الطعن رقم 105 سنة 5 ق – جلسة 03 /12 /1936
مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة
النقض والإبرام في المواد المدنية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثاني (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1936م لغاية 26 أكتوبر سنة 1939م) – صـ 32
جلسة 3 ديسمبر سنة 1936
برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمي حسين بك وحامد فهمي بك وعلي حيدر حجازي بك المستشارين.
القضية رقم 105 سنة 5 القضائية
حق مكتسب. اعتقاد ديني. البحث فيه يكون من طريق المظاهر الخارجية
الرسمية فقط. تغيير شخص مذهبه. خضوعه لأحكام المذهب الجديد لا يكون إلا من وقت التغيير
فقط. قبطي متزوّج من قبطية. تغييره مذهبه. تحدّي أحدهما الآخر بأن له حقاً مكتسباً
في استبقاء الزوجية طبقاً للمذهب القديم. الادعاء بأن تغيير المذهب غير جدّي. لا يقبل.
(المادة 232 من القانون المدني)
الاعتقاد الديني مسألة نفسانية فلا يمكن لأية جهة قضائية البحث فيها إلا عن طريق المظاهر
الخارجية الرسمية فقط. فإذا ما غير شخص دينه أو مذهبه رسمياً فإنه من وقت هذا التغيير
لا يعتبر خاضعاً إلا لأحكام الدين أو المذهب الجديد. ولا ينبغي للقضاء أياً كانت جهته
أن ينظر إلا في توافر تلك المظاهر الخارجية الرسمية لاعتناق هذا الدين أو المذهب. فإذا
وجدها متوافرة وجب عليه قصر بحثه على النتائج المترتبة على هذا التغيير طبقاً لأحكام
الدين أو المذهب الجديد. وإذن فلا يصح التحدّي من أحد الزوجين قبل الآخر بأن له حقاً
مكتسباً في استبقاء عروة الزوجية معقودة طبقاً للقانون الذي كان يحكم به قبل تغيير
الزوج الآخر مذهبه.
المحكمة
وحيث إن أهم ما طعنت به الطاعنة على حكم محكمة الاستئناف أنها خالفت
المبدأ القانوني المنصوص عنه في المادة 232 من القانون المدني من وجوب احترام الأحكام
الحائزة لقوة الشيء المحكوم فيه. وتقول الطاعنة في بيان هذا الوجه إنها رفعت هذه الدعوى
مستندة إلى حكمين شرعيين حائز كلاهما لقوة الشيء المحكوم فيه نهائياً وهما حكمان صادران
من هيئة قضائية مقررة لها ولاية الحكم، وقد صدر الحكمان في حدود هذه الولاية. الحكم
الأول هو القاضي بإسقاط النفقة الصادر ابتدائياً في 25 يناير سنة 1920 من محكمة منفلوط
الشرعية واستئنافياً بتاريخ 28 إبريل سنة 1920؛ والحكم الثاني هو الحكم الشرعي الصادر
بتاريخ 6 يناير سنة 1913 من محكمة الجمالية الشرعية بترتيب نفقة لها على زوجها نجيب
يوسف أفندي، وإنه – بالرغم من تلخيص الحكم المطعون فيه لهذين الحكمين في بيان الوقائع،
وبالرغم من إقراره بحيازتهما لقوة الشيء المحكوم فيه نهائياً، وبوجوب احترامهما كحكمين
نهائيين – فإنه عندما أراد تطبيق القاعدة المنصوص عليها في المادة 232 من القانون المدني
قد أساء هذا التطبيق وخالف القانون فيه. وذلك بتدخله في مناقشة حكم محكمة الجمالية
الشرعية الرقيم 6 يناير سنة 1923 في موضوعه وفي الأسباب التي بني عليها، وفي قضائه
بأن تلك الأسباب غير صحيحة ولا تستحق احتراماً، بانياً قضاءه هذا على أن الحكم المذكور
قام على التواطؤ إضراراً بالست رومة نخلة بشاي، كما خالف في قضائه حكم محكمة منفلوط
الشرعية القاضي بإسقاط النفقة. وبذلك يكون الحكم المطعون فيه باطلاً متعين النقض.
وحيث إنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أنه – بعد أن سرد الوقائع بما لا يخرج
عن البيان الوارد في صدر هذا الحكم، وذكر أقوال ومستندات كل طرف في الدعوى وملاحظاته
على أقوال ومستندات الطرف الآخر – قال:
"وحيث إن الأحكام التي صدرت للمستأنف عليها الثالثة (الست رومة نخلة بشاي) ضد المستأنف
عليه الثاني (نجيب يوسف أفندي) لها حجيتها ضدّه لصدورها من هيئة مختصة وهي المجلس الملي
للأقباط الأرثوذكس لأن الزواج عقد بينهما على شريعة هذه الملة، كما أن الحكم الذي صدر
للمستأنفة (الست منيرة جرجس) ضدّ المستأنف عليه الثاني يمكن الاحتجاج به عليه لصدوره
من هيئة مختصة أيضاً، وإنه وإن كانت هذه الأحكام تناقض بعضها البعض في نتيجتها إلا
أنه ليس لهذه المحكمة أن تتعرض لها فيما قضت به من مسائل الأحوال الشخصية، ولكن لما
كانت المستأنفة تريد تنفيذ الحكم الصادر لها بالنفقة على الجزء الجائز الحجز عليه من
معاش المستأنف عليه الثاني وهو الجزء الذي سبق أن حجزت عليه المستأنف عليها الثالثة
تنفيذاً لأحكام النفقة الصادرة لمصلحتها، فإنه يتعين على هذه المحكمة أن تنظر في الأمر
من وجهة المفاضلة بين هذه الأحكام والفصل في أيهما أولى بالتنفيذ على المعاش المذكور
من غير أن تتعرض لعلاقة المستأنفة والمستأنف عليه الثالثة بالمستأنف عليه الثاني من
حيث قيام الزوجية أو عدمها".
استعرض الحكم بعد ذلك قرائن وظروف الدعوى واستخلص منها أن حكم النفقة الصادر لمصلحة
الست منيرة جرجس هو ثمرة غش وتدليس. ولذا قضى بتأييد حكم محكمة أول درجة القاضي برفض
دعواها.
وحيث إن الواضح من هذا البيان أن محكمة الموضوع قد اعتبرت الأحكام المقدّمة لها، سواء
منها ما هو صادر من المجالس الملية أو من المحاكم الشرعية، صادرة من جهات مختصة قانوناً
بإصدارها وفي حدود ولايتها ولها حجيتها، ولكنها بالنظر لتناقض بعضها مع البعض الآخر
في النتيجة رأت المفاضلة بينها، فبحثت في الباعث لنجيب يوسف أفندي على تغيير مذهبه
والزواج من الطاعنة والحصول على حكم بتقرير نفقة لها ثم قضت به.
وحيث إن الاعتقاد الديني مسألة نفسية محضة لا يمكن لأية جهة قضائية البحث فيها إلا
من طريق المظاهر الخارجية الرسمية. فإذا ما غير إنسان دينه أو مذهبه فلا يخضع من وقت
التغيير إلا لأحكام هذا الدين الجديد أو هذا المذهب الجديد. ولا ينبغي أن ينظر القضاء
– أياً كانت جهته – إلا في توفر تلك المظاهر الخارجية الرسمية لاعتناق هذا الدين أو
هذا المذهب، فإذا ما كانت متوافرة وجب عليه قصر بحثه على النتائج المترتبة على هذا
التغيير طبقاً لأحكام ذلك الدين أو المذهب الجديد.
وحيث إن الثابت من الأوراق المتقدمة – بصرف النظر عن جميع الإجراءات التي تمت أمام
المحاكم الشرعية من جهة تقرير طلاق نجيب يوسف أفندي للست رومة نخلة بشاي والقضاء بإسقاط
نفقتها – أن نجيب أفندي قد اعتنق مذهب الأروام الأرثوذكس، وأنه حصل في 5 يوليه سنة
1921 على قرار من المجمع المقدّس لهذه الملة بانفصاله من زوجته الست رومة نخلة بشاي،
ثم في 4 أكتوبر سنة 1921 على تصريح من غبطة البطريرك بالزواج، وقد تزوّج فعلاً بالست
منيرة جرجس الطاعنة ورزق منها بأولاد، وأن هذه الزوجة الجديدة حصلت بتاريخ 23 يناير
سنة 1923 على حكم شرعي بتقرير نفقة لها وهو الحكم المطلوب تنفيذه في الدعوى الحالية.
فما كان – بعد كل ذلك – لمحكمة الموضوع أن تبحث وراء الباعث لنجيب يوسف أفندي على سلوكه
هذه المسالك، وعما إذا كان تواطأ مع الست منيرة المذكورة على استصدار حكم من المحكمة
الشرعية بتقرير نفقة لها، لأن ذلك متعلق بشعوره النفسي الذي فرغ من إظهاره رسمياً باعتناقه
مذهباً جديداً وبزواجه زواجاً شرعياً جديداً بعد فسخ زواجه الأوّل، وليس لأحد سلطان
عليه فيه، والدستور المصري الصادر بمقتضى الأمر الملكي المؤرّخ في 19 إبريل سنة 1923
قد كفل له في الحرّية المطلقة (المادة 12 منه).
وحيث إن محكمة الموضوع – مع تسليمها بإمكان المحاجة بالأحكام النهائية المقدّمة لها
– قد رأت إجراء المفاضلة بينها، على أن هذه المفاضلة في غير موضعها، فتكون بذلك قد
أغفلت المبادئ القانونية المتقدّم بيانها، وأهدرت مبدأ قوّة الشيء المحكوم فيه بتحليلها
لحكم محكمة الجمالية الشرعية الصادر في 6 يناير سنة 1923، وتكون إذن قد خالفت نص المادة
232 من القانون المدني، ويكون حكمها معيباً من هذه الناحية متعين النقض.
وحيث إن هذه المحكمة ترى – بعد نقض الحكم – أن لا حاجة لبحث الوجه الثاني من وجهي الطعن.
وحيث إن الدعوى صالحة للحكم في موضوعها.
وحيث إن دعوى الست منيرة جرجس تستند إلى حكم محكمة الجمالية الشرعية الصادر في 6 يناير
سنة 1923 بتقرير النفقة المطالب بها وهو حكم صادر من هيئة قضائية مختصة بإصداره وفي
حدود ولايتها، فهو حكم صحيح واجب الاحترام.
وحيث إن ما دفعت به الست رومة نخلة بشاي من وجوب احترام أحكام الشريعة التي حصل التعاقد
تحت سلطتها، وأن خروج أحد المتعاقدين عن دائرة السلطة التي حصل في حدودها التعاقد لا
يلزم الطرف الآخر، بل يبقى بعد خروجه خاضعاً لسلطة المتعاقدين وهي المجلس الملي للأقباط
الأرثوذكس – ما دفعت به من ذلك لا يمكن الالتفات إليه، إذ بناءً على القاعدة القانونية
المتقدّم بيانها لا يصح التحدّي من أحد الزوجين قبل الآخر بأنه له حقاً مكتسباً في
استبقاء عروة الزوجية قائمة طبقاً للقانون الذي كان يحكم به قبل تغيير مذهبه.
وحيث إنه لذلك يتعين الحكم بإلغاء الحكم المستأنف والحكم بطلبات الست منيرة جرجس.
وحيث إن وزارة المالية قد وقفت في الدعوى موقفاً إيجابياً مؤيدة الست رومة نخلة بشاي
في موقفها لا سلبياً كما ينبغي أن يقف كل محجوز لديه. لذا ترى المحكمة إلزامها مع الست
رومة المذكورة بالمصاريف.