الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 56 سنة 11 ق – جلسة 23 /12 /1940 

مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 6 نوفمبر سنة 1939 لغاية 26 أكتوبر سنة 1942) – صـ 321

جلسة 23 ديسمبر سنة 1940

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك وحسن زكي محمد بك المستشارين.


القضية رقم 56 سنة 11 القضائية

مسئولية مدنية. مسئولية السيد عن خطأ خادمه. مناطها. مثال. سيارة في انتظار زوجة المخدوم. ترك السائق إياها في عدة خفير زراعة عند مخدومه. عبث الخفير بمفتاح السيارة. انطلاقها. وقوع حادث. مسئولية السيد مدنياً مع السائق والخفير.

(المادة 152 مدني)

إن مقتضى المادة 152 من القانون المدني أن يكون السيد مسئولاً عن الضرر الناشئ عن خطأ خادمه سواء أكان الخطأ قد وقع أثناء تأدية الوظيفة أم كانت الوظيفة هي التي هيأت أو سهلت ارتكابه. فإذا كان الثابت بالحكم أن السائق وهو ينتظر زوجة مخدومه ترك السيارة وبها مفتاح الحركة في عهدة تابع آخر لمخدومه (خفير زراعة) فعبث هذا التابع وهو يجهل القيادة بالمفتاح، فانطلقت السيارة على غير هدى، وأصابت المجني عليهما، وقضت المحكمة بإدانة السائق والخفير وألزمتهما مع مخدومهما متضامنين بالتعويض المدني، فإن المحكمة لا تكون قد أخطأت في اعتبارها المخدوم مسئولاً مدنياً مع خادميه، لأن إصابة المجني عليهما قد تسببت عن خطأ السائق أثناء قيامه بعمله عند مخدومه وعن خطأ الخفير وهو يؤدي لسيده عملاً ما كان ليؤدّيه لو لم يكن خفيراً عنده.


المحكمة

وحيث إن محصل الوجه الأوّل من أوجه الطعن أنه يشترط لمسئولية السيد عن خطأ خادمه قبل الغير أن يكون له حق اختياره وأن تكون له عليه سلطة الأمر والنهي، وهذا الشرط غير متوفر في علاقة الطاعن الثاني الشيخ عبد القادر خالد بالمتهم الأوّل في الدعوى (خفير الزراعة). إذ ليس للطاعن المذكور سلطة الأمر والنهي على هذا الخفير فلا يسأل عن خطئه لأن الخفير غير مكلف بقيادة السيارة، وعمله بالعزبة لا بالقاهرة. والمادة 152 من القانون المدني تشترط لمسئولية السيد أن يكون الضرر قد وقع من الخادم عند قيامه بنفس العمل المكلف به، وهذه المسئولية ليست مطلقة وإنما هي مقيدة بنوع العمل الذي يخصص به الخادم، فإذا أتى العامل فعلاً ضاراً بعيداً عن محل عمله فلا مسئولية علي السيد. كما أن مالك العربة من جهة أخرى لا يكون مسئولاً عن كل خطأ يرتكبه السائق، وإنما تقوم مسئوليته على أساس اختياره له، وتنحصر المسئولية في الاختيار فيما يتصل بمهنة السائق ومقدار معرفته لعمله. ولكن إذا كان الفعل الذي أتاه السائق مما ليس من شأنه أن يعطي أية فكرة عن سوء الاختيار، كما حصل في هذه الدعوى من ترك السائق مفتاح الكونتاكت بالعربة، فإن مثل هذا الخطأ مما لا يتحمل المالك مسئوليته.
وحيث إن مؤدّى الوجه الثاني أن الطاعن الأوّل ترك مفتاح الكونتاكت بالعربة بجوار المتهم الآخر (خفير الزراعة) وهو فلاح لا دراية له بقيادة السيارات، وكان مما لا يتصوّر أن يعبث بمفتاح العربة حتى تنطلق فتصيب المجني عليهما. فإذا وقع هذا كان أمراً ليس في الحسبان ولا تترتب عليه أية مسئولية. ومجرّد ترك المفتاح لا يفسر بمفرده على أنه إهمال لأن بعض العربات يوجد بها المفتاح مثبتاً. على أنه بفرض أن ترك المفتاح كان خطأ فإنه لم يكن السبب المباشر لوقوع الحادث.
وحيث إنه من مقتضى المادة 152 من القانون المدني أن يكون السيد مسئولاً عن الضرر الناشئ للغير عن فعل خادمه سواء أكان واقعاً منه أثناء تأدية وظيفته أو أن تكون الوظيفة هي التي هيأت له إتيانه وسهلت ارتكابه ولو كان ذلك بعيداً عن مقرّ عمله.
وحيث إن الواقع بحسب ما أثبته الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه هو أن الطاعن الأوّل، وهو سائق سيارة الطاعن الثاني، كان ينتظر بعربته مع الخادم الآخر أسرة مخدومهما الطاعن الثاني حتى تتم زيارتها لأحد أقاربها، وقد أراد الطاعن الأوّل أن يقضي حاجة له فترك العربة وبها مفتاح الكونتاكت في حراسة الخادم الآخر فعبث الخادم بمفتاح العربة فانطلقت في سرعة على غير هدى واندفعت نحو الحائط، ثم ارتدت ودهمت المجني عليهما فقتلت أحدهما وأحدثت بالثاني جروحاً. وقد أثبت الحكم على هذا الأساس مسئولية كل من السائق والخادم. فقال عن الأوّل إنه مسئول عن العربة طالما كانت في عهدته، وإنه أهمل بترك المفتاح وهو أداة تحريك العربة فمكن بذلك المتهم الآخر من العبث بها. وقال إنه لا يمكن أن يخلي السائق من المسئولية تركه العربة في حراسة آخر سواء أكان عالماً بالقيادة أم غير عالم، بل كلما كان جاهلاً بأصول القيادة كانت مسئوليته أعظم وأشدّ. وقال الحكم عن خطأ الخادم إنه أدار مفتاح العربة، وكان يجب عليه أن لا يعبث بشيء لا يدرك خطره. ثم تحدّث الحكم عن مسئولية الطاعن الثاني المدنية عن عمل تابعيه فأسسها على المادة 152 من القانون المدني التي تلزم السيد بتعويض الضرر الناشئ للغير عن أفعال خدمه متى كان واقعاً منهم في حال تأدية وظائفهم، وعلى أن هذا الضمان لا يعفي منه السيد إلا إذا أثبت أن الحادث الضار قد نشأ عن قوّة قاهرة لا شأن فيها لخادمه، أو عن خطأ المجني عليه، وكلاهما منتفٍ في الدعوى.
وحيث إن فيما أثبته الحكم من ترك السائق للعربة وبها مفتاح سيرها في عهدة تابع آخر لمخدومه عبث بالمفتاح وهو يجهل القيادة فانطلقت العربة على غير هدى حتى أصابت المجني عليهما فقتلت أحدهما وأحدثت بالثاني جروحاً – فيما أثبته الحكم من هذا كله ما يبرر وجهة نظر المحكمة من حيث خطأ الطاعن الأوّل (السائق) خطأ تسبب عنه الحادث مباشرة، ويبرر من جهة أخرى القضاء بالتعويض على الطاعن الثاني بصفته مسئولاً عن أعمال تابعيه لأن الخطأ وقع من السائق أثناء قيامه بعمله كما وقع من المتهم الثاني (خفير الزراعة) وهو يؤدّي عملاً للمسئول عن الحقوق المدنية وهو ركوب السيارة مع قرينة المخدوم وانتظارها حتى تتم زيارتها لأحد أقاربها، وبذلك تكون تبعيته للمسئول عن الحقوق المدنية هي التي مكنته من الاتصال بالعربة وإدارة مفتاحها عن جهل منه فوقع الحادث على الأثر. ومن هذا يبين أن الإدانة جاءت مستخلصة من وقائع تنتجها، كما أن محكمة الموضوع لم تخطئ في تطبيق القانون أو في تأويله باعتبارها الطاعنين مسئولين مدنياً قبل المدعين بالحق المدني. أما ما يثيره الطاعن الأوّل بأن عبث الخفير بمفتاح السيارة لم يكن أمراً منتظراً حتى تترتب عليه مسئوليته فمردود بما أثبته الحكم عليه من إهمال بتركه المفتاح في العربة مع إمكان فصله عنها تلافياً لمثل هذا الحادث. ولا محل لأن يعرض الطاعنان في نفي الإهمال لصورة أخرى هي حالة وجود المفتاح مثبتاً في بعض العربات لأن العربة التي تسبب عنها الحادث ليست من هذا القبيل.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات