الطعن رقم 5777 لسنة 51 ق – جلسة 09 /06 /1983
أحكام النقض – المكتب الفني – جنائي
الجزء الأول – السنة 34 – صـ 748
جلسة 9 من يونيه سنة 1983
برئاسة السيد المستشار/ حسن جمعه نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: أحمد أبو زيد، محمد نجيب صالح، عوض جادو ومصطفى طاهر.
الطعن رقم 5777 لسنة 51 القضائية
دعوى جنائية "انقضاؤها بمضي المدة". تقادم "الإجراءات القاطعة للتقادم".
– انقطاع المدة المسقطة للدعوى الجنائية بإجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة الصحيحة.
صدور حكم من محكمة مختصة بإصداره يقطع مدة السقوط ولو كان الحكم صادراً بعدم قبول الدعوى
قبل الطاعن لرفعها بغير الطريق القانوني.
من المقرر أن المدة المسقطة للدعوى العمومية تنقطع بأي إجراء يتم في الدعوى بمعرفة
السلطة المنوطة بها القيام به سواء كان من إجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة،
وكانت الجريمة المسندة إلى المتهم قد وقعت بتاريخ 4 – 8 – 1968، وصدر حكم محكمة أول
درجة بعدم قبولها لرفعها بغير الطريق القانوني في 15 – 5 – 1973 ثم أعيد رفع الدعوى
بعد استئذان رئيس النيابة وقضت فيها محكمة أول درجة بالإدانة بجلسة 9 – 4 – 1974، فإن
إجراءات رفع الدعوى ونظرها في المرة الأولى والتي انتهت بصدور الحكم بعدم القبول تنتج
أثرها في قطع التقادم، وليس بذي شأن أن تكون الدعوى الجنائية قد رفعت ممن لا يملك رفعها
قانوناً على خلاف ما تقضي به المادتان 63، 232 من قانون الإجراءات الجنائية – كما هو
الحال في هذه الدعوى ذلك أنه وإن كان لا يحق للمحكمة في هذه الحالة أن تتعرض لموضوع
الدعوى بل عليها أن تقصر حكمها على عدم قبولها باعتبار أن باب المحاكمة موصد أمامها،
إلا أنه نظراً لأنه يتعين عليها في سبيل القضاء بذلك – أن تستظهر ما تقتضيه المادتان
المشار إليهما (أي أن تتحقق من صفة الموظف أو المستخدم العام ومن أنه ارتكب الجريمة
أثناء تأدية وظيفته وبسببها) بما يقتضيه ذلك من إعلان المتهم والشهود لحضور جلسات المحاكمة
وخلاف ذلك من الإجراءات القضائية، فإن مثل هذه الإجراءات أو ذلك الحكم الصادر في الدعوى
متى تم كل منها صحيحاً في ذاته لا مراء أنه قاطع للتقادم، إذ أن انقضاء الدعوى بمضي
المدة بني على افتراض نسيانها بمرور الزمن بدون اتخاذ إجراءات فيها، فمتى تم اتخاذ
إجراء صحيح في الدعوى بما يجعلها ما تزال في الأذهان ولم تندرج في حيز النسيان انتفت
علة الانقضاء بصرف النظر عن بطلان إجراءات تحريكها السابقة على نظرها وإذ لم تكن مدة
التقادم قد انقضت ما بين صدور الحكم بعدم القبول وإعادة تحريك الدعوى بالطريق الصحيح
– مما لا ينازع فيه المتهم – فإن الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة يكون غير
مقبول.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: في يوم 4 من أغسطس سنة 1968
تسبب خطأ في موت….. وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احتياطه بأنه لم يتخذ الحيطة
الكافية لفصل التيار الكهربائي من الخلية التي أمر المجني عليه بتنظيفها مما تسبب في
صعقه بالتيار الكهربائي وحدوث إصابته الموصوفة بالتقرير الطبي التي أودت بحياته وطلبت
عقابه بالمادة 238/ 1 من قانون العقوبات.
ومحكمة جنح المنيا قضت حضورياً في 15 من مايو سنة 1973 بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير
الطريق القانوني.
وإذ أعيد رفع الدعوى أمام ذات المحكمة – بعد تصحيح الإجراءات فقد ادعت….. (أرملة
المجني عليه) مدنياً قبل المتهم بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت.
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً في 9 من إبريل سنة 1974 عملاً بمادة الاتهام بتغريم
المتهم مائة جنيه وإلزامه بأن يدفع للمدعية بالحقوق المدنية مبلغ قرش صاغ واحد على
سبيل التعويض المؤقت.
استأنف المحكوم عليه. ومحكمة المنيا الابتدائية – بهيئة استئنافية – قضت حضورياً بقبول
الاستئناف شكلاً ورفضه موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف. طعن المحكوم عليه في هذا الحكم
بطريق النقض… إلخ.
وهذه المحكمة قضت بجلسة 12 من ديسمبر 1976 بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم
المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة المنيا الابتدائية لتفصل فيها من جديد هيئة استئنافية
أخرى.
والمحكمة الأخيرة – بهيئة استئنافية أخرى – قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي
الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض (للمرة الثانية)… إلخ.
وهذه المحكمة قضت في 11 من مارس سنة 1982 بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم
المطعون فيه وتحديد جلسة 27 من مايو سنة 1982 لنظر الموضوع… إلخ.
وبالجلسة المحددة – وما تلاها من جلسات – سمعت المرافعة على ما هو مبين بالمحاضر، وفيها
دفع محامي المتهم باعتبار المدعية بالحق المدني تاركة لدعواها المدنية، كما دفع بانقضاء
الدعوى الجنائية بالتقادم وبانقطاع رابطة السببية بين الخطأ المسند إلى المتهم والوفاة.
وبجلسة 27 من يناير سنة 1983 قضت المحكمة باعتبار المدعية بالحق المدني تاركة لدعواها
المدنية، ثم أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
من حيث إن هذه المحكمة قضت بنقض الحكم المطعون فيه وحددت جلسة لنظر
الموضوع عملاً بالمادة 45 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام
محكمة النقض.
وحيث إن الاستئناف المرفوع من المتهم قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن الواقعة على ما يبين من مطالعة أوراقها وما تم فيها من تحقيقات تتحصل في أنه
بتاريخ 4 – 8 – 1968 طلب المتهم الذي كان يشغل وظيفة مهندس أول – محطة محولات المنيا
من المجني عليه – وكان يعمل حينذاك فراشاً بتلك المحطة – أن ينظف إحدى الخلايا الخاصة
بالكهرباء قبل تأكده من فصل التيار الكهربائي عنها فصعق التيار المجني عليه وأحدث إصاباته
التي أودت بحياته.
وحيث إن الواقعة على الصورة المتقدمة قد ثبت وقوعها وتوافرت الأدلة على صحة إسنادها
إلى المتهم من أقوال….. و…… بمحضر ضبط الواقعة ومن نتيجة الكشف الطبي وأقوال
مدير مستشفى المبرة بالمنيا. فقد قرر….. الموظف بالمحطة أن المتهم كلفه هو والمجني
عليه بتنظيف بعض خلايا الكهرباء وأثناء قيام المجني عليه بتنظيف إحداها صعقه التيار
الكهربائي نتيجة إهمال المتهم لعدم تحققه من فصل الكهرباء عن الخلية، وإذ وجه بما قرره
المتهم من أن المجني عليه دخل خلية أخرى غير التي كلفه بنظافتها نفى ذلك مقرراً أن
جميع الخلايا تفتح بمفتاح واحد لا يستعمله غير المتهم وبالتالي فلم يكن في استطاعة
المجني عليه دخول أي منها إلا بأمره. وقرر….. مشرف فني صيانة الكهرباء بالمحطة أنه
كان في طريقه إلى العنبر الموجود به المجني عليه عندما فوجئ بأن التيار في إحدى الخلايا
قد صعقه، وألقى بدوره مسئولية وقوع الحادث على المتهم لعدم قيامه بفصل التيار برغم
أنه المسئول بحكم وظيفته عن السماح بدخول العمال للخلايا وتأمين سلامتهم أثناء العمل
بها، وتبين من الكشف الطبي الموقع بمعرفة مستشفى المبرة العام بالمنيا أن المجني عليه
وجد مصاباً بحروق بالصدر والوجه والرقبة واليدين والبطن والرجلين من الدرجات الأولى
والثانية والثالثة بنسبة تجاوز 80% وبصدمة عصبية وأن حالته العامة سيئة جداً، ثم وردت
إفادة المستشفى بوفاته بتاريخ 5 – 8 – 1968 وشهد الدكتور….. مدير مستشفى المبرة بالمنيا
بالجلسة أمام هذه المحكمة بأن من شأن تلك الإصابات أن تؤدي إلى الوفاة.
وحيث إنه بسؤال المتهم نفى مسئوليته عن الحادث مقرراً أن المجني عليه دخل خلية أخرى
غير التي عهد إليه بتنظيفها وذلك دون إذنه أو علمه فأصيب من التيار الكهربي واستشهد
أمام محكمة أول درجة بشاهدي نفي هما….. فني محطة قوى الكهرباء و…… مهندس مؤسسة
الكهرباء، وشهد أولهما بأن المتهم كلف المجني عليه وزميله….. بتنظيف خليتين مفصول
عنهما التيار الكهربي وأن الحادث وقع في خلية أخرى، بينما شهد الثاني بأنه لم يكن موجوداً
في وقت الحادث ولكن علم بعد ذلك أن المجني عليه دخل خلية أخرى غير التي كلفه المتهم
بتنظيفها ودفع محامي المتهم بانقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم استناداً إلى أنها رفعت
ابتداء على المتهم – وهو مستخدم عام ونسب إليه ارتكاب الجريمة أثناء تأدية وظيفته –
من وكيل النائب العام الذي لا يملك قانوناً تحريكها، وقضي بعدم قبولها، وإذ كانت هذه
الإجراءات لا تقطع التقادم فإن الجريمة يكون قد انقضى على وقوعها أكثر من ثلاث سنوات
قبل إعادة رفع الدعوى عنها بالطريق الصحيح كما دفع بانقطاع رابطة السببية بين الخطأ
المسند إلى المتهم والوفاة، واختتم مرافعته طالباً أصلياً البراءة واحتياطياً انتداب
مهندس فني لبيان كيفية وقوع الحادث واستدعاء الطبيب الشرعي لسؤاله عن إمكان المجني
عليه التكلم بتعقل قبل وفاته.
وحيث إن من المقرر أن المدة المسقطة للدعوى العمومية تنقطع بأي إجراء يتم في الدعوى
بمعرفة السلطة المنوط بها القيام به سواء كان من إجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة،
وكانت الجريمة المسندة إلى المتهم قد وقعت بتاريخ 4 – 8 – 1968، وصدر حكم محكمة أول
درجة بعدم قبولها لرفعها بغير الطريق القانوني في 15 – 5 – 1973 ثم أعيد رفع الدعوى
بعد استئذان رئيس النيابة وقضت فيها محكمة أول درجة بالإدانة بجلسة 9 – 4 – 1974، فإن
إجراءات رفع الدعوى ونظرها في المرة الأولى والتي انتهت بصدور الحكم بعدم القبول تنتج
أثرها في قطع التقادم، وليس بذي شأن أن تكون الدعوى الجنائية قد رفعت ممن لا يملك رفعها
قانوناً على خلاف ما تقضي به المادتان 63، 232 من قانون الإجراءات الجنائية – كما هو
الحال في هذه الدعوى – ذلك أنه وإن كان لا يحق للمحكمة في هذه الحالة أن تتعرض لموضوع
الدعوى بل عليها أن تقصر حكمها على عدم قبولها باعتبار أن باب المحاكمة موصد أمامها،
إلا أنه نظراً لأنه يتعين عليها في سبيل القضاء بذلك – أن تستظهر ما تقتضيه المادتان
المشار إليهما (أي أن تتحقق من صفة الموظف أو المستخدم العام ومن أنه ارتكب الجريمة
أثناء تأدية وظيفته وبسببها) بما يقتضيه ذلك من إعلان المتهم والشهود لحضور جلسات المحاكمة
وخلاف ذلك من الإجراءات القضائية، فإن مثل هذه الإجراءات أو ذلك الحكم الصادر في الدعوى
متى تم كل منها صحيحاً في ذاته لا مراء أنه قاطع للتقادم، إذ أن انقضاء الدعوى بمضي
المدة بني على افتراض نسيانها بمرور الزمن بدون اتخاذ إجراءات فيها، فمتى تم اتخاذ
إجراء صحيح في الدعوى بما يجعلها ما تزال في الأذهان ولم تندرج في حيز النسيان انتفت
علة الانقضاء بصرف النظر عن بطلان إجراءات تحريكها السابقة على نظرها وإذ لم تكن مدة
التقادم قد انقضت ما بين صدور الحكم بعدم القبول وإعادة تحريك الدعوى بالطريق الصحيح
– مما لا ينازع فيه المتهم – فإن الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة يكون غير
مقبول.
وحيث إن المحكمة تطمئن من أقوال شاهدي الإثبات إلى وقوع الحادث نتيجة خطأ المتهم الذي
تمثل في عدم تأكده من فصل التيار الكهربائي عن الخلية قبل تكليفه المجني عليه بتنظيفها
برغم أنه المسئول بحكم وظيفته عن تأمين سلامة العاملين بالمحطة عند قيامهم بمثل ذلك
العمل، وتطرح دفاع المتهم وأقوال شاهدي النفي في هذا الشأن لعدم الاطمئنان إليها، كما
تلتفت عن طلب انتداب مهندس فني بعد أن وضحت صورة الواقعة لديها، وتلتفت كذلك عن طلب
استدعاء الطبيب الشرعي طالما أنها لم تعول على أقوال منقولة عن المجني عليه قبل وفاته،
وإذ كان الثابت من التحقيقات أن خطأ المتهم متصل بالحادث اتصال السبب بالمسبب بحيث
لم يكن من المتصور وقوع الحادث بغير وجود هذا الخطأ، ووضح من نتيجة الكشف الطبي وأقوال
الطبيب….. أن إصابات المجني عليه الناشئة عن الحادث هي التي أدت لوفاته، فإن رابطة
السببية بين خطأ المتهم والضرر الذي وقع تكون متوافرة ويضحى الدفع بانتفائها على غير
أساس جديراً بالرفض. لما كان ما تقدم، فإن جريمة القتل الخطأ تكون قد استكملت سائر
عناصرها القانونية، وقامت الأدلة على ثبوت وقوعها من المتهم، مما يتعين معه عقابه بمقتضى
المادة 238 من قانون العقوبات.
