الطعن رقم 37 سنة 8 ق – جلسة 13 /04 /1939
مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة
النقض والإبرام في المواد المدنية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثاني (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1936م لغاية 26 أكتوبر سنة 1939م) – صـ 541
جلسة 13 إبريل سنة 1939
برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وحامد فهمي بك وعلي حيدر حجازي بك ونجيب مرقس بك المستشارين.
القضية رقم 37 سنة 8 القضائية
موظف. تعذر وجود شهادة ميلاده أو مستخرج رسمي من دفتر المواليد.
تقدير سنه طبقاً لقانون المعاشات الذي يسري عليه. متى يجوز الرجوع فيه؟ قرار مجلس الوزراء
الصادر في 20 يناير سنة 1927 حجية هذا التقدير. الأخذ في حساب مدّة خدمته بتقدير طبي
آخر. لا يجوز.
إذا كان قد تعذر وجود شهادة ميلاد الموظف أو مستخرج رسمي من دفاتر المواليد فقدّرت
سنه على مقتضى الطريقة التي رسمها قانون المعاشات الذي يسري عليه، فلا يجوز بحال الرجوع
في هذا التقدير إلا في الحالة التي نص عليها قرار مجلس الوزراء الصادر في 20 يناير
سنة 1927 أي إذا قدّم الموظف شهادة ميلاده في مدى ستة شهور من تاريخ نشر القرار المذكور
في الجريدة الرسمية. فإذا كان هذا لم يحصل فإنه يجب ألا يؤخذ في حساب مدة خدمة الموظف
إلا بالتقدير السالف الذكر لما له من حجية قانونية، وكل تقدير سواه يكون باطلاً ولا
يعوّل عليه(1).
الوقائع
تتلخص وقائع هذه الدعوى – على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه وسائر
الأوراق والمستندات المقدّمة لهذه المحكمة والتي كانت مقدّمة من قبل لدى محكمة الاستئناف
– فيما يأتي:
رفع الطاعن هذه الدعوى أمام محكمة مصر الابتدائية ضدّ وزارتي الحربية والمالية قال
في عريضتها إنه التحق بخدمة الجيش المصري في 11 من يونيه سنة 1894 وظل يتدرّج في رتبه
المختلفة حتى وصل إلى رتبة الأميرالاي في 29 من يناير سنة 1930، وهي الرتبة التي يقضي
القانون بأن الحائزين لها يحالون إلى المعاش متى بلغوا الخامسة والخمسين. ولما كان
اسمه غير مقيد في دفاتر المواليد تعذر عليه تقديم شهادة الميلاد، فأحيل بمقتضى القانون
رقم 28 لسنة 1913 الخاص بالمعاشات العسكرية أمام لجنة مكوّنة من طبيبين من أطباء الجيش،
فقدرّت تلك اللجنة سنه من أوّل أكتوبر سنة 1914 بثمان وثلاثين سنة، وبذلك يبلغ سنّ
التقاعد في أوّل أكتوبر سنة 1931. وقد اعتمد هذا التقدير وضم إلى ملف خدمته. ظلت وزارة
الحربية ساكتة نحو ثلاث عشرة سنة ثم فاجأته بالإحالة على لجنة طبية أخرى لتقدير سنه
من جديد فقدّرت تلك اللجنة سنه في 21 من يوليه سنة 1927 بـ 51 سنة و11 شهراً، ثم اعتمدت
الوزارة هذا التقدير مرتكنة في الإحالة الجديدة إلى تفسير خاطئ لقرار اللجنة المالية
المصدّق عليه من مجلس الوزراء في 20 من يناير سنة 1927 وضربت صفحاً عن التقدير الأوّل
وأخذت بالتقدير الثاني وأحالته إلى المعاش في 21 من أغسطس سنة 1930 بدلاً من أوّل أكتوبر
سنة 1931 أي قبل بلوغه سنّ الخامسة والخمسين بـ 13 شهراً و11 يوماً مخالفة في ذلك نص
قانون المعاشات بل ونص قرار اللجنة المالية. فاعترض الطاعن على هذا التصرف وقال إن
الفرق بين ما كان يتقاضاه وهو في الخدمة وبين المعاش الذي يتقاضاه الآن قد بلغ 404
جنيهات عن مدة الـ 13 شهراً و11 يوماً، وإن إحالته إلى المعاش قبل بلوغه السنّ القانونية
أضرت به أدبياً ضرراً لا يمكن تعويضه إلا أنه يقدّره بمبلغ 600 جنيه مع أنه لم يدخل
في حساب ذلك ما كان يمكن أن يناله من علاوة في المرتب أو ترقية في الدرجة. وطلب الحكم
بإلزام وزارتي الحربية والمالية بمبلغ 1004 جنيهات وفوائده القانونية من تاريخ المطالبة
الرسمية لحين السداد مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
وبعد أن حضرت الدعوى وأحيلت على المرافعة حكمت محكمة مصر الابتدائية بتاريخ 24 من أكتوبر
سنة 1936 حضورياً برفض دعوى الطاعن وألزمته بالمصاريف وبمبلغ 200 قرش مقابل أتعاب المحاماة.
استأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر طالباً قبوله شكلاً وفي موضوعه إلغاء
الحكم المستأنف والقضاء له بما طلب أمام محكمة الدرجة الأولى مع إلزام المدّعى عليهما
في الطعن بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وبتاريخ 9 من يناير سنة 1938 حكمت المحكمة حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وبرفضه موضوعاً
وتأييد الحكم المستأنف وإلزام الطاعن بالمصاريف وبمبلغ 300 قرش مقابل أتعاب المحاماة.
أعلن هذا الحكم إلى الطاعن في 21 من مارس سنة 1938 فقرّر وكيله بالطعن فيه بطريق النقض
في 16 من إبريل سنة 1938… الخ.
المحكمة
وحيث إن الطعن قائم على وجهين: (أوّلهما) أن الحكم المطعون فيه
قد خالف القانون بأخذه بقرار اللجنة الطبية الثانية في تقدير سنّ الطاعن دون القرار
الأوّل الحاصل في أوّل أكتوبر سنة 1914 والواجب الأخذ به فقد كان قراراً نهائياً قبلته
وزارة الحربية وأبلغته للطاعن في وقته. وبمقتضاه يكون قد أحيل على المعاش قبل السنّ
القانوني بثلاثة عشر شهراً وأحد عشر يوماً، وهو ما يستوجب تعويضه عما لحقه من الضرر.
أما الوجه الثاني فقائم على أن الحكم مشوب بالبطلان لعدم تسبيبه ولبنائه على أدلة خاطئة
من حيث الوقائع أو القانون.
هذا هو مبنى الطعن المقدّم.
وحيث إن الثابت من الحكم المطعون فيه والمستندات المقدّمة من طرفي الخصومة أن قانون
المعاشات الذي كان نافذاً وقت تقدير سنّ الطاعن طبياً في أوّل أكتوبر سنة 1914 هو القانون
رقم 28 لسنة 1913 التي تنص المادة 40 منه على أنه عند تعذر إثبات عمر الضابط بدقة بمقتضى
شهادة ميلاده أو شهادة رسمية مستخرجة من دفتر قيد المواليد يقدّر عمره بمعرفة طبيبين
من أطباء الجيش.
وحيث إن الثابت أيضاً أن وزارة الحربية لما لم تهتدِ إلى تاريخ قيد اسم الطاعن بدفتر
المواليد لجأت إلى الطريقة المبينة في ذلك القانون فأمرت مديرية كوردوفان بالسودان
بكتابها المؤرّخ في 15 من سبتمبر سنة 1914 بتقدير سنه بمعرفة اثنين من الضباط الأطباء،
وأن ترد الشهادة التي تحرّر مع الأوراق. وقد تم ذلك وأرسلت مديرية كوردوفان بتاريخ
أوّل أكتوبر سنة 1914 شهادة تسنين الطاعن المؤرّخة في نفس اليوم والمتضمنة تقدير سنه
بثمان وثلاثين سنة تقريباً.
وحيث إن وزارة الحربية بعد مضي ثلاث عشرة سنة عنّ لها أن تحيل الطاعن إلى لجنة طبية
أخرى لتقدير سنه من جديد، فباشرت هذه اللجنة ذلك في 21 يوليه سنة 1927 وقدّرت سنه بزيادة
13 شهراً و11 يوماً عن التقدير الأوّل. ولم يفتَ الطاعن الاعتراض على إحالته على اللجنة
الثانية كما هو ثابت من كتاباته المتعدّدة والمرسلة منه للحربية ومن امتناعه عن الكشف
عليه إلى أن صدر له أمر عسكري بالتنفيذ.
وحيث إن مقطع النزاع هو ما إذا كان التقدير الأوّل لسنّ الطاعن هو الواجب الأخذ به
على ما يقوله هو أو أنه التقدير الثاني على ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه.
وحيث إن تقدير سنّ الطاعن طبقاً لقانون المعاشات الصادر في سنة 1913 المنطبق على الطاعن
لتعذر وجود شهادة ميلاد أو شهادة رسمية مستخرجة من دفتر المواليد – هذا التقدير هو
من النظام العام الذي لا يجوز لأحد الطرفين الرجوع فيه إلا في الحالة المنصوص عليها
في قرار مجلس الوزراء الصادر في 20 من يناير سنة 1927 وهي حالة تقديم الموظف الذي سبق
تقدير سنه طبياً شهادة الميلاد في مدى ستة شهور من تاريخ نشر قرار مجلس الوزراء في
الجريدة الرسمية.
وحيث إنه قد سبق لهذه المحكمة أن أيدت هذا المبدأ بحكمها الرقيم 3 من فبراير سنة 1938
الصادر في الطعن رقم 53 سنة 7 قضائية إذ قرّرت أن التصرفات الإدارية من نقض قرار القومسيون
الطبي الحاصل في سنة 1923 (أي قبل صدور قانون المعاشات لسنة 1930) هي تصرفات مخالفة
لقانون المعاشات، وأن الإدارة لا تملك هذا النقض لحجية القرار واكتسابه قوّة الشيء
المقضي فيه، وأن ما استصدرته من قرارات طبية لاحقة للقرار الأوّل لا يعوّل عليها لبطلانها
قانوناً ولا يعتمد عليها أيضاً في إحالة الموظف على المعاش.
وحيث إنه يبين مما تقدّم أن القرار الطبي الموقع على الطاعن في أوّل أكتوبر سنة 1914
هو الواجب الأخذ به عند إحالته على المعاش فقد صدر من هيئة مشكلة تشكيلاً قانونياً،
ولا يلتفت إلى ما أثاره المدّعى عليهما في الطعن من أن المادة 40 من قانون سنة 1913
لم تجعل تقدير القومسيون تقديراً نهائياً لا رجوع فيه كما نص على ذلك قانون سنة 1930.
وحيث إن قول المدّعى عليهما بأن اللجنة الطبية الأولى لم تتبع القانون عند التقدير
لعدم اطلاعها على المعلومات الخاصة بالطاعن – هذا القول يرد عليه بأن هذه المعلومات
أو الأوراق المتعلقة بها ليست من عناصر التقدير الرسمية. ثم إن المدّعى عليهما في الطعن
لم تعترضا على قرار تلك اللجنة الطبية، بل قبلتاه وأرفقتاه بملف الطاعن فلا محل الآن
لإثارتها هذا القول.
وحيث إن دفع المدّعى عليهما في الطعن بأن التقدير الأوّل وصف في التقرير بأنه تقدير
تقريبي فهو يسع الفرق بين التقدير الأوّل والتقدير الثاني – هذا الدفع مردود بأن التقرير
الطبي الأوّل قدّر سنّ الطاعن بثمان وثلاثين سنة. وأما إضافة كلمة تقريباً، فأمر طبيعي،
لأنه لا يتسنى لأية لجنة أن تقدّر سنّ الموظف على التحديد الجازم.
وحيث إن ما جاء في الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه من أن الطاعن قد أظهر
قبوله المعاملة بالتقدير الثاني ورضي بإحالته على المعاش وفقاً لهذا التقدير كما يتضح
من الطلب الذي قدّمه إلى الرئيس العام للجيش المصري بتاريخ 26 من يوليه سنة 1930 فليس
له بعد ذلك أن يتظلم من إحالته في هذا التاريخ مع قبوله الصريح – هذا القول من محكمة
أوّل درجة والمحكمة الاستئنافية عن قبول الطاعن لمبدأ الإحالة لا يثبت في الواقع عليه
قبولاً صحيحاً وتنازلاً عن التمسك بالتقدير الأوّل وإنما هو إذعان منه وخضوع للأمر
الواقع بعد أن تقرّرت إحالته على المعاش على مقتضى التقرير الطبي الثاني وأصبح وليس
أمامه مع وزارة الحربية إلا المطالبة أوّلاً بتسوية معاشه طبقاً لقرارها بإحالته على
المعاش، ثم مطالبتها بعد ذلك قضائياً بما يستحقه من التعويض. يؤيد ذلك أنه لم يقبل
قط معاملته بالكشف الثاني كما تشهد بهذا كتاباته المتعددّة اعتراضاً على توقيع ذلك
الكشف.
وحيث إنه يبين من ذلك جميعاً أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ قانوناً في أخذه بقرار القومسيون
الطبي الثاني قي تقدير سنّ الطاعن، ويتعين إذن نقضه.
وحيث إن المحكمة الاستئنافية لم تبحث عناصر التعويض المطلوب من الطاعن لإحالته قبل
السنّ القانوني فيتعذر على هذه المحكمة أن تفصل في ذلك، ويتعين إذن إعادة القضية لدائرة
استئنافية أخرى لتنظر في موضوع التعويض المستحق للطاعن من كل وجوهه، سواء من جهة الضرر
الناشئ عن فرق المرتب أو الضرر الأدبي الذي يدّعيه الطاعن مع بحث تدخل المكافأة التي
منح إياها أو عدم تدخلها في التعويض.
وحيث إنه لا محل بعد ذلك لبحث الوجه الثاني من الطعن.
(1) يراجع في هذا المعنى الأحكام التي أصدرتها محكمة النقض في القضيتين 26 سنة 1 بجلسة 31 ديسمبر سنة 1931 ص 41 جزء أوّل من هذه المجموعة و53 سنة 7 بجلسة 3 فبراير سنة 1938.
