الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 1385 سنة 11 ق – جلسة 05 /05 /1941 

مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 6 نوفمبر سنة 1939 لغاية 26 أكتوبر سنة 1942) – صـ 459

جلسة 5 مايو سنة 1941

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك وحسن زكي محمد بك المستشارين.


القضية رقم 1385 سنة 11 القضائية

وصف التهمة. تعديله. حق المحكمة في ذلك. حدّه. المادة 37 من قانون تشكيل محاكم الجنايات. المقصود منها. مثال في جريمة ضرب نشأت عنه عاهة.

(المادة 37 تشكيل)

إذا كانت التهمة الموجهة إلى المتهم في أمر الإحالة والمطلوبة معاقبته من أجلها هي أنه ارتكب جناية بأن ضرب المجني عليه "فوق رأسه فأحدث به الإصابة الموضحة بالتقرير الطبي والتي نشأ عنها عاهة مستديمة يستحيل برؤها وهي فقد جزء من العظام المنخسفة"، ونظرت الدعوى أمام المحكمة، وانتهت فيها المرافعة على اعتبار هذا الوصف الذي بُيّن فيه على وجه التعيين والتحديد الفعل الجنائي المنسوب إلى المتهم مقارفته وهو ضرب المجني عليه ضربة واحدة أحدثت برأسه إصابة واحدة هي التي نشأت عنها العاهة، فإن المحكمة تكون مخطئة إذا أدانت المتهم لا في الجناية المذكورة، بل في جنحة ضرب على أساس أنه ضرب المجني عليه: "فأحدث به الإصابات الموضحة بالكشف الطبي". وذلك لأنه إذا كانت المحكمة وهي تسمع الدعوى لم ترَ أن إصابة الرأس سالفة الذكر كانت من فعل المتهم فإنه كان يتعين عليها أن تقضي ببراءته من التهمة التي أحيل إليها من أجلها، أو أن توجه إليه في الجلسة التهمة المكوّنة للجريمة التي رأت أن تحاكمه عنها، وتبين له الفعل الذي تسنده إليه ليدلي بدفاعه فيه. وبعبارة أخرى تعدّل في مواجهته التهمة الواردة بأمر الإحالة على النحو الذي ارتأته بأن توجه إليه بالجلسة الفعل الجديد بشرط ألا تخرج في ذلك عن دائرة الأفعال التي شملتها التحقيقات الابتدائية التي أجريت في الدعوى المتهم فيها. وذلك على مقتضى المادة 37 من قانون تشكيل محاكم الجنايات التي لم يقصد بها عند تقرير حق المحكمة في تعديل التهمة المرفوعة بها الدعوى أمامها وتحديده على الوجه الوارد بها التقليل من الضمانات القانونية التي تكفل لكل متهم الحق في المدافعة عن نفسه أمام القضاء قبل أن تنزل به أية عقوبة في شأن أية واقعة جنائية يسند إليه ارتكابها. أما أن تدين المحكمة المتهم في جريمة أخرى قوامها فعل آخر غير الذي تسببت عنه العاهة بالرأس خارجة في ذلك عن الفعل الأوّل والوصف الأوّل المقدّمة به الدعوى إليها واللذين قصر المتهم دفاعه عليهما – ولم يكن ليطالب قانوناً بأكثر من هذا – فإنها بذلك تكون قد عاقبت المتهم عن واقعة لم تكن مطروحة على بساط البحث بالجلسة. وبهذا تكون قد أخلت بحقوق الدفاع إخلالاً خطيراً يستوجب نقض حكمها.


المحكمة

وحيث إن حاصل وجوه الطعن المقدّمة من الطاعن الأوّل أن الحكم استند إلى أقوال إسماعيل إسماعيل أبي زيد المجني عليه، ثم ذكر عنه أنه قال في النيابة إن السيد قاسم (الطاعن) عاجلة بضربة على الجهة اليسرى من رأسه وأعيد سؤاله فأصر على هذه الأقوال، كما أنه سئل أمام المحكمة فشهد بهذا المعنى. وهذا الذي رواه الحكم غير صحيح في مجموعه لأن ما ورد بتحقيق النيابة على لسان المجني عليه المذكور هو أنه بعد أن قرّر أن أحمد قاسم ضربه أضاف أن السيد قاسم ضربه أيضاً. ثم جاء في أقواله كذلك أنه سقط عقب الضربة مباشرة، وأن إبراهيم الجمل ضربه في رأسه بالمنقرة من الوراء، ولما سئل بعد هذا قال إن الضاربين له هما أحمد قاسم وابنه السيد، وإن إبراهيم الجمل لم يضربه. ولما سئل أمام المحكمة في الجلسة قال إن أحمد قاسم ضربه وإن السيد ضربه. على أن هذا الشاهد قد سئل في البوليس فروى أنه لا يعرف من ضربه. وقد أحس الحكم بضعف هذه الشهادة فقال إن الشاهد لم يكن في وعيه يوم سؤاله في البوليس، واستند في ذلك إلى رأي طبيب المستشفى دون أن يذكر عن هذا الرأي سوى نتيجته.
وحيث إن الطاعن الثاني يبني طعنه على أن الحكم بعد أن قال إن محمد إسماعيل المجني عليه لم يقف عند حدّ رواية واحدة، وإنه تضارب في أقواله تضارباً جعل المحكمة لا تثق بها قال إنه ثبت للمحكمة على كل حال أن حسين قاسم (الطاعن) اشترك في ضرب المجني عليه، وإنها تأخذ في حقه بالقدر المتيقن – قال الحكم ذلك مع ما فيه من تناقض بين الثقة بأقوال المجني عليه وعدم الثقة بها، وفي هذا ما يعيبه. كما يعيبه تناقضه أيضاً عند ما انتقل من استبعاد مساءلة الطاعن عن جناية إحداث العاهة إلى ما سماه القدر المتيقن. فقد قال إن الواقعة المسندة إلى الطاعن هي أنه أحدث الضربات الواضحة بالكشف الطبي مع أن الكشف الطبي أثبت عدّة إصابات لاحظها بالمجني عليه ومن بينها الإصابة التي أحدثت العاهة المستديمة والتي استبعدها الحكم نفسه، فجاء بذلك خلواً من تعيين الواقعة المادية التي فارقها الطاعن وتحديدها على الوجه الذي يتطلبه القانون.
وحيث إن الدعوى العمومية رفعت على الطاعنين وآخرين بأن الأوّل ضرب إسماعيل إسماعيل أبو زيد بالجدارية اليسرى ضرباً نشأت عنه عاهة، والثاني ضرب محمد إسماعيل أبو زيد فوق رأسه فأحدث به الإصابة الموضحة بالتقرير الطبي والتي نشأ عنها عاهة مستديمة وهي فقد جزء من العظام. والمحكمة بعد أن سمعت الدعوى استخلصت من التحقيق الذي أجرى فيها الواقعة الآتية وهي: "إنه حدث نزاع بين إسماعيل إسماعيل أبو زيد وابنه وإخوته من جهة وبين فريق أحمد قاسم من جهة أخرى على أنفار كانوا قد حضروا لجني القطن إذ ادعى كل فريق أنه هو الذي كلف المقاول بإحضارهم، وأراد كل فريق أن يأخذهم، ولما همّ فريق أحمد قاسم بأخذ الأنفار إلى زراعته اعترضه فريق أبي زيد فاشتبك الفريقان في مشاجرة إذ ضرب السيد أحمد قاسم (الطاعن الأوّل) إسماعيل إسماعيل أبا زيد على رأسه ضربة أحدثت به عاهة مستديمة، كما أن أخاه حسين أحمد قاسم (الطاعن الثاني) الذي كان في المشاجرة اشترك في الاعتداء بالضرب على محمد إسماعيل أبي زيد ابن المجني عليه الأوّل". ثم عرضت المحكمة إلى أدلة الثبوت في الدعوى، ومما قالته في ذلك أن "الوقائع المتقدّمة ثابتة من أقوال إسماعيل إسماعيل أبو زيد إذ قرّر في محضر تحقيق النيابة بتاريخ 8 أكتوبر سنة 1938 أنه حدث نزاع بين فريق أحمد قاسم وبين إخوته بخصوص أنفار جني القطن، وأن الفريق الأوّل طلب نصف عدد الأنفار فأراد أن يتوسط بين الفريقين لحسم النزاع إلا أن السيد أحمد قاسم عاجله بضربة على الجهة اليسرى من رأسه بيد (منقرة) كانت في يده. وقد أعيد سؤاله في النيابة بتاريخ 22 يناير سنة 1939 فأصر على هذه الأقوال محدّداً موضع الإصابة التي أحدثها هذا المتهم، كما أنه سئل أمام هذه المحكمة فشهد بهذا المعنى. ولا يعترض على صدق هذه الشهادة بما قرّره الشاهد أمام البوليس من أنه لا يعرف الضارب له لأنه ثبت من الكشف الطبي المتوقع عليه أنه فضلاً عن الإصابة المذكورة فقد أصيب من الجهة اليمنى من الرأس أيضاً إصابة أخرى ترتب عليها إزالة جزء آخر من عظام الرأس، فمن كانت هذه حالته يتعذر عليه أن يدرك ما يسأل عنه. وقد أيد ذلك حضرة طبيب المستشفى عندما سألته النيابة عن رأيه في حالة المصاب عند إصابته. أما فيما يختص بالتهمة المسندة إلى حسين أحمد قاسم وهي ضرب محمد إسماعيل على رأسه وإصابته بالعاهة المستديمة فقد سئل محمد إسماعيل أبو زيد أمام هذه المحكمة فشهد بحضور حسين أحمد قاسم وأخيه محمد أحمد قاسم إلى محل الحادثة لأخذ أنفار جني القطن فاعترضهم فأتى حسين من الخلف وضربه في رأسه وأحدث به الإصابة التي ترتب عليها إجراء عملية التربنة والتي نشأ عنها العاهة المستديمة في حين أن محمد كان محتضنه بين ذراعيه من الأمام وأحدث بشفته جرحاً عضياً. وأن هذا الشاهد سئل في البوليس فقرّر أن محمد قاسم ضربه على رأسه وحسين قاسم ضربه على رأسه وشفته ثم عاد فقال إن الاثنين ضرباه على شفته. وعندما أعيد سؤاله في النيابة قرّر أن إصابة الرأس جاءته من الجهة اليمنى من محمد أحمد قاسم، ثم عاد فقرّر أن حسين ضربه في رأسه من الخلف، وأنه أصيب بضربة أخرى لا يعرف مصدرها، وعند مناقشته قرّر أنه لم يكن موجوداً غير محمد وحسين وأنهما ضرباه إذ كان مع كل منهما (منقرة). وأنه ثبت من الكشف الطبي المتوقع على محمد إسماعيل أبي زيد المذكور أنه مصاب بجرح رضي على الجبهة اليسرى طوله 3 سم مصحوب بكسر مضاعف منخسف بالعظم، وقد عملت له عملية رفع العظام المنخسفة في مساحة 2 × 3 سم وبه أيضاً جرح رضي على الجدارية اليمنى طوله 4 سم وآخر على الجدارية اليسرى طوله 3 سم وجرح صغير على الشفة السفلى ويصح حصول هذه الإصابات من ضربه بجسم صلب راضٍ كالعصا وتحتاج لعلاج مدّة أكثر من عشرين يوماً ويتخلف عنده عاهة مستديمة وهي تعريض حياته للخطر بسبب فقد هذه المساحة من العظام. وأنه ثابت من أقوال هذا المجني عليه محمد إسماعيل أبي زيد أن إصاباته المذكورة في الكشف الطبي إنما أحدثها حسبن أحمد قاسم ومحمد أحمد قاسم دون غيرهما. ويؤيد ذلك أن الكشوف الطبية الموقعة عليهما تدل على أن بهما إصابات مما يقطع بوجودهما في المشاجرة. إلا أنه بسبب اضطراب أقواله بالنسبة لمن أحدث العاهة التي نشأت عن إصابة الرأس فلا يمكن إسناد تهمة الإصابة التي أحدثت العاهة إلى حسين أحمد قاسم إلا أنه على كل حال قد اشترك في ضرب المجني عليه، ويتعين الأخذ بالقدر المتيقن من جريمة الضرب بالنسبة له واعتبار ما وقع منه جنحة منطبقة على المادة 242/ 1 عقوبات. ويكون قد ثبت للمحكمة أن المتهم حسين أحمد قاسم في الزمن والمكان سالفي الذكر ضرب محمد إسماعيل أبا زيد فأحدث به الإصابات الموضحة بالكشف الطبي وعقابه عليها ينطبق على المادة 242/ 1 من قانون العقوبات.
وحيث إنه يبين مما تقدّم أن ما يثيره الطاعن الأوّل بوجوه الطعن الخاصة به مردود بأن الحكم المطعون فيه إذ استند إلى أقوال المجني عليه في التحقيق وبالجلسة إنما استند إلى أقوال صدرت منه فعلاً. ومتى كان الأمر كذلك، وكان تعليل المحكمة لعدم اتهام المجني عليه للطاعن عقب إصابته عند البدء في التحقيق أمام البوليس مقبولاً على الأساس الذي ذكرته، فإن مجادلة الطاعن على الصورة الواردة في طعنه لم يعد لها من معنى سوى إثارة المناقشة حول أقوال الشاهد ومبلغ قوّتها في الإثبات. وهذا – لتعلقه بصميم الموضوع – لا يقبل الخوض فيه أمام محكمة النقض. أما اعتراض الطاعن في صدد استشهاد المحكمة برأي الطبيب في حالة المجني عليه عند إصابته فلا محل له إذ يكفي من المحكمة أنها ذكرت نتيجة هذا الرأي ما دام المعوّل عليه في الحكم لا يعدو هذه النتيجة المسلم بأن الطبيب انتهى إليها في تقريره.
وحيث إنه عن الطاعن الثاني فإن الحكم المطعون فيه قد أخطأ إذ أدان هذا الطاعن في جنحة ضرب على أساس أنه "ضرب محمد إسماعيل أبو زيد فأحدث به الإصابات الموضحة بالكشف الطبي". ووجه الخطأ في ذلك أن التهمة الموجهة إلى الطاعن المذكور في أمر الإحالة والمطلوب معاقبته من أجلها هي أنه ارتكب جناية بأن "ضرب محمد إسماعيل أبو زيد فوق رأسه فأحدث به الإصابة الموضحة بالتقرير الطبي والتي نشأ عنها عاهة مستديمة يستحيل برؤها وهي فقد جزء من العظام المنخسفة". وقد نظرت الدعوى أمام المحكمة وانتهت المرافعة فيها على اعتبار هذا الوصف الذي بيّن فيه على وجه التعيين والتحديد الفعل الجنائي المنسوب إلى المتهم مقارفته وهو ضربه المجني عليه ضربة واحدة أحدثت برأسه إصابة واحدة هي التي نشأت عنها العاهة. فإذا كانت المحكمة وهي تسمع الدعوى لم ترَ أن إصابة الرأس المذكورة كانت من فعل الطاعن فإنه كان يتعين عليها أن تقضي ببراءته من هذه التهمة التي أحيل إليها من أجلها، أو أن توجه إليه في الجلسة التهمة المكوّنة للجريمة التي رأت أن تحاكمه من أجلها وتبين له الفعل الذي تسنده إليه ليدلي بدفاعه فيه. وبعبارة أخرى تعدّل في مواجهته التهمة الواردة بأمر الإحالة على النحو الذي ارتأته بأن توجه إليه بالجلسة الفعل الجديد بشرط أن لا تخرج في ذلك عن دائرة الأفعال التي شملتها التحقيقات الابتدائية التي أجريت في الدعوى المتهم فيها. وذلك على مقتضى المادة 37 من قانون تشكيل محاكم الجنايات التي لم يقصد بها عند تقرير حق المحكمة في تعديل التهمة المرفوعة بها الدعوى أمامها وتحديده على الوجه الوارد بها التقليل من الضمانات القانونية التي تكفل لكل متهم الحق في المدافعة عن نفسه أمام القضاء قبل أن ينزل به أية عقوبة في شأن أية واقعة جنائية يسند إليه ارتكابها. أما والمحكمة لم تفعل بل أدانت الطاعن في جريمة أخرى قوامها فعل آخر غير الذي تسببت عنه العاهة بالرأس خارجة في ذلك عن الفعل الأوّل والوصف الأوّل المقدّمة به الدعوى إليها واللذين قصر المتهم دفاعه عليهما – ولم يكن ليطالب قانوناً إلا بذلك – فإنها تكون قد عاقبت الطاعن عن واقعة لم تكن مطروحة على بساط البحث بالجلسة. وبذلك تكون قد أخلت بحقه في الدفاع إخلالاً خطيراً يستوجب نقض حكمها.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات