الطعن رقم 1296 سنة 10 ق – جلسة 10 /06 /1940
مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة
النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 6 نوفمبر سنة 1939 لغاية 26 أكتوبر سنة 1942) – صـ 231
جلسة 10 يونيه سنة 1940
برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك وحسن زكي محمد بك المستشارين.
القضية رقم 1296 سنة 10 القضائية
تزوير. أوراق البنكنوت الأمريكانية. أوراق عرفية. التزوير فيها
واستعمالها. العقاب عليه بمقتضى المادة 215 ع. أوراق البنكنوت المصري. التزوير فيها.
العقاب عليه بمقتضى المادة 206 ع. الأوراق التي وضعت المادتان 212 و214 ع لحمايتها.
(المواد 174 و180 و182 و183 ع = 206 و212 و214 و215)
إن أوراق البنكنوت الأمريكانية ليست من الأوراق الرسمية التي وضعت المادتان 212 و214
من قانون العقوبات لحمايتها من التزوير، فإن تزويرها ليس تقليداً لورقة صادرة من الحكومة
أو من أية جهة من جهاتها إذ هي صادرة من أحد البنوك التجارية الأمريكية التي لا يمكن
اعتبار الأوراق الصادرة منها من الأوراق الرسمية التي يشترط فيها أن يكون محرّرها موظفاً
عمومياً مختصاً بتحريرها. وإنما شأن تلك الورقة في بلادها هو شأن أوراق البنكنوت المرخص
للبنك الأهلي بإصدارها في مصر، وهذه لا يعاقب على التزوير فيها على اعتبار أنه واقع
في أوراق رسمية، بل يعاقب عليه القانون بنص آخر هو المادة 206 ع على أساس أنها من أوراق
البنكنوت المالية التي أذن في إصدارها قانوناً. على أن هذه المادة لا تنطبق على التزوير
في أوراق البنكنوت الأجنبية، لأن عبارتها، وما ورد في المذكرة الإيضاحية الخاصة بها،
والإشارة إليها مع ما أشير إليه في المادة 2 من قانون العقوبات الخاصة بحماية الصوالح
العمومية المصرية وحدها – كل ذلك يدل على أن المقصود من المادة 206 المذكورة إنما هو
حماية أوراق البنكنوت التي أذن بإصدارها في مصر دون غيرها من البلاد. وإذن فتزوير تلك
الأوراق أو استعمالها تنطبق عليه المادة 215 ع على أساس أنها أوراق عرفية.
المحكمة
وحيث إن حاصل أوجه الطعن المقدّمة من هذا الطاعن أن الحكم المطعون
فيه أخطأ لأنه عاقبه بالمادة 212 عقوبات الخاصة بالتزوير في الأوراق الرسمية مع أنه
لم يرتكب تزويراً ولم يقدّم لمحاكمته عن جريمة تزوير. كذلك طبق الحكم المادة 214 عقوبات
مع أنه لم يثبت أن الطاعن كان يعلم بتزوير ورقة البنكنوت. ولقد اعتمد الحكم في ثبوت
هذا العلم على شهادة حامد علي الذي قرّر أنه رأى المتهم الثاني وهو يقدّم الورقة لعياد
الجندي وكان الطاعن واقفاً معه. ومع أن هذه الشهادة يناقضها ما قرّره عياد لذلك، فإنها
لا تنهض دليلاً على علم الطاعن ما دام أن عياد الجندي قرّر أن التهم الثاني أعطاه الورقة
وتعهد له بأن يعطيه ثمن البضاعة عملة مصرية في وقت آخر ثم يأخذ الورقة منه، كما قرّر
أنه لم يعلم بأن الورقة مزوّرة إلا بعد أيام، فحصل التبليغ واستلم ماله من المتهم الثاني
الذي ردت إليه الورقة لأنه لم يثبت، حتى وقت استلامه لها في محضر البوليس، أنها مزوّرة،
وذكر ضابط البوليس أنه لو علم بأن الورقة مزوّرة لما سلمها للمتهم الثاني. وكذلك طبق
الحكم المادة 336 عقوبات دون أن يبين الطرق الاحتيالية التي استعملها الطاعن للوصول
إلى غرضه. وفضلاً عن ذلك فإنه لم يثبت من أقوال المجني عليه أن الطاعن قد استعمل معه
الطرق الاحتيالية، وكل ما قاله هو أن الطاعن تسمى باسم آخر. كما أن المجني عليه قرّر
أنه يتعامل بالأوراق المالية من كل صنف، وهذا لا يستقيم مع قول الحكم إن الطاعن استعمل
معه طرقاً احتيالية. وكذلك اعتبر الحكم الطاعن شريكاً مع المتهم الثاني فيما وقع منه
اعتماداً على مرافقته للمتهم الثاني مع أن هذا المتهم له عدّة أقوال منها أن الطاعن
لم يكن معه بالمرّة. واستند الحكم أيضاً على استعراف المجني عليه على المتهم عند عرضه
عليه بين آخرين مع أن هذا العرض لم يحصل إلا بعد شهرين وبعد أن بوشر التحقيق ضدّ المتهم
الثاني الذي ذكر اسم الطاعن مع أنه قرّر أوّلاً أنه أخذ الورقة من شخص عطشجي بالبحر.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أدان الطاعن في الجرائم المرفوعة بها الدعوى عليه وهي أنه:
"(أوّلاً) استعمل ورقة بنكنوت أمريكاني من فئة الخمسة دولارات مزوّرة بأن قدّمها لعمر
محمد مع علمه بتزويرها. (وثانياً) توصل بطريق الاحتيال إلى الحصول على بضائع قيمتها
ثمانون قرشاً من عمر محمد أحمد. وذلك بأن تقدّم إليه بورقة البنكنوت المزوّرة السالفة
الذكر على اعتبار أنها صحيحة، وتمكن بذلك من الحصول على البضائع المذكورة وعلى مبلغ
عشرين قرشاً وسبعة مليمات باقي قيمة الورقة الصحيحة. (وثالثاً) اشترك مع متهم آخر في
جريمتي استعمال هذا المتهم الآخر ورقة البنكنوت المزوّرة المذكورة بتقديمها لعياد جندي
على اعتبار أنها صحيحة وتوصله بطريق الاحتيال إلى الاستيلاء على بضائع من عياد جندي
قيمتها 62 قرشاً بتقديم الورقة المذكورة إليه على اعتبار أنها صحيحة". وعاقبه بالمواد
212 و214 و336 و40 و41 من قانون العقوبات، وأوقع به عقوبة واحدة طبقاً للمادة 32 عقوبات،
ثم أخذه بالرأفة عملاً بالمادة 17 من القانون المذكور وقضى عليه بالحبس سنة مع الشغل.
وذكر واقعة الدعوى كما حصلتها المحكمة من التحقيقات التي أجريت فيها فقال: "إنه في
يومي 29 و30 ديسمبر سنة 1938 حضر المتهم الثاني إبراهيم محمد دسوقي لدكان عياد الجندي
أحد المجني عليهما في مساء يوم 29 ديسمبر ومعه المتهم الأول شحاته عبد المجيد شحاته
(الطاعن), وقدم إبراهيم محمد دسوقي لعياد ورقة من ذات الخمسة دولارات الأمريكاني مزوّرة
وهي الورقة المضبوطة. وطلب أن يستبقيها عنده إلى أن يحضر له بدلاً منها نقوداً مصرية،
وأخذ منه زجاجتين من الويسكي وقيمتهما 63 قرشاً لأن صاحب الدكان لم يقبل التعامل بالورق
الأمريكاني. وانصرف المتهمان، وانتظر عياد حضور المتهم الثاني حتى الساعة 11 مساءً
فلم يحضر، فانتظر في اليوم الثاني حتى الساعة 4 بعد الظهر فلم يحضر، فعرض الورقة على
أحد الصيارف فقال بأنها مزيفة، فأخذ يبحث عن المتهم الثاني حتى عثر عليه وطلب أن يدفع
له ثمن الويسكي ويأخذ ورقته لأنها مزيفة، وانتهى الأمر بهما إلى الذهاب للقسم، وهناك
ألزم الضابط المتهم الثاني بدفع المبلغ إلى المجني عليه فدفع هو بعضه وحضر أخوه فدفع
الباقي. ولم يقنع المتهمان بهذه النتيجة لأن غرضهما هو الحصول على قيمة الورقة، وكان
لا بدّ من ضحية أخرى ووقع اختيارهما على المجني عليه الثاني عمر محمد أحمد البقال وكان
هذا أقل خبرة من عياد. وفي هذه المرة رأي المتهم الأوّل (الطاعن) شحاته أن يتقدم هو
هذه الدفعة بالورقة فقدّمها للمجني عليه عمر محمد، وطلب ويسكي أيضاً وشكولاته بما قيمته
ثمانون قرشاً وسلمه الورقة. ولما كان التعامل كثيراً ما يحصل بالأوراق الأجنبية فقد
أخذ الورقة المزوّرة وسلم المتهم شحاته باقي قيمتها وهو 20.7 قرشاً، وقبل انصراف المتهم
سأله المجني عليه عن اسمه فقال إن اسمه عبد المطلب زاهر، وإنه يشتغل بمبوطي، وانصرف.
فعرض المجني عليه بعد ذلك الورقة على بعض الصيارف فقالوا له بأنها مزيفة، فقدّم المجني
عليه شكواه للبوليس وذكر بأن الورقة قدّمت إليه من المتهم الأوّل بحضور جلال سهيل إدريس.
أخذ البوليس يبحث عن المتهم، وأرسل الورقة إلى القنصلية الأمريكية لفحصها، وسأل قوّاص
القنصلية محمد النجيدي فقال هذا بأن تلك الورقة سبق أن عرضها عليه عبد العال محمود
صبي البقال عياد فسئل هذا فقال بأن شخصاً قدّمها لمخدومه عياد فجيء بعياد فدل على المتهم
الثاني إبراهيم محمد دسوقي. وسئل إبراهيم محمد دسوقي بالبوليس فاعترف بأنه قدّم الورقة
لعياد. ولما سئل عن مصدرها قال إنه استلمها من عطشجي بمركب إنجليزي، ولما عرف بأنها
مزيفة ردّها إليه وأخذ بدلاً منها جنيهاً إنجليزياً. وذلك بشهادة أبو سنة البمبوطي.
وسئل المتهم عبد المطلب زاهر فقال لا يوجد بمبوطي في البحر بهذا الاسم. وسئل أبو سنة
فقال إنه لا يعلم شيئاً عن الموضوع، وقال إن المتهم كذاب وخطاف، وتولت النيابة التحقيق.
وسئل إبراهيم دسوقي فقال بأنه قابل في يوم 25 ديسمبر سنة 1938 السيد أبو سنة والمتهم
الأوّل شحاته عبد الحميد وآخر، وإن السيد أبو سنة هو الذي أعطاه الورقة وطلب إليه أ،
يشتري من البقال الويسكي وكان المتهم الثاني هو الذي دل بذلك على الأوّل وتعرّف عليه
عمر محمد أحمد وشاهده جلال". وبعد ذلك أورد الحكم الأدلة التي استند إليها في ثبوت
الواقعة الجنائية المتقدّم ذكرها على الطاعن وزميله، ثم خلص منها إلى القول "بأن تهمة
الاستعمال ثابتة على المتهم الأوّل من تقديم الورقة المزوّرة إلى عمر محمد، ومن شهادة
عمر وجلال سهيل، ومن أقوال المتهم الثاني الذي دل عليه وقال بأنه هو الذي قدّمها لعمر
وتعرّف عمر وشاهده عليه. وعلمه بأن الورقة مزوّرة ثابت من أنه باعترافه في التحقيقات
يعلم بشكوى عياد للبوليس ورد الورقة للمتهم الثاني، وأنه بعد ذلك قدّمها بنفسه للمجني
عليه عمر محمد. وتهمة الاحتيال ثابتة عليه من أنه أوهم المجني عليه بأنها ورقة صحيحة
وحصل على قيمتها بضائع ونقوداً. وتهمة اشتراكه مع الثاني في جريمتي الاستعمال والنصب
ثابتة من مرافقته له وقت عرض الورقة على عياد".
وحيث إنه يتضح مما تقدّم أن الحكم المطعون فيه رغم أنه أثبت أن الورقة المزوّرة التي
تعامل الطاعن بها واستعملها مع علمه بتزويرها إنما هي ورقة بنكنوت أمريكية من فئة الخمسة
دولارات – رغم ذلك فإنه اعتبر هذه الورقة من الأوراق التي يعاقب على التزوير فيها بالمادة
212 من قانون العقوبات، وعلى استعمالها مع العلم بتزويرها بالمادة 214 من القانون المذكور،
مع أنها ليست من الأوراق الرسمية التي وضعت هاتان المادتان لحمايتها إذ أنها – على
حسب ما أثبته الحكم – لم تزوّر تقليداً لورقة صادرة من الحكومة أو من أية جهة من جهاتها،
بل لورقة صادرة من أحد البنوك التجارية الأمريكية التي لا يمكن اعتبار الأوراق الصادرة
منها من الأوراق الرسمية التي يشترط فيها أن يكون محرّرها موظفاً عمومياً مختصاً بتحريرها.
وشأن تلك الورقة شأن أوراق البنكنوت المرخص للبنك الأهلي بإصدارها في مصر، فإن التزوير
فيها لا يعاقب عليه على اعتبار أنه حاصل في أوراق رسمية، بل يعاقب القانون عليه بنص
آخر هو المادة 206 عقوبات على أساس أنها من أوراق البنوك المالية التي أذن بإصدارها
قانوناً. وهذه المادة لا تنطبق على الواقعة الحالية لأن عبارتها، والمذكرة الإيضاحية
الخاصة بها، والإشارة إليها مع ما أشير إليه في المادة 2 من قانون العقوبات الخاصة
بحماية الصوالح العمومية المصرية فقط – كل ذلك يدل على أن المقصود منها إنما هو حماية
أوراق البنوك التي أذن بإصدارها في مصر دون غيرها من البلاد. على أن الخطأ الذي وقع
فيه الحكم على النحو المتقدّم لا يعيبه بما يبطله لأن الواقعة التي أثبتها بشأن التزوير
والاستعمال تنطبق عليها المادة 215 من قانون العقوبات على أساس أن المحرّر من الأوراق
العرفية. وما دامت المحكمة قد عاقبت الطاعن بالحبس لمدّة سنة ولم تنزل بالعقوبة إلى
الحد الأدنى الذي تجيز المادة 17 عقوبات الحكم به على مقتضى ظروف ذات الواقعة المطروحة
عليها، وما دامت هذه العقوبة المقضى بها تدخل في نطاق مادة جريمة النصب التي أثبت الحكم
على الطاعن وقوعها منه أو مادة التزوير في أوراق عرفية التي تنطبق دون غيرها على واقعة
استعمال الطاعن للورقة المزوّرة كما مر القول – ما دام الأمر كذلك فإنه لا يكون للطاعن
مصلحة من وراء خطأ الحكم في وصف الواقعة الجنائية موضوع الدعوى. هذا والطاعن إنما ركز
طعنه على ما يقوله من أن المحكمة أدانته في جريمة تزوير مع أنه لم يقدّم للمحاكمة عن
هذه الجريمة. وشكواه على هذا الاعتبار لا أساس لها لأن المحكمة لم تدنه في جريمة التزوير
بل أدانته في جريمة استعمال الورقة المزوّرة. وأما ما يثيره حول واقعة علمه بتزوير
الورقة فلا يقبل منه بعد أن أثبتت المحكمة ذلك عليه بالأدلة التي أوردتها والتي من
شأنها أن تؤدي إلى ما أقامته عليها إذ لا معنى لمجادلته في هذا الموضوع إلا التشكيك
في الأدلة التي أخذت بها المحكمة في قضائها عليه، وهذا مما لا يجوز الخوض فيه لدى محكمة
النقض لاختصاص محكمة الموضوع وحدها بالفصل فيه. وأما ما يتمسك به الطاعن خاصاً بجريمة
النصب فمردود بأن الحكم قد أورد الواقعة المكوّنة لتلك الجريمة بما يفيد توافر جميع
عناصرها القانونية فإن في تقديمه إلى المجني عليه ورقة بنكنوت مزيفة بطريق التقليد
للورقة الصحيحة لتدعيم مطالبته بقيمتها على اعتبار أنها صحيحة مما تتوافر معه الجريمة
المذكورة.
