الرائيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 53 سنة 7 ق – جلسة 03 /02 /1938 

مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثاني (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1936م لغاية 26 أكتوبر سنة 1939م) – صـ 262

جلسة 3 فبراير سنة 1938

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وحامد فهمي بك وعلي حيدر حجازي بك وأحمد مختار بك المستشارين.


القضية رقم 53 سنة 7 القضائية

تعويض. أساسه. عناصره. رجحان كسب. وجوب التعويض عن كل ضرر متصل السببية بأصله الضار. ضابط (أميرالاي). إحالته إلى المعاش قبل الأوان بناءً على قرار باطل. تعويضه عن رجحان ترقيته التي فوّتها عليه إحالته إلى المعاش قبل الأوان.
إن القانون يوجب التعويض الجابر لكل ضرر متصل السبب بأصله الضار. ولا مانع في القانون من أن يحسب في عناصر التعويض ما كان لطالبه من رجحان كسبٍ فوّته عليه وقوع فعل ضارّ أو تصرف إداري خاطئ وضار كذلك. فإذا كان الثابت أنه لم يكن هناك أساس لاحتمال أن تؤخر وزارة الحربية أحد الضباط (أميرالاي) عن دوره في الترقي إلى رتبة أعلى (اللواء) لو كان قد بقي في الخدمة ولم تحله إلى المعاش قبل الأوان استناداً إلى قرار بتقدير سنه صدر باطلاً لمخالفته لقرار آخر ملزم لا يجوز نقضه، فمن الواجب قانوناً أن يعتد في تعويض هذا الضابط برجحان هذه الترقية التي فوّتتها عليه إحالته إلى المعاش قبل الأوان.


الوقائع

تتضمن وقائع الدعوى – على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه والأوراق والمستندات المقدّمة لهذه المحكمة وكانت من قبل مقدّمة لمحكمة الاستئناف – أن الأميرالاي عبد الوهاب وهبي بك رفع على وزارتي المالية والحربية دعوى أمام محكمة مصر الابتدائية قيدت بجدولها برقم 1418 سنة 1935 قال في صحيفة افتتاحها إن وزارة الحربية أحالته إلى المعاش في 12 مايو سنة 1935 وهو برتبة أميرالاي بدعوى أنه بلغ سنّ الخامسة والخمسين التي هي السنّ التي تجيز إحالة مثله من أصحاب هذه الرتبة إلى المعاش طبقاً لنص المادة 13 من قانون المعاشات العسكرية الصادر في سنة 1930 (المرسوم بقانون رقم 59 سنة 1930) مع أنه من سواقط القيد، ووزارة الحربية قد أحالته في تقدير سنه إلى لجنة الأطباء تنفيذاً للمادة 40 من قانون المعاشات العسكرية الصادر في سنة 1913 ثم اعتمدت ما قررته هذه اللجنة سنة 1923 من أن سنه كانت تبلغ يومئذ اثنتين وأربعين سنة باعتباره من مواليد 29 ديسمبر سنة 1881 وأنه بذلك يكون قد أحيل إلى المعاش قبل بلوغه سنّ الخامسة والخمسين بسنة وسبعة شهور وسبعة عشر يوماً. ثم قال المدّعي إنه لو كان استمر في الخدمة هذه المدّة الباقية لنال رتبة اللواء التي خلت في 16 مايو سنة 1935 ولتأخر ميعاد إحالته إلى المعاش إلى بلوغه سنّ الثمانية والخمسين أي إلى 16 مايو سنة 1938. ولهذا يكون قد خسر بتصرف وزارة الحربية: (أوّلاً) الفرق بين المعاش الذي يتقاضاه وهو 63 جنيهاً و750 مليماً ومرتب اللواء المحلي وقدره 89 جنيهاً و250 مليماً بعد خصم رسم التمغة. ويبلغ هذا الفرق عن مدّة سنة 306 جنيهات وهو حاصل ضرب 25 جنيهاً و500 مليم × 12 و(ثانياً) الفرق بين معاشه الحالي الذي يتقاضاه ومرتب اللواء الفعلي وقدره 111 جنيهاً و220 مليماً بعد خصم التمغة، ومبلغ هذا الفرق عن سنتين تنتهيان في 15 مايو سنة 1938 هو 47 جنيهاً و470 مليماً × 24 = 1139 جنيهاً و280 مليماً و(ثالثاً) الفرق بين مكافأة أميرالاي ومكافأة اللواء عما زاد من سني خدمته عن سبع وثلاثين سنة ونصف سنة وهي مرتب نصف شهر عن كل سنة مع ملاحظة أن الطاعن قد قبض مكافأة قدرها 300 جنيه على اعتبار أن زيادة مدّة خدمته ثماني سنوات وعلى أساس مرتب أميرالاي، وأنه إذا بقي في خدمة الجيش ورقي إلى رتبة اللواء وأحيل بهذه الرتبة على أساس أن زيادة مدّة خدمته تكون عشر سنوات لبلغ قدر هذا الفرق 550 – 300 = 250 جنيهاً. ومجموع هذه الأوجه الثلاثة هو 1695 جنيهاً و280 مليماً و(رابعاً) الفرق بين معاشه الحالي المتقدّم ومعاش اللواء المحلي وقدره 85 جنيهاً و500 مليم أي مبلغ 21 جنيهاً و750 مليماً من 16 مايو سنة 1938 طول حياته. وقد استند المدعي في طلباته هذه إلى تقرير اللجنة الطبية المنعقدة سنة 1923 التي اعتبرته من مواليد 29 ديسمبر سنة 1881 وإلى صور التقارير السرية المتضمنة شهادة رؤسائه له بالكفاءة الممتازة والتوصية بترقيته في دوره وإلى صورة كشف الجيش السنوي الدال على أنه كان أقدم أمراء الألاي عند إحالته إلى المعاش، وأن فرصة ترقيته إلى رتبة اللواء قد سنحت في 16 مايو سنة 1935 أي بعد إحالته إلى المعاش بأربعة أيام. ثم عدّل المدعي طلباته في المذكرة التي قدّمها إلى 1683 جنيهاً و304 مليمات. وأجابت وزارتا الحربية والمالية على الدعوى بأنهما لم تعوّلا في إحالة المدعي إلى المعاش على تقرير اللجنة الطبية المتقدّم الذكر، وإنما قد عوّلتا في تقدير سنّ المدعي إلى تقرير آخر أوقع في سنة 1927
وبتاريخ 9 إبريل سنة 1936 حكمت المحكمة الابتدائية بإلزام الوزارتين بأن تدفعا للمدعي مبلغ 53 جنيهاً و652 مليماً والمصاريف المناسبة و200 قرش أتعاب محاماة ورفضت ما خالف ذلك من الطلبات بانية حكمها على أن قرار القومسيون الطبي الحاصل في سنة 1923 هو قرار صحيح لا يصح نقضه، وأنه لذلك تكون الإحالة إلى المعاش قد وقعت قبل أوانها وأنه كان يجب تأخيرها إلى 29 ديسمبر سنة 1936 ولذلك تعين أن يستحق المدعي الفرق بين معاشه الذي يصرف له الآن ومرتبه الذي كان يتناوله على رتبة أميرالاي وهو 75 جنيهاً بعد خصم الاحتياطي والتمغة الأصلية والإضافية، وقدر ذلك إلى يوم 29 ديسمبر سنة 1936 هو 53 جنيهاً و652 مليماً.
وبتاريخ 17 يونيه سنة 1936 استأنفت الوزارتان هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر طالبتين إلغاءه والحكم برفض الدعوى وإلزام رافعها بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين. وقيد هذا الاستئناف بجدول المحكمة برقم 912 سنة 53 قضائية. واستأنفه أيضاً عبد الوهاب وهبي بك في 22 يونيه سنة 1936 طالباً تعديله وإلزام الوزارتين بأن تدفعا له مبلغ 1683 جنيهاً و524 مليماً والحكم بتسوية معاشه وجعله 85 جنيهاً و500 مليم ابتداءً من 16 مايو سنة 1938 والأتعاب عن الدرجتين. وقيد هذا الاستئناف برقم 995 سنة 53 قضائية.
وبتاريخ 22 إبريل سنة 1937 حكمت محكمة الاستئناف بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع: (أوّلاً) برفض استئناف وزارتي الحربية والمالية وألزمتهما بمصاريفه. (وثانياً) بالنسبة لاستئناف عبد الوهاب وهبي بك بتعديل الحكم المستأنف وبإلزام وزارتي الحربية والمالية بأن تدفعا لعبد الوهاب بك المذكور 128 جنيهاً و652 مليماً والمصاريف المناسبة عن الدرجتين و600 قرش مقابل أتعاب المحاماة عنهما ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.
لم يعلن هذا الحكم إلى الطاعن ولكن وكيله طعن فيه بطريق النقض في 21 يونيه سنة 1937 الخ.


المحكمة

ومن حيث إن مبنى الطعن أن محكمة الاستئناف – مع أخذها بما أخذت به المحكمة الابتدائية من اعتبار الوزارتين مسئولتين عن إحالة الطاعن إلى المعاش قبل بلوغه سنّ التقاعد بسنةّ وسبعة شهور وسبعة عشر يوماً ومع قضائها بإلزام الوزارتين بالفرق بين معاشه الذي رتب له ومرتبه (مرتب أميرالاي) في المدّة المذكورة كما لو بقي فيها في الخدمة – أن محكمة الاستئناف مع أخذها في تقرير مسئولية الحكومة بهذا الأساس وقضائها بذلك الفرق بين معاشه ومرتبه قد رفضت ما طلبه الطاعن من التعويض عن حرمانه من رتبة اللواء التي خلت في هذه الأثناء وكان – لو لم تحله الوزارة إلى المعاش بغير حق وفي غير أوان – هو الأحق بالترقية إليها لأقدميته وكفايته، كما تشهد بذلك المستندات الرسمية التي قدّمها. ويقول الطاعن إن الحكم المطعون فيه يكون بذلك قد خالف أحكام القانون التي توجب له تعويضاً كاملاً عما لحقه من الأضرار المترتبة على إحالته إلى المعاش قبل بلوغ السنّ.
وحيث إن المحكمة الابتدائية – بعد أن بينت أن الخلاف بين طرفي الخصوم كان على ما ينبغي الرجوع إليه في تقدير سنّ الطاعن لمعرفة ما إذا كان قد أحيل إلى المعاش إحالة صحيحة قانوناً – قالت إن عبد الوهاب بك كان من سواقط القيد حقاً، وأن تقدير سنّ الموظف هو من المسائل المتعلقة بالنظام العام، وأن المادة 42 من القانون رقم 59 لسنة 1930 قد نصت بالاعتماد "في تقدير سنّ الضابط على شهادة الميلاد أو مستخرج رسمي من دفتر المواليد وبأنه في حالة عدم إمكان الحصول على إحدى هاتين الشهادتين يكون تقدير السنّ بواسطة طبيبين من أطباء الجيش وبأنه لا يجوز الطعن في التقدير بهذه الطريقة بحال من الأحوال". فكان على الوزارة اللجوء إلى هذه الطريقة في تحديد سنّ الطاعن، وإنها لذلك أحالته على اللجنة الطبية سنة 1923 فاعتبرته هذه اللجنة أنه من مواليد 29 ديسمبر سنة 1881 أي أنه لا يبلغ السنّ القانونية التي يحال فيها أمثاله من أصحاب رتبته إلا في 29 ديسمبر سنة 1937. ثم قالت "إنها ترى لذلك أن قرار قومسيون سنة 1923 صدر في حدود القانون وهو قرار صحيح لا يصح نقضه… وأن الطاعن قد أحيل على المعاش برتبة أميرالاي قبل بلوغ السنّ القانوني المقرّر لهذه الرتبة وهي 55 سنة ميلادية وذلك بسنة وسبعة أشهر وسبعة عشر يوماً وهو ما يستحق عنه الفرق بين معاشه ومرتبه الذي كان يتناوله وهو 75 جنيهاً شهرياً…". ثم قالت: "ومن حيث إنه عن طلب المدّعي الخاص بترقيته إلى رتبة اللواء وطلبه الفرق بين معاشه ومرتب اللواء وطلب اعتبار معاشه على ذلك زعماً منه أن ترقية الضابط في الجيش يجب أن تكون بالأقدمية على وجه الإطلاق، وأنه لو بقي في الخدمة لكان نال هذه الرتبة لأن الدور بحسب الأقدمية كان عليه. وحيث إن هذا المبدأ خطأ محض ومخالف للواقع وللنظام… فإن ترقية الضباط العظام مبنية على الجدارة والاستحقاق ومؤهلات الضابط بصرف النظر عن الأقدمية. ومن ثم لا يكون للمدّعي حق مكتسب في الترقية بناءً على أقدميته، ويتعين الحكم برفض الدعوى فيما يتعلق بهذا الطلب".
وحيث إن محكمة الاستئناف رأت في الاستئناف المرفوع من الحكومة المبني على خطأ الحكم المستأنف في اعتماده في تقدير سنّ عبد الوهاب بك على التقرير الطبي الصادر في سنة 1923 – رأت أنه غير صائب وأنها تشاطر المحكمة الابتدائية الرأي في اعتمادها على التقرير الطبي المذكور. ثم بحثت الاستئناف المرفوع من عبد الوهاب بك فأعطته الحق فيما قضت له به المحكمة الابتدائية ثم أنصفته في طلب المكافأة على ما زاد من سني خدمته على سبع وثلاثين سنة ونصف، تلك المكافأة التي يستحقها تطبيقاً للمادتين 16 و17 من المرسوم بقانون رقم 59 لسنة 1930 الخاص بالمعاشات العسكرية فحكمت له بها زيادة على ما حكمت به المحكمة الابتدائية. أما الطلب الخاص بالترقية إلى رتبة اللواء فقد رفضته أيضاً وقالت في حكمها: "ومن حيث إن أمر ترقية الضباط العظام في الجيش ليس حقاً مكتسباً يبنى على الأقدمية وإنما أمره موكول للجهة العليا الرئيسية من غير رقابة عليها مسترشدة في ذلك بما يتحقق لها من توافر الكفاءة والمؤهلات الخاصة التي تراها لازمة للترقي، فقول المستأنف إذن في صحيفة استئنافه إنه كان سيرقى حتماً إلى رتبة اللواء مع انحصار الحق في الجهة الرئيسية له، كما تقدّم بيانه، لا يمكن أن يعتبر إلا من قبيل الرجم بالغيب، ولا يمكن أن يبنى طلب التعويض على مجرّد الظن والتخمين".
وحيث إنه يبين من هذا الذي جاء بالحكمين الابتدائي والاستئنافي أن المحكمتين كلتاهما بعد أن أثبتت ما كان من وزارة الحربية من تصرفاتها الإدارية المخالفة لقانون المعاشات من نقضها قرار القومسيون الطبي الحاصل سنة 1923 الذي لا تملك نقضه لحجيته واكتسابه قوّة الشيء المقضي به ومن استصدارها قرارات طبية أخرى باطلة قانوناً واعتمادها على هذه القرارات الأخيرة في إحالة الطاعن إلى المعاش قبل بلوغه السنّ المقرّرة لرتبته – بعد أن أثبتت كلتا المحكمتين هذه التصرفات المخالفة للقانون، وبعد أن قررت أن هذه التصرفات قد أضرت حقاً بالطاعن، وقفت كلتاهما في جبر هذا الضرر عند حدّ القضاء له على الحكومة بالفرق بين المعاش الذي رتبته له وبين مرتب أميرالاي عن المدّة التي كان ينبغي أن يبقى فيها بالخدمة حتى يبلغ السنّ التي يحال فيها أمثاله على المعاش – وقفت عند هذا الحدّ ولم تتجاوزه إلى تعويضه عما فاته من عدم الترقي إلى رتبة اللواء التي خلت وكان من الراجح أن يرقى إليها لتوافر شروط الترقية بالأقدمية والتزكية من رؤسائه فيه، مستندة في ذلك إلى أن الترقية إلى هذه الرتبة لم تكن حقاً مكتسباً له على الرغم من توافر تلك الشروط فيه، وإنما كانت حقاً للمصلحة تتصرف فيه كما تشاء بغير رقابة، وإلى أن القول من الطاعن بأنه كان سيرقى حتماً هو من قبيل الرجم بالغيب الذي لا يصح بناء تعويض عليه.
وحيث إن الفقرة (ب) من قواعد الترقي في الجيش الصادر بها الأمر العسكري من رياسة الجيش المصري في 2 نوفمبر سنة 1925 وإن كانت تقضي بأنه "عند الترقي من رتبة صاغ قول أغاسي فما فوق يراعى في ذلك الأقدمية العامة والكفاءة والمقدرة والمعارف وحسن القيادة في الميدان عملياً والترقي الممتاز وباقي الصفات الحميدة المدّونة بتقارير الضباط السرية مع ملاحظة تاريخ أول عريضة عند التكافؤ في جميع ما ذكر، إلا أن الطاعن كان يعتمد في طلب التعويض عما خسره، بسبب إحالته إلى المعاش قبل بلوغ السنّ، من عدم ترقيته إلى رتبة اللواء على أقدميته على جميع أمراء الآلاي الذين ترقوا في المدة التي كان له فيها حق البقاء في الخدمة، ثم على الشهادات الحسنة الصادرة من رؤسائه الدالة جميعاً على استحقاقه للترقية إلى رتبة اللواء في دوره، وكان يستند أيضاً إلى أن الفرصة الأولى التي سنحت لترقيته كانت في 16 مايو سنة 1935 حين رشح اللواء محمد توفيق باشا قائد قسم القاهرة مديراً عاماً لمصلحة الحدود بل كان يدعي أن وزير الحربية لم يحله إلى المعاش بغير حق إلا ليتمكن من ترقية ضابط آخر يليه في الأقدمية.
وحيث إن الطاعن عند إحالته إلى المعاش في 12 مايو سنة 1935 كان حقه المكتسب الذي كان ينبغي ألا يضار فيه هو أن يبقى في الخدمة حتى يبلغ سنّ التقاعد أي في 29 ديسمبر سنة 1937، فإذا بقي في الخدمة إلى هذا التاريخ كان ما له من الأقدمية على أمثاله الحائزين لرتبة أميرالاي ومن شهادات رؤسائه الذين أوصوا بترقيته بدوره لما له من الكفاءة وتلك الصفات الحميدة التي هي شروط الترقية بحسب الفقرة (ب) المتقدّمة الذكر – كان ما له من ذلك ليبلغه إلى رتبة اللواء في كل فرصة سنحت لو سارت الوزارة في الترقية على ما تسير عليه حقاً وعدلاً. وإذن فلا يصح حمل عدم ترقيته على سبب آخر غير إحالته إلى المعاش قبل الأوان الذي هو سبب الضرر والوزارة هي المتسببة به.
وحيث إن القول من محكمة الاستئناف بأن الترقي إلى رتبة اللواء لم يكن حقاً مكتسباً للطاعن، وأن ما كان يقوله من إنه سيرقى حتماً إلى هذه الرتبة هو من قبيل الرجم بالغيب الذي لا يصح بناء التعويض عليه – إن القول بذلك يكون صحيحاً ومنتجاً لو أن الطاعن كان بقي في الخدمة ولم ترقه الوزارة فعلاً لغير سبب ظاهر وفوّتت عليه دور الترقي، حيث كان يصح القول بأن الترقي هو من الإطلاقات التي تملكها الوزارة ولعلها لمصلحة مّا أخرته عن دوره وقدّمت عليه غيره. أما والوزارة هي التي قد أحالت الطاعن إلى المعاش قبل بلوغ السنّ بناءً على قرار باطل اتخذته في تقدير سنه مخالفة في ذلك قراراً آخر صحيحاً ملزماً لها لا تملك نقضه فلا مناص من إدخال فوات هذه الترقية على الطاعن ضمن عناصر الضرر التي ترتبت على الإخلال بحق الطالب في البقاء في الخدمة مدة أخرى. ذلك بأن القانون لا يمنع أن يدخل في عناصر التعويض ما كان للطاعن من رجحان كسب فوّته عليه وقوع فعل ضار أو تصرف إداري خاطئ ضار كذلك.
ومن حيث إنه يبين مما تقدّم أن محكمة الاستئناف إذ قضت برفض ما طلبه الطاعن من التعويض عما خسره من عدم ترقيته إلى رتبة اللواء التي يكاد لا يمنع من ترقيته إليها مانع جدّي لو بقي في الخدمة على أصل حقه حتى يبلغ السنّ التي يحال فيها أمثاله إلى المعاش – تكون قد خالفت أحكام القانون التي توجب التعويض الجابر لكل ضرر متصل السببية بأصله الضار. ولذلك يتعين نقض الحكم المطعون فيه فيما يختص بذلك.
وحيث إن موضوع هذا الجزء من طلبات المدعي صالح للفصل فيه.
وحيث إنه كان ثابتاً أمام قاضي الدعوى من صور التقارير السرية المرفوعة من رؤساء الجيش إلى الوزارة ومن كشف الجيش السنوي ومن الأوامر العسكرية الرسمية الصادرة في 3 يونيه سنة 1935 وما بعده المقدّمة لهذه المحكمة وكانت مقدّمة من قبل أمام محكمة الاستئناف ولم تنازع فيها الحكومة:
(أوّلاً) أن عبد الوهاب وهبي بك المدعي رقي إلى رتبة أميرالاي في 15 نوفمبر سنة 1933 فكان بذلك عند إحالته إلى المعاش في 12 مايو سنة 1935 أقدم أمراء الألاي بالجيش المصري، وأن من كان يليه في أقدميته هذه بعد رفع أسماء من أحيلوا من أمراء الألاي إلى المعاش لبلوغهم السنّ هم على ترتيبهم في هذه الأقدمية نجيب مليكة بك وعبد الحميد حلمي بك ومحمد عقل بك وأمين شكري الشهابي بك.
(ثانياً) وأن الترقية إلى رتبة اللواء قد سنحت فرصها أربع مرات فيما بين 12 مايو سنة 1935 إلى 29 ديسمبر سنة 1937 (تاريخ بلوغ المدعي سنّ الخامسة والخمسين) فرقي نجيب مليكة بك إلى هذه الرتبة في 27 يونيه سنة 1935، ثم رقي بعده في دوره عبد الحميد حلمي بك في 16 نوفمبر سنة 1935، ثم بعده محمد عقل بك في دوره كذلك في 12 إبريل سنة 1936، ثم بعده أمين شكري بك في دوره أيضاً في 24 سبتمبر سنة 1936 مع ملاحظة أن هذا الضابط لم يكن رقي لرتبة أميرالاي إلا في 14 يناير سنة 1935. وأن آخر أميرالاي بعد أمين شكري بك هو توفيق عبد النبي بك قد أحيل إلى المعاش.
(ثالثاً) وأن اللواء محمد توفيق باشا قومندان قسم القاهرة قد عين حقيقة مديراً عاماً لمصلحة الحدود بموجب المرسوم الملكي الصادر في 16 مايو سنة 1935 وشطب اسمه لذلك من قوّة الجيش إلا أنه لم يتبين من الأوامر العسكرية المقدّمة أن أميرالاياً آخر رقي إلى رتبته في هذا التاريخ. ولعل هذه الرتبة بقيت شاغرة حتى رقي إليها نجيب مليكة بك في 27 يونيه سنة 1935 كما سبق.
(رابعاً) وأن عبد الوهاب بك كان يتمتع إلى يوم إحالته إلى المعاش بشهادات رؤسائه بأهليته وكفايته الممتازة وبتوصيتهم على ترقيته في دوره – تلك الشهادات التي تثبت له أحقيته في الترقي حسب ما جاء في الفقرة ب الخاصة بقواعد الترقي للضباط العظام.
(خامساً) وأن وزارة الحربية لم ترقِ أميرالاياً واحداً من هؤلاء في غير دوره بحسب أقدميته وأنها أنصفتهم جميعاً بترقيتهم الواحد بعد الآخر على التعاقب.
وحيث إنه ينتج من ذلك كله أنه ما كان محتملاً احتمالاً جدّياً أن تؤخر الوزارة المدعي عن دوره في الترقي لو لم تحله إلى المعاش قبل الأوان، وأنه إذا كان محتملاً أن لا ترقيه الوزارة في الفرصة الأولى حين رقت نجيب مليكة بك لرغبة خاصة لدى الوزير كما ادعى الطاعن، فاحتمال عدم ترقيته في الفرص الثلاث الأخرى يكاد يعتبر من قبيل المستحيل عادة.
وحيث إن هذه المحكمة مع ذلك ترى بعد إمعان النظر في جميع هذه الاحتمالات القائمة لمصلحة الطاعن وما عساه يمكن افتراضه جدّياً في جانب الحكومة أن تقدّر جملة التعويض الذي يستحقه المدعي عن رجحان حرمانه من الترقي لرتبة اللواء في جميع الفرص التي سنحت في المدة التي كان له فيها حق البقاء في الخدمة 1500 جنيه وبخمسة عشر جنيهاً تدفع له شهرياً ابتداءً من أوّل يناير سنة 1938 زيادة عما قضى به الحكم المستأنف.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات