوقوعها، ثم لما كانت المادة 145 المذكورة قد اقتبست من شرائع لا تجعل لعدول المتهم عن فعل الإعانة تأثيراً في مسئوليته الجنائية، وكانت قد استثنت من حكمها أشخاصاً لم ينص في مواد شهادة الزور على إعفائهم من العقاب، وكذلك لما كانت المادة 144 ع المأخوذة عن القانون الفرنسي قد نصت على جريمة تشبه تلك التي نص عليها في المادة 145 من عدّة وجوه ولم يقل عنها أحد عندهم إن حكمها حكم شهادة الزور فيما يختص بعدول المتهم عن فعل الإعانة – لما كان ذلك كله كذلك فإنه يتعين القول بأن عدول المتهم بالجريمة الواردة بالمادة 145 ع عما ارتكبه من قول أو فعل في سبيل إعانة الجاني على الفرار من وجه القضاء لا يصح أن يرفع عنه المسئولية الجنائية.


المحكمة

وحيث إن مبنى الطعن أن الواقعة الثابتة بالحكم المطعون فيه لا يعاقب القانون عليها. فإنه يشترط لتطبيق المادة 145 عقوبات أن يصر المتهم بإعانة الجاني على الفرار من وجه القضاء بطريق تقديم معلومات غير صحيحة عن الجريمة على أقواله حتى نهاية التحقيق. فإذا عدل عنها قبل ذلك فلا عقاب عليه، وما دام الثابت بالحكم أن الطاعن بعد أن قرّر في التحقيق أنه هو الذي باع البكابورت للمتهم بالسرقة عدل عن ذلك أثناء التحقيق وعاد إلى الحقيقة فإنه لا يكون مستحقاً لأية عقوبة.
وحيث إن المادة 145 من قانون العقوبات بنصها على عقاب "كل من علم بوقوع جناية أو جنحة أو كان لديه ما يحمله عن الاعتقاد بوقوعها وأعان الجاني بأي طريقة كانت على الفرار من وجه القضاء إما بإيواء الجاني المذكور وإما بإخفاء أدلة الجريمة وإما بتقديم معلومات تتعلق بالجريمة وهو يعلم بعدم صحتها أو كان لديه ما يحمله على الاعتقاد بذلك"، ليس فيها ما يفيد من قريب أو بعيد أنه يشترط أن يصر المتهم كل مدة التحقيق على فعل الإعانة الذي وقع منه. فإن نصها عام مطلق لا يتحمل مثل هذا القيد. ولا وجه لقياس هذه الجريمة على شهادة الزور لوجود الفارق بينهما، فإن الشهادة أمام المحكمة وحدة لا تتجزأ لأن القضاة الذين يسمعونها لا يتغيرون أثناء المحاكمة ولأن غايتهم واحدة وهي إصدار الحكم في الدعوى بناء على التحقيقات التي يجرونها فيها، فكل ما يجيء على لسان الشاهد أمامهم من تقرير لواقعة ثم عدول عنها يؤخذ جملة في التقدير على أنه ما شهد به الشاهد. أما التحقيقات الابتدائية فهي عبارة عن عمليات متعدّدة ومختلفة ومتتابعة قوامها السرعة في العمل، ولا يجب فيها أن لا يتغير المحقق مما لا يصح معه اعتبارها منذ البدء فيها حتى الانتهاء منها حلقة واحدة كما هو شأن المحاكمة. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن تمثيل من يعين الجاني في التحقيق على الفرار من وجه القضاء بالشاهد الذي يشهد زوراً أمام المحكمة لا يمكن أن يكون – لو جاز هذا التمثيل – إلا في حالة إبداء أقوال كاذبة في التحقيق بشأن الجريمة. أما سائر الحالات الواردة في المادة 145 عقوبات فالتمثيل ممتنع فيها بالبداهة. ولما كان ذلك، وكان الواجب أن يكون حكم الجريمة الواحدة واحداً في جميع الصور التي عددها القانون لارتكابها، ولما كانت المادة 145 المذكورة قد اقتبست من شرائع لا تجعل لعدول المتهم عن فعل الإعانة تأثيراً في مسئوليته الجنائية، ولما كانت هذه المادة قد استثنت من حكمها أشخاصاً لم ينص في مواد شهادة الزور على إعفائهم من العقاب، ولما كانت المادة 144 عقوبات المأخوذة عن القانون الفرنسي قد نصت على جريمة تشبه تلك التي نص عليها في المادة 145 من عدة وجوه ولم يقل أحد عنها إن حكمها حكم شهادة الزور فيما يختص بعدول المتهم عن فعل الإعانة – لما كان ذلك كذلك فإنه يتعين القول بأن عدول المتهم بالمادة 145 عقوبات عما ارتكبه من قول أو فعل في سبيل إعانة الجاني على الفرار من وجه القضاء لا يصح أن يرفع عنه المسئولية الجنائية.
وحيث إنه متى تقرّر ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن في جريمة إعانة المتهم بالسرقة على الفرار من وجه القضاء رغم عدوله عن أقواله يكون قد أصاب الحق من ناحية ما انتهى إليه وإن كان قد أسسه على ما قاله من "أن الزعم بأن المتهم الثاني (الطاعن) عدل عن قوله الأوّل وقرّر الحقيقة ليس صحيحاً فالثابت من الوقائع المتقدّمة أن هذا المتهم أصر على القول بأن البكابورت الذي ضبط مع المتهم الأول مملوك له وهذا كله على الرغم من تكذيب المتهم له وما ثبت من المعاينة من أنه لا يوجد لدى المتهم الثاني بكابورتات مما لا شأن له بالأقوال التي أبداها الطاعن بقصد تخليص المتهم بالسرقة من العقاب وهي أنه باع له البكابورت وكان قصده بها إقناع سلطة الاتهام بأن المتهم لم يسرق ثم عدل عنها تحت ظروف التحقيق وقال إنه لم يبع البكابورت وإنه قرّر ما قرّره أوّلاً إشفاقاً عليه لصلة القربى بينهما.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات