الطعن رقم 653 سنة 11 ق – جلسة 27 /01 /1941
مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة
النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 6 نوفمبر سنة 1939 لغاية 26 أكتوبر سنة 1942) – صـ 376
جلسة 27 يناير سنة 1941
برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: محمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك وحسن زكي محمد بك ومنصور إسماعيل بك المستشارين.
القضية رقم 653 سنة 11 القضائية
أديان. التعدّي على الدين. القصد الجنائي في هذه الجريمة. استخلاصه من وقائع الدعوى وظروفها. يكفي أن يكون مستفاداً من الحكم.
(المادة 139 ع = 161)
إنه وإن كانت حرية الاعتقاد مكفولة بمقتضى الدستور إلا أن هذا لا يبيح لمن يجادل في أصول دين من الأديان أن يمتهن حرمته أو يحط من قدره أو يزدريه عن عمد منه. فإذا ما تبين أنه إنما كان يبتغي بالجدل الذي أثاره المساس بحرمة الدين والسخرية منه فليس له أن يحتمي من ذلك بحرّية الاعتقاد، وتوافر القصد الجنائي هنا – كما في كل الجرائم – هو من الأمور التي تستخلصها محكمة الموضوع من الوقائع والظروف المطروحة أمامها. ولا يشترط في الحكم بالعقوبة أن يذكر فيه صراحة سوء نية المتهم، بل يكفي أن يكون في مجموع عباراته ما يفيد ذلك.
المحكمة
وحيث إن الوجه الأوّل من وجهي الطعن يتحصل في أن الألفاظ التي أوردها
الحكم المطعون فيه والمنسوب صدورها من الطاعن لا تقع تحت طائلة العقاب طالما أنها قيلت
في معرض مجادلة اندفع إليها الطاعن وهو جاهل أو جاحد لأصول دينه، لأن حرية العقيدة
مكفولة بحكم الدستور. ولا يعترض على ذلك بأن تنزيل القرآن ونبوّة محمد هي من أصول الدين
الإسلامي، وأن الجهر بإنكارهما يعتبر تعدّياً عليه، لأنه لو صح هذا لوجب على من اتبع
ديناً غيره أن يؤمن به وبأصوله وأن لا يجهر بعقيدته، كما يوجب على المسلم بأن يتابع
غيره في معتقداته التي لا يقرّها القرآن بل لأوجب الأمر معاقبة كل مبشر بدين يعتقد
به دون غيره من الأديان. ولذا كان إنكار المسلم لأصول دينه جهراً، وإن تعلق بصحة إسلامه
وما يتبع ذلك من الاعتبارات الشرعية، لا يدخل تحت نص المادة 161 عقوبات لأنها تستلزم
لتطبيقها التعدّي والاحتقار.
وحيث إن الوجه الثاني مبني على أن الحكم الابتدائي إذ قضى ببراءة الطاعن تعرّض لبحث
ركني الجريمة وهما التعدّي والقصد الجنائي، وأبان أن الطاعن لم يحصل منه تعدّ ولم يقصد
بما صدر منه الطعن في الدين الإسلامي وإنما قصد الجهر به أمام مناقشيه وتأييده. لذا
كان من الواجب على المحكمة الاستئنافية إذا ما أرادت إلغاء الحكم المذكور أن ترد على
ما جاء به خاصاً بانعدام القصد الجنائي باعتباره أهم ركن من أركان الجريمة. ويقول الطاعن
إن في قصور الحكم الاستئنافي عن إيراد ذلك ما يجعله خالياً من الأسباب المنتجة لما
قضى به مما يعيبه ويقتضي نقضه.
وحيث إنه وإن كانت حرية الاعتقاد مكفولة بمقتضى أحكام الدستور إلا أن هذا لا يبيح لمن
يجادل في مبادئ دين أن يمتهن حرمته ويحط من قدره أو يزدري به. فإذا ما تبين أن قصده
من هذا الجدل لم يكن بريئاً، وأنه إنما تعمد المساس بكرامة الدين وانتهاك حرمته ووضعه
موضع السخرية فإنه يكون مستحقاً للعقاب. وليس له في هذه الحالة أن يحتمي بحرّية الاعتقاد
التي أباحها الدستور لخروجه بما ارتكبه عن حدود البحث البريء الذي تشمله هذه الحماية.
وحيث إن أمر توافر القصد الجنائي هو من المسائل التي لا تنظرها محكمة النقض بل تقدّرها
محكمة الموضوع على ضوء الوقائع والظروف المطروحة أمامها. ولا يشترط لذلك أن تذكر المحكمة
صراحة بالحكم سوء نية المتهم بل يكفي أن يكون في عبارة الحكم ما يدل على ذلك.
وحيث إنه بالرجوع إلى الحكم الاستئنافي الذي أدان الطاعن يبين أنه أوضح ما يؤدّي إلى
توافر هذا الركن إذا أثبت أن الطاعن "نادى الشاهد الأوّل وطلب إليه أن يتلوا سورة الإسراء
فتلا له الآية الخاصة بالإسراء فقال له الطاعن "مش كده، واللي أسرى موسى، وأما محمد
فلم يسر. والقرآن به خرافات ومحمد ده مش نبي وليس له معجزات، والقرآن ده خرافات، ومحمد
كان بليغ وفصيح وهو الذي ابتكر القرآن من عنده، ولو كان القرآن صحيحاً لكان الله أنزله
باللغات الإنجليزية والفرنسية وباقي اللغات". وفيما أثبته الحكم بالصفة المتقدّمة ما
يكفي لبيان أن ما أثاره الطاعن لم يكن مناقشة بريئة بل إنه تعمد استدعاء الشخص الذي
أراد مجادلته في الدين، واتخذ من تلك المجادلة سبيلاً للتعدّي على الدين الإسلامي بقصد
امتهانه وازدرائه ووضعه موضع السخرية والتهكم على أساسه. وبذلك يتحقق القصد الجنائي
في الجريمة المسندة إلى الطاعن. فإذا ما عاقبته المحكمة على ما ارتكبه طبقاً للمادة
161 عقوبات تكون قد طبقت القانون تطبيقاً سليماً، ويكون الحكم بإثباته ما صدر من الطاعن
من العبارات البذيئة والقضاء في موضوع الدعوى بإدانته الردّ الكافي بأنها لم تجارِ
محكمة أوّل درجة فيما ذهبت إليه من عدم توافر القصد الجنائي لدى الطاعن.
