الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 61 سنة 9 ق – جلسة 12 /12 /1938 

مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1936 لغاية 30 أكتوبر سنة 1939) – صـ 391

جلسة 12 ديسمبر سنة 1938

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك ونجيب مرقس بك المستشارين.


القضية رقم 61 سنة 9 القضائية

تفتيش:
إذن النيابة في تفتيش منزل المتهم. عدم انصرافه إلى غير المنزل. القبض على المتهم وحجزه لجمع ما يخرج منه من بول وبراز لتحليله. استناد رجل الضبطية القضائية في ذلك على إذن النيابة له في تفتيش منزل المتهم. لا يجوز.
(المادة 23 تحقيق)
إن الإذن الصادر من النيابة لأحد مأموري الضبطية القضائية بتفتيش منزل متهم في جناية أو جنحة لا يمكن أن ينصرف بحسب نصه والغرض المقصود منه إلى غير ما أذن بتفتيشه. وذلك لما يقتضيه صدور كل إذن من هذا القبيل من نظر خاص في تقدير الظروف المستلزمة للتفتيش ومبلغ احتمال استفادة التحقيق منه. فإذا صدر إذن من النيابة لأحد مأموري الضبطية القضائية بتفتيش منزل متهم لضبط ما يوجد به من مواد مخدّرة ففتشه ولم يجد فيه شيئاً من ذلك، ثم قبض على المتهم وأودعه بالمستشفى الأميري مدّة يوم كامل بغير إذن آخر من النيابة وجمع ما خرج منه في ذلك اليوم من بول وبراز لما عساه يظهر بعد تحليلهما من دليل ضدّه، فإن هذا الإجراء الأخير يكون باطلاً لعدم وجود ما يستند إليه سوى الإذن الصادر بتفتيش المنزل. وذلك لاختلاف الاعتبارات التي يتأثر بها تقدير النيابة عند إجازتها إجراء كل من الأمرين على ما في أحدهما من مساس بحرمة المسكن وما في الثاني من اعتداء على الحرّية الشخصية. والحكم الذي يجعل عماده في القضاء بإدانة هذا المتهم ما أظهره التحليل من أثر المخدّر في تلك المتحصلات هو حكم باطل لاستناده إلى دليل مستمد من إجراء باطل قانوناً. وما دامت إدانة المتهم لم تؤسس إلا على ما أسفر عنه هذا التحليل فيتعين نقض الحكم والقضاء بالبراءة بغير حاجة للإحالة إلى محكمة الموضوع.


المحكمة

وحيث إن مبنى أوجه الطعن الثلاثة الأول أن الحكم المطعون فيه أخطأ خطأ يعيبه ويوجب نقضه، لأن الحكم الابتدائي بيّن أسباب البراءة على وجه يتفق والقانون. ولكن المحكمة الاستئنافية حين ألغته لم ترد على ما جاء به إلا بقولها إن تفتيش المنزل بناء على الإذن الصادر من النيابة العامة يقتضي ضرورة تفتيش الشخص. وهذا قصور يعيب الحكم، فضلاً عما ينطوي عليه من التجاوز المعيب في التفسير، لأن ما وقع على المتهم لم يكن تفتيشاً بل إن التفتيش حصل على المتهم فعلاً في منزله وانتهى إلى عدم وجود شيء في ملابسه أو في جسمه من آثار حقن أو خلافها، ولكن تلا هذا التفتيش ما لا يجيزه القانون من القبض على المتهم أربعاً وعشرين ساعة وإيداعه في المستشفى، وإجراء عملية غسيل المعدة، وإبقائه تلك المدّة للحصول على متخلفات البراز والبول، وانتزاع الدليل من جسم المتهم قسراً عنه. على أن النيابة ما كانت تملك إصدار الإذن بالتفتيش في هذه الحالة لأن التفتيش الذي تملك النيابة الإذن به يجب أن يكون تالياً لتحرير محضر أو بلاغ بوقوع جريمة. أما إذا كان الغرض من التفتيش البحث عن جريمة لم تقع فإنه لا يكون إلا بإذن من القاضي الجزئي.
وحيث إن إذن النيابة أحد مأموري الضبطية القضائية بتفتيش منزل متهم في جناية أو جنحة لا يمكن أن ينصرف بحسب نصه والغرض المقصود منه إلى غير المنزل الذي أذن بتفتيشه. وذلك لما يستلزمه صدور كل إذن من هذا القبيل من نظر خاص في تقدير ظروف لزوم ذلك التفتيش ومقدار احتمال استفادة التحقيق منه. وينبني على ذلك بطلان الإجراء الذي يقوم به مأمور الضبطية القضائية من القبض على المتهم وحجزه مدّة من الزمن تجمع فيها متحصلاته من بول وبراز لما قد يظهر فيها من دليل عليه إذا كان هذا الإجراء لا يستند إلا إلى إذن صادر من النيابة بتفتيش منزل المتهم. وذلك لاختلاف الاعتبارات التي يتأثر بها تقدير النيابة عند إجازتها إجراء كل من الأمرين على ما في أحدهما من مساس بحرمة المسكن وما في الثاني من اعتداء على الحرّية الشخصية.
وحيث إن الحكم الابتدائي قضى ببراءة الطاعن مستنداً إلى أن المحقق الذي اختص بتفتيش منزل الطاعن رأى أن يرسله إلى المستشفى لحجزه أربعاً وعشرين ساعة يحفظ في خلالها متحصلاته من بول وبراز، وأن رجال الضبطية القضائية لا يملكون أصلاً حق التفتيش إلا في أحوال معينة وهي حالات التلبس، وفيما عدا ذلك فلا حق لهم فيه إلا بعد الحصول على إذن من السلطة القضائية المختصة، والإذن بالتفتيش لغرض معين لا يجوز تجاوزه لغرض آخر، وأنه لم يثبت من تحقيق البوليس ما يجعل المتهم في حالة تلبس بل ذكر فيه صراحة أن الضابط فحص جسم المتهم ولم يجد به آثار وخز إبر الحقن، وأن إذن النيابة كان قاصراً على تفتيش منزل المتهم ومنازل أشخاص آخرين؛ فما كان يجوز للبوليس، بعد أن لم يجد شيئاً، أن يعتدي على حرية الأشخاص وكرامتهم ويرسلهم للمستشفى لأخذ ما يفرزه جسمهم دون استئذان النيابة، لأن القانون سوّى بين حرمة المنازل وحرمة الأشخاص التي كفلها الدستور.
وحيث إنه يبين من مراجعة الحكم الاستئنافي أنه قضى بإلغاء الحكم الابتدائي وبإدانة الطاعن وجاء به "حيث إنه قد ثبت من وقائع هذه الدعوى أن معاون بوليس مركز جرجا حصل على تصريح بتفتيش منزل المتهم لاشتهاره بإحراز المواد المخدّرة ثم توجه إلى منزله وبعد أن فتشه وجمع ما وجده من بعض الزجاجات والإبر أخذه للتحقيق معه ثم أرسله إلى المستشفى الأميرية للحصول على متخلفاته من بول وبراز لتحليلها وأرسل كل ذلك إلى المعمل الكيماوي. ثم أظهر تحليل هذه المتخلفات وجود مادة مخدّرة بها وهي مادة المورفين أو الهيروين. وحيث إن الحكم المستأنف قضى ببراءة المتهم (الطاعن) معتمداً في ذلك على بطلان إجراءات التفتيش بالنسبة لشخص المتهم ما دام أن تصريح التفتيش قد اقتصر على مسكنه فقط. وحيث إن هذا القيد من مدى سلطة التفتيش، بعد الحصول على الإذن، وقصرها على المنزل هو تقييد لم يرم إليه القانون لأنه سمح بهذا التفتيش الذي من شأنه تفتيش منزل المتهم وشخصه وما يحويه أوّلهما أو يحمله ثانيهما. ولا مشاحة في أن القبض على المتهم وأخذه إلى محل التحقيق هو أيضاً من نتائج هذا التفتيش، فالقول بأن إرسال المتهم إلى المستشفى للحصول على متخلفات المعدة هو إجراء باطل قول غير صحيح".
وحيث إنه يظهر من البيان المتقدّم صواب النظر الذي أخذ به الحكم الابتدائي وخطأ ما ذهبت إليه محكمة ثاني درجة في حكمها المطعون فيه، إذ ما دام التفتيش الذي أجري في منزل الطاعن بناء على إذن النيابة لم يسفر عن وجود شيء من المخدّرات فما كان يحق قانوناً لمأمور الضبطية القضائية أن يودع المتهم بالمستشفى الأميري بغير إذن آخر من النيابة مدّة يوم كامل ابتغاء انتزاع الدليل منه قسراً عنه بالحصول على متحصلاته من براز وبول – تلك المتحصلات التي أظهر التحليل أن بها أثر المخدّر الذي كان عماد الحكم في القضاء بإدانة الطاعن.
وحيث إنه لما كان القبض على المتهم وحجزه للحصول على متحصلاته قد وقع باطلاً كما سبق القول، وكان هذا يستلزم حتماً بطلان كل ما ترتب على ذلك الإجراء الباطل، ولما كانت إدانة الطاعن لم تؤسس إلا على ما أسفر عنه تحليل متحصلاته من وجود أثر المخدّر بها – ذلك التحليل الذي استتبع ذلك الإجراء الباطل، تعين نقض الحكم المطعون فيه بغير حاجة لبحث باقي أوجه الطعن ووجب القضاء ببراءة الطاعن مما نسب إليه.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات