الطعن رقم 646 سنة 9 ق – جلسة 13 /03 /1939
مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة
النقض والإبرام في المواد الجنائية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1936 لغاية 30 أكتوبر سنة 1939) – صـ 486
جلسة 13 مارس سنة 1939
برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمود المرجوشي باشا ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك المستشارين.
القضية رقم 646 سنة 9 القضائية
( أ ) تفتيش. شرط صحته. بلاغ جدّي عن جريمة تكوّن جناية أو جنحة.
توافر عناصر أخرى تبرره. تقدير هذه العناصر. سلطة النيابة. سلطة المحاكم.
(المادة 30 تحقيق)
(ب) محاضر رجال الضبطية القضائية. توقيع مأمور الضبطية عليها. كفايته. تحريرها بخطه.
لا وجوب.
(المواد 10 و18 و32 و83 و84 تحقيق)
1 – إن القانون يشترط لصحة التفتيش الذي تجريه النيابة أو تأذن في إجرائه بمسكن المتهم
أو بما يتصل بشخصه أن تكون هناك جريمة معينة تكوّن جناية أو جنحة، وأن ينسب وقوعها
إلى المتهم ببلاغ جدّي أو بعناصر أخرى تكفي لتبرير تصدّي التحقيق – في سبيل كشف الحقيقة
وتعرّف مبلغ اتصال المتهم بالجريمة – لحرمة مسكنه ولحرّيته الشخصية. والنظر في هذه
العناصر وتقدير كفايتها موكول للنيابة العمومية تحت إشراف المحاكم التي لها إذا ما
تبينت أن التفتيش تمّ بصفة مخالفة للقانون ألا تأخذ في أحكامها بالدليل المستمد منه.
2 – إن القانون – على خلاف ما أوجبه بالنسبة للنيابة وقاضي التحقيق – لم يوجب أن يحضر
مع مأمور الضبطية القضائية وقت مباشرة التحقيق وجمع الاستدلالات المنوطة به كاتب لتحرير
ما يجب تحريره من المحاضر. ومؤدّى ذلك أن مأمور الضبطية القضائية هو المسؤول وحده عن
صحة ما دوّن بمحاضره. وما دام هو يوقع عليها إقراراً منه بصحتها، فلا يهم بعد ذلك إن
كان حررها بقلمه مباشرة أو بواسطة الاستعانة بآلة ميكانيكية أو يد أجنبية لأن عدم مباشرته
تحريرها بخط يده لا يؤثر في اعتبار أنها محرّرة في حضرته وتحت بصره.
المحكمة
وحيث إن مبنى الوجه الأوّل من أوجه الطعن أن الطاعن دفع لدى المحكمة
ببطلان التفتيش الذي أجري في منزله لصدور الإذن به من النيابة قبل أن تكون هناك جريمة
معينة أو تحقيق جار بشأنها، ودون أن تكون هناك قرائن قوية على وقوع هذه الجريمة كما
تقضي المادة 30 من قانون تحقيق الجنايات. ولكن المحكمة رفضت هذا الدفع رغم عدم توافر
الشروط القانونية اللازمة للتفتيش. وأما ما ذكرته محكمة أوّل درجة من أن الطلب الذي
قدّمه الضابط إلى النيابة قد وجهت فيه تهمة اتجار بالمخدّرات وأنه توجد سوابق للطاعن
فغير سديد، لأن الإنسان لا يؤخذ بسمعته وشهرته، ولأن السابقة لا تصلح أن تكون قرينة
على ثبوت الجريمة. وأما قول المحكمة الاستئنافية إن المتهم يتجر في المواد المخدّرة
وإنه مشهور بالاتجار، فإن هذا القول يخالف ما ذكره الضابط الذي قال إن المتهم من المشهورين
بالاتجار بالمواد المخدّرة. وأما عن قول المحكمة إن الضابط راقب المتهم وتحرّى عن طرق
توزيع تجارته فإن هذه الأقوال التي ذكرها الضابط لا وجود لها في أوراق التفتيش، وإن
ذكرها جاء بعد صدور الإذن لتصحيح التفتيش الباطل، وهي لا ترقى إلى مرتبة القرائن القوية
لأن قائلها لم يذكر المصدر الذي بنى عليه معلوماته. ويعلق الطاعن على ذلك أنه ما دام
الحكم قد استند إلى ضبط المخدّر الذي تحصل من التفتيش وعلى أقوال الذين أجروا هذا التفتيش
فيكون الحكم قد استند إلى دليل باطل ويتعين إذاً نقضه.
وحيث إن القانون يشترط لصحة التفتيش الذي تجريه أو تأذن النيابة بإجرائه في مسكن المتهم
أو ما يتصل بشخصه أن تكون هناك جريمة معينة تكوّن جناية أو جنحة وأن يكون نسبة وقوعها
من المتهم عن طريق بلاغ جدّي أو عناصر أخرى تكفي لتبرير تصدّي التحقيق – في سبيل كشف
الحقيقة وتعرّف مبلغ اتصال المتهم بالجريمة – لحرمة مسكنه ولحرّيته الشخصية. والنظر
في هذه العناصر وتقدير كفايتها موكول للنيابة العمومية تحت إشراف المحاكم التي لها
إذا ما تبينت أن التفتيش تم بصفة مخالفة للقانون أن لا تأخذ في أحكامها بالدليل المستمد
منه.
وحيث إنه يبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أنه أدان الطاعن في جريمة إحراز المواد
المخدّرة وأورد واقعة الدعوى التي حصلتها المحكمة من التحقيقات بقوله: إن ضابط نقطة
الإبراهيمية استصدر إذناً من النيابة بتفتيش المتهم (الطاعن) ومنزله لأنه يتجر في المخدّرات
وله سوابق، فصدر أمر النيابة بذلك بتاريخ 23 إبريل سنة 1938؛ وقد ترقب الضابط مرور
المتهم في مساء ذلك اليوم إذ علم أنه سيسلم كمية من المادة المخدّرة بنقطة المومسات
فترقبه لما مر به فضبطه، وبتفتيشه ضبط معه في جيب الصديري علبة صفيح فيها قطع أفيون
زنتها 2.20 جراماً، ثم وجد قطعة حشيش زنتها 5.50 جراماً. ثم ذكر الأدلة التي استند
إليها وهي ضبط المواد المخدّرة مع الطاعن وشهادة الضابط وباقي رجال البوليس الذين ضبطوها
معه. وعرض إلى الدفاع الذي يتمسك به الطاعن بوجه الطعن وهو بطلان التفتيش فلم يأخذ
به، لأن إذن النيابة صدر بعد أن قرر لها الضابط المسئول أن المتهم يتجر في المواد المخدّرة
وأنه مشهور بالاتجار، وهذا اتهام صريح صادر من الضابط المسئول عن الأمن والنظام في
دائرة عمله، ولأن الضابط قال إنه راقب المتهم وتحرّى عن الطرق التي يتبعها في توزيع
تجارته حتى تحقق له ما اتهمه به، فطلب الإذن بالتفتيش من النيابة، فهذا الإذن صحيح
إذ المرجع فيه إلى تقدير الآمر به والمحكمة تقرّ النيابة فيما ارتأته بشأنه.
وحيث إنه يتضح من هذا الذي ذكره الحكم أن الإذن صدر من النيابة لضابط البوليس بتفتيش
شخص الطاعن ومنزله بناء على ما أبلغها به الضابط من أنه يتجر في المواد المخدّرة. ولما
كان هذا البلاغ صريحاً في نسبة جريمة معينة للطاعن وهي جنحة الاتجار في المواد المخدّرة،
ولما كانت النيابة قد قدّرت هذا البلاغ وأصدرت الإذن بالتفتيش اعتماداً عليه بما يفيد
أنها اطمأنت إلى جدّيته، وقد أقرتها المحكمة على النظر الذي ارتأته وأسست عليه إجراء
التفتيش الذي اعتمدت المحكمة في إدانة الطاعن على ما أسفر عنه وتحصل منه – لما كان
كل هذا وجب القول بأن التفتيش قد أجري وفقاً لأحكام القانون، وأن إدانة الطاعن المؤسسة
على هذا التفتيش جاءت صحيحة، وذلك على خلاف ما يزعمه بوجه الطعن. أما ما يثيره الطاعن
من أن المحكمة نسبت إلى الضابط أنه ذكر للنيابة وقت طلب الإذن بالتفتيش ما لم يقل به
فمردود بأنه ما ذكرته المحكمة لا يختلف في المعنى والمؤدى عما يقوله الطاعن نفسه عن
الضابط. وأما اعتراضه بأن المحكمة قالت في سبيل تبرير التفتيش أن الضابط شهد بعد إجراء
التفتيش بما يؤكد اتهام الطاعن في الجريمة – اعتراضه هذا صحيح، لأنه لا يجوز أن يبرر
التفتيش الذي تم فعلاً بعنصر اتهام لم يكن موجوداً وقت إجرائه، إلا أن ذلك لا يجدي
الطاعن ما دامت المحكمة قد استندت أيضاً إلى العنصر الذي بني عليه التفتيش حقيقة، وهو
بلاغ الضابط للنيابة، وأقرتها على ما ارتأته في كفايته كمبرر للتفتيش.
وحيث إن محصل الوجه الثاني أن الطاعن دفع ببطلان محضر التحقيق لأنه لم يحرّر بمعرفة
أحد مأموري الضبطية القضائية بل الذي حرره هو خصم للطاعن. وهذا يستوجب بطلان المحضر
ويجعله في حكم العدم باعتباره دليلاً في الدعوى.
وحيث إن القانون لا يوجب أن يحضر مع مأمور الضبطية القضائية وقت مباشرة التحقيق وجمع
الاستدلالات المنوطة به كاتب لتحرير ما يجب تحريره من المحاضر. ومؤدى ذلك أن مأمور
الضبطية القضائية هو المسئول وحده عن صحة ما دوّن بمحاضره. وما دام هو قد وقع عليها
إقراراً منه بصحتها، فلا يهم بعد ذلك إن كان حررها بقلمه مباشرة أو بواسطة الاستعانة
بآلة ميكانيكية أو يد أجنبية، لأن عدم مباشرته تحريرها بخط يده لا يؤثر في اعتبار أنها
محرّرة في حضرته وتحت بصره.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض إلى الدفاع المشار إليه بوجه الطعن فقال: "إن الدفاع
عن المتهم طلب بطلان محضر البوليس لأن الضابط لم يحرّره بخطه، وهذا الدفع لا سند له
من القانون، وليس ما يمنع من الاستعانة بكاتب إذا قام مانع يمنع الضابط من تحريره بخطه
ما دام سيوقع عليه ويتحمل مسئولية ما أثبت فيه، وكان هو الذي يتولى مباشرة توجيه الأسئلة
وإملائها على كاتب المحضر. والثابت من التحقيق ومن أقوال الضابط ومحمود فوده أن الذي
منع الضابط عن تحرير المحضر بخطه هو إصابته في المظاهرة التي وقعت ليلة الحادث. وقد
حاول الدفاع القول بأن محرّر المحضر وهو محمود فوده خصم للمتهم وذلك لإبلاغه عن زربية
تجاوره ولكنه عجز عن التدليل على ذلك القول".
وحيث إنه يظهر مما تقدّم أن محضر الاستدلال الذي قام به ضابط البوليس لم يكن باطلاً
ما دام الثابت أن الكاتب تولى تحريره أمام الضابط وبإملائه وأن الضابط وقع عليه. كما
يظهر أن المحكمة لم تصدّق مطعن الطاعن على الكاتب الذي عهد إليه تحرير المحضر، وهذا
التقدير الموضوعي لا تصح المجادلة فيه أمام محكمة النقض.
