الطعن رقم 61 سنة 11 ق – جلسة 03 /02 /1941
مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة
النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 6 نوفمبر سنة 1939 لغاية 26 أكتوبر سنة 1942) – صـ 383
جلسة 3 فبراير سنة 1941
برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: محمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك وحسن زكي محمد بك ومنصور إسماعيل بك المستشارين.
القضية رقم 61 سنة 11 القضائية
اشتراك. فاعل أصلي. شريك. مثال. اتفاق شخصين على ارتكاب جريمة قتل. اعتداء كل منهما بالضرب على المجني عليه. نشوء الوفاة عن فعل واحد منهم فقط. معرفة محدث هذا الفعل أو عدم معرفته. كلاهما فاعل أصلي.
(المادة 39 ع)
إن المادة 39 من قانون العقوبات يؤخذ من عبارتها ومن تعليقات وزارة الحقانية عليها، خصوصاً الأمثلة التي أوردتها هذه التعليقات شرحاً لها، أنه يعتبر فاعلاً: (أوّلاً) من يرتكب الفعل الذي تتكوّن به الجريمة كلها سواء أكان هو وحده أم كان معه غيره. (ثانياً) من يأتي بقصد ارتكابها عملاً من الأعمال التي ارتكبت في سبيل تنفيذها متى كان عمله في حدّ ذاته يعتبر شروعاً في ارتكابها ولو كانت الجريمة لم تتم بهذا الفعل وإنما تمت بفعل واحد أو أكثر ممن تدخلوا معه فيها. فإذا اتفق شخصان أو أكثر على ارتكاب جناية القتل، ثم اعتدى كل منهم بالضرب على المجني عليه، فإنهم يعتبرون فاعلين في جناية القتل ولو كانت الوفاة لم تنشأ إلا عن فعل واحدٍ منهم فقط عرف بعينه أو لم يعرف. يدل على ذلك المقابلة بين الفقرتين الأولى والثانية من المادة 39 المذكورة. فالأولى محلها أن يكون المتهم قد ارتكب الفعل المكوّن لكل الجريمة، أما الثانية فمحلها أن تكون الجريمة قد اتفق بين عدّة أشخاص على ارتكابها بجملة أفعال على أن يقوم كل واحد منهم بمباشرة فعل منها. وهذا هو مفهوم نص المادة 37 من القانون الهندي التي أخذت عنها الفقرة المذكورة.
المحكمة
وحيث إن الوجه الأوّل من أوجه الطعن يتلخص في أن المحكمة استندت
في إدانة الطاعنين إلى تقرير الطبيب الشرعي، ودوّنت في الحكم نصه ونتيجته. وقد جاء
فيه أن المجني عليه أصيب بست إصابات وهي جرح قطعي بمنتصف الوجه، وجروح متهتكة حوافيها
قطعية شاملة الجدارية اليسرى وتهتكت فيها الأنسجة الرخوة وتهشمت العظام وتناثرت بعض
أجزاء المخ والمخيخ… إلخ. وجرح قطعي بكلية اليد اليسرى، وجرح قطعي مقابل شوكة عظمة
اللوح اليسرى، وجرحان ناريان بالظهر. كما جاء بنتيجته أن كل هذه الإصابات حيوية، وأن
الطبيب رجح أن الضربة أو الضربات التي أحدثت الوفاة هي إصابات الرأس. ومع أن المحكمة
حدّدت بالحكم الأفعال التي أسندتها إلى كل من المتهمين فقالت إن الطاعن الأوّل والشخصين
المجهولين كانوا يضربون المجني عليه بآلات حادة ثقيلة على رأسه ووجهه وعدّة مواضع أخرى
من جسمه، وإن الطاعن الثاني أطلق عليه عيارين ناريين من بندقيته فأصابه في ظهره – مع
ذلك فإنها اعتبرت أن الطاعنين مع آخرين مجهولين قتلوا المجني عليه عمداً مع سبق الإصرار
والترصد، وعاقبتهما بالمادتين 230 و231 من قانون العقوبات. فهي بذلك قد اعتبرت الطاعن
الأوّل فاعلاً أصلياً مع الشخصين المجهولين. وما دامت الضربات كلها لم تكن مميتة فكان
على المحكمة أن تبين أنه هو الذي أحدث الضربة القاتلة في الرأس دون غيره من المتهمين،
ولكنها لم تفعل بل أثبتت أنه والمجهولين جميعاً ضربوا المجني عليه في مواضع متعدّدة
من جسمه من غير تحديد ما وقع من كل واحد منهم. أما بالنسبة للطاعن الثاني فقد عدّته
المحكمة فاعلاً أصلياً أيضاً رغم أن الطبيب لم يعتبر الإصابتين الناريتين اللتين أسندهما
الحكم إليه قاتلتين، إذ رجح أن الوفاة نشأت عن الضربة أو الضربات التي أصابت الرأس.
ويخلص الطاعنان مما تقدّم إلى أن المحكمة قد أخطأت في تطبيق القانون على الواقعة التي
أثبتتها في الحكم. ويقولان إن الوضع القانوني هو اعتبارهما شريكين في القتل بفرض أن
هناك سبق إصرار، وإنه إذا ما انعدم هذا الركن (وهو مبنى الوجه الثالث من أوجه الطعن)
يكون التطبيق الصحيح هو اعتبار ما وقع من الطاعن الأوّل مجرّد ضرب أو جرح معاقب عليه
بالمادة 242/ 1 من قانون العقوبات تطبيقاً لقاعدة القدر المتيقن، وما وقع من الطاعن
الثاني شروعاً في قتل. ويضيف الطاعنان إلى ذلك أن مصلحتهما في التمسك بهذا الوجه ظاهرة،
لأن المحكمة طبقت عليهما المادة 17 وقضت عليهما بالأشغال الشاقة المؤبدة فلم يكن لها
أي خيار في جريمة عقوبتها الوحيدة الإعدام، بخلاف ما إذا كانا شريكين فإن الأشغال الشاقة
المؤبدة تكون عقوبة أصلية لهما فيستفيدان تبعاً لذلك من معاملتهما بالمادة 17 المذكورة.
وحيث إنه يؤخذ من عبارة المادة 39 من قانون العقوبات وتعليقات وزارة الحقانية عليها
والأمثلة التي وردت في هذه التعليقات شرحاً لها أنه يعتبر فاعلاً: (أوّلاً) من يرتكب
الفعل المكوّن للجريمة كلها سواء أكان وحده أم معه غيره. (وثانياً) من تكون لديه نية
التدخل في ارتكاب الجريمة فيأتي عمداً عملاً من الأعمال التي ارتكبت في سبيل تنفيذها
متى كان هذا العمل في حدّ ذاته يعتبر شروعاً في ارتكابها ولو كانت الجريمة لم تتم به
بل تمت بفعل واحد أو أكثر ممن تدخلوا معه فيها. فإذا ما اتفق شخصان فأكثر على ارتكاب
جريمة القتل، ثم اعتدى كل منهم على المجني عليه تنفيذاً لما اتفقوا عليه، فإن كلاً
منهم يعتبر فاعلاً لا شريكاً إذا كانت وفاة المجني عليه قد نشأت عن فعل واحد منهم عرف
أو لم يعرف. يؤيد هذا النظر مقارنة الفقرتين الأولى والثانية من المادة 39 المذكورة،
إذ الأولى خاصة بكل من يرتكب الفعل المكوّن للجريمة كلها، وأما الثانية فخاصة بحالة
تعدّد المتهمين المتفقين عليها إذا كان كل منهم لم يساهم فيها كلها بل ساهم بالعمل
الذي أتاه في جزء منها فقط متى كانت قد ارتكبت بجملة أعمال. وهذا هو الظاهر من النص
التشريعي الذي أخذت عنه الفقرة الثانية المذكورة وهو المادة 37 من القانون الهندي.
وحيث إنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يتضح أن المحكمة في بيانها للواقعة أثبتت أن
أحد أولاد المجني عليه وخمسة أشخاص آخرين من أقاربه سبق أن ضربوا والد الطاعن الثاني،
وهو ابن عم الطاعن الأوّل، ضرباً أفضى إلى موته مع سبق الإصرار، وقد قضي عليهم من محكمة
الجنايات في 28 فبراير سنة 1939 بمعاقبة ابن القتيل بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات
وبعقوبات مختلفة على المتهمين الباقين. إلا أن هذا الحكم لم يرضِ الطاعنين وعقدا العزم
على أخذ الثأر للمقتول من كبير عائلة المحكوم عليهم، ووقع اختيارهما على المجني عليه،
واتفقا مع آخرين لم يتوصل التحقيق لمعرفتهما على قتله عمداً، وأخذا يتحينان الفرصة
لشفاء غليلهما، وانتهزا فرصة نقله تبناً من الغيط إلى البلدة وكمنوا له مع زميليهما
المجهولين في مزرعة بجوار جسر مصرف كان سيمرّ عليه. ولما رأوه حاضراً على هذا الجسر
خرجوا من مكمنهم وهجموا عليه فخاف منهم ونزل في مياه المصرف محاولاً الهرب فتعقبوه،
وأخذ الطاعن الأوّل والشخصان المجهولان يضربونه بآلات حادة ثقيلة على رأسه ووجهه وعدّة
مواضع أخرى من جسمه، وأطلق الطاعن الثاني عيارين ناريين من بندقيته فأصابه في ظهره
وتوفي في الحال. ثم ذكرت المحكمة نقلاً عن الكشف الطبي الإصابات الستة التي أوردها
الطاعن في وجه الطعن وبينت رأي الطبيب من أنه رجح أن إصابات الرأس هي التي أحدثت الوفاة.
وأخيراً أثبتت تحقق نية القتل قبلهم وتوافر سبق الإصرار والترصد لديهم. وفي هذا البيان
الكافي على أن كلاً من الطاعنين والشخصين المجهولين اعتدى بالفعل على المجني عليه تنفيذاً
لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد التي اتفقوا وأصروا على ارتكابها. فلذلك
تكون محكمة الجنايات إذ اعتبرتهم جميعاً فاعلين أصليين لم تخطئ فيما ذهبت إليه. ولا
يعيب الحكم أن الإصابات التي أحدثها بعضهم بالمجني عليه لم تكن القاتلة، ولا يعيبه
عدم تحديد المحكمة الضربات التي وقعت من الطاعن الأوّل، وعدم تعيينها من أحدث الفعل
الجنائي الذي سبب الوفاة، ما دامت قد أوردت في الحكم أن كلاً منهم قد أتى ما يعتبر
بذاته شروعاً في جريمة القتل، وأن هذه الجريمة وقعت بالفعل نتيجة لاتفاقهم، وتنفيذاً
للقصد الجنائي المشترك بينهم جميعاً. وذلك تطبيقاً للفقرة الثانية من المادة 39 عقوبات.
وحيث إن محصل الوجه الثاني هو وجود تناقض وقصور في التسبيب. وفي شرح ذلك يقول الطاعنان:
(أوّلاً) إنه بالرجوع إلى أسباب الحكم يتضح أن شاهدي الرؤية الوحيدين اللذين اعتمدت
المحكمة على شهادتيهما في إدانة الطاعنين هما زوجة القتيل وابنه، وأما من عداهما فهم
شهود سماعيون. إلا أن المحكمة في التدليل بالنسبة لمن قضت ببراءتهما قالت إنها لا ترتاح
إلى الأخذ بشهادة شاهدي الرؤية بصددهما لأنها ترجح أنهما لم يستطيعا التحقق منهما كما
تحققا من الطاعنين. فإذا لوحظ أن الشاهدين المذكورين أصرا من أوّل التحقيق إلى آخر
المحاكمة على أنهما رأيا المتهمين الأربعة يقترفون الجريمة فيكون من غير المفهوم أن
المحكمة، دون أن تستند إلى دليل مستمد من أقوالهما أو من ظروف الرؤية في ذاتها، تقول
إنها ترجح عدم استطاعتهما التحقق ممن برأتهما؛ إلا أن تكون قد بنت ذلك على تشككها في
الرؤية ذاتها، فلذا كان يجب أن يتعدّى هذا الشك إلى الطاعنين فيستفيدان منه. ومن حقهما
أن يريا في ذلك تناقضاً خطيراً في أسباب الحكم. (وثانياً) إنها أسست حكمها ببراءة المتهمين
الآخرين على ما ظهر من شهادة العمدة بالجلسة من أنه اتضح له من تحرّياته أن أحد المتهمين
اللذين حكمت ببراءتهما ليست له يد في مفارقة الجريمة مع أنه لم يقصر هذه التحرّيات
على المتهم المذكور بل قرّر هذه النتيجة أيضاً بالنسبة للطاعن الأوّل. وبما أن المحكمة
اعتمدت على تحرّيات العمدة كدليل من أدلة الدعوى ثم نقلتها خطأ في حكمها بحيث انصبت
على متهم دون الآخر، فهذا الخطأ المادي إنما هو قصور وتناقض في الأسباب يعيب الحكم
ويوجب نقضه. (وقد رفضت المحكمة هذا الوجه على أساس أنه جدل موضوعي في كفاية الأدلة
التي أخذت بها المحكمة).
