الطعن رقم 651 سنة 11 ق – جلسة 27 /01 /1941
مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة
النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 6 نوفمبر سنة 1939 لغاية 26 أكتوبر سنة 1942) – صـ 369
جلسة 27 يناير سنة 1941
برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: محمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك وحسن زكي محمد بك ومنصور إسماعيل بك المستشارين.
القضية رقم 651 سنة 11 القضائية
مسئولية مدنية. سيد. مسئوليته عن أعمال خادمه. مناطها. وقوع الفعل أثناء تأدية الوظيفة. ارتكابه لمصلحة الخادم أو لمصلحة المخدوم. بباعث يتصل بالوظيفة أو لا يتصل. السيد مسئول على الإطلاق. وقوع الفعل لا في أثناء تأدية الوظيفة. مناط مسئولية السيد. أن تكون الوظيفة هي التي ساعدت على إتيان الفعل وهيأت للتابع فرصة ارتكابه. خفير. ارتكابه بدافع شخصي جناية قتل في دركه وبسلاح الحكومة. مسئولية الحكومة.
(المادة 152 مدني)
إن القانون إذ نص في المادة 152 مدني على إلزام السيد بتعويض الضرر الناشئ عما يقع من خدمه أثناء تأدية وظائفهم إنما قصد بهذا النص المطلق أن يحمّل المخدوم المسئولية المدنية عن الضرر الناتج عن كل فعل غير مشروع يقع من تابعه. وذلك على الإطلاق متى كان الفعل قد وقع في أثناء تأدية الوظيفة، بغض النظر عما إذا كان قد ارتكب لمصلحة التابع خاصة أو لمصلحة المخدوم، وعما إذا كانت البواعث التي دفعت إليه لا علاقة لها بالوظيفة أو متصلة بها. أما إذا كان الفعل لم يقع من التابع وقت تأدية وظيفته بالذات ففي هذه الحالة تقوم المسئولية كلما كانت الوظيفة هي التي ساعدت على إتيان الفعل الضار وهيأت للتابع بأية طريقة كانت فرصة ارتكابه. لأن المخدوم يجب أن يسأل في هذه الحالة على أساس إساءة خدمه استعمال الشئون التي عهد هو بها إليهم متكفلاً بما افترضه القانون في حقه من وجوب مراقبتهم وملاحظتهم في كل ما تعلق بها. فإذا كان الخطأ الذي وقع من المتهم وضُرّ به المدعي بالحق المدني إنما وقع منه بوصفه خفيراً، وفي الليل، وفي الدرك المعين لتأدية خدمته فيه، وبالسلاح المسلم إليه من الحكومة التي استخدمته، وأنه إنما تذرّع بوظيفته في التضليل بالمجني عليه حتى طاوعه وجازت عليه الخدعة، ثم تمكن من الفتك به، مما يقطع بأنه قد ارتكب هذا الخطأ أثناء تأديته وظيفته، وبأن وظيفته هذه هي التي سهلت له ارتكاب جريمته، فمسئولية الحكومة عن تعويض الضرر الذي تسبب فيه المتهم باعتباره خفيراً معيناً من قبلها ثابتة: سواء على أساس أن الفعل الضار وقع منه أثناء تأدية وظيفته، أو على أساس أن الوظيفة هي التي هيأت له ظروف ارتكابه. ولا يرفع عنها هذه المسئولية أن يكون المتهم لم يرتكب فعلته إلا بعامل شخصي خاص به وحده ولا شأن لها هي به، أو ألا يكون هناك من دليل على وقوع أي خطأ من جانبها، فإن مسئوليتها عن عمل خادمها في هذه الحالة مفترضة بحكم القانون على أي الأساسين المذكورين.
المحكمة
وحيث عن ست أبوها بنت مرجان سالم وعلي محمد ندا بصفته طلباً إلى
لجنة المساعدة القضائية بمحكمة النقض والإبرام ندب محامٍ لمباشرة الطعن الذي أرادا
توجيهه إلى الحكم المطعون فيه بوصفهما مدعيين بحق مدني فيكون الطعن المرفوع من المحامي
على اعتباره منتدياً عنهما من اللجنة متعلقاً بهما هما الاثنين ويكون لذلك مقبولاً
شكلاً.
وحيث إن مبنى وجه الطعن المقدّم منهما أن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض التعويض المطلوب
من وزارة الداخلية قد أخطأ لأن المادة 152 من القانون المدني صريحة في وجوب مسئولية
المخدوم مدنياً عن كل ما يقع من خادمه حال تأدية عمله بقطع النظر عن البواعث التي تكون
قد دفعته إلى ارتكابه خلافاً لما ذهب إليه الحكم، فهذه المسئولية تكون ثابتة كلما كان
الخطأ قد وقع من الخادم أثناء تأدية وظيفته. وكذلك إذا كان وقع بمناسبة الوظيفة متى
كان متصلاً بها اتصالاً وثيقاً يمكن معه القول بأنه إذا لم تكن الوظيفة لما كان الخطأ.
ولما كان الثابت في الحكم أن الوظيفة هي التي هيأت للمتهم ارتكاب الحادث فإن وزارة
الداخلية تكون مسئولة معه بطريق التضامن عن تعويض الضرر الذي تسبب في حصوله اعتماداً
على وظيفته.
وحيث إن القانون إذ نص في المادة 152 مدني على إلزام السيد بتعويض الضرر الذي يصيب
الغير عن أفعال خدمه متى كان واقعاً منهم في حال تأدية وظائفهم إنما قصد بهذا النص
المطلق أن يحمل المخدوم المسئولية المدنية عن الضرر والناتج عن كل فعل غير مشروع يقع
من تابعه. وذلك على الإطلاق إذا كان الفعل قد وقع في أثناء تأدية الوظيفة بغض النظر
عما إذا كان قد ارتكب لمصلحة التابع خاصة أو لمصلحة المخدوم، وعما إذا كانت البواعث
التي دفعت إليه لا علاقة لها بالوظيفة أو متصلة بها. وأما إذا كان الفعل لم يقع من
التابع وقت تأديته لوظيفته الذات ففي هذه الحالة تقوم المسئولية كلما كانت الوظيفة
هي التي ساعدت على إتيان الفعل الضار وهيأت للتابع بأية طريقة كانت فرصة ارتكابه، لأن
المخدوم يجب أن يسأل في هذه الحالة على أساس إساءة خدمة استعمال الشئون التي عهد هو
بها إليهم متكفلاً بما افترضه القانون في حقه من وجوب مراقبتهم وملاحظتهم في كل ما
تعلق بها.
وحيث إن الدعوى العمومية رفعت على المتهم، وهو خفير، لأنه في ليلة 27 يناير سنة 1938
بعزبة عبد المولى سالم تبع ناحية عزوز مركز السنبلاوين مديرية الدقهلية قتل ندا محمد
ندا عمداً ومع سبق الإصرار بأن أطلق عليه مقذوفاً نارياً قاصداً قتله فأحدث به الإصابات
المبينة بالتقرير الطبي والصفة التشريحية التي أودت بحياته. وقد تدخل الطاعنان في الدعوى
مطالبين بتعويض مدني قبل المتهم ووزارة الداخلية بالتضامن. ومحكمة الجنايات قضت بإدانة
المتهم في هذه الجريمة وألزمته بأن يدفع للمدّعي بالحق المدني بصفته مبلغ 300 جنيه
على سبيل التعويض للورثة والمصاريف المدنية و300 قرش مقابل أتعاب المحاماة، ورفضت الدعوى
المدنية قبل الوزارة. ومما قالته في ذلك "أن المجني عليه ندا محمد ندا تزوّج من فاطمة
إبراهيم الصوفاني وأقام معها بعزبة السعيد سليم، ثم أراد أن ينتقل بها لبلدته عزوز
فرفضت التوجه معه. وتسبب عن ذلك غضبها وتوجهها لمنزل خالها عبد التوّاب محمد سالم بعزبة
عبد المولى سالم وإقامتها معه. وقد طالت مدّة غضبها وأصيبت برمد أثناءها اضطّرت بسببه
إلى الاستمرار في البقاء عند خالها لعلاجها. ثم أراد زوجها أن يصالحها فوسّط في ذلك
أبا زيد سرور وساكب الشوربجي فتشدّد المتهم السيد أحمد الديب (الطاعن) في المبلغ الذي
يدفعه الزوج مقابل مصاريف علاجها وكسوتها رغم تساهل خال الزوجة في ذلك. وانتهى الأمر
بأن عرض المتهم بحضور محمود علي عقل وبموافقة الزوجة نقل المجني عليه من العزبة التي
يسكن فيها ليسكن مع زوجه بعزبة خالها على أن تكون سكناه في منزل والدة المتهم الملاصق
للمنزل الذي يسكنه المتهم. وقد وافق المجني عليه على ذلك بعد أن أظهرت زوجته تنازلها
عما تطالبه به من مصاريف العلاج والكسوة، وبعد أن قرّرت أنه لا مصلحة له في إقامته
بعزبة السعيد سويلم وتحقق مصلحته في سكناه بعزبة خالها لزراعة أرض والدتها. ونقل المجني
عليه وسكن فعلاً بمنزل والدة المتهم. وبعد شهرين من إقامته ارتاب في سلوك المتهم، وراجت
إشاعة مؤدّاها أن المتهم يريد أن يطلق فاطمة الصوفاني من المجني عليه ليتزوّج منها،
ووصلت هذه الإشاعة إلى علم أخي الزوجة وإخوة المجني عليه ولنائب عمدة عزوز الذي فاجأ
المتهم بها، فأظهر المتهم أن لا مصلحة له في بقاء الزوجة بعزبة خالها، واستمرّ القتيل
بعد ذلك مقيماً بعزبة عبد المولى سالم لكي يصل المتهم إلى تنفيذ غرضه وهو الحيلولة
بين فاطمة وزوجها والتزوّج منها، وفكر في التخلص من المجني عليه، ورسم خطة رأى أنها
قد توصله لغرضه، وتوصل إلى نقل خيوش العرب من الجهة البحرية للعزبة إلى الجهة القبلية
الغربية من منزل المجني عليه. وفي ليلة 27 يناير سنة 1938 انتوى قتل المجني عليه فجاء
أمامه، وبحضور علي إبراهيم الصوفاني وعبد الغفار عبد الله اللذين كانا يرافقانه، وتظاهر
بأنه متهيب الليلة ويشعر بالخوف بسبب نباح الكلاب جهة المزارع، وأنه يخشى أن يكون بالغيط
لصوص، فبقي المجني عليه ومن كانا يرافقانه مع المتهم حتى الساعة الثامنة مساءً. ثم
انصرف على إبراهيم الصوفاني وعبد الغفار عبد الله وبقي المجني عليه والمتهم معاً. ثم
ادعى المتهم بعد ذلك أنه استمرّ يمرّ حول العزبة منفرداً حتى الساعة الثالثة بعد نصف
الليل ثم شعر بدوار في رأسه فانصرف ليستريح بمنزله المجاور لمنزل القتيل. ولما أن وصل
للمنزل ودخله نبحت الكلاب للجهة البحرية فخرج من منزله وبندقيته في يده واستعد لتعميرها
وسار إلى أن وصل لمضيفة شيخ العزبة، وعند الزاوية الغربية البحرية لها سمع صوت امرأة
تستنجد بسليم وأخرى تستنجد به، ووقت ذلك أطلق عيار من جهة الخيوش المنصوبة في الجهة
الغربية القبلية للمضيفة فأطلق هو عياراً وأيقن بوجود لصوص بالعزبة فتبودلت الأعيرة
بينه وبينهم. وبعد أن هدأت الاستغاثة عمر بندقيته والتفت يميناً ويساراً فرأى شخصاً
مسرعاً نحوه ثم وقف أمام المضيفة واعتدل له فظنه أنه من اللصوص وواجهه وأطلق عليه عياراً
من مسافة مترين بينهما ولا يعرف إن كان أصابه أم لا، ثم ضربه بماسورة البندقية على
رأسه خوفاً من أن يكون العيار لم يصبه، ثم ذهب لمنزل شيخ العزبة فأيقظه وبلّغه، وصوّر
الحادث على هذا النحو لتبرير أسباب القتل. وقد أرسل شيخ العزبة في البحث عن القتيل
في منزله ليذهب لنائب العمدة ليبلّغه بالحادث، ولما لم يجدوه أيقن أنه هو الذي قتل،
ولما تحققت له شخصية المقتول وأنه هو المجني عليه أرسل وبلّغ نائب العمدة بقتله". ثم
عرض إلى أدلة الثبوت في الدعوى وانتهى منها إلى ما ذكره من "أنه مما تقدّم يكون قد
وضح أن السبب الذي انتحله المتهم لارتكابه جريمة القتل إنما كان مختلفاً لا حقيقة له،
ولذلك يكون الباعث له على ارتكابه جريمته إنما هو رغبته في التخلص من القتيل ليتسنى
له تحقيق غرضه من الزواج من زوجته فاطمة الصوفاني". وبعد ذلك تحدّث عن توافر نية القتل
وقيام ظرف سبق الإصرار لدى المتهم بقوله "إن تعمد المتهم قتل المجني عليه قد ثبت من
المقدّمات التي اتخذها المتهم للتأثير على ذهن المجني عليه بتوقع حصول السطو حيث أثار
تهيبه وتخوّفه من نباح الكلاب وشعوره بوجود لصوص في المزارع الأمر الذي رسخ في ذهن
القتيل ودلل على قوله عند خروجه من منزله "العزبة رايحه تخرب". وبذلك تمكن من استدراج
المجني عليه للغدر به. وفعلاً عند خروجه أطلق عليه عياراً نارياً أرداه قتيلاً على
الفور، ثم أعقب ذلك بضربه بالبندقية على رأسه ليجهز عليه وليطمئن إلى أنه لا يفضي بحقيقة
ما وقع من المتهم فيما لو بقي حياً، وحيث إن سبق الإضرار ثابت من أن المتهم إنما أراد
بفعله هذا التخلص من القتيل حتى يتمكن من التزوّج عن امرأته فسعى في نقل القتيل بزوجته
من عزبة السعيد سليم لعزبة عبد التوّاب سالم حيث يقيم هو فيها، ثم مانع في صلحها إليه
بعد أن طالت مدّة غضبها بمنزل خالها شيخ العزبة، والمقدّمات التي صوّرها للحادث لاستدراج
المتهم للخروج – كل هذا لا يدع مجالاً للشك في أنه إنما كان مصراً على قتل المجني عليه
فادعى ما ادعى به من سطو خيالي وما أثر به على الأعراب من مجاراته، وأحدث الآثار المفتعلة
بهم للإبهام بحصول السطو ليكون ذلك سبيلاً له في الادعاء بأنه إنما ارتكب الحادث دفاعاً
عن المال أو النفس كذباً". ثم ذكر عن التعويض المدني المطلوب من المتهم ووزارة الداخلية
بالتضامن "أن المدعي بالحق المدني بصفته طلب أن يحكم له على المتهم ووزارة الداخلية
بطريق التضامن بمبلغ 1000 جنيه عما أصاب الورثة بسبب وفاة المجني عليه. وتناول الحاضر
عنه في دفاعه وجهات نظر محكمة النقض، ولم يفرّق فيه بين الخطأ الشخصي والخطأ في الوظيفة،
وقال إن الحكومة بتسليمها للمتهم السلاح قد سهلت له ارتكاب الجريمة، وبذلك تكون مسئولة
معه عما يرتكبه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها كما أنها مسئولة عن سوء اختيارها له.
وحيث إنه لا مسئولية إلا بخطأ، ولم يقم أي دليل على حصول خطأ من الحكومة، وعلى العكس
فإن المتهم وإن كان ما نسب إليه جنائياً قد ارتكبه أثناء تأدية وظيفته إلا أنه قد ارتكبه
بسوء قصد وبدافع شخصي محض وهو الانتقام من المجني عليه للحيلولة بينه وبين زوجه تحقيقاً
لغرضه الذي يرمي إليه وهو التزوّج منها. وبذلك يكون هو وحده المسئول عما جر إليه خطؤه
من الضرر بالغير. وحيث إن المحكمة ترى تقدير التعويض بمبلغ مائتي جنيه فقط".
وحيث إنه ما دام الثابت بالحكم المطعون فيه على النحو المتقدّم أن الخطأ الذي وقع من
المتهم وضرّ به المدّعيان بالحق المدني بسبب قتل المجني عليه إنما وقع من المتهم بوصفه
خفيراً في الليل وفي الدرك المعين لتأدية خدمته فيه مما يقطع بأنه – كما قال الحكم
– قد ارتكب الخطأ أثناء تأدية وظيفته. كما أن الثابت أيضاً أن المتهم قد ارتكب خطأه
بالسلاح المسلم إليه من الحكومة التي استخدمته، وأنه إنما تذرّع بوظيفته في التضليل
بالمجني عليه حتى طاوعه وجازت عليه الخدعة، ثم تمكن من الفتك به مما يقطع من ناحية
أخرى بأن وظيفة المتهم هي التي سهلت له ارتكاب جريمته وبأنه لولاها لم يكن يستطيع ارتكاب
ما ارتكبه على المجني عليه. ومتى كان ذلك كله واضحاً كانت مسئولية الحكومة عن تعويض
الضرر الذي تسبب فيه المتهم باعتباره خفيراً معيناً من قبلها ثابتة سواء على أساس أن
الفعل الضار وقع منه أثناء تأدية وظيفته أو على أساس أن الوظيفة هي التي هيأت له ظروف
ارتكابه. ولا يرفع عنها هذه المسئولية أن يكون المتهم قد ارتكب فعلته بعامل شخصي خاص
به وحده ولا شأن لها به، أو عدم ثبوت أي خطأ من جانبها هي كما يقول الحكم فإن مسئوليتها
عن عمل خادمها في هذه الحالة مفترضة بحكم القانون على أي من الأساسين المذكورين.
وحيث إنه لما تقدّم يتعين القضاء بإلزام وزارة الداخلية بأن تدفع للمدّعيين بالحق المدني
بطريق التضامن مع المتهم مبلغ التعويض المقضى به عليه.
