الطعن رقم 62 سنة 9 ق – جلسة 12 /12 /1938
مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة
النقض والإبرام في المواد الجنائية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1936 لغاية 30 أكتوبر سنة 1939) – صـ 395
جلسة 12 ديسمبر سنة 1938
برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك ونجيب مرقس بك المستشارين.
القضية رقم 62 سنة 9 القضائية
دفاع شرعي. حكم في جريمة من جرائم الاعتداء على النفس. الطعن فيه
بقيام حالة الدفاع الشرعي. متى يجوز؟
(المادة 210 ع = 246)
الحكم الصادر بالإدانة في جناية إحداث عاهة مستديمة أو في غيرها من جرائم الاعتداء
على النفس إذا لم يتعرّض إلى الكلام عن الدفاع الشرعي ولم يعامل المتهم على مقتضى أحكامه
فلا يقبل الطعن فيه بحجة قيام حالة الدفاع الشرعي لدى المتهم في الواقع متى كان المتهم
لم يعترف بالجريمة اعترافاً يتضمن أنه كان في حالة دفاع شرعي والدفاع عنه لم يتمسك
أمام المحكمة بقيام هذه الحالة، ومتى كانت وقائع الدعوى – حسبما أثبته الحكم بناء على
ما حصلته المحكمة من التحقيق الذي أجرته – خالية مما يفيد توافر ثبوت أية حالة من أحوال
الدفاع الشرعي كما عرفه القانون.
المحكمة
وحيث إن الطعن بني على أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون
على الواقعة التي أثبتها. وفي بيان ذلك يقول الطاعنان بأن الواقعة حسب تدوينها في الحكم
تقتضي البراءة لأن الحكم أثبت أنه بينما كان المجني عليهم يقومون بري زراعتهم أقبل
الطاعن الثاني وأخوه وأخذا في وضع ماسورة لري أرضهما أيضاً فتعرّض الأوّلون للآخرين
في تركيب الماسورة مستمهلين إياهما حتى ينتهوا من ري أرضهم فأبى الأخيران فقامت مشادة
بين الطرفين. ويتضح من هذا أن الطاعنين كانا يستعملان حقاً شرعياً فتعرّض لهما الفريق
الآخر من المجني عليهم، ولا شك أن التعرّض للماء والرغبة في احتكاره إنما هو اعتداء
على حق المنتفع بالمسقى. وقد سماه الحكم نفسه تعرّضاً ولكنه مع ذلك لم يعط هذه الواقعة
حكمها القانوني على أساس أن الحادثة حصلت بسبب هذا العرّض، وأن المتهمين كانا يستعملان
حقاً لهما. وقد زاد الحكم في بيان العدوان من جهة فريق المجني عليهم فقال إن المتهمين
رفضوا الإذعان للاعتداء، وصمموا على وضع الماسورة، أي أن الطاعنين لم يتحرّكا لأوّل
وهلة إلى الشر، والمشادة بدأت – على حسب ما جاء بالحكم – نتيجة لمجرّد تصميم الطاعنين
على الوقوف عند حقهما وإصرارهما على استعماله، فهي حينئذ بدأت من الفريق الآخر الذي
لما رأى تمسك الطاعنين بحقهما بدأ يستعمل القوّة المستفادة من كلمة المشادة الواردة
بالحكم، وسواء أبدأت تلك القوة بالكلام الجارح أم بالضرب الخفيف فإن الواقعة لا يتغير
حكمها. ويضيف الطاعنان إلى ذلك أن عدم تمسكهما أمام المحكمة بحق الدفاع لا يؤثر في
حقيقة الأمر لأن القاضي الجنائي قيم على العدالة، وله من تلقاء نفسه أن يقضي بالبراءة
متى تبين له من الوقائع أي سبب من أسبابها.
ومن حيث إنه لا يقبل الطعن على الحكم الصادر بالإدانة في جناية إحداث عاهة مستديمة
أو في غيرها من جرائم الاعتداء على النفس إذا لم يتعرّض إلى الكلام عن الدفاع الشرعي
ولم يعامل المتهم على مقتضى أحكامه – لا يقبل الطعن على هذا الحكم بحجة قيام الدفاع
الشرعي متى كان المتهم لم يعترف بالجريمة اعترافاً يتضمن أنه كان في حالة دفاع شرعي،
والدفاع عنه لم يتمسك أمام المحكمة بقيام هذا الحق، ومتى كانت وقائع الدعوى حسبما أثبته
الحكم بناء على ما حصله من التحقيق الذي أجرته المحكمة خالية مما يفيد توافر ثبوت أية
حالة من أحوال الدفاع الشرعي كما عرفه القانون.
وحيث إن الواقعة الجنائية التي أثبتها الحكم المطعون فيه وأدان الطاعنين من أجلها هي
أنه "في صباح يوم 12 سبتمبر سنة 1936 بأراضي بلدة الكوم الأخضر التابعة لمركز الجيزة
بينما كان حنفي أبو السعود مرعي وأخوه محمد محمد أبو السعود مرعي ومحمود جاد الله يقومون
بري غيطهم بواسطة الطمبور من ترعة الأهرام المعروفة بالرشاح أقبل المتهم الثاني سعداوي
رحيم القصاص (الطاعن الثاني) وأخوه حجاج وأخذا في وضع ماسورة على الرشاح لأجل ري أرضهم
أيضاً فتعرّض الأوّلون للآخرين في تركيب الماسورة مستمهلين إياهما إلى أن ينتهوا من
ري أرضهم فرفض الأخيران وصمما على وضع الماسورة، فقامت مشادة بين الفريقين أدّت إلى
شجار تجمع فيه عدد عديد من عائلتي القصاص ومرعي وأنصار كل من العائلتين، فاستفحل الخطب
لما بين العائلتين من ضغائن قديمة، ونشبت معركة كبيرة استعمل فيها الضرب بالعصي وأصيب
فيها نحو عشرين شخصاً من الفريقين. ومن بين المصابين من عائلة مرعي الغلام أحمد حامد
الحمري وعوض محمد زيدان أصيب أوّلهما بكدم رضي شامل لمقدّم الصدغية اليسرى ويسار الجبهة
وجفني العين اليسرى أحدث كسراً شرخياً بعظم الجبهة ونزيفاً فوق الأم الجافية أدّى إلى
وفاته في اليوم الثاني، وأصيب الثاني عوض محمد زيدان بجرحين برأسه وبكسر بساعده الأيمن
نشأ عنه إعاقة في حركتي الثني والكب وهي عاهة مستديمة يستحيل برؤها. أما المصابون الآخرون
فأصيبوا بإصابات رضية عولجوا من أجلها مدداً متفاوتة أقل من عشرين يوماً". ثم ذكر الحكم
الأدلة التي استند إليها في إدانة الطاعنين فقال إن عوض محمد زيدان المجني عليه وهو
من الفريق المعادي لعائلة القصاص شهد "بأنه بينما كان وحده يروي في غيطه أقبل المتهمون
الثلاثة (ومنهم الطاعنان) وضربوه بالعصي فوقع على الأرض" وأن الكشف الطبي أيد شهادته.
ثم أورد الحكم أن المتهمين بضرب المجني عليه المذكور أصروا على إنكار التهمة المسندة
إليهم.
وحيث إنه ليس في هذا الذي أثبته الحكم ما يفيد أن الطاعنين، أحدهما أو كليهما، وهما
يعتديان على المجني عليه كانا في حالة من حالات الدفاع الشرعي، لأنه صريح في الدلالة
على أن ما وقع من الطاعنين على المجني عليه من ضرب، وإن كان السبب فيه ابتداء وفي أوّل
الأمر المناقشة التي نشأت عن وضع الماسورة على المسقى، لم يكن يقصد به الدفاع عن حق
شرعي وإنما قصد به الانتقام من المجني عليه أثناء الشجار الذي حصل بعد ذلك بين العائلتين
لما تجمعت جموعهم واستفحل الخطب ونشبت المعركة.
وحيث إنه مع سكوت الدفاع عن الطاعنين أمام محكمة الموضوع عن التمسك بحق الدفاع الشرعي
تبريراً لما وقع منهما، ومع إنكار الطاعنين حصول اعتداء منهما على المجني عليه، ومع
ما هو ظاهر مما أثبته الحكم المطعون فيه من أن الطاعنين لم يكونا في أية حالة من حالات
الدفاع الشرعي كما سبق بيانه – مع ذلك كله يكون الحكم قد جاء سليماً ولم يخطئ في شيء.