الطعن رقم 1908 سنة 8 ق – جلسة 24 /10 /1938
مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة
النقض والإبرام في المواد الجنائية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1936 لغاية 30 أكتوبر سنة 1939) – صـ 301
جلسة 24 أكتوبر سنة 1938
برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمد كامل الرشيدي بك وأحمد مختار بك وسيد مصطفى بك المستشارين.
القضية رقم 1908 سنة 8 القضائية
شهود. شهود إثبات. استغناء المتهم عن سماعهم. تسليمه بالوقائع التي
ذكروها في التحقيق. عدم سماعهم. الاعتماد على أقوالهم في التحقيقات. جوازه. أساسه.
تسليم المتهم بالوقائع.
إن تنازل المتهم عن سماع شهود الإثبات بالجلسة، وتسليمه بجميع الوقائع التي قرّروها
في التحقيق، يجعل المحكمة في حل من عدم سماع هؤلاء الشهود اعتماداً على تصديقها إقرار
المتهم بصحة الوقائع التي هي موضوع شهادتهم. واعتمادها في حكمها بالإدانة على أقوالهم
في التحقيق إنما هو في الواقع اعتماد على ما سلم بصحته المتهم المحكوم عليه نفسه، ولا
مخالفة في ذلك للقانون في شيء.
المحكمة
وحيث إن محصل الوجه الأول من وجهي الطعن أن الحكم الابتدائي الذي
تأيد بأسبابه بالحكم المطعون فيه خلا من بيان الواقعة التي أدين فيها الطاعنان، وهذا
القصور يعيبه عيباً يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مراجعة الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أنه أثبت
أن الطاعنين قدّما للمحاكمة بتهمة أنهما في 7 فبراير سنة 1938 بجرجا وفاقوس اتجرا في
مواد مخدّرة (حشيش) بدون مسوّغ شرعي وأن المحكمة بعد أن استعرضت وقائع الدعوى وأدلتها
قالت بثبوت هذه التهمة عليهما وأدانتهما فيها. ومما ذكره الحكم أنه تبين للمحكمة من
أقوال المتهم الأول (الطاعن الأول) ومن الأوراق التي ضبطت معه أثناء التحقيق أنه يتجر
في المخدّرات ويصدّرها من بلده وأنه شحنها من السماعنة باتفاقه مع المتهم الثاني (الطاعن
الثاني) وأن الأوراق المذكورة – التي بينتها المحكمة – تنم عن حقيقة معاملاته في الاتجار
في المواد المخدّرة، كما أثبت فيما يختص بالطاعن الثاني أنه اعترف بأنه هو الذي أرسل
الطرود المضبوطة من محطة السماعنة باسم شخص تبين أن لا وجود له وأنه عجز عن إثبات حسن
نيته فهو بلا شك الذي صدر المادة المخدّرة للمتهم الأول (الطاعن الأول) وهو عالم بحقيقة
أمرها.
وحيث إنه يتضح من البيان المتقدّم أن الواقعة الجنائية التي أدين فيها الطاعنان وهي
الاتجار في المواد المخدّرة مبينة في الحكم بما فيه الكفاية، وذلك على خلاف ما يدعيه
الطاعنان.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني أن الأصل في التحقيقات أمام المحاكم الجنائية أن تكون شفوية،
فلا يجوز الاستغناء عن شهادة الشهود أو الاكتفاء بما قرروه في التحقيق الابتدائي إلا
في حالة اعتراف المتهم صراحة بالتهمة المنسوبة إليه لا بمجرّد تسليمه بواقعة من وقائعها
أو في حالة استحالة سماع شاهد بالجلسة، وحينئذ تتعين تلاوة أقواله الواردة في التحقيق.
ويقول الطاعنان إن تنازل أحدهما بالجلسة عن أقوال الشهود وموافقة من كانوا متهمين معه
على ذلك لا يعفي المحكمة من سماع الشهود لأنهم لم يكونوا شهود الطاعن وإنما كانوا شهود
الاتهام والنيابة لم تستغن عن سماعهم بل فوّضت الأمر للمحكمة في شأنهم، وكان على المحكمة
إما أن تقرر أنها ستحكم بناء على أقوال الشهود، وبذلك كان الواجب سماعهم، أو أنها ستحكم
بغير أن تسمعهم والواجب حينئذ أن لا يعتمد الحكم على أقوالهم. والحكم المطعون فيه إذ
رجع إلى أقوال الشهود وناقشها بغير سماعهم يكون قد بني على خطأ جوهري في الإجراءات.
وحيث إنه ثابت بالحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه، أن الحاضر عن المتهم
الأول (الطاعن الأول) طلب من المحكمة عند البدء في نظر القضية الاستغناء عن سماع شهود
الإثبات لأنه مسلم بجميع الوقائع التي ذكرها ووافق موكله على ذلك، كما وافق المتهم
الثاني (الطاعن الثاني). وتبين من مراجعة الحكم المذكور أنه أدان الطاعنين على أساس
ثبوت التهمة على المتهم الأول (الطاعن الأول) من اضطراب أقواله مع تسليمه بأن بوليسة
الرسالة التي ظهر أن بداخلها المادة المخدّرة كانت لديه، ومن الأوراق التي ضبطت معه
والدالة على اتجاره في المخدّرات. أما عن الثاني (الطاعن الثاني) فقد أسس الحكم إدانته
على اعترافه بأنه هو المرسل للرسالة التي وجد بها الحشيش والتي تبين أن اسم المرسل
إليه فيها هو لشخص موهوم، وعلى أن هذا المتهم لم يستطع إثبات حسن نيته في صدد جهله
ما حوته الرسالة. وقد عرض الحكم لأقوال الشهود الذين لم يسمعوا ولكن ذلك كان في صدد
بحث أقوال المتهمين (الطاعنين) في أدوارها المختلفة وقد أخذ بأقوال هؤلاء الشهود ليدلل
على اضطراب المتهمين (الطاعنين) في دفاعهما.
وحيث إن تنازل الطاعنين عن سماع أقوال شهود الإثبات على النحو السالف ذكره وتسليمهما
بصحة الوقائع التي شهدوا بها في التحقيق يجعل المحكمة في حل من عدم سماع هؤلاء الشهود
معتمدة على تصديقها إقرار الطاعنين بصحة الوقائع موضوع شهادة الشهود. وهي إذ اعتمدت
في حكمها بإدانة الطاعنين على شهادة الشهود المذكورين الذين لم تسمعهم لم تخالف القانون
في شيء لأنها إنما تعتمد في الواقع على ما سلم بصحته نفس المحكوم عليه.
وحيث إنه فضلاً عن ذلك فإن الحكم المطعون فيه لم يؤسس على شهادة شهود لم تسمعهم المحكمة
بل بني على ما استخلصته المحكمة من أقوال الطاعنين ومن الأوراق التي ضبطت. ومتى كان
الأمر كذلك، وكان الحكم لم يعوّل بصفة أصلية في إدانة الطاعنين على شهادة الشهود الذين
لم يسمعوا، كان الجدل بشأن عدم سماع هؤلاء الشهود غير مجد.
