الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 1665 سنة 9 ق – جلسة 25 /12 /1939 

مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 6 نوفمبر سنة 1939 لغاية 26 أكتوبر سنة 1942) – صـ 54

جلسة 25 ديسمبر سنة 1939

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: محمود المرجوشي باشا ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك ونجيب مرقس بك المستشارين.


القضية رقم 1665 سنة 9 القضائية

عيب في الذات الملكية. مناط العقاب في هذه الجريمة.

(المادة 156 ع المعدّلة بالمرسوم بقانون رقم 97 لسنة 1931 = 179)

إن الشارع إذ نص في المادة 179 من قانون العقوبات على عقاب كل من عاب في حق الذات الملكية قد قصد أن يتناول بالعقاب كل قول أو فعل أو كتابة أو رسم أو غيره من طرق التمثيل يكون فيه مساس، تصريحاً أو تلميحاً، من قريب أو من بعيد، مباشرة أو غير مباشرة، بتلك الذات المصونة التي هي يحكم كونها رمز الوطن المقدّس محوطة بسياج من المشاعر يتأذى بكل ما يحس أن فيه مساساً بها ولو لم يبلغ مبلغ ما يعدّ بالنسبة لسائر الناس من قذفاً أو سباً أو إهانة. فمتى وقع الفعل المكوّن للعيب على أية صورة من تلك الصور، وكان الجاني قد قصد توجيهه، وهو عالم به، إلى شخص الملك فقد حق عليه العقاب.


المحكمة

وحيث إن الطاعن ينعى بأوجه الطعن التي تضمنها التقريران المقدّمان منه على الحكم المطعون فيه أنه وقع في أخطاء تعيبه بما يوجه نقضه. وفي بيان ذلك يقول: (أوّلاً) إن تهمة العيب في الذات الملكية التي أدين من أجلها غير قائمة في الواقع، لأن إقالة الوزارة النحاسية التي تحدّث المقال عنها تسأل عنها الوزارة كما تسأل عن سائر أوامر الملك. فالوزارة هي التي عنيت في المقال بالطعن وبالنقد المباح المتعلق بعمل من الأعمال العامّة، هي وكافة من دبروا الانقلاب، وهم بداهة غير جلالة الملك. كما تدل على ذلك نفس عبارة المقال موضوع المحاكمة والمقالات الأخرى التي ألفها الطاعن ونشرها، فإنها كلها تمجيد وإخلاص لجلالته على صورة واضحة لم تستطع المحكمة معها أن تردّ في حكمها على دفاع الطاعن الذي استند فيه إليها. (وثانياً) إن المحكمة لم تقم جريمة العيب التي أدانت الطاعن فيها إلا على فهم المقال على غير حقيقته على استبدال عباراته وتخريجها تخريجاً غير صحيح، مع أن الواجب أن لا يحاسب الكاتب إلا على ذات ما كتبه، وفي حدود التفسير المستفاد من ظاهر عباراته. (وثالثاً) إن المحكمة إذ اعتبرت أن الطاعن قصد توجيه المقال إلى جلالة الملك اعتماداً على ما قالت به من أن جلالته هو الذي يملك وحده إقالة الوزارة، وأن ذلك لا يدخل ضمن المسئولية الوزارية، قد أخطأت فهم أحكام الدستور التي تقضي بأن أعمال الملك يتولاها جميعها بلا استثناء بواسطة وزرائه الذين يسألون عنها. وعلى كل حال ما كان ينبغي للمحكمة أن تؤسس قيام الجريمة على مجرّد بحث فقهي. (ورابعاً) إن الطاعن قضي له في ذات الوقت بالبراءة من تهمة عيب في الذات الملكية كان قوامها نفس المقال موضوع المحاكمة الذي هو صحيفة تمجيد للملك، فالمحكمة إذ قالت بثبوت القصد الجنائي لدى الطاعن من بعض عبارات المقال تكون قد أخطأت وتناقضت. (وخامساً) إن الصحفي بحكم صناعته مؤرّخ وناقد يبحث الحوادث ويبين وجه الخطأ فيها، فيجب أن يرجع عند محاسبته على ما يكتبه إلى الظروف التي حصلت فيها الإقالة والتي كانت تقتضي ضرورة استشارة نخبة القوم والأخذ بمشورتهم فيها مما تكون معه الإقالة راجعة إلى من أشاروا بها.
وحيث إن الشارع إذ نص في المادة 179 من قانون العقوبات على عقاب كل من عاب في حق الذات الملكية قد قصد أن يتناول العقاب بمقتضى هذا النص كل قول أو فعل أو كتابة أو رسم أو غيره من طرق التمثيل يكون فيه مساس، تصريحاً أو تلميحاً، من قريب أو من بعيد، مباشرة أو غير مباشرة، بتلك الذات المصونة التي هي بحكم كونها رمز الوطن المقدّس محوطة بسياج من المشاعر يتأذى بكل ما يحس أن فيه مساساً بها، ولو لم يبلغ مبلغ ما يعدّه القانون بالنسبة لسائر الناس قذفاً أو سباً أو إهانة، فمتى وقع الفعل المكوّن للعيب على الصورة التي عرفها القانون وكان الجاني قد قصد توجيهه لشخص الملك وهو عالم به فقد حق عليه العقاب.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أن النيابة العامّة أقامت الدعوى العمومية على الطاعن لأنه "عاب علناً في حق الذات الملكية بأن ألف مقالاً ونشره في جريدة الوفد المصري بالعدد 80 الصادر بتاريخ 19 مايو سنة 1938 تحت عنوان (نظام تعس وعهد أسود – رئيس الوزراء ورئيس الديوان – عدوانهما على حقوق العرش). وذلك بأن تهجم على المقام السامي فذكر أنه زج في الخلافات السياسية، ونعى عليه إقالة الوزارة النحاسية والاضطلاع بسلطته وواجبه في إلزام الشخصيات العامّة حدودها الدستورية". وأن المحكمة – بعد أن أوردت المقال في الحكم، وأثبتت أن الطاعن هو كاتبه، وأنه نشر في الجريدة المذكورة – بحثت عباراته ومراميه، وانتهت إلى القول بأنه ظاهر من صريح الكتابة أن المتهم عدّ إقالة وزارة رفعة النحاس باشا جريمة من الجرائم التي ارتكبت في العهد ومن مفاسده، واعتبرت أنه بذلك قد طعن في حق من أصدر هذه الإقالة طعناً جارحاً. ثم عرضت لبحث ما إذا كانت إقالة الوزراء من حقوق جلالة الملك التي يتولاها بشخصه، وأن الطعن عليها يعد عيباً في الذات الملكية أم هي من أعمال جلالته التي يباشرها بواسطة وزرائه، وأن نقدها إذن يكون موجهاً للوزراء وحدهم ولا يتعدّاهم إلى شخص جلالة الملك. وخلصت من ذلك إلى أن ذلك الحق لم يقيد في الدستور بأي قيد، وإنما هو حق مطلق وشخصي للملك يباشره بنفسه لا بواسطة وزرائه ويصدر أمره به بطبيعة الحال في وقت لا تكون فيه وزارة قائمة، وأنه إذا كان جلالة الملك قبل إصداره أمر الإقالة يستأنس برأي من يرى استشارتهم فإن ذلك لا ينفي أن أمر الإقالة من أخص أعمال جلالته في مهام الدولة، وأنه هو صاحب الحق المطلق والرأي الأعلى في إصداره، وأن له أن يأخذ برأي من استشارهم أو لا يأخذ. ولهذا فإن الطعن في أمر الإقالة لا يمكن أن ينصرف إلى أنه طعن في هؤلاء وحدهم، بل إنه يعدّ أوّلاً عيباً في الذات الملكية التي أصدرت هذا الأمر في حدود الحقوق المخوّلة في الدستور. ثم استظهرت المحكمة ما عدّته مما جاء في المقال مكوّناً لجريمة العيب فقالت إن وصف أمر الإقالة بأنه جريمة من الجرائم ومن مفاسد هذا العهد فيه عيب وإهانة صريحة تخل بالاحترام الواجب لجلالة الملك الموجهة إليه هذه العبارة لانصبابها على من أصدر أمر الإقالة، وإنه لا يخلي المتهم من العقاب ما دفع به من أنه قصد بمقالة الطعن في مدبري هذا العهد وهم أشخاص غير جلالة الملك، لأنه وقد وضح أن أمر الإقالة هو حق شخصي لجلالة الملك ومن عمله يكون القول بأن مدبري عهد الفساد ارتكبوا جريمة إقالة الوزارة فيه معنى اشتراك الملك في هذا التدبير، وهذا عيب ظاهر في حق جلالته.
وحيث إنه مما تنبغي ملاحظته ابتداءً أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ إذ دلل على إدانة الطاعن في جريمة العيب بما قال به من أن أمر الإقالة لما كان حقاً شخصياً لجلالة الملك ويصدر بتوقيعه وحده دون سواه كان كل طعن يوجه إليه ينصرف حتماً إلى الملك. لأنه حتى مع صحة النظر الذي ارتآه من أن إقالة الوزارة من سلطة الملك الشخصية ولا يسأل عنها الوزراء لا يصح أن يدلل على الإدانة بمجرّد رأي فقهي. خصوصاً إذا كان متعلقاً بمسألة شائكة فيها وجوه رأي مختلفة. وعلى الأخص إذا كان المتهم قد تمسك في دفاعه بأن رأيه الذي يدين به هو أن الدستور يجعل أعمال الملك الرسمية جميعها صادرة على مسئولية الوزارة وحدها دون الملك الذي هو فوق كل مسئولية، بل الواجب ألا تؤسس الإدانة إلا على عناصر واقعية ثابتة ومحققة.
ومن حيث إن لمحكمة النقض، في الجرائم التي تقع بطريق النشر، أن تراقب محكمة الموضوع فيما ترتبه من النتائج القانونية على المقال موضوع المحاكمة. وذلك لا يكون إلا بأن تبحث هي المقال لتتبين مناحيه وتستظهر مراميه، ثم تطبق القانون على وجهه الصحيح على أساس ما يتبين لها من حقيقة الأمر فيه.
وحيث إن المقال موضوع المحاكمة يصرح فيه مؤلفه بأن رئيس الوزراء ورئيس الديوان الملكي في وثائق رسمية قدّماها إلى جلالة الملك قد اعتديا على حقوق العرش، وتهجماً على مقام الملك، ولم يرعيا ما يجب له من حقوق، وأن مدبري الانقلاب ينسبون إلى جلالته أنه هو الذي أقال وزارة الأمة، وأن كتاب الإقالة كان تعبيراً شخصياً عن رأيه في حكمها، وأن الانتخابات قد جاءت مؤيدة لرأي الملك، وأن رئيس الديوان يتدخل – وهو موظف غير مسئول – في تسوية الصعاب الدستورية، وأن رئيس الوزراء يستشير الملك في مسائل الدولة، وأن الانقلاب ارتكب كبرى الجرائم في حق العرش فزج جلالة الملك متعمداً في المنازعات الحزبية والخلافات السياسية، وأن إقالة وزارة الأغلبية من الجرائم التي ارتكبها مدبرو هذا العهد، وأن رئيس الوزراء كأنه يقول في خطابه للملك إن مهمة الوزارة كانت إجراء انتخابات مزيفة، وأن الدليل على صدق حكم الملك وسداد رأيه هو نتيجة انتخابات زائفة. وإرسال الكاتب هذا القول إرسالاً تعليقاً على وثائق رسمية وأخبار نشرتها الصحف لا تحتمل عباراتها تلك المرامي والمعاني المقذعة التي حملها هو إياها، وإمساكه في الوقت نفسه – مع ترديده ذكر الملك في كل المناسبات التي سماها جرائم – عن الإشارة إلى ما يفيد تباعد جلالته عن هذه التصرفات التي زعمها هو (الكاتب) وصور فيها تهجماً على مقام الملك وتطاولاً على كرسيه وحقوقه – هذا الإرسال على هذا النحو فيه تعمد تصوير جلالة الملك في صورة غير المتنبه إلى هذا العدوان الجسيم مع تكرره، أو في صورة من قابل هذا العدوان بسكوت المتقبل، وهذا، على أخف الصورتين، لا شك فيه مساس بشخصه الكريم. ومتى تقرّر ذلك يثبت بجلاء أن الطاعن إنما قصد في الحقيقة أن يرتد إلى جلالة الملك جانب مما رمي به الموظفين الذين سماهم في المقال الذي ألفه ونشره على الجمهور. وبهذا تتوافر جريمة العيب بعناصرها القانونية.
وحيث إن ما ذكرته محكمة الجنايات من أنها لم تجد في المقال ما فيه مساس بالذات الملكية سوى العبارة الخاصة بإقالة الوزارة لا يمنع من توافر جريمة العيب على الوجه المتقدّم، ولا من معاقبة الطاعن عليها. لأن العيب وقصد العيب تتضمنهما عبارة إقالة الوزارة التي أسست عليها الإدانة هي وما اتصل بها من سائر عبارات المقال كما سلف بيانه، وذلك على حسب ما تناوله وصف التهمة التي رفعت بها الدعوى، ودارت المحاكمة على أساسها. أما ما عدا ذلك مما جاء في المقال فإنه – في نظر هذه المحكمة – باعتباره متصلاً به اتصالاً غير قابل للتجزئة إنما يؤكد حقيقة قصد الكاتب الذي ركزه في عبارة إقالة الوزارة.
وحيث إن إدانة الطاعن على الأساس المتقدّم لا تتأثر على أية حال بحقيقة الحكم الدستوري في المسألة التي عرضت لها المحكمة، إذ سواء أكانت إقالة الوزارة هي كسائر ما يتولاه الملك من الأعمال يسأل عنه الوزراء أم لا يسألون، فإن ذلك لا يقدّم ولا يؤخر ما دام الواضح من المقال نفسه، كما سبق القول، أن الطاعن في الحقيقة والواقع قد قصد توجيه العيب إلى الذات الملكية.
وحيث إن ما يتمسك به الطاعن من أن عبارات المقال كلها تمجيد لجلالة الملك، وأن ذلك وما سبق له نشره من المقالات المتضمنة الولاء لجلالته يشفع له في حسن نيته – ذلك لا يجديه، لأن العبرة هي بالمقال موضوع المحاكمة وحده، وبما يرمي إليه الكاتب فيه من المرامي التي تبطنها عبارته وينضح عنها أسلوبه، لا بما يغشيها به من زائف الطلاء تذرّعاً للفرار من وجه القضاء. وعبارات مقال الطاعن وإن كانت لأول وهلة تبدو في ظاهرها مجرّد نعي على من يزجون جلالة الملك في المنازعات الحزبية والخلافات السياسية إلا أنها لا تلبث مع تحليلها والتأمل فيها أن تتكشف عن حقيقة كل ما أراده الكاتب منها على ما سلف بيانه.
وحيث إن ما يثيره الطاعن من أنه لم يقصد بالمقال إلا نقد عمل حكومي في شخص من دبروا الانقلاب، ومجرّد الطعن على الوزراء المسئولين عنه – ما يثيره هذا لا يجديه لأنه إذا كان له أن ينتقد الأعمال العامة المتعلقة بشئون الدولة، فإن النقد إذا تضمن عن عمد من الناقد المساس بذات الملك المصونة كما هو الحال في الدعوى، فإنه يعد عيباً مستوجباً للعقاب. وأما ما يتمسك به من أن المحكمة أخطأت إذ استندت في قضائها بأنه سيئ النية إلى بعض عبارات المقال دون البعض الآخر فمردود بما سبق بيانه من أن عبارة المقال كلها تدل على أنه إنما قصد العيب.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات