الطعن رقم 1895 سنة 8 ق – جلسة 17 /10 /1938
مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة
النقض والإبرام في المواد الجنائية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1936 لغاية 30 أكتوبر سنة 1939) – صـ 285
جلسة 17 أكتوبر سنة 1938
برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمود المرجوشي باشا ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك المستشارين.
القضية رقم 1895 سنة 8 القضائية
تفتيش:
( أ ) مسكن. تفتيشه. سلطة النيابة في ذلك. قيودها. حق المحاكم في مراجعة النيابة.
(ب) إذن التفتيش. متى ينتهي مفعوله؟ دخول منزل بإذن النيابة لتفتيشه لضبط مخدّر. مشاهدة
المواد المخدّرة قبل التفتيش: حق مأمور الضبطية القضائية في إجراء تفتيش آخر أساسه
التلبس.
(المواد 8 و15 و30 تحقيق)
1 – إن القانون لم يطلق السلطة المخوّلة للنيابة العمومية بالفقرة الأولى من المادة
30 من قانون تحقيق الجنايات في تفتيش المساكن، بل قيدها بما يقتضي أن يكون هناك تحقيق
أو بلاغ جدّي عن واقعة محدّدة تكوّن جناية أو جنحة وتسند إلى شخص معين بقدر يقتضي ضرورة
تصدّي التحقيق لحرّيته أو حرمة مسكنه في سبيل تعرّف حقيقة صلته بالجريمة. وتقدير هذه
الظروف والنظر فيها منوط بالنيابة العمومية. وللمحاكم حق مراجعتها بإطراح الدليل المستفاد
من محضر التفتيش إذا لم تراع فيه الأصول والشرائط القانونية اللازمة لصحته.
2 – الإذن الذي تصدره النيابة العمومية لأحد مأموري الضبطية القضائية بتفتيش منزل ينتهي
مفعوله بتنفيذ مقتضاه. فمتى أجرى المأمور المنتدب التفتيش فليس له أن يعيده مرة ثانية
اعتماداً على الإذن المذكور. أما إذا طرأ ما يسوّغ التفتيش للمرة الثانية، كقيام حالة
التلبس بالجريمة، فلمأمور الضبطية أن يقوم به، وذلك اعتماداً على الحق الذي خوّله إياه
القانون لا اعتماداً على الإذن الصادر من النيابة بإجراء التفتيش الأوّل.
فإذا دخل مأمور الضبطية القضائية منزلاً لتفتيشه لضبط مواد مخدّرة اعتماداً على إذن
صادر من النيابة فشاهد بنفسه هذه المواد قبل أن يباشر التفتيش كان له الحق في إجراء
تفتيش آخر أساسه ما له قانوناً من سلطة إجراء التفتيش في أحوال التلبس لا الإذن الذي
اعتمد عليه في التفتيش الأوّل الذي أجراه.
المحكمة
ومن حيث إن مبنى الوجه الأوّل من أوجه الطعن أن الحكم المطعون فيه
بني على إجراءات باطلة. وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه (أوّلاً) دفع أمام المحكمة ببطلان
الإذن الصادر من النيابة العامة لضابط البوليس بتفتيش منزله لصدوره بغير اتهام قائم
ضده وبدون أن يكون هناك أي تحقيق خاص به. (وثانياً) دفع كذلك ببطلان التفتيش الثاني
الذي قام به الضابط لحصوله بدون إذن لأن الإذن الذي حصل عليه من النيابة كان قد انتهى
مفعوله بانتهاء التفتيش الأوّل الذي أسس عليه فلا يجوز استخدامه في تفتيش آخر، ولأن
الطاعن لم يكن في حالة من أحوال التلبس أو غيرها من الأحوال التي تخوّل لرجال الضبطية
القضائية تفتيش البيوت بغير إذن من سلطة التحقيق. ولكن المحكمة رفضت الدفع الأوّل بحجة
أن إذن التفتيش صحيح لأنه بني على اتهام جدّي بناء على بلاغ من ضابط المباحث عن جريمة
معينة وصلت إلى علمه من التحرّيات السرية التي أجراها. وهذا خطأ لأن ضابط المباحث هو
الذي اتهم الطاعن، وهو الذي تولى التحقيق معه الأمر الذي ينتفي معه جدّية الاتهام.
وفضلاً عن ذلك أن التحرّيات التي أشار إليها الضابط في طلب الإذن مبهمة ولا سند لها
ولا ترتقي إلى مرتبة القرائن التي تبيح تفتيش البيوت. على أن التفتيش يجب أن يكون لاحقاً
لجريمة وقعت لا كاشفاً عن جريمة لم تكن معلومة. كذلك رفضت المحكمة الدفع الثاني بناء
على اعتبارات خاطئة لأنها قالت إن الضابط لم يكن قد أتم تحقيقه وقت أن أجرى التفتيش
الثاني، وإنه لم يمض بين التفتيشين سوى ساعة ونصف الساعة، وإن إذن النيابة لم يجدّد
وقت التفتيش ولا المرات التي يجرى فيها. وهذا القول مدفوع بأن الضابط أثبت في المرة
الأولى أنه أتم تفتيشه بناء على الإذن الصادر من النيابة فما كان يجوز له أن يعود إلى
التفتيش مرة أخرى بدون إذن آخر لأنه ليس للضابط أن ينتهك حرمة المنازل بحجة عدم انتهاء
التحقيق الذي قد يمتد شهوراً، وعلى الأخص فإن ندب النيابة لرجل الضبطية لا يجوز أن
يقع إلا بالكتابة وعن غرض معين فلا يصح تكرار التفتيش بناء عن إذن واحد.
وحيث إن القانون لم يطلق السلطة المخوّلة للنيابة العمومية بالفقرة الأولى من المادة
30 من قانون تحقيق الجنايات في تفتيش المساكن بل قيدها بما يقتضي أن يكون هناك تحقيق
أو بلاغ جدّي عن واقعة محدّدة تكوّن جناية أو جنحة وتسند إلى شخص معين بقدر يقتضي ضرورة
تصدّي التحقيق لحرّيته أو حرمة مسكنه في سبيل تعرّف حقيقة صلته بالجريمة. وتقدير هذه
الظروف والنظر فيها منوط بالنيابة العمومية، وللمحاكم حق مراجعتها بإطراح الدليل المستفاد
من محضر التفتيش إذا لم تراع فيه الأصول والشرائط القانونية اللازمة لصحته.
وحيث إن الإذن الذي تصدره النيابة العمومية لأحد مأموري الضبطية القضائية بتفتيش منزل
ينتهي مفعوله بتنفيذ مقتضاه. فمتى أجرى المأمور المنتدب التفتيش فليس له أن يعيده مرة
ثانية اعتماداً على الإذن المذكور، أما إذا طرأ ما يسوغ التفتيش للمرة الثانية كقيام
حالة التلبس بالجريمة، فلمأمور الضبطية أن يقوم به، وذلك اعتماداً على الحق الذي خوّله
إياه القانون لا اعتماداً على الإذن الصادر من النيابة بإجراء التفتيش الأوّل.
وحيث إن واقعة الحال التي حصلتها محكمة الموضوع في هذه الدعوى على النحو الثابت بالحكم
المطعون فيه "أن ضابط مباحث قسم الجمرك فتح محضراً بتاريخ 22 نوفمبر سنة 1937 الساعة
العاشرة والدقيقة العاشرة مساء أثبت فيه أنه علم من التحرّيات السرية أن المتهم (الطاعن)
يتجر بالمواد المخدّرة ويخفيها في منزله وقهوته، وعرض هذا المحضر على النيابة فأذنت
له بإجراء التفتيش فأجراه هذا الضابط في 27 نوفمبر سنة 1937 وحرر محضراً به في نفس
اليوم أثبت فيه أنه لما دخل الشقة سكن المتهم وجده في فسحة المنزل وبجواره المتهم الثاني،
وبمجرّد أن نظره المتهم الأول (الطاعن) ألقى شيئاً من يده فإذا به قطعة من الحشيش يظهر
أنها مخلوطة بالأفيون. وأن ضابط المباحث المحقق بعد أن أجرى التفتيش الأوّل نفاذاً
لأمر النيابة في 27 نوفمبر سنة 1937 الساعة العاشرة والدقيقة العاشرة مساء انتقل إلى
قسم البوليس وأخذ في التحقيق. وأثناء استجواب المتهم الثاني اعترف هذا الأخير بأنه
تواجد بمنزل المتهم الأول لمشتري قطعة حشيش، وأنه بعد أن نقده ثمنها أحضر له المتهم
الأول القطعة، ولكنه عندما أراد استلامها منه فاجأهما الضابط فسقطت القطعة المضبوطة
من يد المتهم الأوّل، وزاد بأن المتهم الأوّل المذكور يخفي المخدّرات تحت البلاط في
حجرة سبق أن فتشها الضابط في آخر التفتيش، وأن هذا المخبأ هو الذي استحضر منه المتهم
الأوّل القطعة المضبوطة، فانتقل الضابط بنفسه مرة أخرى في نفس اليوم الساعة الحادية
عشرة والنصف مساء وأجري التفتيش بحضور المتهم (الطاعن) وزوجته والمتهم الثاني وبعض
رجال البوليس وضبط كمية كبيرة من الأفيون والحشيش مخبأة تحت جزء من بلاطة مكسورة كسراً
مستقيماً".
وحيث إن الحكم المطعون فيه إذ تعرّض لما دفع الطاعن ببطلان إذن التفتيش الصادر من النيابة
العمومية لنفس الأسباب الواردة بوجه الطعن قضى برفضه، وذكر أن المستفاد من أدلة الدعوى
أن هذا الإذن صدر بناء على بلاغ من ضابط المباحث عن جريمة معينة وصلت إلى علمه من التحرّيات
السرية التي أجراها بواسطة رجال البوليس السري، وأن هذا الإذن لم يصدر جزافاً بل بناء
على اتهام جدّي وجه للمتهم عن جريمة معينة.
وحيث إنه يظهر من البيان المتقدّم أن الحكم المطعون فيه إذ اعتمد في إدانة الطاعن على
ما تحصل من التفتيش الأول لم يخطئ في شيء لأن هذا التفتيش بني على إذن من النيابة العمومية
بناء على بلاغ عن واقعة معينة أسندت للطاعن بقرائن رأت النيابة كفايتها لإجراء التفتيش
وقد أقرتها المحكمة على ذلك. ولما كانت النيابة هي التي أذنت بهذا التفتيش فليس للطاعن
أن يناقش هذا الموضوع من جديد أمام محكمة النقض والإبرام.
وحيث إنه عن القول ببطلان محضر التفتيش الثاني فإنه فضلاً عن كون المناقشة في هذا الصدد
لا تجدي الطاعن مع ما أثبته الحكم من ضبط مخدّر معه عند التفتيش الأوّل وتأسيس الحكم
بإدانته على ذلك وعلى الأدلة الأخرى التي أوردها لأن هذه الإدانة لا تتأثر بمقدار المخدّر
الذي وحد عنده – فضلاً عن ذلك فإن لضابط البوليس الحق، وقد دخل المنزل بناء على إذن
صحيح من النيابة وشاهد بنفسه جريمة متلبساً بها وهي إحراز المخدّر، أن يباشر سلطة التفتيش
المخوّلة لرجال الضبطية القضائية طبقاً للقانون.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على المحكمة في الوجه الثاني أنها أخلت بحق دفاعه لأنه طلب
إحالة الدعوى إلى التحقيق لسؤال صابر إبراهيم وأشخاص آخرين عن الغرفة التي يسكنها صابر
المذكور وهل هي التي وجدت بها المخدّرات أم لا، ولكن المحكمة رفضت هذا الطلب معتمدة
على أقوال للمتهم الثاني عدل عنها وعلى أسباب وردت في الحكم الابتدائي فندها الطاعن
أمامها.
وحيث إنه يبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أنه عرض للطلب المشار إليه بوجه الطعن فقال
أن الحكم المستأنف رد عليه رداً كافياً، ثم أضاف إلى ذلك "أن المتهم الأول (الطاعن)
اعترف بتحقيق البوليس بالقسيمة نمرة 3773 بأن ما ضبط تحت البلاطة كله ملكه وأنه يتجر
فيه، ولما سئل أمام النيابة قال (إن المخدّرات التي ضبطت أخرجها البوليس من تحت البلاطة
في شقتي ويمكن صابر تاجر المخدّرات الذي كان ساكناً في الشقة قبلي تركها). وهذا يتنافى
مع قول الدفاع الآن بأن صابر إبراهيم خضر يسكن في الغرفة التي ضبطت فيها المخدّرات،
فلا ترى المحكمة موجباً للإحالة إلى التحقيق بعد ما ظهر لها من الأدلة القاطعة التي
في الدعوى أن المتهم هو الذي يقيم في هذه الغرفة. وفضلاً عن ذلك فإن طلب الإحالة إلى
التحقيق غير منتج أيضاً لأنه إذا فرض جدلاً وثبت من التحقيق أن صابر إبراهيم خضر يسكن
أو كان يسكن في هذه الغرفة فإن ذلك لا يغير شيئاً من موقف الاتهام بالنسبة للمتهم الأوّل
إذ الثابت أنه يعلم بوجود هذه المخدّرات مخبأة تحت البلاطة. يؤيد ذلك أقوال المتهم
الثاني الذي قرر برؤيته المتهم الأول يستحضر قطعة الحشيش التي ابتاعها منه من هذا المخبأ
وما أثبته الضابط المحقق من الأقوال التي بدرت من المتهم المذكور عند اكتشاف المخبأ
وإخراج المخدّرات".
وحيث إن هذا الذي ذكره الحكم يدل على أن المحكمة اقتنعت من عناصر الدعوى المطروحة أمامها،
ومنها اعتراف الطاعن نفسه بالتحقيقات، أنه هو الذي يسكن الحجرة التي وجد بها المخدّر،
ورأت بناء على ذلك أن التحقيق الذي طلبه الطاعن غير مفيد ولا مجد، فليس للطاعن إذن
أن يعيب على المحكمة عدم إجابتها طلبه، لأن من حق المحكمة أن تقدّر ذلك كله بدون أية
رقابة عليها. أما ما يقوله الطاعن من أنه فند الأدلة التي اعتمدت عليها المحكمة، وأن
المحكمة ارتكنت على أقوال عدل عنها قائلها – ما يقوله الطاعن هو مناقشة موضوعية تدور
حول التشكيك في الأدلة التي اعتمدت عليها المحكمة وأخذت بها مما لا يجوز إثارته أمام
محكمة النقض.
وحيث إن محصل الوجه الثالث والأخير أن بالحكم قصوراً بالأسباب التي بني عليها لأنه
لم يذكر الدليل الفني على أن المادة التي ضبطت وأدين الطاعن من أجلها تدخل في عداد
المخدّرات التي يعاقب عليها القانون.
وحيث إنه لا صحة لما جاء بهذا الوجه لأن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون
فيه ذكر – خلافاً لما يزعمه الطاعن – أنه تبين من تحليل عينات مما ضبط عند الطاعن أنها
أفيون وحشيش.
وحيث إنه لما تقدّم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.
