الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 18 سنة 9 ق – جلسة 09 /01 /1939 

مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1936 لغاية 30 أكتوبر سنة 1939) – صـ 424

جلسة 9 يناير سنة 1939

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك ونجيب مرقص بك المستشارين.


القضية رقم 18 سنة 9 القضائية

تزوير في محرّر رسمي:
( أ ) ركن العمد. متى يتوافر؟ انتحال المتهم شخصية المدعى عليه في محضر الجلسة. طلبه إعادة القضية إلى الرول بعد الحكم فيها. إعادتها. تزوير.
(ب) التدليل على قصد التزوير بأمر لاحق لواقعة التزوير. جوازه.
(المادتان 179 و180 ع = 211 و212)
1 – ركن العمد في جريمة التزوير يتحقق بتعمد الجاني تغيير الحقيقة في محرر بإحدى الطرق المنصوص عليها في القانون منتوياً في ذات الوقت استعمال هذا المحرر بما فيه من تغيير استعمالاً من شأنه الإضرار بالغير. فإذا تسمى شخص كذباً باسم المدّعى عليه في دعوى مدنية أمام المحكمة وانتحل شخصيته في محضر الجلسة، وهو من الأوراق الرسمية التي من شأن كل عبث بما فيها تحقق الضرر بتقويض الثقة المقررة لحجيتها القانونية، وكان ذلك بقصد إعادة القضية إلى الرول فأعادتها المحكمة إليه وعدلت عن الحكم الذي كانت أصدرته فيها، وما كانت لتعدل عنه لولا فعلة هذا الشخص، فإن ما أثبته الحكم من ذلك يدل على توافر القصد الجنائي الذي يتطلبه القانون في جريمة التزوير.
2 – إن أدلة وقوع الجريمة وثبوتها على الجاني كما تستخلص من الظروف الملابسة لها تستخلص كذلك مما يظهره التحقيق من أدلة لاحقة تكشف عنها الإجراءات التي سنها القانون كاستجواب المتهمين وتفتيش المنازل والأشخاص. فإذا استندت المحكمة في التدليل على قصد التزوير إلى أمر لاحق لوقوع واقعة التزوير كقول قاله المتهم في التحقيق فلا تثريب عليها في ذلك.


المحكمة

وحيث إن وجه الطعن يتحصل في أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون على الواقعة التي أدان الطاعن من أجلها لأن ركن القصد الجنائي غير متوافر في الدعوى، إذ أن هذا الركن له طابع خاص في جريمة التزوير ويتميز بعنصرين: الأول علم المتهم بأنه يغير الحقيقة، وعلمه أن العمل الذي ارتكبه من شأنه أن يسبب ضرراً حالاً أو محتمل الوقوع. والثاني نية الإضرار بالغير أو نية الاستفادة من التزوير بصرف النظر عما إذا كانت هذه الاستفادة ستلحق بالغير ضرراً أم لا. وهذا العنصر الأخير غير متوافر في حق الطاعن لعدم قيام نية الإضرار ولا نية الاستفادة لديه، لأنه كان يعتقد بصفته وكيلاً عن محمد أفندي عبد الخالق البشلاوي أنه يؤدّي لموكله خدمة، وأنه يمكنه الحضور عنه بالجلسة التي تسمى فيها باسمه، فلا هو قصد أن يضر أحداً بحضوره عنه ولا أن يستفيد من هذا الحضور. ويزيد الطاعن على ذلك أن قول المحكمة في صدد التدليل على سوء قصده أنه أنكر بجلسة 19 ديسمبر أنه حضر بجلسة 21 نوفمبر، وإنه لو كان حسن النية لاعترف من أول وهلة بالحقيقة – هذا القول مبني على خطأ في تأويل القانون. لأنه يجب لمعرفة توافر القصد الجنائي أن تبحث فيه المحكمة من ظروف الواقعة وقت ارتكابها لا من ظروف أتت بعد وقوعها. ومع ذلك فإن إنكاره سبق حضوره لم يكن إلا وسيلة غير موفقة من وسائل الدفاع وقت التحقيق معه.
وحيث إن ركن العمد في جريمة التزوير يتحقق قانوناً بتعمد الجاني تغيير الحقيقة بإحدى الطرق القانونية في محرر منتوياً في ذات الوقت استعمال هذا المحرر بما فيه من تغيير استعمالاً من شأنه الإضرار بالغير.
وحيث إنه يبين من مراجعة الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أنه أدان الطاعن في تهمة الاشتراك في تزوير محرر رسمي أي محضر جلسة قضية مدنية بأن تقدّم للمحكمة منتحلاً شخصية المدّعى عليه فيها وهو محمد أفندي عبد الخالق البشلاوي وأبدى دفاعاً فيها فأثبت كاتب الجلسة دفاعه وحضوره على الصوّرة المتقدّمة. ثم أورد الحكم واقعة الدعوى كما حصلتها المحكمة من التحقيقات التي أجريت فيها فذكر أنه ثبت من محضر الجلسة أنه لما نودي على الخصوم حضر عن وكيل المدّعي محام بتوكيل وقدّم حافظة وصمم على الطلبات، فحكمت المحكمة حضورياً بالطلبات. وبعد ذلك وقبل انتهاء الجلسة حضر المدّعى عليه أي المتهم (الطاعن) وطلب إعادة القضية للرول والمحكمة أعادتها ونودي وقتئذ على المدّعي فحضر عنه محام. والمدّعى عليه (المتهم) قال أطلب تحليف المدّعي اليمين، والمحكمة سألته عن موضوع الدعوى فقال أنا بعت للمدعي حقيقة الطولمبة واستلمت منه اثنين جنيه. وبناء على هذا الدفاع أجلت المحكمة القضية أسبوعاً لحضور المدعي شخصياً. وبالجلسة التالية لم يحضر المدعى عليه وحضر عنه محام فأجلت القضية للصلح. وبالجلسة التي حدّدت أخيراً لنظرها حضر محام عن المدعى عليه ثم حضر المدعي شخصياً مع محاميه وتناقش الطرفان معاً فلاحظت المحكمة أن المدعى عليه، وهو المتهم الذي كان قد حضر بالجلسة الأولى وترافع، حاضر بالجلسة الأخيرة فدعته وسألته عما تم في موضوع تسليم الطولمبة إلى المدعي فقال أنا لست المدعى عليه وأنا اسمي عوض عبد العزيز والمدعى عليه خالي. فلاحظت عليه المحكمة أنه هو نفسه الشخص الذي حضر أمامها أوّلاً وقال أنه المدعى عليه وطلب إعادة القضية إلى الرول فأعيدت بناء على طلبه وأجلت لحضور المدعي شخصياً، فنفى حصول ذلك منه. ثم اعترف بعد ذلك في التحقيق بهذه الواقعة. وأخيراً عرض الحكم إلى توافر القصد الجنائي لدى الطاعن فقال إن سوء نية المتهم ثابت من تضاربه في أقواله إذ لو كان حسن النية لاعترف من أول وهلة بالحقيقة أمام قاضي المحكمة المدنية.
وحيث إنه يتضح من هذا الذي أثبته الحكم أن الطاعن حضر في الجلسة أمام المحكمة بعد أن حكمت في القضية المدنية لصالح المدعي على المدعى عليه وانتحل شخصية المدعى عليه وتسمى باسمه مما ترتب عليه أن أعادت المحكمة القضية إلى الرول ورجعت عن حكمها الذي أصدرته فيها. وما كان هذا ليحصل لولا اجتراء الطاعن على تغيير الحقيقة في محضر الجلسة بالصورة المتقدّمة. وفضلاً عن ذلك فإنه قد أبدى طلبات في موضوع الدعوى على اعتبار أنها صادرة من ذات المدعى عليه الذي لم يكن حاضراً ولم يبد بالتالي أي طلب.
وحيث إن في هذا ما يدل – خلافاً لما يزعمه الطاعن – على توافر القصد الجنائي الذي يتطلبه القانون في جريمة التزوير في الأوراق، لأنه غاية في الدلالة على أن الطاعن تعمد تغيير الحقيقة فتسمى كذباً في الدعوى المدنية أمام المحكمة باسم المدعى عليه وانتحل شخصيته في محضر الجلسة وهو من الأوراق الرسمية التي من شأن كل عبث بما فيها تحقق الضرر بتقويض الثقة المقررة لحجيتها القانونية، وأنه قصد أن يستند إلى هذا التغيير الذي تعمد ارتكابه في الوصول إلى الأمر الذي كان يرمي إلى تحقيقه والذي تحقق له فعلاً بهذه الواسطة فأعيدت القضية إلى الرول وعدلت المحكمة عن الحكم الذي كانت قد أصدرته فيها والذي ما كانت لتعدل عنه لولا هذه الفعلة التي فعلها الطاعن.
وحيث إن ما يقوله الطاعن للتدليل على انتفاء ركن العمد في التزوير عنه من أنه – باعتباره قريباً ووكيلاً للمدعى عليه – كان مدفوعاً فيما يحصل منه بعامل الرغبة في أداء خدمة له من غير أن يقصد الإضرار بأحد – ما يقوله هذا، مع التسليم بصحته، لا يجديه ما دام هو لم يتقدّم في الجلسة بالصفة التي يقول عنها، وما دام قد تسمى كذباً باسم غيره وثبت في حقه توافر ركن العمد على النحو المتقدّم. على أنه لم يقدّم أي دليل يثبت أنه كان وكيلاً عمن حضر عنه بالجلسة.
وحيث إن ما يثيره الطاعن في الشق الأخير من طعنه من أن المحكمة استندت في التدليل على قصد التزوير إلى أمر لاحق لوقوع الواقعة مع أنه كان الواجب عليها أن لا تتعدّى البحث في ظروف الحادثة وقت وقوعها – ما يثيره هذا لا يتفق والقانون لأن أدلة وقوع الجريمة وثبوتها على الجاني تستخلص من الظروف الملابسة لها، كما تستخلص أيضاً مما يظهره التحقيق من أدلة لاحقة لها تكشف عنها الإجراءات التي سنها القانون، كاستجواب المتهمين وتفتيش المنازل والأشخاص. وإذاً فلم تخطئ المحكمة إذا هي استندت إلى إنكار الطاعن حضوره بالجلسة التي وقع التزوير فيها في إثبات سوء نيته.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات