الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 996 سنة 8 ق – جلسة 21 /03 /1938 

مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1936 لغاية 30 أكتوبر سنة 1939) – صـ 172

جلسة 21 مارس سنة 1938

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمود المرجوشي باشا ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك المستشارين.


القضية رقم 996 سنة 8 القضائية

قتل. ضرب. سبب مباشر. قصد احتمالي. مسئولية المتهم.
(المادة 200 ع = 236)
متى ثبت أن الضرب الذي وقع من المتهم هو السبب الأوّل المحرّك لعوامل أخرى تعاونت – وإن تنوّعت – على إحداث وفاة المجني عليه، سواء أكان ذلك بطريق مباشر أم غير مباشر، فالمتهم مسئول جنائياً عن كافة النتائج التي ترتبت على فعلته مأخوذاً في ذلك بالقصد الاحتمالي إذ كان عليه أن يتوقع كل هذه النتائج الجائزة الحصول.


المحكمة

وحيث إن الطاعن بنى الوجه الأوّل من طعنه على أن المحكمة أخلت بحق دفاعه لأنه دفع أمامها بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه، ولكنها ردّت على ذلك ردّاً غير مقبول إذ قالت "إنه وإن كان بعض الشهود قد ذكر أنه رأى المتهم والمجني عليه متماسكين في مياه المسقى إلا أن الثابت من التحقيق وأقوال هؤلاء الشهود أن المجني عليه كان وقتئذ مصاباً وملوثاً وجهه بالدماء، الأمر الذي يدل على أن المتهم قد أحدث به هذه الإصابات قبل أن يقع معه في الماء، وإذاً فلا محل للقول بأن المتهم كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه". وهذا القول لا ينفي توافر حالة الدفاع الشرعي.
وحيث إنه يبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أنه عرض لما دفع به المتهم (الطاعن) من أنه كان في حالة دفاع شرعي ورد على ذلك بقوله: "أما القول بأن المتهم كان في حالة دفاع عن نفسه وقت أن أصاب المجني عليه بهذه الإصابات فقول في غير محله لأنه وإن كان بعض الشهود قد ذكر أنه رأى المتهم والمجني عليه متماسكين في مياه المسقى إلا أن الثابت من التحقيق وأقوال هؤلاء الشهود أن المجني عليه كان وقتئذ مصاباً وملوثاً وجهه بالدماء، الأمر الذي يدل على أن المتهم قد أحدث به هذه الإصابات قبل أن يقع معه في الماء. وإذاً فلا محل للقول بأن المتهم كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه".
وحيث إنه يظهر مما تقدّم أن المحكمة بحثت دفاع الطاعن وردّت عليه بما استخلصته من مدلول شهادة الشهود والتحقيق، ونفت بعبارة صريحة قيام حالة الدفاع الشرعي التي ادّعاها الطاعن لثبوت إصابة المجني عليه قبل أن يتماسك معه. فليس للطاعن إذاً أن يجادل أمام محكمة النقض في تقدير محكمة الموضوع للدليل الذي استندت إليه لنفي حالة الدفاع الشرعي، لأن تقدير هذا الدليل من شأنها وحدها ما دام يؤدّي إلى النتيجة التي رتبت عليه.
وحيث إن محصل الوجه الثاني أن المحكمة أخلت بحق دفاع الطاعن، كما أخطأت في تطبيق القانون. لأنه دفع أمامها بأن وفاة المجني عليه نشأت بسبب الحمرة وهي من المضاعفات التي نشأت عن إهمال الطبيب، والمحكمة سلمت بإهمال الطبيب الذي ترك المصاب بعد الإصابة مدّة ثلاثة أيام إلى خادم ليشرف على علاجه، إلا أنها ذكرت أن ميكروب الحمرة قد لوّث الجروح قبل أن يقع ذلك الإهمال الفاحش من الطبيب، وأن لا دخل لإهمال الطبيب في الوفاة لأن الحمرة متسببة عن الجروح. ويزعم الطاعن أن هذا القول من جانب المحكمة واضح الخطأ لأن مرض الحمرة لم يكن وحده سبباً كافياً للوفاة، إذ لولا هذا الإهمال الفاحش لأمكن الطبيب أن يتدارك الأمر بالعلاج في الوقت المناسب حتى بعد ظهور الحمرة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه، بعد أن تكلم عن الكشوف الطبية وذكر نقلاً عنها أن وفاة المجني عليه نشأت عن هبوط قلبي نتيجة تسمم دموي نتج عن الحمرة، عرض لما أثاره الدفاع من وقوع خطأ فاحش من الطبيب المعالج كان السبب في الوفاة لأن المجني عليه كان يباشر علاجه طبيب وتخلى عنه وقام بإجازة دون أن يكل أمر العلاج إلى طبيب آخر بل تركه إلى أحد الممرّضين – عرض الحكم إلى ذلك ورد عليه بقوله "إن المحكمة بناءً على طلب الدفاع قد ندبت طبيب أوّل مستشفى المنصورة للاطلاع على أوراق الدعوى والكشوف الطبية لإبداء رأيه في السبب المباشر للوفاة. وقد قرّر هذا الطبيب أن إصابة المجني عليه حصلت في يوم 3 مارس سنة 1937 والكشف الطبي وقع في يوم 4 وقد قام الطبيب المعالج بإجازته في يوم 7، وحدثت الوفاة في يوم 11 من نفس الشهر المذكور، وأن سبب الوفاة حمرة مضاعفة للإصابة، وأن الحمرة لا تظهر غالباً بعد حصول العدوى بالميكروب إلا بنحو ثلاثة أيام أو أربعة على الأقل، وأن إصابة المجني عليه بها قد تكون حدثت له في أوّل يوم من حدوث إصابته أو في ثالث يوم على الأكثر. وقد كان الطبيب المعالج موجوداً في هذا الوقت. وذكر الحكم مستنداً إلى رأي الطبيب المنتدب أن عدوى الحمرة حصلت أثناء مباشرة الطبيب المعالج علاج المجني عليه بنفسه، وأن وفاة المجني عليه كانت نتيجة مباشرة للإصابة التي أحدثها به المتهم وطرأت عليها مضاعفات الحمرة دون أن يكون للإهمال المنسوب للطبيب دخل فيها، كما ذكر أن القول من جانب الدفاع بأن عدم إيكال علاج المجني عليه إلى طبيب آخر أثناء غياب الطبيب المعالج أو عدم نقله إلى المستشفى له دخل في الوفاة قول في غير محله، ولا تأخذ المحكمة به، لأن الطبيب الذي ندبته المحكمة قرّر بالجلسة أنه لا يوجد حتى الآن علاج يمنع الإصابة بالحمرة، ولا يمكن اتخاذ أي احتياط لمنعها، وأن الحمرة التي أصيب بها المجني عليه من النوع السريع الذي أدّى إلى الوفاة العاجلة.
وحيث إن هذا الذي أثبته الحكم كاف لتحميل الطاعن المسئولية الجنائية عن الوفاة التي حصلت على أثر الضرب الذي أحدثه بالمجني عليه، لأنه متى ثبت أن الضرب الذي وقع منه هو السبب الأوّل المحرّك لعوامل أخرى تعاونت – وإن تنوعت – على إحداث وفاة المجني عليه، سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر، فهو مسئول جنائياً عن كافة النتائج التي ترتبت على فعله مأخوذاً في ذلك بقصده الاحتمالي، لأنه كان من واجبه أن يتوقع كل هذه النتائج الجائزة الحصول.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات