الطعن رقم 294 سنة 8 ق – جلسة 14 /03 /1938
مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة
النقض والإبرام في المواد الجنائية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1936 لغاية 30 أكتوبر سنة 1939) – صـ 161
جلسة 14 مارس سنة 1938
برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد كامل الرشيدي بك وأحمد مختار بك المستشارين.
القضية رقم 294 سنة 8 القضائية
اختصاص. حكم نهائي من محكمة الجنح بعدم اختصاصها بنظر القضية لكونها
جناية. تقديم القضية إلى قاضي الإحالة. جناية. جناية مقترنة بعذر من المنصوص عليه في
المادتين 60 و215 ع أو بظروف مخففة. شبهة جنحة أو مخالفة. واجب قاضي الإحالة في هذه
الصور.
(قانون 19 أكتوبر سنة 1925 والمادتان 60 و215 ع = 66 و251)
متى حكمت محكمة الجنح بعدم اختصاصها بنظر القضية المعروضة لديها لأن الواقعة جناية،
وأصبح حكمها نهائياً، فعلى النيابة أن تقدّم هذه القضية إلى قاضي الإحالة. فإن رأى
هو أيضاً أن الواقعة جناية أصدر أمراً بإحالتها على محكمة الجنايات، وإن رأى أنها جناية
مقترنة بأحد الأعذار المنصوص عليها في المادتين 60 و215 من قانون العقوبات أو بظروف
مخففة من شأنها تبرير عقوبة الجنحة أصدر أمراً بإحالة القضية إلى القاضي الجزئي المختص
للحكم فيها على أساس عقوبة الجنحة، وذلك في غير الأحوال المستثناة بقانون 19 أكتوبر
سنة 1925. أما إذا اختلف قاضي الإحالة مع محكمة الجنح فلم ير في الأفعال المسندة إلى
المتهم إلا شبهة الجنحة أو المخالفة فيجب عليه قانوناً أن يحيل القضية إلى محكمة الجنايات
ذات الاختصاص الأوسع لتفصل فيها بطريق الخيرة بين الجناية التي رأتها محكمة الجنح وبين
الجنحة أو المخالفة التي رآها هو. ولكن لا يجوز له قانوناً في هذه الصورة أن يحيل القضية
إلى محكمة الجنح للفصل فيها بطريق الخيرة بين الجناية والجنحة. فإذا هو فعل وقدّم المتهم
إلى المحكمة الجزئية فقضت بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها منها فإنها لا تكون
قد أخطأت. وإنما كان يجب على النيابة أن تطعن في قرار قاضي الإحالة بطريق النقض حتى
كان يمكن نقض قراره هذا ووضع الأمور في نصابها، أما وهي لم تفعل فقد سدت الطريق أمامها
للسير في الدعوى.
المحكمة
ومن حيث إن محصل وجهي الطعن أن محكمة الموضوع إذ قضت بعدم جواز
نظر الدعوى لسبق الفصل فيها قد تجاوزت حدود اختصاصها وبحثت في انطباق أو عدم انطباق
شروط القانون الصادر في 19 أكتوبر سنة 1925 بشأن جعل بعض الجنايات جنحاً مع أن هذا
من اختصاص قاضي الإحالة، ويجب على محكمة الجنح التسليم بما يقرّره قاضي الإحالة والاقتصار
على الحكم في موضوع القضية دون أن تبحث في الأسباب التي بنى عليها قاضي الإحالة قراره،
إذ البحث في ذلك والطعن في القرار المذكور إنما يجوز للنائب العام الذي له أن يطعن
فيه بطريق المعارضة أمام المحكمة الابتدائية منعقدة بهيئة غرفة مشورة. وتضيف الطاعنة
إلى ذلك أن نظر محكمة الجنح للجناية عند إحالتها إليها من قاضي الإحالة بمقتضى قانون
19 أكتوبر سنة 1925 لا يتعارض مع الحكم السابق صدوره منها بعدم الاختصاص لأن قرار الإحالة
هذا غيّر من حالة الجناية من جهة مقدار العقوبة وجعلها في مقدور محكمة الجنح.
ومن حيث إن الواقع في الدعوى الحالية حسب الثابت في الحكم المطعون فيه هو أن النيابة
العامة رفعت الدعوى العمومية على المتهم أمام محكمة الجنح طبقاً للمادة 274/ 8 عقوبات
لسرقة أربعة طرود شمام، فحكمت تلك المحكمة حكماً نهائياً بعدم الاختصاص لأن للمتهم
سوابق تجعل الواقعة جناية فقدّمته النيابة إلى قاضي الإحالة لإحالته إلى محكمة الجنايات
على هذا الأساس فقرر باعتبار الحادثة جنحة وإحالتها على محكمة اللبان الجزئية للفصل
فيها، وبنى قراره هذا على أن السابقة المحكوم فيها على المتهم بحبسه لمدّة سنة قد سقطت
ببراءة المتهم منها، وأن باقي السوابق لا تسمح باعتباره عائداً في حكم المادة 50 عقوبات.
فطعنت النيابة في هذا القرار أمام محكمة النقض، فحكمت بنقض القرار المطعون فيه وإعادة
القضية إلى قاضي الإحالة ليقرر بإحالتها إلى محكمة الجنايات للفصل فيها بطريق الخيرة
بين الجناية والجنحة. وعند نظر الدعوى من جديد أمام قاضي الإحالة قرر بإحالة القضية
على محكمة اللبان الجزئية للحكم فيها بطريق الخيرة على أنها جناية طبقاً للمواد 274/
8 و48/ 2 و50 عقوبات، والمادة الأولى من القانون رقم 5 لسنة 1908 وجنحة طبقاً للمواد
274/ 8 و38/ 3 و49 و277 عقوبات، فلم تطعن النيابة في هذا القرار بل نفذته وقدّمت المتهم
لمحكمة الجنح الجزئية، فحكمت بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها منها، وقالت في
حكمها إن محكمة الجنح قد تخلت عن ولاية الحكم في الدعوى بحكم حاز قوّة الشيء المحكوم
فيه، وقد تأيد هذا الحكم استئنافياً بالحكم المطعون فيه.
ومن حيث إن من مقتضى نصوص القانون أنه متى حكمت محكمة الجنح بعدم اختصاصها بنظر القضية
المعروضة لديها لأن الواقعة جناية وأصبح حكمها نهائياً تقدّم النيابة تلك القضية إلى
قاضي الإحالة، فإذا اتفق رأيه مع محكمة الجنح ورأى أن الواقعة جناية يصدر أمراً بإحالتها
على محكمة الجنايات، وإذا رأى أن الواقعة مع كونها جناية قد اقترنت بأحد الأعذار المنصوص
عليها في المادتين 60 و215 من قانون العقوبات أو بظروف مخففة من شأنها تبرير عقوبة
الجنحة يصدر أمراً بإحالة القضية إلى القاضي الجزئي المختص للحكم فيها على أساس عقوبة
الجنحة. وذلك في غير الأحوال المستثناة بقانون 19 أكتوبر سنة 1925. أما إذا اختلف قاضي
الإحالة مع محكمة الجنح ولم ير في الأفعال المسندة إلى المتهم إلا شبهة الجنحة أو المخالفة
وجب عليه قانوناً إحالة القضية على محكمة الجنايات ذات الاختصاص الأوسع لتفصل فيها
بطريق الخيرة بين الجناية التي رأتها محكمة الجنح وبين الجنحة أو المخالفة التي رآها
هو.
ومن حيث إن منطوق قرار الإحالة في الدعوى الحالية القاضي بإحالتها على محكمة الجنح
للحكم فيها بطريق الخيرة بين الجناية والجنحة يفيد أن قاضي الإحالة رأى أن الواقعة
جنحة وأنه غير متفق في الرأي مع محكمة الجنح التي قضت نهائياً بأنها جناية، فكان من
المتعين في هذه الحالة أن يحيل القضية على محكمة الجنايات طبقاً لما تقدّم بيانه، أما
وهو قد أحالها على محكمة الجنح فقد أخطأ في تطبيق القانون وخالف حكم محكمة النقض الذي
أنار له الطريق من قبل إذ ألغى قراره الأوّل الذي كان يقضي بإحالة القضية على محكمة
الجنح باعتبار أنها جنحة وأعاد الأوراق إليها ليحيلها إلى محكمة الجنايات للفصل فيها
بطريق الخيرة بين الجناية والجنحة.
ومن حيث إن استناد قرار الإحالة في إحالة القضية إلى محكمة الجنح للفصل فيها بطريق
الخيرة بين الجناية والجنحة إلى قانون 19 أكتوبر سنة 1925 لا يصحح الموقف بل هو يضيف
خطأ آخر إلى القرار. ذلك لأن تطبيق حكم قانون 19 أكتوبر سنة 1925 يؤدي إلى أن قاضي
الإحالة يرى أن الواقعة جناية وأنها اقترنت بأحد الأعذار المنصوص عليها في المادتين
60 و215 عقوبات أو بظروف مخففة من شأنها تبرير تطبيق عقوبة الجنحة، ولكن منطوق القرار
يفيد أنه رأى أن الواقعة جنحة فلا يمكن أن يشملها حكم ذلك القانون.
ومن حيث إن طعن النيابة قائم على أساس أن قرار الإحالة طبق قانون 19 أكتوبر سنة 1925
وأن محكمة الجنح ليس لها أن تنازع فيه على هذا الأساس.
ومن حيث إنه يبين مما تقدّم أن قرار الإحالة لم يبن على أن الواقعة جناية اقترنت بأحد
الأعذار القانونية أو بظرف مخفف بل هو صريح في اعتبارها جنحة إذ أحالها للفصل فيها
بطريق الخيرة بين الجناية والجنحة، ومن ثم تكون إشارته إلى قانون 19 أكتوبر سنة 1925
جاءت متناقضة مع منطوق القرار.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم جواز نظر الدعوى لم يخطئ لأن محكمة الجنح
لا تستطيع الفصل في الدعوى على أنها جناية إذ أنها ليست مختصة أصلاً بنظر الجنايات
ولم يحلها قاضي الإحالة على أنها جناية اقترنت بعذر أو بظرف مخفف. ولم يكن ليستطيع
ذلك لأنه يرى أن الحادثة جنحة لا جناية، وإذاً فلا محل لاستناد النيابة على نص قانون
19 أكتوبر سنة 1925 الذي يمنع محكمة الجنح من الحكم بعدم الاختصاص في القضايا المحالة
إليها بمقتضى هذا القانون، كما لا يمكن لمحكمة الجنح أن تحكم فيها على أساس أنها جنحة
إذ أنها قضت نهائياً بعدم اختصاصها بنظرها لأنها جناية.
ومن حيث إنه لما تقدّم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه. ومما تجب ملاحظته أنه
كان من واجب النيابة في الدعوى الحالية أن تطعن في قرار الإحالة المتقدّم الذكر بطريق
النقض حتى كان يمكن وضع الأمور في نصابها، أما وهي لم تفعل فقد سدّت الطريق أمامها
للسير في الدعوى.
